مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا

ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي  / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين  / مدونة قيقي  / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي

9 مصاحف

 

الخميس، 17 مايو 2018

1.نواسخ القرآن [يتضمن الكتاب مناقشة ما يزيد على 240 قضية قرآنية في 62 سورة] المؤلف : جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ)


نواسخ القرآن [يتضمن الكتاب مناقشة ما يزيد على 240 قضية قرآنية في 62 سورة]
المؤلف : جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى : 597هـ)
تحقيق : محمد أشرف علي المليباري، وأصله رسالة ماجستير - الجامعة الإسلامية - الدراسات العليا - التفسير - 1401هـ
ترقين الشاملة 
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
شكر وتقدير
الحمد لله وحده حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه ومن تمسك برشده.
أما بعد،
فيقول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} 1.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" 2.
فبناء على هذين المبدأين العظيمين يطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر وفائق الاحترام إلى فضيلة الشيخ عبد المحسن حمد العباد نائب رئيس الجامعة الإسلامية سابقاً، الذي أشرف على بحثي حوالي ثمانية أشهر، فتعاون معي في اختيار الموضوع والحصول على النسخ المخطوطة من الكتاب، وأرشدني إلى القيام برحلة علمية إلى بعض البلدان العربية كي أتزود لبحثي، فجزاه الله وتقبل منه، وشكر سعيه.
__________
1 الآية (40) من سورة النمل.
2 رواه أبو داود من حديث أبي هريرة. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 13/165 من كتاب الأدب.
(/)
كما أتقدم بخالص شكري وامتناني وعظيم تقديري وثنائي إلى فضيلة العلامة الدكتور أحمد إبراهيم مهنا، حفظه الله، المشرف المباشر على رسالتي إلى نهاية المطاف، فأعطاني من علمه الجزيل، وخلقه النبيل، وتوجيهاته الدقيقة وإرشاداته القيّمة الشيء الكثير ووهبني أوقاته النفيسة بدون تقييد زمان ومكان، فبذل قصارى جهده بكل إخلاص بإعادة النظر في كل ما أكتب لكي تخرج هذه الرسالة على أكمل وجه سليمة قيّمة يعم نفعها على الباحثين والدارسين، فجزاه الله أحسن ما يجزي به عباده المخلصين وتقبل منه جهده وإخلاصه ووهب له مزيداً من التوفيق، وأطال عمره في خدمة دينه.
كذلك أتوجه بالشكر الجزيل والثناء الحسن للشيخ العلامة حماد بن محمّد الأنصاري الذي كان يفيض عليّ من كنوز معلوماته ومن نوادر كتبه ومخطوطاته ما أسد به ثغوراً كثيرةً من ثنايا بحثي. فتقبل الله منه وشكر الله سعيه و إخلاصه.
كما أتوجه بالدعاء الخالص لسماحة الشيخ الدكتور مصطفى زيد رحمه الله المدرّس بالدراسات العليا سابقاً، وصاحب كتاب (النسخ في القرآن الكريم) الذي شجعني إلى اختيار هذا الموضوع وأفادني كثيراً خلال تدريسه، فغفر الله له وجعل جهده الخالص صديق خير له في مرقده ومأواه إلى يوم الدين.
(/)
وأخيراً أتوجه بالشكر وفائق الاحترام والتقدير إلى جميع الإخوة الذين ساعدوني وتعاونوا معي على إنجاز بحثي وأداء مهمتي بخدماتهم الخالصة من موظفي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورّة، وبخاصة موظفوا الدارسات العليا.
والله أسأل أن يتقبل من الجميع خدماتهم وتعاونهم وأن يوفقهم للعمل الدائب المستمر في التعاون على البرّ والتقوى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
محمّد أشرف عليّ المليباري
(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على رسوله المبين للناس ما نزل إليهم، وعلى آله وصحبه الذين اتخذوا سبيله شرعة ومنهاجا.
أما بعد:
فإن القرآن الكريم هو أعظم رسالة سماوية وأعلاها مكانة، وأجلّها معجزة، وأكملها نظاما ومنهجا، وقد تولى الله سبحانه وتعالى حفظه بقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وكان هذا الوعد الإلهي مزية للقرآن الكريم من بين الكتب السماوية، حيث بدلت تلك وحرفت، والقرآن ما زال ولم يزل أهله يحفظونه في صدورهم ومصاحفهم، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار وينفذونه جيلا بعد جيل، في حياتهم الفردية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، بل وفي جميع جوانب الحياة البشرية، ويتفرغ عبر القرون ثلة من خيارهم لدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه، ومعرفة ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، والاعتبار بدعوته وقصصه، ووعظه وإرشاداته، بل ولأجل هذا الكلام المعجز يتوسعون في العلوم والفنون الأخرى كي يتمتعوا ببلاغته وفصاحته، وإعجازه، ولكي يظهروا الفرق الشاسع بين كلام الخالق والخلق، فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا ويدور حولها بحث بألسنة الباحثين والمؤلفين وأقلامهم.
وقد شرف الله بهذا الكلام المعجز للعالم محمدا خاتم النبيين، وجعله مبينا لما أجمل فيه وشارحا ما يحتاج إلى الشرح بقوله: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } وجعل عبء مسئوليته وثقل رسالته من بعده على عاتق أمته وكاهل علمائها، وهم الوارثون رسالته حيث يقول: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي }
(1/1)
فكان كل فرد من مخلصي هذه الأمة وعلمائها يتنافس مع غيره في أخذ نصيبه من الميراث، ويسابق الآخرين للاشتراك في أداء الرسالة، وكان العلامة المحقق والفهامة المدقق فريد عصره ووحيد دهره جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي القرشي، رحمه الله رحمة واسعة، واحدا منهم، فقد جاهد في سبيل الله بلسانه وقلمه وألّف في شتى الفنون حوالي (380) كتابا حسب ما وصل إليه العلم، ومعظم مؤلفاته كانت مهملة تأكلها الأرضة والتراب. وكان من بينها كتاب لطيف فريد في نوعه "نواسخ القرآن" وها هو اليوم بعون الله وتوفيقه يظهر من عالم المخطوطات ليكون في متناول الدارسين والباحثين، وذلك لأول مرة بعد غيابه حوالي ثمانية قرون عرضة للعث والأرضة، فلله الحمد والمنة.
أهمية هذا الموضوع:
إن موضوع هذا الكتاب الذي بين يديك، وهو نواسخ القرآن، أو الناسخ والمنسوخ في القرآن من أهم الموضوعات وأجلّها قدرا في شريعتنا الغراء، لأن مدار هذا الدين كتاب الله سبحانه وتعالى، فما ثبت فيه محكما غير منسوخ نفذناه، وعملنا به، وما كان منسوخا منه لم نعمل به ومعرفة ذلك مهمة كبيرة ومسئولية عظيمة، وهي في نفس الوقت شاقة جدا لا يستطيع الإنسان الحكم فيها بعقله وتفكيره مهما كان ولا يمكن ذلك إلا بنقل صحيح ثابت عن صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، ولا مجال للعقل أو الاجتهاد فيها، كما لا يجوز للإنسان أن يتصرف في مثل هذا الموضوع الحساس، بآرائه البحتة غير مستند إلى كتاب الله أو سنة رسوله، - صلى الله عليه وسلم - أو أقوال الصحابة المحكية عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - بسند صحيح ثابت خال من الجرح والعلة.
(1/2)
لذا كان السلف الصالح يرى معرفة الناسخ والمنسوخ شرطا في أهلية المفسر للتفسير والمحدث للحديث، وقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، لا يرضون لأحد أن يتحدث في الدين إلا إذا كان عارفا وعالما بالناسخ والمنسوخ من القرآن (1) وقد جاء في الأثر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، بأنه كان يفسر قوله تعالى { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } بأن الحكمة معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله (2).
يقول يحيى بن أكثم التميمي، رحمه الله، وهو أحد عظماء السلف المتوفى سنة 242هـ: (ليس من العلوم كلها علم هو أوجب على العلماء وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهي إليه، فالواجب على كل عالم، علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله، أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله) (3).
__________
(1) أخرج نحوه النحاس في ناسخه (5) من طرق متعددة عن علي، رضي الله عنه، كما ذكره هبة الله بن سلامة في ناسخه (4) عن علي وابن عمر وابن عباس، رضي الله عنهم، وأورد نحوه الهيثمي أيضا في مجمع الزوائد 1/154، ثم عزاه إلى الطبراني في الكبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما.
(2) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 3/60، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط الجزء الأول ورقة (210) عن ابن عباس، رضي الله عنهما.
(3) - انظر: جامع بيان العلم وفضله للحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي 2/35.
(1/3)
ويقول الإمام ابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456هـ: (لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين، لأن الله - عز وجل - يقول: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ } وقال تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } فكل ما أنزل الله في القرآن، وعلى لسان نبيه فرض اتباعه. فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ، فقد أوجب أن لا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة، وخلاف مكشوف إلى أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفتر مبطل...) (1).
ويقول ابن الحصار علي بن محمد الأنصاري المتوفى سنة (611هـ) (2) (إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا.
قال: وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر، قال: ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين، من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده، - صلى الله عليه وسلم - والمعتمد فيه النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد، قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول. ومن متساهل: يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد والصواب خلاف قولهما) (3).
ولعلنا بهذا نكون قد اطلعنا على صورة صادقة عن خطورة هذا الموضوع وعلى مدى اهتمام العلماء به سلفا وخلفا.
__________
(1) - انظر: الإحكام في أصول الإحكام لابن حزم 4/458.
(2) - انظر: ترجمة ابن الحصار في التكملة لوفيات النقلة للمنذري رقم (1359) وفيه أن زكي الدين ابن المنذري سمع منه كتابه في ناسخ القرآن ومنسوخه.
(3) - انظر: كلام ابن الحصار في الإتقان للسيوطي 2/24.
(1/4)
ويأتي من بعدهم عالم معاصر وهو الشيخ عبد العظيم الزرقاني فيلخص ما ذكره العلماء في أهمية هذا الموضوع في كتابه مناهل العرفان، فيقول:
أولا - هذا الموضوع كثير التعاريج متشعب المسالك طويل الذيل.
ثانيا- هو مثار خلاف شديد بين العلماء الأصوليين القدامى والمحدثين.
ثالثا- أن أعداء الإسلام كالملاحدة والمستشرقين والمبشرين قد اتخذوا من النسخ أسلحة مسمومة طعنوا بها في صدر الدين الحنيف، ونالوا من قدسية القرآن واجتهدوا في إقامة الحجج البراقة ونشروا شبهاتهم ونالوا من مطاعنهم حتى سحروا عقول بعض المنتسبين إلى العلم من المسلمين فجحدوا وقوع النسخ.
رابعا- أن إثبات النسخ يكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله تعالى في تربية الخلق وسياسته للبشر وابتلائه للناس بتجديد الأحكام مما يدل بوضوح على أن محمدا، - صلى الله عليه وسلم - النبي الأمي لا يمكن أن يكون مصدرا لمثل هذا القرآن، إنما هو تنزيل من حكيم حميد.
خامسا- بمعرفة ذلك يهتدي الإنسان إلى صحيح الأحكام وينجو عن نسخ ما ليس بمنسوخ حين لا يجد التعارض بين الآيتين، لذا اعتنى السلف بهذه الناحية يحذقونها ويلفتون أنظار الناس إليها ويحملونهم عليها، انتهى بتصرف (1).
المؤلفون في هذا العلم قديما وحديثا:
سبق أن قلنا، أن علماءنا الأجلاء قد أعطوا اهتماما بارزا لموضوع النسخ، ويظهر ذلك من خلال مؤلفاتهم حيث لا نكاد نرى معظم مفسري القرآن إلا وقد اهتموا بموضوع النسخ وألفوا فيه.
يقول الزركشي في البرهان عن علم النسخ: والعلم به عظيم الشأن وقد صنف فيه جماعة كثيرون منهم قتادة بن دعامة السدوسي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو داود السجستاني وأبو جعفر النحاس، وهبة الله بن سلامة الضرير وابن العربي، وابن الجوزي وابن الأنباري، ومكي وغيرهم (2).
__________
(1) - انظر: مناهل العرفان 2/69 - 71.
(2) - انظر: البرهان للزركشي 2/28.
(1/5)
ويورد الداودي في طبقات المفسرين أسماء أربعة وثلاثين كتابا ألف في علم النسخ (1) بيد أن معظم تلك الكتب مفقودة اليوم أو لم تظهر بعد من عالم المخطوطات. وأما المطبوعة منها فقليلة تعد بالأصابع.
وقبل أن نتعرف عليها وعلى مؤلفيها علينا أن نقدر اشتراك الإمام الشافعي في هذا العلم حيث يعتبر هو (من أول من تكلم في موضوع النسخ، وهو وإن لم يؤلف كتابا مستقلا في الموضوع لكنه ناقش نسخ القرآن ضمن رسالته على منهج علمي وأثبت وقوعه وبين مدلوله مستدلا من الكتاب والسنة) (2).
الكتب المطبوعة:
1- معرفة الناسخ والمنسوخ، للإمام محمد بن حزم (ليس هو ابن حزم الظاهري المعروف) إنما هو شخص آخر توفي قبله بمائة وست وثلاثين سنة (3) وهو أنصاري أندلسي محدث، لكنه مع جلالة قدره لدى المحدثين فقد وجدناه في كتابه يسرف في القول بالنسخ من غير أن يستند إلى أي دليل نقلي أو عقلي، وقد بلغ عدد الآيات المنسوخة عنده، بآية السيف فقط مائة وأربع عشرة آية في ثمان وأربعين سورة (4) وكتابه هذا مطبوع بمصر على هامش تفسير "تنوير المقباس" المنسوب إلى ابن عباس سنة (1380هـ) كما طبع أيضا بمصر على هامش "تفسير الجلالين"، ولم يؤرخ.
__________
(1) - انظر: طبقات المفسرين للداودي 2/569-570.
(2) - انظر: مناقشة الإمام الشافعي لموضوع النسخ في رسالته بتحقيق أحمد شاكر 2/569-570.
(3) - وهو محمد بن أحمد بن حزم بن تمتام بن مصعب بن عمرو بن عمير بن محمد بن مسلمة الأنصاري يكنى أبا عبد الله، مات قريبا من سنة 320هـ (ذكر ذلك عبد الرحمن بن أحمد الصيرفي) انظر: جذوة المقتبس للحميدي، ص 39.
(4) - انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ في هامش تفسير ابن عباس، ص 316.
(1/6)
2- كتاب الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس المرادي النحوي المتوفى سنة (338هـ) (1) هذا الكتاب يعتبر من أفضل ما وصل إلينا من الكتب المتقدمة في علم النسخ. وقد أجاد مؤلفه، رحمه الله، في عرض الآيات الناسخة والمنسوخة حيث أثبت ما ادعى فيه النسخ وعكسه بذكر الأسانيد غالبا، ويقوم بترجيح دعوى النسخ أو الإحكام حينا، وهو كثير ويقف موقف المحايد حينا آخر. وذلك إذا وجد ما يرجح إحدى الطرفين أو يؤيد كليهما. ويورد ابن الجوزي في هذا الكتاب نقولا كثيرة من كلام النحاس يعضد بها رأيه ويؤكد بها إحكام الآية، طبع هذا الكتاب بمصر سنة 1323هـ.
3- الناسخ والمنسوخ، للإمام هبة الله بن سلامة الضرير المتوفى (410هـ) (2) وهو مع شهرته لدى المفسرين ومكانته في أوساط العلماء، نراه يسلك مسلك ابن حزم في معالجة قضايا النسخ حيث أورد في كتابه مائة وأربع عشرة آية منسوخة بآية السيف، كما ذكر من الآيات التي ادعى فيها النسخ مائتين وأربعا وثلاثين آية في خمس وستين سورة ولم يورد الأدلة والآثار إلا نادرا، ولو أورد لا يذكر لها إسنادا ولكنه ذكر في آخر كتابه أهم مصادره، بأسانيدها ومعظم تلك الأسانيد لا يخلو من المطاعن، وهو كتاب مطبوع بمصر سنة (1387هـ).
__________
(1) - ستأتي ترجمته بالتفصيل عند أول ذكر له في الكتاب إن شاء الله.
(2) - ستأتي ترجمته عند أول ذكر له في مقدمة المؤلف، إن شاء الله.
(1/7)
4- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، للإمام أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي، رحمه الله، المتوفى سنة (437هـ) (1) وكتابه المذكور جليل القدر لا ينقص في الفضل عن كتاب النحاس، إلا أنه مع قيامه بمعالجة وقائع النسخ معالجة جدية، لا يتعرض إلى ذكر الأسانيد بل يكتقي بعزو الآراء إلى القائلين بها، ويرجح حينا ما يرتضيه من الآراء مؤيدا وجهة نظره. وقد حقق هذا الكتاب فضيلة الدكتور أحمد حسن فرحات، وطبع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة 1396هـ.
5- الموجز في الناسخ والمنسوخ، للحافظ المظفر بن الحسين بن زيد بن علي بن خزيمة الفارسي، رحمه الله، هذا الكتاب مطبوع في آخر كتاب النحاس سنة 1323هـ بمصر.
ولا نرى، فيه إلا سردا للآيات الناسخة وعدا للآيات المنسوخة بغض النظر عن الأدلة. فهو إذًا كنسخة أخرى لكتابي ابن حزم وابن سلامة لا يغني من جوع، مع أن مؤلفه مجهول لم أجد له ترجمة إلا في غلاف الكتاب، ويقول في آخر كتابه: "أنه استخرج هذا الكتاب من خمسة وسبعين كتابا من كتب الأئمة المقرئين، رحمة الله عليهم، المنقول عنهم بالأسانيد الصحيحة) (2).
__________
(1) - اسم أبي طالب (أبيه) محمد، ويقال له حموش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي القيرواني الأصل النحوي اللغوي المقرئ كان إماما عالما بوجوه القراءات متبحرا في علوم القرآن فقيها اديبا متفننا وكان راسخا في علم القرآن ألف في ذلك كتبا كثيرة، منها الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، انظر: معجم الأدباء 19/167 - 171.
(2) - انظر: الصفحة الأخيرة 276، من الكتاب المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس.
(1/8)
6- الناسخ والمنسوخ، للإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله الإسفرائيني العامري الشفعوي، رحمه الله، طبع هذا الكتاب في الأستانة، سنة (1290هـ) وألحق مع لباب النقول للسيوطي، ومؤلفه لم أعثر على ترجمته بعد فيما راجعت من كتب التراجم ويوجد اسمه المذكور على غلاف الكتاب، وهو أيضا يورد أقوال النسخ عن العلماء بدون إسناد ربما يذكر آثارا ولم يسند (1).
هذه الكتب المتقدمة هي التي عثرت عليها مطبوعة حتى اليوم في علم النسخ في القرآن الكريم، وقد صدرت في الآونة الأخيرة عدة كتب في الموضوع، منها:
- النسخ في القرآن الكريم: للدكتور مصطفى زيد، رحمه الله، الأستاذ بقسم التفسير بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية سابقا، وهو كتاب جدير بالذكر والاهتمام، وقد تصدى فيه المؤلف لعرض الآيات المدعى عليها النسخ، وناقشها مناقشة جدية مفيدة مع ذكر الأدلة بالأسانيد، وقام برد وقائع النسخ التي لم تثبت عن النبي، - صلى الله عليه وسلم - ولم تنقل عن الصحابة بسند صحيح، وأبدى أثر كل آية وجهة نطره في دعوى النسخ حتى وصل إلى نهاية المطاف فعين بابا خاصا في وقائع النسخ في القرآن الثابتة بالأدلة الصحيحة وحصرها في ست آيات فقط (2) ومنها:
- كتاب فتح المنان في نسخ القرآن، للشيخ علي حسن العريض مفتش الوعظ في الأزهر، وهو وإن لم يعالج الموضوع بشكل واسع وشامل إلا أنه عرض موضوع النسخ عرضا تاريخيا نقديا ثم أورد في نهاية البحث بعض الآيات المدعى عليها النسخ فنقض معظمها بما يدعم رأيه مشيرا بذلك إلى أن معظم ما ادعى فيه النسخ في القرآن دعوى بلا دليل (3).
__________
(1) - انظر: فهرس مكتبة الأزهر 1/195؛ والنسخ في القرآن الكريم فقرة (549).
(2) - انظر: النسخ في القرآن الكريم من فقرة 1208- 1262، وهو مطبوع في مجلدين ببيروت سنة 1383هـ، 1963م.
(3) - طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمصر (سنة 1973)م.
(1/9)
ومنها كتاب "نظرية النسخ في الشرائع السماوية" لفضيلة الدكتور شعبان محمد إسماعيل المدرس بجامعة الأزهر (1).
وقد عالج موضوع النسخ في كتابه كنظرية فقط، ولم يتعرض لمناقشة قضايا النسخ في آية أو حديث من حيث الوقوع أو عدمه بل اكتفى بعرض أقسام سور القرآن باعتبار وجود النسخ فيها ثم نقل عن الإمام السيوطي الآيات التي يراها منسوخة في الإتقان. وجاء في نهاية المطاف فعقد بابا تحت عنوان "الآيات التي نسختها آية السيف" فأورد فيه خمسين آية ادعى فيها النسخ ابن خزيمة الفارسي في كتابه الموجز في الناسخ والمنسوخ، السالف ذكره (2) ولم يقم الدكتور شعبان بالمناقشة أو الاعتراض عليها بل تركها كقضية مسلمة لديه (3).
ومنها: كتاب النسخ بين الإثبات والنفي، للدكتور محمد محمود فرغلي، وهو يقع في مبحثين في مجلد واحد، يعالح فيه قضية النسخ من حيث الخلاف الحاصل بين المثبتين للنسخ والنافين له ذاكرا ما يثبت رأي كل مرجحا ما يرجحه الدليل، بيد أنه لا يناقش وقائع النسخ من حيث وقوعه في آية ما أو عدم وقوعه (4).
ومنها: "النسخ في الشريعة الإسلامية كما أفهمه" للشيخ عبد المتعال الجبري، وقد تصدى فيه مؤلفه -هداه الله- إلى إنكار جميع وقائع النسخ في الإسلام، وهو رسالة صغيرة الحجم، ومن أبرز عناوينه:
1- لا منسوخ في القرآن، ولا نسخ في السنة المنزلة.
2- أبدع تشريع قيل أنه منسوخ.
__________
(1) - طبع هذا الكتاب في مطابع النجوى -عابدين- القاهرة، ولم يؤرخ.
(2) - انظر فيما سبق.
(3) - انظر: من كتاب "نظرية النسخ في الشرائع السماوية"، ص 170-200.
(4) - طبع هذا الكتاب بمجلد واحد بمصر سنة 1396هـ، 1976م.
(1/10)
يناقش فيه بعض وقائع النسخ فينقض، وينكر وقوعه في القرآن زاعما: أن فيه نسبة للجهل أو التجهيل لله سبحانه وتعالى وهو منزه عن ذلك (1) كأنه في ذلك أراد أن يتبع مسلك أبي مسلم الأصفهاني (2) -إن صح عنه ذلك- حيث قيل: إنه كان يرى جواز النسخ عقلا وينكر وقوعه سمعا، وقد أورد جماعة خلاف أبي مسلم بأنه كان خلافا لفظيا فقط، فقال ابن دقيق العيد: نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ، لا بمعنى أن الحكم الثابت لا يرتفع، بل بمعنى أنه ينتهي بنص دل على انتهائه، فلا يكون نسخا (3).
وقد قام برد كل ما اقترحه الجبري في كتابه لإنكار النسخ، صاحب كتاب: "النسخ بين الإثبات والنفي" في خلال اثنتي عشرة صفحة وأجاد في ذلك فليرجع إليه من شاء (4).
وهناك بعض العلماء عالجوا وقائع النسخ بلا إفراط ولا تفريط، وذلك ضمن كتبهم المؤلفة في علوم القرآن.
منهم: عالم القرن العاشر الإمام جلال الدين السيوطي، رحمه الله، حيث اختصر الآيات المدعى عليها النسخ في كتابه الإتقان في علوم القرآن إلى ما يقارب عشرين آية، وأنشد:
قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد ... وأدخلوا فيه آيا ليس تنحصر
وهاك تحرير آي لا مزيد لها ... عشرين حررها الحذاق والكبر
__________
(1) - طبع هذا الكتاب في مجلد واحد بمطبعة دار الجهاد بمصر سنة (1380هـ).
(2) - وهو أبو مسلم الأصفهاني المفسر اسمه محمد بن بحر المتوفى سنة (322هـ) وقد جمع الشيخ سعيد الأنصاري عالم من علماء الهند في كتابه "ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل" المطبوع بكلكتا سنة 1330هـ، الآيات التي أولها أبو مسلم لينفي أنها منسوخة.
(3) - انظر: ما قاله الشوكاني عن رأي أبي مسلم في النسخ والرد عليه في إرشاد الفحول، ص 162.
(4) - انظر: كتاب النسخ بين الإثبات والنفي، في الرد على كتاب عبد المتعال محمد الجبري من 112 - 114، في القسم الأول منه.
(1/11)
فذكر تلك الآيات مع خلاف في بعضها (1).
ومنهم الشيخ أحمد شاه ولي الله الدهلوي شيخ الحديث في الهند في زمانه، وصاحب كتاب حجة الله البالغة، المتوفى سنة 1179هـ فقد ألف كتابا في علوم القرآن باسم "الفوز الكبير" وأنكر فيه على كل من يسرف بالقول في النسخ، ثم اختصر وقائع النسخ في القرآن في خمس آيات فقط مبينا الأدلة ووجهة نظره فيها، بعد أن أورد الآيات التي ذكرها السيوطي في الإتقان ضمن المنسوخة، ونقض منها ما يرى فيه النقض (2).
ومنهم محمد عبد العظيم الزرقاني، صاحب كتاب مناهل العرفان حيث أورد في كتابه بعض وقائع النسخ التي اشتهرت أنها منسوخة، وهي حوالي اثنتين وعشرين واقعة، وقام بالترجيح منها حوالي تسع آيات فقط (3).
تلك هي الكتب المطبوعة المعروفة لدينا حتى اليوم في علم النسخ في القرآن، وهناك رسائل أخرى صدرت حديثا تناقش موضوع النسخ ولا داعي لذكرها هنا؛ لأنها -كما يبدو حسب اطلاعي- لم تأت بشيء جديد في الموضوع إنما هي إعادة لما كتب وذكر مسبقا، والله أعلم.
الكتب المخطوطة:
أما الكتب المخطوطة في موضوع النسخ في القرآن فهي كثيرة، سأذكر منها ما عثرت عليها ووفقني الله للاطلاع عليها خلال رحلتي العلمية إلى بعض البلدان العربية، أو ما تأكدت من وجودها في المكتبات العالمية، بغية أن ينتفع بها الباحثون الذين يعملون لإحياء التراث الإسلامي.
__________
(1) - انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/23، المطبوع ببيروت ولم يؤرخ.
(2) - طبع هذا الكتاب في مقدمة كتاب "إرشاد الراغبين" بدمشق سنة 1346هـ.
(3) - انظر: مناهل العرفان 2/152 - 161، المطبوع بمصر سنة 1362هـ بمطبعة عيسى الحلبي.
(1/12)
1- الناسخ والمنسوخ في كتاب الله، للإمام قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117هـ (1). سبق أن ذكرنا عن الزركشي بأن قتادة في مقدمة الذين ألفوا في الناسخ والمنسوخ في القرآن، وقد ذكر هبة الله بن سلامة أن كتاب قتادة من المصادر التي استمد منها كتابه وأن راوي كتاب قتادة عنه هو سعيد -يقصد- سعيد بن أبي عروبة (2). يوجد جزء من الكتاب المذكور في المكتبة الظاهرية تحت رقم (7899) ورقة (67) (3).
2- الناسخ والمنسوخ، لعبد القاهر البغدادي المتوفى سنة (429هـ) (4) وهو يقع في ثمانية وسبعين ورقة، يوجد له نسخة في ميكروفيلم في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (265)، عمومية (445)، كتب سنة (612هـ) (5).
3- الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ، لعبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي يوجد منه نسخة بالجامع الكبير بصنعاء تحت رقم (43 تفسير) ورقة (28) ولعله مختصر لكتابه السابق ذكره (6).
__________
(1) - ستأتي ترجمته عند أول ذكر له في الكتاب، إن شاء الله.
(2) - انظر: الناسخ والمنسوخ، لهبة الله (106).
(3) - انظر: تاريخ التراث العربي، لفؤاد سسكين 1/52؛ وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية 1/404.
(4) - وهو أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الفقيه الأصولي الشافعي الأديب، كان ذا مال وثروة وأنفقه على أهل العلم والحديث، ولم يكتسب بعلمه مالا، درس في سبعة عشر فنا وكان ماهرا في علم الحساب توفي سنة (429هـ) بمدينة إسفراين. انظر: وفيات الأعيان 2 رقم الترجمة (365).
(5) - انظر: فهرس جامعة الدول العربية، ص 48، رقم (265).
(6) - انظر: فهرس مخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء، ص 21، في قسم علوم القرآن.
(1/13)
4- الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه، لأبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي المتوفى سنة (520هـ) (1) وقد ذكر فيه أنه روى هذا الكتاب عنه أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود المتوفى سنة (598هـ) وجدت هذا الكتاب في الخزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية في ميكروفيلم يبلغ عدد أوراقها (25) وقد صورت منه نسخة لنفسي عام 1398هـ وهو يقع في الخزانة تحت رقم (1015 تفسير) (2).
5- كتاب ناسخ القرآن، لشرف الدين عبد الرحيم الحموي المعروف بابن البازي المتوفى سنة 738هـ يقول في مقدمة كتابه أنه جمع فيه جميع الآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن -ويوجد له نسخة فى المكتبة الظاهرية تحت رقم (5881) مكتوبة بالحبر الأحمر (3).
6- ناسخ القرآن ومنسوخه، لعلي بن شهاب الدين حسن بن محمد الحسيني الهمداني المتوفى سنة (789هـ) هو رسالة مختصرة تقع في المكتبة الظاهرية تحت رقم (4425) كتبت سنة (907هـ) بقلم تاج الدين محمد بن زهرة الحلبي (4).
7- جواب الناجي عن الناسخ والمنسوخ، للشيخ برهان الدين الناجي، المتوفى سنة (900هـ) يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية تحت رقم مجاميع (207) كتبت سنة (1316هـ) (5).
8- قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ في القرآن، للشيخ مرعي بن يوسف بن قدامة المتوفى سنة (1033هـ) وله عدة نسخ:
__________
(1) - وهو أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد بن عبد الله السعيدي الصوفي المصري نحوي لغوي، عُمِّرَ مائة عام وثلاثة أشهر، له مؤلفات في النحو واللغة، توفي سنة 520 يقول في مقدمة كتابه أنه ألفه للملك الأفضل أمير الجيوش. انظر: إنباء الرواة، رقم الترجمة (607).
(2) - انظر: فهرس المخطوطات، جامعة الدول العربية، ص 32.
(3) - انظر: فهرس مكتبة الظاهرية 1/404.
(4) - المصدر نفسه 1/403.
(5) - فهرس الخزانة التيمورية 1/239.
(1/14)
(أ) بخزانة دار الكتب في القاهرة تحت رقم (13051ب)، أوراقها (139) (1).
(ب) بالخزانة العامة للكتب والوثائق في المغرب تحت رقم (1882د) (2).
(ج) مكتبة جامع الأزهر تحت رقم (58) كتبت سنة (1022هـ) (3).
(د) في الخزانة التيمورية تحت رقم (586) (4).
9- فوائد قلائد المرجان وموارد منسوخ القرآن، للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي، أيضا يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية، تحت رقم (المجاميع 106) عدد صفحاتها (205) (5).
10- إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه من القرآن، للشيخ عطية الله البرهاني الشافعي، فقيه فاضل من أهل أجهور، تعلم وتوفي بالقاهرة سنة (1190هـ)، يوجد لكتابه نسخة مخطوطة في الخزانة التيمورية تحت رقم (42) تفسير (6).
11- الناسخ والمنسوخ، للإمام القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن علي العامري، منه نسخة في المكتبة الأزهرية تحت رقم (المجاميع 736) ورقة (27) (7).
12- الناسخ والمنسوخ في القرآن عن ابن شهاب الزهري، تأليف أبي عبد الرحمن الحسين بن محمد، منه نسخة كتبت في القرن السابع تقريبا، بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (264) وفي دار الكتب المصرية تحت رقم (1084) تفسير (8).
__________
(1) - انظر: فهرس المخطوطات بدار الكتب 3/148.
(2) - انظر: فهرس المخطوطات العربية في الخزانة العامة بالمغرب، ص 31.
(3) - فهرس المكتبة الأزهرية 1/195.
(4) - فهرس خزانة التيمورية 1/240، وأما مؤلف هذا الكتاب فهو المعروف بالكرمي صاحب مؤلفات عديدة، مؤرخ أديب من كبار فقهاء الحنابلة ولد بطول كرم بفلسطين، وتوفي في القاهرة سنة 1033هـ.
(5) - انظر: فهرس الخزانة التيمورية 1/222.
(6) - المصدر نفسه، ص 240.
(7) - فهرس المكتبة الأزهرية 1/195.
(8) - فهرس المخطوطات المصورة بجامعة الدول العربية 1/48.
(1/15)
13- التبيان للناسخ والمنسوخ، لعبد الله بن حمزة بن النجم الصعدي منه نسخة بالجامع الكبير بصنعاء، كتبت سنة (1350هـ) عدد أوراقها (19) يقع تحت رقم (4) أصول الفقه (1).
14- صفوة الراسخ في علم المنسوخ، للشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد الحسين الموصلي يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية ضمن مجموعة رقم (737/225 تفسير)، عدد صفحاتها (129) (2).
15- عمدة البيان في زبدة نواسخ القرآن، للشيخ محمد الرشيدي، يوجد منه نسخة في الخزانة التيمورية تحت رقم (مجاميع 127) كتب بخط مؤلفه سنة (1291هـ) (3).
16- البيان في الناسخ، للشيخ محمد بن عبد الله بن أبي النجم، يوجد نسخة منه بالجامع الكبير بصنعاء كتبت سنة (1048هـ) عدد أوراقها (20) يقع تحت رقم (76) (4).
17- وقد عثرت على كتاب صغير الحجم كبير الفائدة باسم مختصر عمدة الراسخ، وهو لمؤلفنا العلامة ابن الجوزي، سوف أذكره إن شاء الله عند ذكر أوصاف النسخ المخطوطة لغلبة ظني أنه مختصر لكتابنا هذا.
__________
(1) - فهرس المخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء(6).
(2) - فهرس الخزانة التيمورية 1/240.
(3) - المصدر نفسه.
(4) - فهرس المخطوطات المكتبة العربية بالجامع الكبير بصنعاء (6).
(1/16)
وهناك رسائل أخرى مخطوطة في النسخ لم يعلم مؤلفوها، فعلى الرغم من وجود هذه الكتب العديدة، فأنا لا أريد أن أقف عندها وقفة الدارسين، لأن معظم هذه الكتب التي وفقني الله للاطلاع عليها، امتداد للاتجاه الذي بدأه ابن حزم الأنصاري وهبة الله بن سلامة في كتابيهما. وأما كتاب قتادة -وهو الأقدم منها إطلاقا- فلم يصل إلينا منه إلا جزء قليل، كما صرح بذلك فهرس المكتبة الظاهرية، إلا أن كتاب عبد القاهر البغدادي، يمتاز كثيرا عن غيره، حيث يعالج موضوع النسخ على منهج جديد ومفيد، غير أنه مثل مكي بن أبي طالب لا يذكر إسنادا عند ذكر أقوال السلف، بل يكتفي بذكر أسمائهم وعزو الأقوال إليهم، وهو كتاب جدير بالدراسة في موضوعنا، وقد رشحه الدكتور مصطفى زيد لتحقيقه ونشره كما رشح كتابنا هذا لميزتهما على الكتب الأخرى (1).
سبب اختياري لهذا الموضوع:
في مستهل السنة الدراسية المنهجية بالدراسات العليا كنت أبحث هنا وهناك كي أحصل على موضوع لرسالتي يكون له البروز اللامع في الأوساط العلمية وقد تم اختياري في أول الأمر على تحقيق كتاب "فضائل القرآن" لابن الضريس ولكني رغم صدور موافقة المجلس على هذا الموضوع اضطررت بعد أن عملت فيه أكثر من سبعة أشهر - إلى تغييره. وذلك لوجود نقص كبير في النسخة الموجودة لدى الجامعة الإسلامية، ولعدم الحصول على نسخة أخرى لها. وقد وقع اختياري بعد ذلك -بحمد الله- على تحقيق هذا الكتاب لما قدمنا من أهمية موضوع النسخ في القرآن الكريم وخطورته.
__________
(1) - انظر: ما ذكره مصطفى زيد رحمه الله بعد إيراد أسماء بعض الكتب المخطوطة في النسخ وما لها وما عليها في كتابه النسخ في القرآن الكريم 1، من فقرة 460 - 550.
(1/17)
وكان من أهم العوامل التي ساعدتني للتوصل إلى معرفة أهمية هذا الموضوع اختيار الجامعة الإسلامية موضوع النسخ كمادة مستقلة في منهج الدراسات العليا بقسم التفسير، فأتيحت لي بذلك فرصة ثمينة للاطلاع على كتب مفيدة في علم النسخ، والتوسع فيه فلم أر موضوعا متشعب المسالك مترامي الأطراف تراكمت الاختلافات حوله من شتى الأديان كهذا الموضوع، حتى المسلمين أنفسهم قديما وحديثا يختلفون فيه، فمن منكر مفرط ومن مثبت مسرف ومن مقتصد بينهما.
ومن هنا، وقع في ذهني أن يكون لي شأن مذكور في هذا الموضوع، وكنت أذكر دائما ثناء شيخنا الفاضل الدكتور مصطفى زيد على كتابي عبد القاهر البغدادي وابن الجوزي -كما ذكرت آنفا- وكان يشجعنا على العمل والبحث فيهما لميزتهما على كتب النسخ الأخرى في الصناعة والمنهج فتم اختياري بفضل الله على هذا الكتاب بغية أن يعم النفع وتكثر الفائدة في مجال العلم، إن شاء الله.
علاوة على ذلك، فلم أجد أحدا سبقني من خريجي الكلية إلى تحقيق كتاب من كتب النسخ في القرآن المتقدمة المخطوطة لنيل شهادة ماجستير، وأيضا فإن هذا العلم مع كثرة تناول المؤلفين له جيلا بعد جيل ما رأيت أحدا سلك مسلك العلامة ابن الجوزي في الصناعة والرد على المقدمين على كتاب الله بآرائهم الخالية عن الأدلة النقلية الصحيحة.
ولقد نرى المؤلف ابن الجوزي، رحمه الله، في هذا الكتاب برأ ذمته، وأدى مسئوليته بإيراد الأسانيد على كل ما يقول وينقل، مؤديا للعلم أمانته.
فتمنيت أن ينشر هذا الكتاب النفيس ويظهر من وراء القرون إلى أيدي الطلبة والباحثين وينجو من الضياع تحت التراب.
(1/18)
ثم إن إحياء التراث الإسلامي له دور كبير في نهضة العلم والعلماء في كل عصر، حيث نستطيع بذلك الوصول إلى الحقائق العلمية التي لم يعثر عليها جيلنا الحاضر بعد، كما نستطيع الاطلاع على النهضة العلمية والثقافية التي كان المسلمون القدامى يتمتعون بها عبر الأجيال، فيكون ذلك نبراسا لمستقبلنا الزاهر، لنصمد في العمل الدائب المستمر كما صمد أسلافنا.
من أجل هذا كله، أحببت أن يكون موضوع بحثي من أنفع الموضوعات وأشرفها وأحببت أن أتفرغ له تفرغا كاملا وأنقطع له عدة سنين. وبعد بحث دقيق لم يظهر لي شيء أنفع للمفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين من علم النسخ من حيث إنه يعتبر جزءا أساسيا لديهم، لكونه مدارا لمعرفة الحلال والحرام والمحكم من المنسوخ، فهو كما أنه من أنفع الموضوعات فهو كذلك من أفضلها وأشرفها؛ لأن مادة "نواسخ القرآن" هي الآيات القرآنية المنزلة على الصادق الوعد الأمين صلوات الله وسلامه عليه.
ترجمة الإمام ابن الجوزي رحمه الله
هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، - رضي الله عنه - القرشي التيمي البكري البغدادي الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي، رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته (1).
مولده:
ولد العلامة ابن الجوزي "بدرب حبيب" الواقعة في بغداد، واختلف في تاريخ ولادته:
__________
(1) - الذيل لابن رجب 1/399.
(1/19)
قيل: سنة 508، وقيل سنة 509، وقيل سنة 510 هجرية، والأرجح أنه ولد بعد العشرة كما يظهر ذلك في بعض مؤلفاته في الوعظ، حيث يقول: أنه بدأ التصنيف سنة 528هـ، وله من العمر 17 سنة (1) ولما نقل عنه أيضا في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (أنه كان يقول: لا أتحقق مولدي غير أنه مات والدي في سنة 514هـ، وقالت الوالدة كان لك من العمر ثلاث سنين) (2).
وعلى هذا تكون ولادته سنة 511هـ، 1117م (3).
وكان أهله تجارا في النحاس، ولهذا يوجد في بعض سماعاته القديمة: عبد الرحمن بن علي الجوزي الصفار (4).
نشأته:
توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، ولكن ذلك لم يؤثر في نشأته نشأة صالحة، حيث أبدله الله عمته مربية مخلصة تعطيه كل عطفها وعنايتها وتسهر على خدمته وتعليمه، فهي التي حملته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر، فتلقى منه الرعاية التامة والتربية الحسنة حتى أسمعه الحديث (5).
وعلى الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلى طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير، ولهذا نراه -رحمه الله- يكثر الكلام عن نفسه في أكثر من كتاب، فيبين أنه نشأ في النعيم، ويقول في صيد الخاطر:
__________
(1) - المصدر نفسه، ص 400.
(2) - وفيات الأعيان، رقم الترجمة 343، ص 2/321.
(3) - هذا الاختلاف في تاريخ ميلاده حكاه الذين ترجموا له، منهم تلميذه الحافظ المنذري في "التكملة لوفيات النقلة" 2/291-292.
(4) - تذكرة الحفاظ للذهبي رقم الترجمة (1343).
(5) - انظر: البداية والنهاية لابن كثير 13/ أحداث 597.
(1/20)
( فمن ألف الترف فينبغي أن يتلطف بنفسه إذا أمكنه، وقد عرفت هذا من نفسي، فإني ربيت في ترف، فلما ابتدأت في التقلل وهجر المشتهى أثر معي مرضا قطعني عن كثير من التعبد، حتى أني قرأت في أيام كل يوم خمسة أجزاء من القرآن، فتناولت يوما ما لا يصلح فلم أقدر في ذلك اليوم على قراءتها، فقلت: إن لقمة تؤثر قراءة خمسة أجزاء بكل حرف عشر حسنات، إن تناوله لطاعة عظيمة، وإن مطعما يؤذي البدن فيفوته فعل خير ينبغي أن يهجر، فالعاقل يعطي بدنه من الغذاء ما يوافقه (1).
فلما بلغ ابن الجوزي رشده شعر بنفسه وبال الترف في طلب العلم، فقنع باليسير واستسهل الصعاب متحملا كل الشدائد والمحن فهمته في طلب العلم أنسته كل الترف فانكب على طلب العلم -وهو ألذ من كل لذيذ- فيقول عن نفسه: (ولقد كنت في مرحلة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو).
كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم (2).
وقد عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعا تقيا زاهدا، لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته: يقول الإمام ابن كثير عند ترجمته له "وكان -وهو صبي- دينا منجمعا على نفسه لا يخالط أحدا ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان" (3).
حبه للعزلة:
__________
(1) - انظر: صيد الخاطر في فصل الرفق بالبدن، ص 446.
(2) - انظر: صيد الخاطر (235).
(3) - البداية والنهاية لابن كثير 13/ الأحداث (597).
(1/21)
وكان يحب العزلة تقديرا لقيمة الوقت وابتعادا عن الوقوع في اللهو، يقول في صيد الخاطر: (فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف بالقناعة باليسير، إذا لم يقدر على الكثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدله على الفضائل ويفرجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتحبط) (1).
رده على المتزهدين والمتصوفين:
في موضع آخر من صيد الخاطر عين فصولا للرد على العزلة العمياء والمتزهدين فيقول: (فكم فوتت العزلة علما يصلح به أصل الدين، وكم أوقعت في بليته هلك بها الدين، وإنما عزلة العالم عن الشر فحسب) (2).
ويقول في ذم المتزهدين والصوفية العمياء: (وإني أرى أكثر الناس قد حادوا عن الشريعة، وصار كلام المتزهدين كأنه شريعة لهم، فيقال: قال أبو طالب المكي: كان من السلف من يزن قوته بكربة فينقص كل يوم. وهذا شيء ما عرفه رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه وإنما كانوا يأكلون دون الشبع. وما كانت سيرة رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه على ما المتزهدون عليه اليوم.
فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يضحك ويمزح ويختار المستحسنات ويسابق عائشة، رضي الله عنها، وكان يأكل اللحم ويحب الحلوى ويستعذب الماء وعلى هذا كانت طريقة أصحابه، فأظهر المتزهدون طرائق كأنها ابتداء شريعة، وكلها على غير الجادة) (3).
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
__________
(1) - صيد الخاطر (373).
(2) - صيد الخاطر (132).
(3) - صيد الخاطر (471-472). انظر أيضا في فصل (حماقة الصوفية في كراهية الدنيا) ص 25-35، في صيد الخاطر.
(1/22)
لقد أعجب بشخصيته وجهده الجبار علماء أجلاء من بعده فمدحوه وأثنوا عليه: يقول ابن خلكان: (أنه كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وفي صناعة الوعظ صنف في فنون كثيرة) فعد بعض مؤلفاته، ثم قال: (وبالجملة فكتبه تكاد لا تعد، وكتب بخطه شيئا كثيرا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا أنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس) (1).
وكان ابن الجوزي كثير الاطلاع ومشغوفا بالقراءة فقد حكى عن نفسه أنه طالع عشرين ألف مجلد أو أكثر، وهو ما يزال طالبا (2).
يقول في صيد الخاطر: (سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المبتدئ ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم) (3) فقد استطاع بهذا الاطلاع الواسع أن يتفوق على كثير من معاصريه في المشاركة في عديد من العلوم والفنون، فألف في التفسير والحديث والطب والوعظ وغيرها الشيء الكثير ويبدو أن ابن الجوزي كان ماهرا في التفسير وفي التاريخ والوعظ ومتوسطا في الفقه، وأما بالنسبة إلى متون الحديث فهو واسع الاطلاع فيها لكنه غير مصيب في الحكم على الصحيح والسقيم.
يقول الذهبي عند ترجمة ابن الجوزي:
(كان مبرزا في التفسير والوعظ والتاريخ ومتوسطا في المذهب وله في الحديث اطلاع تام على متونه، وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين) (4).
__________
(1) - انظر: وفيات الأعيان 2/321 رقم 343.
(2) - انظر: صيد الخاطر (441).
(3) - صيد الخاطر (440).
(4) - انظر: تذكرة الحفاظ، رقم الترجمة (1067).
(1/23)
وقال الذهبي في "التاريخ الكبير": (لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه) (1).
مدرسة ابن الجوزي:
كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس، ببغداد (2).
قال الحافظ ابن الدبيثي عن ابن الجوزي: (كان من أحسن الناس كلاما وأتمهم نظاما وأعذبهم لسانا، وأجودهم بيانا، وبورك في عمره وعمله، فروى الكثير، وسمع الناس منه أكثر من أربعين سنة وحدث بمصنفاته مرارا (3).
منزلته في الوعظ:
لم يكن جهاده محصورا في القلم والتأليف إنما كان له شأن عظيم وشهرة كبيرة في الوعظ والخطب والدعوة والإرشاد بين الخواص والعوام.
يقول ابن كثير، رحمه الله: (تفرد ابن الجوزي بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه، وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه، ونفوذ وعظه، وغوصه في المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة بما يشاهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة) (4).
شجاعته في إظهار الحق:
كان لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يحضر في وعظة الروساء والخلفاء، وقد التفت مرة إلى ناحية الخليفة المستضيء العباس، وهو يخطب، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك، وإن قول القائل لك: اتق الله، خير لك من قوله: لكم أنتم أهل البيت مغفور لكم... وأضاف قائلا: لقد كان عمر بن الخطاب يقول: إذا بلغني من عامل ظلم فلم أغيره فأنا الظالم (5).
__________
(1) - انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي، ص478.
(2) - الذيل لابن رجب (1/413).
(3) - المصدر نفسه، ص 1/411 - 412.
(4) - البداية والنهاية 13/ أحداث (597).
(5) - الذيل لابن رجب 1/409؛ وتذكرة الحفاظ للذهبي، رقم الترجمة (1097).
(1/24)
وهكذا دافع ابن الجوزي عن الحق بدون خوف لومة لائم وحارب البدع والمنكرات والتعصب في المذاهب والتقليد الأعمى، وقد كان يعترف بنجاحه في هذا المجال فيقول: (وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب، فأعانني الله سبحانه وتعالى عليهم وكانت كلمتنا هي العليا) (1).
محنته في سبيل الحق:
وقد امتحن ابن الجوزي، رحمه الله، في آخر عمره، وذلك أن الوزير ابن يونس الحنبلي كان في ولايته قد عقد مجلسا للركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي، وأحرقت كتبه. وكان فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل شيء كثير، وذلك بمحضر من ابن الجوزي وغيره من العلماء، وانتزع الوزير منه مدرسة جده وسلمها إلى ابن الجوزي.
فلما ولى الوزارة ابن القصاب -وكان رافضيا خبيثا- سعى في القبض على ابن يونس وتتبع أصحابه، فقال الركن: أين أنت عن ابن الجوزي، فإنه ناصبيّ، ومن أولاد أبي بكر، فهو أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدي، وأحرقت كتبه بمشورته؟ فكتب ابن القصاب إلى الخليفة الناصر -وكان الناصر له ميل إلى الشيعة- وكان يقصد إيذاء ابن الجوزي فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السلام، فجاء إلى دار الشيخ وشتمه وأهانه وختم على داره وشتت عياله، ثم أخذ في سفينة إلى واسط فحبس بها في بيت وبقي يغسل ثوبه ويطبخ، ودام على ذلك خمس سنين وما دخل فيها حماما (2) فالمحنة بشتى أنواعها والصبر عليها والاستمرار على الوقوف في وجه الباطل والظلم والطاغوت من دأب العلماء العاملين والمجاهدين المخلصين. وقد رسم لنا العلامة ابن الجوزي من خلال حياته سلسلة متصلة من الكفاح والجهد الطويل والربط بين العلم والعمل ربطا وثيقا.
__________
(1) - الذيل لابن رجب 1/403.
(2) - الذيل لابن رجب 1/425-426؛ وتذكرة الحفاظ، رقم الترجمة (1098).
(1/25)
وقد عقد فصلا مستقلا في كتابه صيد الخاطر تحت عنوان "العلماء العاملون" فمدح فيه من يستحق المدح من أقرانه، وذم من يستحق ذلك ثم قال: (فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر. والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاتته لذات الدنيا وخيرات الآخرة فقدم مفلسا مع قوة الحجة عليه) (1).
ما أخذ عليه:
رغم وصوله إلى قمة العلم والمعرفة فقد أخذ العلماء عليه مآخذ هامة:
أولا- كان يميل إلى التأويل في بعض كلامه: يقول ابن رجب في الذيل: (اشتد إنكار العلماء عليه في ذلك، وكان مضطربا في قضية التأويل رغم سعة اطلاعه على الأحاديث في هذا الباب فلم يكن خبيرا بحل شبه المتكلمين، ويقول: كان أبو الفرج تابعا لشيخه أبي الوفاء ابن عقيل في ذلك، وكان ابن عقيل بارعا في علم الكلام ولكنه قليل الخبرة في الأحاديث والآثار لذا نراه مضطربا في هذا الباب) (2).
نعم، قد نجد ما يثبت ميوله إلى التأويل من ثنايا كتبه حيث ألف كتابا مستقلا يناقش هذا الموضوع باسم "دفع شبه التشبيه" وهو مطبوع (3) أورد فيه بعض الآيات القرآنية، وستين حديثا ورد فيها الكلام عن ذات الله وصفاته سبحانه وتعالى، كالوجه، واليد، والنفس، والساق، والاستواء، فيؤولها بما يحتمل التأويل بخلاف ما ذهب إليه السلف من إمرارها كما وردت بدون تأويل ولا تشبيه، ولا تعطيل (4).
__________
(1) - صيد الخاطر 143-144.
(2) - الذيل على طبقات الحنابلة 1/414، أما ابن عقيل فليس هو شيخه المباشر إنما كان يتبعه بوساطة مؤلفاته، وكانت ولادة ابن الجوزي قبل وفاة ابن عقيل بسنة، وسوف تأتي ترجمته عند أول ذكر له في الكتاب إن شاء الله.
(3) - طبع هذا الكتاب بمصر، ولم يؤرخ، بتحقيق محمد زاهد الكوثري وهو في (96) صفحة.
(4) - انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة والجماعة، ص14، للشيخ عدي بن مسافر الأموي الشامي المتوفى سنة 557هـ.
(1/26)
ونجد أيضا في صيد الخاطر، ينقد نهج السلف، فيقول: (... ولكن أقواما قصرت علومهم فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعليل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا) (1) وقد قام بالرد على ما كتبه ابن الجوزي مائلا إلى التأويل عالم معاصر له، وهو الشيخ إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي (2) حيث كتب رسالة يرد فيها على ابن الجوزي ردا عنيفا طالبا فيها العودة إلى الحق وإلى العقيدة السلفية وإلى ما كان عليه إمامه أحمد بن حنبل، رحمه الله، حيث يقول فيها: (وإذا تأولت الصفات على اللغة وسوغته لنفسك وأبيت النصيحة، فليس هو مذهب الإمام الكبير أحمد بن حنيل قدس الله روحه، فلا يمكنك الانتساب بهذا، فاختر لنفسك مذهبا، حتى قال: فلقد استراح من خاف مقام ربه وأحجم عن الخوض فيما لا يعلم، لئلا يندم. فانتبه قبل الممات، وحسن القول والعمل، فقد قرب الأجل لله الأمر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (3).
ثانيا- (كثرة أغلاطه في تصانيفه، وعذره في هذا واضح وهو أنه كان مكثرا من التصانيف، فيصنف الكتاب ولا يعتبره، بل يشتغل بغيره وربما كتب في الوقت الواحد تصانيف عديدة ولولا ذلك لم تجتمع له هذه المصنفات الكثيرة) (4).
__________
(1) - صيد الخاطر 83-84.
(2) - وهو إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي الزاهد الفقيه العالم كان أمارا بالمعروف، نهاء عن المنكر أنكر على الخليفة الناصر فمن دونه ولم تأخذه في الله لومة لائم، كتب رسائل عديدة إنكارا للمنكر منه، وحبس على ذلك مدة وكتب رسالة طويلة إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي بالإنكار عليه فيما يقع في كلامه من الميل إلى أهل التأويل: تجد هذه الرسالة، عند ذكر ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة، وهو حنبلي معاصر لابن الجوزي وتوفي رحمه الله 634هـ، انظر: الذيل لابن رجب 2/205-211.
(3) - انظر: الذيل لابن رجب 2/210-211.
(4) - انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي رقم (1097)؛ والذيل لابن رجب 1/414.
(1/27)
سيجد القارئ مثالا لذلك من ثنايا هذا الكتاب، حيث يذكر المؤلف في المقدمة أنه سيناقش وقائع النسخ ببيان صحة الصحيح وفساد الفاسد، ثم يأتي إلى قضايا النسخ فيوردها ببيان الخطأ أو الصواب تارة -وهو كثير- وتركه أخرى. وأمثال ذلك كثيرة، سأبينه في الخاتمة إن شاء الله.
ثالثا- (ما يوجد في كلامه من الثناء على نفسه والترفع والتعاظم، وكثرة الدعاوى، ولا ريب أنه كان عنده من ذلك طرف، والله يسامحه) (1) كقوله: في صيد الخاطر (... ونظرت إلى علو همتي فرأيتها عجبا) (2) ويقول في موضع آخر: (خلقت لي همة عالية تطلب الغايات) (3) وأمثال ذلك كثير. ولعل ما قدم للأمة من القدوة الصالحة والخدمة الخالصة التي لا مثيل لها، تغطي مساوئه، وترفع درجاته، لأن الحسنات يذهبن السيئات، والله واسع المغفرة والكرم وهو عليم بذات الصدور.
وفاته:
بعد أن عاش، رحمه الله، داعيا مرشدا كاتبا بارعا زاهدا مخلصا، قرابة تسعين عاما، انتقل إلى جوار ربه ببغداد. وكانت وفاته ليلة الجمعة (12 رمضان 597هـ) بين العشائين، فغسل وقت السحر، واجتمع أهل بغداد وحملت جنازته على رءوس الناس، وكان الجمع كثيرا جدا، وما وصل إلى حفرته إلا وقت صلاة الجمعة، والمؤذن يقول: الله أكبر، ودفن بباب حرب، بالقرب من مدفن الإمام أحمد بن حنبل وكان ينشد حال احتضاره يخاطب ربه:
يا كثير العفو عمن ... كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو ... الصفح عن جرم يديه
أنا ضيف وجزاء ... الضيف إحسان إليه
__________
(1) - المصدر السابق.
(2) - صيد الخاطر (239).
(3) - المصدر نفسه (250).
(1/28)
فرحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته ونفعنا بعلومه آمين (1).
شيوخه:
وقد ألف ابن الجوزي في مشيخته كتابا خاصا، ذكر فيه حوالي تسعة وثمانين شيخا ونرى فيه حسن اختياره للمشائخ حيث تتلمذ على طائفة من خيرة أعلام عصره، ويذكر اهتمامه في اختيار أبرع وأفهم المشائخ في بداية كتابه المذكور، حيث قال: حملني شيخنا ابن ناصر إلى الأشياخ في الصغر وأسمعني العوالي، وأثبت سماعاتي كلها بخطه، وأخذ لي إجازات منهم، فلما فهمت الطلب كنت ألازم من الشيوخ أعلمهم وأوثر من أرباب النقل، أفهمهم، فكانت همتي تجويد المدد لا تكثير العدد (2) فمن مشائخه:
__________
(1) - انظر: ترجمة ابن الجوزي في المصادر الآتية: البداية والنهاية 13/28؛ وفيات الأعيان 2/321؛ والذيل لابن رجب 1/399 - 432؛ وتذكرة الحفاظ، رقم الترجمة (1097)؛ الكامل لابن الأثير 12/171؛ ومفتاح السعادة 1/207؛ المختصر المحتاج إليه 2/205-208؛ والتكملة لوفيات النقلة 2/291-293؛ والعبر في خبر من عبر 4/297-298؛ ودول الإسلام 2/106؛ والعسجد المسبوك 2/268؛ وغاية النهاية 1/375؛ وعقود الجوهر 39-45؛ والمجددون في الإسلام 232-240؛ ودائرة المعارف الإسلامية 1/125؛ والبعثة المصرية 20؛ ومرآة الزمان 8/481؛ والأعلام 4/89-90؛ ومعجم المؤلفين 5/157-158؛ ومرآة الجنان 3/489-492؛ والمشيخة للنعال (140)؛ وابن الوردي 2/118.
(2) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 59، يقول المحقق أن هذه العبارة كانت ساقطة في الأصل، وقد نقلها من الذيل لابن رجب 1/401.
(1/29)
1- أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت، وتنتهي نسبته إلى كعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا، يقول المؤلف: أنه قرأ عليه، وكان ثقة فهما حجة متفننا في علوم كثيرة، منفردا في علم الفرائض، وقع في أيدي الروم أسيرا فأجبروه على أن ينطق كلمة الكفر فلم يفعل، توفي رحمه الله سنة (535هـ) (1).
2- أبو بكر محمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم المعروف بالمزرعي، قال ابن الجوزي، أنه سمع منه وكان ثقة ثبتا، عالما، حسن العقيدة، وسمع الحديث الكثير من ابن المهتدي، والصيريفيني وغيرهما، توفي رحمه الله سنة (527هـ) (2).
3- أبو الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري، يقول المؤلف أنه سمع منه الفقه والحديث، والجدل، والخلاف، والأصول، وهو من أقدم شيوخه وكان يسكن باب البصرة من غربي بغداد، وتوفي في جمادي الآخرة سنة 521هـ (3).
4- أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، قال ابن الجوزي: أنه سمع منه بقراءة شيخه الأول أبي الفضل بن ناصر عليه، وكان عبد الملك صالحا صدوقا، سمع جماعة كثيرة وخرج إلى مكة فجاور بها وتوفي في ذي الحجة بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام سنة (548هـ) (4).
__________
(1) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 61-65؛ ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي 528؛ والنجوم الزاهرة 5/267. وسيأتي ذكره في الكتاب إن شاء الله.
(2) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 66-68؛ والمنتظم 10/33-34؛ ومعجم البلدان 8/46.
(3) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 70-72؛ والشذرات 4/64؛ والعبر في خبر من عبر 4/50.
(4) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 94-95؛ والكامل 11/ 72/ 11/ 95؛ اللباب 3/39.
(1/30)
5- أبو سعد أحمد بن محمد بن الحسن بن علي البغدادي، يقول ابن الجوزي أنه سمع منه بقراءة أبي الفضل بن ناصر عليه، وكان خيرا ثقة وأملى بمكة والمدينة وكان على طريقة السلف صحيح العقيدة حلو الشمائل مطرح التكلف، ولد بأصبهان ونشأ بها وتوفي بنهاوند سنة (540هـ) (1).
تلاميذه:
كما اختار ابن الجوزي ثلة من خيرة أساطين علماء عصره، كذلك اختاره هو شيخا، وأخذ العلم والحكمة على يده نخبة من الأفذاذ فبرزوا بعده مقتدين بخطواته في التأليف والنصح والإخلاص، فمنهم:
1- الحافظ عبد الغني عبد الواحد بن علي بن سرور، ولد في أرض نابلس سنة (541هـ) سمع الحديث والعلوم من دمشق والموصل وهمدان، والإسكندرية، وكان حافظا تقيا ورعا، وسمع من ابن الجوزي ببغداد، وألف كتبا عديدة، قال يوسف بن خليل: كان ثقة ثبتا دينا مأمونا حسن التصنيف دائم الصيام، توفي بمصر سنة (600هـ) (2).
2- يوسف بن فرغلي، بن عبد الله، أبو المظفر الواعظ، سبط الإمام ابن الجوزي، روى عن جده ببغداد، وسمع أبا الفرج بن كليب وغيره، وسمع بالموصل ودمشق، وحدث بها وبمصر وأعطي القبول، وصنف الكتب العديدة، منها كتاب مرآة الزمان في التاريخ، وشرح جامع الكبير، واللوامع في أحاديث المختصر، وغيرها، أخذ العلم من ابن الجوزي في بغداد، وتوفي ليلة الثلاثاء الحادي عشر من ذي الحجة سنة (654هـ) (3).
__________
(1) - انظر: مشيخة ابن الجوزي 100-103؛ والبداية والنهاية 12/220؛ ومرآة الجنان 3/273.
(2) - انظر: التكملة لوفيات النقلة 4 رقم (778)؛ والذيل لابن رجب 2/5-34، و 1/425.
(3) - انظر: تاج التراجم في طبقات الحنفية (83).
(1/31)
3- أحمد بن عبد الدائم بن نعمة الكاتب المحدث، ولد سنة (575) في نابلس، ودخل بغداد، وسمع بها ابن الجوزي وغيره، وسمع بدمشق وحران، وكان حسن الخلق والخلق، دينا متواضعا، وحدث بالكثير بضعا وخمسين سنة، وكتب ما لا يوصف كثرة من الكتب الكبار، متأثرا بشيخه ابن الجوزي حتى صار هو شيخا للأئمة الكبار، والحفاظ والمحدثين، والفقهاء كالشيخ محي الدين النووي، والشيخ شمس الدين بن عمر، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والشيخ تقي الدين بن تيمية، وأمثالهم، رحمهم الله جميعا، توفي أحمد بن عبد الدائم سنة (668هـ) (1).
مؤلفاته:
لقد فارقنا جسما وروحا ولكن ذكراه وثمرات جهده الجبار المرسومة على صفحات التاريخ لم تزل ولا تزال تحيى حياة طيبة، كما قال الشاعر:
الجاهلون فماتوا قبل موتهم ... والعالمون وإن ماتوا فأحياء
وقد أورد المؤرخون من بعده بكل غرابة وإعجاب مؤلفاته الضخمة في كتبهم فيقول الإمام ابن تيمية، رحمه الله، في "أجوبته المصرية" (كان الشيخ أبو الفرج مفتيا كثير التصنيف والتأليف وله مصنفات في أمور كثيرة، حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف، ورأيت بعد ذلك ما لم أره) (2).
__________
(1) - انظر: الذيل لابن رجب 2/278-279؛ وتذكرة الحفاظ رقم (1098).
(2) - انظر: الذيل لابن رجب 1/415، قلت هذا الكلام فيه نوع من المبالغة، لأنه لم يرد فيما ذكر ابن الجوزي عن نفسه ولا فيما نقل عنه تلامذته، هذا العدد الهائل، ولعل الإمام ابن تيمية يقصد عدد المجلدات أو الأجزاء للكتب التي صنفها ابن الجوزي، والله أعلم.
(1/32)
ويقول الحافظ الذهبي: (ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل) (1) ويصفه صاحب "البداية والنهاية" بأنه: (أحد أفراد العلماء برز في علوم كثيرة وانفرد بها عن غيره، ومجموع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف وكتب بيده نحوا من مائتي مجلد، وله في العلوم كلها اليد الطولى، والمشاركات في جميع أنواعها، من التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنجوم والطب والفقه، وغير ذلك من اللغة والنحو، وله من المصنفات في ذلك كله ما يضيق هذا المكان عن تعدادها، وحصر أفرادها، منها كتابه في التفسير المشهور بـ "زاد المسير" وله تفسير أبسط منه -أي أوسع- لكنه ليس بمشهور (2) وله جامع المسانيد استوعب غالب مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم، وجامع الترمذي، وله كتاب "المنتظم في تاريخ الأمم من العرب والعجم" في عشرين مجلدا، (ويقول ابن كثير) ولم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار هو تاريخا:
ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا ... ... حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا (3)
__________
(1) - انظر: تذكرة الحفاظ، في ترجمة ابن الجوزي رقم (1098).
(2) - وهو كتاب المغني في علوم القرآن، سيأتي ذكره قريبا.
(3) - انظر: البداية والنهاية 13؛ حوادث (597).
(1/33)
وقد أورد ابن رجب عن القطيعي في تاريخه، ثبت التصانيف التي كتبها ابن الجوزي بخطه فذكر فيه حوالي 199 كتابا (1). ولا يتسع هذا المقام لذكر أسماء تلكم الكتب مفصلة، إنما أختار منها ما ألفه في علم التفسير، وأكتفي في الباقي بالإحالة إلى كتاب الأستاذ عبد الحميد العلوجي العراقي الذي صدر قريبا باسم "مؤلفات ابن الجوزي" وقد جمع فيه أسماء مؤلفات ابن الجوزي في شتى الفنون، ورتبها على حروف المعجم مع ذكر ما طبع منها وأماكن وجود المخطوطة منها، وقد وصلت عدد تلك الكتب عنده بأساميها المختلفة حوالي (376) كتابا ما بين مطبوع ومخطوط (2).
الكتب التي ألفها ابن الجوزي في علم التفسير:
1- الأريب في تفسير الغريب، سيأتي ذكره في مقدمة المؤلف إن شاء الله.
2- أسباب النزول، ذكره في كشف الظنون، وهدية العارفين (3).
3- الإشارة إلى القراءة المختارة، ذكره ابن رجب (4).
4- تذكرة المنتبه في عيون المشتبه، ذكره ابن رجب وحاجي خليفة، وقال: إنه في القراءات، وقد أورد فيه المؤلف متشابه القرآن (5).
5- تفسير الفاتحة، قال العلوجي: ذكر بروكلمان أنه يوجد منه نسخة في مكتبة داماد زادة، قاضي عسكر محمد مراد باستامبول تحت رقم (63) (6).
6- التلخيص، قال العلوجي: ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان مرتين، وقال: إنه في مجلد واحد، وإنه في علم التفسير (7).
7- تيسير البيان في تفسير القرآن، وسيأتي ذكره في مقدمة المؤلف باسم تيسير التبيان في علم القرآن.
__________
(1) - الذيل لابن رجب 1/416-420؛ وهدية العارفين 1/520.
(2) - طبع هذا الكتاب ببغداد في شركة دار الجمهورية سنة 1385هـ.
(3) - مؤلفات ابن الجوزي (68).
(4) - الذيل لابن رجب 1/416.
(5) - الذيل لابن رجب 1/417؛ وهدية العارفين 1/520.
(6) - انظر: مؤلفات ابن الجوزي، ص84.
(7) - المصدر السابق (86).
(1/34)
8- الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ، قال العلوجي: يوجد قطعة منه ضمن مجموعة في الأمبروزيانا، تحت رقم (304د) (1).
9- زاد المسير في علم التفسير، سيأتي ذكره في مقدمة المؤلف.
10- غريب الغريب، ذكره ابن رجب، وفي هدية العارفين غريب العزيز (2).
11- فنون الأفنان في علوم القرآن، ذكره ابن رجب بعنوان فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، يوجد له نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد، تحت رقم (2412) ونسخة أخرى في الخزانة التيمورية بدار الكتب المصرية تحت رقم (222) (3).
12- كتاب السبعة في قراءات السبع: قال العلوجي: ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان، وقال: إنه أجزاء (4).
13- كتاب في عجائب علوم القرآن: ذكر بروكلمان أن له نسخة مخطوطة في مكتبة غوطلبر، تحت رقم (544) (5).
14- المجتبى في علوم القرآن: قال بروكلمان يوجد منه نسخة مخطوطة في دار الكتب الخديوية تحت رقم 7/530، ودار الكتب المصرية تحت رقم 5/325.
15- المجتبى من المجتبى، وهو مختصر للمجتبى يوجد منه نسخ مخطوطة في دار الكتب المصرية مصورة من استانبول تحت رقم 5/325، و6، 188 (6).
16- مختصر فنون الأفنان في علوم القرآن: ذكر بروكلمان أن له نسخة في دار الكتب الخديوية تحت رقم 7/530، ودار الكتب المصرية تحت رقم 1/61، ونسخة أخرى في مكتبة "الغازي خروبك بسراجيفوا" في يوغوسلافيا ضمن مجموعة تحت رقم (300) (7).
__________
(1) - المصدر نفسه، ص144، و222، لم أجد هذا العنوان في كتب التراجم وقد جعله العلوجي في علوم القرآن، والله أعلم.
(2) - الذيل لابن رجب 416، وهدية العارفين 1/520.
(3) - فهرس المخطوطات العربية بمكتبة الأوقاف ببغداد 1/150، وفهرس الخزانة التيمورية 1/223.
(4) - مؤلفات ابن الجوزي (136).
(5) - المصدر نفسه، ص (140).
(6) - المصدر السابق، ص 185، ويلاحظ هنا أن دار الكتب الخديوية اسم سابق لدار الكتب المصرية، ولكن تعدد الأرقام يدل على تعدد النسخ.
(7) - المصدر السابق، ص162.
(1/35)
17- مختصر قرة العيون النواظر في الوجوه والنظائر: يوجد له نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم 2/36، (في مجموعة الجامع الأحمدي بطنطا) ونسخة أخرى (في مجموعة مكتبة طلعت) تحت رقم 471 تفسير (1).
18- المغني في تفسير القرآن: سيأتي ذكره في مقدمة المؤلف.
19- المنعش: ذكره حاجي خليفة وإسماعيل البغدادي (2).
20- المنقبة في عيون المنبه: ذكره سبط بن الجوزي في مرآة الزمان، وقال: إنه أجزاء (3).
21- المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ: ذكره ابن رجب ضمن ثبت المؤلفات فى علوم القرآن لابن الجوزي، يوجد له نسختان في مكتبة الأوقاف ببغداد (2397 ز، و 2410، وله نسخة أخرى في خزانة التيمورية التابعة لدار الكتب المصرية، تحت عنوان مختصر عمدة الراسخ، وقد صورت منه نسخة لنفسي وتأكدت بالمقارنة بأنه كتاب المصفى، الموجود بمكتبة الأوقاف ببغداد، وهو يقع في خزانة التيمورية تحت رقم (148) تفسير (4).
22- نواسخ القرآن أو الناسخ والمنسوخ بالقرآن: وهو الكتاب الذي نحن بصدده، سيأتي ذكره مفصلا عند ذكر وصف النسخ إن شاء الله.
23- نزهة العيون النواظر في الوجوه والنظائر: ذكره ابن رجب وقال: إنه مجلد واحد وذكره بروكلمان، وقال: يوجد منه نسخة في المكتبة العمومية باستانبول تحت رقم 498/9 (5).
24- ورد الأغصان في فنون الأفنان: وهو جزء (6).
__________
(1) - المصدر السابق.
(2) - انظر: هدية العارفين 1/520؛ ومعجم المؤلفين 5/157- 158.
(3) - ذكره العلوجي في مؤلفات ابن الجوزي، ص 171.
(4) - فهرس المخطوطات بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد 1/150.
(5) - الذيل لابن رجب 1/416؛ ومؤلفات ابن الجوزي 196.
(6) - انظر: الذيل لابن رجب 1/417؛ ومؤلفات ابن الجوزي (202).
(1/36)
25- الوجوه النواضر في الوجوه والنظائر: ذكره ابن رجب، وقال: إنه مجلد ومختصر لكتاب نزهة العيون النواظر المذكور سابقا، وجعله ضمن ثبت مؤلفات ابن الجوزي في علوم القرآن وذكره حاجي خليفة، وقال: فيه وجوه لآيات المفسرة في مجلس الوعظ ونظايرها وفيه غنى عن كل كتاب صنف في ذلك (1).
فهذه هي بعض مؤلفاته وثمرات جهده الجبار، وتلك هي بعض ملامح ذلك الرجل الفذ الذي له ثقله ووزنه في ميزان العلم والعلماء حتى اليوم، وليس من الممكن أن أعطي لذلك البطل حقه في هذه العجالة بعد أن أعجب به المؤرخون والباحثون، حتى ألف عن شخصيته مؤلفات عديدة، وقد ذكر لي الشيخ عبد الرحيم طحان الشامي، أنه يعد رسالة لنيل شهادة الدكتوراه بجامعة الأزهر، في موضوع "ابن الجوزي ومنهجه في التفسير".
وهكذا ما زالت بقايا آثاره ومصنفاته ميدانا خصبا للباحثين والدارسين يعبق أريجها ويعم نفعها على المسلمين.
نسبة الكتاب إلى ابن الجوزي:
لقد ورد ذكر هذا الكتاب، في معظم كتب التراجم بأسماء مختلفة. فيذكر سبط ابن الجوزي، أبو المظفر الواعظ شمس الدين فرغلي في كتابه مرآة الزمان ضمن ثبت مصنفات جده ابن الجوزي، كتابا، باسم "ناسخ القرآن ومنسوخه"، وكتابا آخر باسم "مختصر ناسخ القرآن ومنسوخه" (2). وأما الذهبي، فيذكره في تاريخ الإسلام، بعنوان "الناسخ والمنسوخ"، وبه قال الزركلي أيضا في الأعلام (3).
وأما ابن رجب فيورد في الذيل عن ابن القطيعي تلميذ ابن الجوزي، في تاريخه، قال: (ناولني ابن الجوزي كتابا بخطه)... فذكر له (199) كتابا، من ضمنها "عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ" و "كتاب المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" (4).
__________
(1) - الذيل لابن رجب 1/416؛ ومؤلفات ابن الجوزي، ص201.
(2) - انظر: مرآة الزمان 8/481.
(3) - انظر: مؤلفات ابن الجوزي (199)؛ والأعلام 4/90.
(4) - الذيل لابن رجب 1/416.
(1/37)
ومن ناحية أخرى، فقد وجدت في غلاف النسخة المدنية، اسم نواسخ القرآن، بينما وجدت في غلاف النسخة الهندية، اسم "الناسخ والمنسوخ" ويذكره بروكلمان وعبد الحميد العلوجي، بهذين الاسمين، وأشار إلى حيث وجدتهما (1).
فالكتاب إذن من حيث نسبته إلى المؤلف لا شبهة في ذلك، إنما الشبهة هل للمؤلف ثلاثة كتب، ومختصران في الموضوع، أم هي أسماء استعملها النساخ لكتاب واحد ومختصره؟
والذي يظهر لي بعدما اطلعت على النسختين المدنية والهندية، وبعدما قارنت بينهما، أنهما كتاب واحد، كما تبين لي أيضا أن مختصر عمدة الراسخ الذي صورته من خزانة التيمورية، وكتاب "المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" الموجود في مكتبة الأوقاف ببغداد، أيضا كتاب واحد.
علاوة على ذلك، غلب على ظني، بعدما قارنت هذا المختصر مع نواسخ القرآن أن "عمدة الراسخ" هو اسم آخر لكتابنا هذا بدليل أنهما يتفقان مع نواسخ القرآن في التعبير والأسلوب والترتيب والمناقشة، وقد صرح المؤلف نفسه في مقدمته أنه مختصر لعمدة الراسخ، كما سبق ويؤكد هذا أيضا ثبت مؤلفات المؤلف الذي كتبه بخطه السابق ذكره، حيث لم نجد فيه إلا عمدة الراسخ، ومختصره، والمصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ، فالخلاصة كأنهم اختلفوا في عنوان الكتاب على أربعة أسماء:
1- عمدة الراسخ في معرفة المنسوخ والناسخ.
2- نواسخ القرآن.
3- ناسخ القرآن ومنسوخه.
4- الناسخ والمنسوخ.
كما اختلفوا في عنوان مختصره على ثلاثة أسماء:
1- المصفى بأكف أهل الرسوخ في علم الناسخ والمنسوخ.
2- مختصر عمدة الراسخ.
3- مختصر ناسخ القرآن ومنسوخه.
__________
(1) - مؤلفات ابن الجوزي 199.
(1/38)
أما القطعة الصغيرة الموجودة في مكتبة أنبروزيانا، السالف ذكرها باسم الرسوخ في "علم الناسخ والمنسوخ"، فقد جعله العلوجي في علوم القرآن، ولم يتبين لي بعدما إذا كانت هي نفس كتاب "المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ"، أم هي في "علم الحديث" والله أعلم. ومما يؤكد ما قلته أيضا، أن المؤلف يعد الكتب التي ألفها في علم التفسير في مقدمة هذا الكتاب، فلو كان له كتاب في النسخ غير هذا لأشار إليه، كما أن المؤلف يحيل بعض القضايا إلى تفسيره زاد المسير لمن يريد التفصيل الأمر الذي يؤكد أيضا نسبة هذا الكتاب إليه، حيث ثبت نسبة زاد المسير إليه بأسانيد وطرق متعددة (1) وسوف ترى مناقشات عديدة يذكرها المؤلف بنصها في هذا الكتاب من زاد المسير.
زيادة على هذه الشواهد الظاهرة لقد وجدت العلامة الشوكاني يروي هذا الكتاب بسند متصل إلى ابن الجوزي، في كتابه "إتحاف الأكابر"، فيقول الشيخ المفسر الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني: روى لنا كتاب "الناسخ والمنسوخ" السيد سليمان بن يحيى الأهدل عن السيد أحمد بن محمد الأهدل عن السيد يحيى بن عمر الأهدل عن السيد العلامة أبي بكر بن علي البطاح الأهدل عن الحافظ الديبج عن زين الدين الشرجي عن نفيس الدين العلوي عن أبيه عن أحمد بن أبي الخير الشماخي عن شيخه الشراجي عن محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني عن عبد الرحمن بن علي بن محمد المعروف بابن الجوزي، رحمه الله (2).
فالكتاب إذن معروف لدى العلماء قديما وحديثا، ولكنه لم يكن متداولا بينهم إلا في الآونة الأخيرة حيث نقل عنه محققو كتاب "زاد المسير"، والدكتور مصطفى زيد في "النسخ في القرآن الكريم"، والدكتور شعبان محمد في "نظرية النسخ في الشرائع السماوية"، وغيرهم من المعاصرين.
__________
(1) - انظر: زاد المسير 1/18-19.
(2) - انظر: كتاب إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر للشوكاني، ص113، في حرف النون.
(1/39)
وصف النسخ المخطوطة
يوجد لدينا من كتاب "نواسخ القرآن" نسختان مخطوطتان فقط فيما وصل إليه العلم:
النسخة الأولى
في مكتبة (مدينة) الملحقة بمكتبة طبقبوسراي بتركيا، تحت عنوان "نواسخ القرآن" برقم (182/1)، قياس 14×19، في 136 ورقة، في كل صفحة خمسة عشر سطرا، يوجد على غلافها، أنها مكتوبة في القرن التاسع الهجري بقلم معتاد. وقد تبين لي بعد تكبير الفيلم، وبعد مقارنتها مع النسخة الثانية، سقوط ورقة من مقدمة الكتاب وورقة أخرى من وسط الكتاب، ووجود بياض في أربع صفحات، كما ظهر لي تكرار الصفحة الأولى بخط مختلف عن الخط الذي يستمر به الكتاب إلى النهاية، وسوف أشير إلى ذلك كله في الهوامش إن شاء الله.
والجدير بالذكر، أنه يوجد في الورقة الأولى منها ختم للمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة الأمر الذي يوحي بأنها أصلا من المدينة المنورة، ويؤكد هذا ما وجدته في مجلة "المجمع العلمي العربي" الصادرة بدمشق سنة (1928م) في جزئها الثامن، ص758، أن كتاب "نواسخ القرآن لابن الجوزي" يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ضمن نوادر مخطوطاتها. وينقل ذلك أيضا صاحب كتاب مؤلفات ابن الجوزي عن بروكلمان (199) عند ذكر هذا الكتاب.
وقد قمت بتصوير هذه النسخة من معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بمصر خلال رحلتي العلمية عام 1398، وتجد هذه النسخة مكبرة اليوم في مكتبة قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(1/40)
النسخة الثانية:
فأما النسخة الثانية للكتاب فقد وجدناها في مكتبة خدابخش ببنكبور، الواقعة في ولاية يتنا، شمال شرق الهند وذلك تحت عنوان "الناسخ والمنسوخ" وتقع برقم 18/1481، عدد أوراقها حسب ما كتب في فهرس المكتبة المذكورة (145) ثم بدا لي بعد تكبيرها وبعد المقارنة بينها وبين النسخة الأولى وجود نقص كبير في وسط الكتاب، حيث لم أجد في الميكروفيلم إلا (91) ورقة فقط وإنما كان هذا النقص من النساخ، لا من المصورين، بدليل أن بداية النقص كانت في وسط الصفحة حيث توجد العبارات التي لا صلة بينها متلاصقة في سطر واحد. وسوف أشير إلى أماكن النقص في الهوامش إن شاء الله. وذكر في فهرس مكتبة خدابخش أن هذه النسخة مكتوبة في القرن الثاني عشر من الهجرة تقريبا (1) وقياسها 4×6.5سم و 5×8.5 سم في كل صفحة 19 سطرا وكتابتها جيدة، ولكن الفيلم كان رديئا جدا لذا تجد معظم أوراقها إما مسودة أو ساقطة العبارات أو ممسوحة غير واضحة.
وتجد هذه النسخة مكبرة اليوم في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة. وقد قامت الجامعة بتصويرها، من نسختها الأصلية بالهند عام 1397. ويقول عبد الحميد العلوجي نقلا عن بروكلمان (199) أن هناك نسخة أخرى لهذا الكتاب في خزانة المرحوم مصطفى بن محمود العمري بالموصل ببغداد، ولكن مع الأسف بعد جهد طويل وبحث شاق في جميع المكتبات ببغداد، بل وبعد الوصول إلى عقر دار الوارثين لمكتبة مصطفى محمود العمري، لم أتمكن من الحصول عليها كما لم أتمكن من التأكد من وجودها أو عدمها، من إجاباتهم المترددة.
وقد أغناني الله بفضله بالنسختين الموجودتين، حيث كانت تغطي كل منهما نقص الأخرى ومساوئها غالبا.
__________
(1) - انظر: فهرس مكتبة خدابخش المطبوع بالهند 1/33.
(1/41)
وأما مختصر عمدة الراسخ الذي تكرر ذكره سابقا، فهو يقع في حجم صغير تبلغ أوراقه (14) فقط، وقد سقطت من الفيلم الورقة الرابعة وفي كل ورقة (33) سطرا ما عدا الورقة الأخيرة ففيها (19) سطرا. وكان من حسن الحظ الحصول على هذا الكتاب القيم الذي يغلب على ظني أنه مختصر لكتابنا هذا.
يقول المؤلف في مقدمته:
(أما بعد: حمدا لله ذي العز الرفيع الشامخ والصلاة على رسوله محمد ذي القدر المنيع الباذغ، فهذا حاصل التحقيق في علم المنسوخ والناسخ وقد بالغت في اختصار لفظه لأحث الراغبين على حفظه، فالتفت أيها الطالب لهذا العلم إليه وأعرض عن جنسه تعويلا عليه، فإن أنكرت زيادة بسط واخترت الاستظهار بقوة احتجاج أو ملت إلى إسناد فعليك بالكتاب الذي اختصر هذا منه وهو كتاب عمدة الراسخ) (1).
وقد استعنت بهذا الكتاب المختصر كثيرا في تصحيح الكلمات وتقويم العبارات وتحديد موقف المؤلف من دعوى النسخ في كل آية وردت فيه فلله الحمد.
الأصل في التحقيق ورمز النسختين:
وقد تبين لنا مما ذكر في أوصاف النسختين: أن أقدم وأوضح وأكمل النسختين الموجودتين لدينا هي النسخة الأولى المكتوب عليها "نواسخ القرآن" كما تبين لنا أيضا أنها أصلا وابتداء كانت في المدينة المنورة، فبناء على هذا وذاك جعلتها أصلا وأساسا في التحقيق، كما اخترت ما عليها عنوانا للكتاب، لما فيه من التصريح بكلمة القرآن فيومن من الالتباس بين الناسخ والمنسوخ في الحديث، والناسخ والمنسوخ في القرآن.
وكذلك جعلت رمز هذه النسخة "م" مشيرا إلى أنها مدنية، ورمز النسخة الثانية "هـ" مشيرا به إلى أنها هندية.
__________
(1) - انظر: الورقة الأولى من مختصر عمدة الراسخ المخطوط لابن الجوزي.
(1/42)
منهج المؤلف وأسلوبه
ابن الجوزي، رحمه الله، يسلك في هذا الكتاب مسلكا جديدا لمعالجة قضايا النسخ، وهو وإن كان موافقا لأسلافه في عرض الآيات حسب ترتيب القرآن كابن حزم وابن سلامة، إلا أنه يمتاز عنهم كثيرا في سوق الآراء وعزوها إليهم حيث لا يكتفي بذكر القيل والقال ولا بعزو الأقوال، إنما ينقل كل ما أثر عن السلف بسند متصل منه إليهم، حتى كاد أن يكون كتابه موسوعة لكل كتاب صنف قبله في موضوعه، فيروي عن معظم المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم وعن شيوخ المذاهب الفقهية، وأئمتها وعن كبار المحدثين، والمفسرين بالمأثور، فقد وصل هذا الكتاب إلى درجة أنه يمكن الاستغناء به عن كثير مما صنف في موضوعه.
وقد بدأ المؤلف بمقدمة رائعة يقرر فيها أن العلم عبارة عن التحقيق والتدقيق بالاجتهاد والاستنباط من الأدلة الصحيحة الثابتة، وليس مجرد نقول بتقليد السابقين تقليدا أعمى، ولا عزو الآراء إلى كل من قال وروى.
وبعد ذلك يهاجم المؤلفين في علم النسخ الذين لم يعنوا في معالجة قضايا النسخ بالأدلة الصحيحة الثابتة، فملأوا كتبهم بالآراء الفاسدة.
ثم يصف ما جاء بالكتاب بأنه إنقاذ لكلام الله من أباطيل هؤلاء الجهلة ويأتي بعده بفصل كبيان لمنهجه في الكتاب، فيقول:
(وقد قدمت أبوابا قبل الشروع في بيان الآيات وهي كالقواعد والأصول للكتاب) (1) فذكر ثمانية أبواب، وفي الباب الأول خمسة فصول، وفي الباب الخامس فصلان.
__________
(1) - انظر: الفصل الأول من المقدمة.
(1/43)
ويذكر ضمن منهجه أنه أعرض عن ذكر الآيات التي ادعي عليها النسخ بدون أي دليل عقلي أو نقلي، فذكر لذلك أمثلة من الآيات، لكن التزامه بعدم إيراد أمثال هذه الآية ليس على إطلاقه، بدليل أنه يقول في نهاية بيان منهجه (فقد ذكرت مما يقاربه طرفا لأنبه بمذكوره عن مغفله) (1) ولو أردت أن أمثل لذلك لطال الكلام أكثر من اللازم، والأمثلة كثيرة سيجدها القارئ مبثوثة في ثنايا الكتاب، إن شاء الله.
وقد عقد المؤلف فصلا ثالثا قبل أن يشرع في الأبواب الثمانية يعيد فيه سبب تأليفه للكتاب، فيقول: (ولما رأيت المصنفين في هذا العلم قد تباينوا فمنهم من أطال بما لا حاجة لمثل هذا التصنيف إليه، ومنهم من قلد القائلين ولم يحكم على الاختلاف ببيان الصواب ومنهم من نقص بحذف ما يحتاج إليه، أنبئك بهذا الكتاب متوسطا)، ويختم المقدمة بالباب الثامن، يورد فيه السور التي تضمنت الناسخ والمنسوخ مبديا فيه موقفه الشديد ضد كل من يدعي النسخ في آية محكمة بدون بصيرة وعلم وبدون استناد إلى أدلة ثابتة حيث يقول: (زعم بعض المفسرين...) فعد تلك السورة المزعومة عليها النسخ، ويقول: (إن بيان التحقيق فى الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه، والله الموفق) (2).
بعد هذه المقدمة المفيدة يستعرض ابن الجوزي حوالي مائتين وسبع وأربعين واقعة من الوقائع التي ادعي فيها النسخ، في اثنتين وستين سورة، ويعقد لكل سورة بابا مستقلا، ما عدا سورة الكهف وعبس والتكوير فلم يبوب لها، لكون دعوى النسخ في سورة الكهف في غاية الضعف، ولكون ما ادعي عليه النسخ في سورتي عبس والتكوير مشابه لما في سورة الدهر السابقة.
__________
(1) - انظر: آخر الفصل الأول من مقدمة المؤلف.
(2) - انظر: نهاية الباب الثامن من مقدمة المؤلف.
(1/44)
أما قضايا النسخ في هذا الكتاب، فهي وإن كان كثيرة -لم يصح عند ابن الجوزي منها إلا ما يعد بالأصابع وبقية الوقائع إما أن يردها بالحجح ويثبت الإحكام -وهي كثيرة- وإما أن يقف موقف المحايد مكتفيا بما أورده من أقوال وأدلة تشهد لكل قول. ونحصر ذلك كله في الخاتمة التي تلي الكتاب إن شاء الله.
شدته في الرد على خصمه:
نرى المؤلف ابن الجوزي، رحمه الله، قويا شديدا في الرد على خصمه حين يخطئ ويذكر من المنسوخ ما ليس منه، فيقول: مثلا -في سورة مريم عند ذكر آية { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } (39)- زعم بعض المغفلين من ناقلي التفسير أن الإنذار منسوخ بآية السيف، ثم يأتي في النهاية ويقول: (وهذا تلاعب من هؤلاء بالقرآن) ويقول في الآية التالية: (زعم ذلك الجاهل) ثم يقنعهم بالأدلة لعدم صلاحية أمثال هذه الآية للنسخ ويقول: (فسبحان من قدر وجود قوم جهال يتلاعبون بالكلام في القرآن ويدعون نسخ ما ليس بمنسوخ كل ذلك سوء فهم، نعوذ بالله منه).
وأمثال ذلك كثير جدا في الوقائع التي لا يقول بنسخها.
ما التزمه المؤلف في مقدمة الكتاب:
وقد التزم في مقدمة الكتاب بأنه يرتب كل آية حسب ترتيب القرآن كما التزم أيضا تصحيح وقائع النسخ إن كانت صحيحة، وتبين الباطل إن كانت باطلة واختصار الأسانيد خوفا من الملل. ولكن هل أخذ نفسه بما التزمه في كتابه كله؟ أم التزمه حينا وانحرف عنه حينا آخر؟
سوف يظهر لنا ذلك في نتائج البحث وتقويم الكتاب في نهاية البحث إن شاء الله.
ما استخدم من الرموز:
نجد ابن الجوزي في النسختين يختصر في الكتابة على: ثنا، وهو قليل، وأبنا، وبنا، وهما كثيران. وبنى، لم أجده إلا في مكان واحد (1).
فالأول - رمز لحدثنا مقبول متبع لدى المحدثين قديما وحديثا.
__________
(1) - انظر فيما يأتي ص 401.
(1/45)
والثاني- رمز لأخبرنا، بحذف الخاء والراء، وقد فعله البيهقي وطائفة من المحدثين، قال عنه ابن الصلاح: (وليس هذا بحسن) وقال السخاوي عن كلام ابن الصلاح: (وكأنه فيما يظهر للخوف من أشباهها بأنبأنا، وإن لم يصطلحوا على اختصار أنبأنا كما نشاهده من كثيرين).
وأما الثالث والرابع- بتقديم الباء ثم النون فلم أقف على أحد من المحدثين المتقدمين رمزوا بذلك ولو جعلناها اختصارا لأنبأنا، أو نبأنا، أو أنبأني أو نبأني فهو شاذ غير متبع لدى أهل الحديث (1).
ويمكن القول أن هذه الرموز لم يستخدمها ابن الجوزي، إنما كان ذلك من النساخ بدليل أننا نجد الناسخين يختلفان في استخدامها أثناء الكتابة. فهذا يقول: أبنا، وهذا يقول بنا، ولم أشر إلى ذلك في الهامش لكثرتها، وإنما التزمت فيها ما يكتبه الناسخ للمدنية.
عملي في التحقيق:
1- قارنت بين نسختي الكتاب مشيرا إلى ما في كل نسخة من الزيادات أو النقص ولم أكتف في إخراج النص كاملا غير ناقص، بالنسختين فحسب إنما بذلت أقصى جهدي في كل قضية بل في كل سطر وكلمة في المراجعة في كتابي المؤلف، "زاد المسير"، و "مختصر عمدة الراسخ المخطوط"، لما فيهما من توافق في العبارات والكلمات غالبا مع كتابنا هذا. فالأول مصنف قبل هذا الكتاب كما أشار إليه المؤلف في مقدمة هذا الكتاب، والثاني مصنف بعده، كما هو ظاهر. فإذا لم تغط النقص كتبه، رجعت إلى مصادر أخرى من كتب التفسير أو الحديث أو النسخ أو الأصول، وفي مقدمتها تفسير الإمام الجليل ابن جرير الطبري، رحمه الله، لما فيه من كثرة الطرق في الآثار الواردة في موضوع النسخ.
__________
(1) - راجع في ذلك كله "الإلماع" للقاضي عياض (122)؛ "علوم الحديث" لابن الصلاح (180)؛ "مقدمة ابن الصلاح بتحقيق بنت الشاطئ" 320-321؛ "التبصرة والتذكرة" 2/153؛ "فتح المغيث" للسخاوي 2/190؛ "فتح الباقي على ألفية العراقي" 2/153؛ "تدريب الراوي" 2/86؛ "توضيح الأفكار" للشوكاني 2/368.
(1/46)
2- قد وجدت في "م" عبارات عديدة كان قد تركها الناسخ سهوا ثم تذكر وأضافها في الهامش مشيرا إلى أماكن سقوطها، فكتبتها في متن الكتاب بعد تأكد مكان السقوط بالمقارنة أو السياق، وذلك بدون أدنى إشارة في الهامش.
3- عزوت الآيات القرآنية الواردة في الكتاب.
4- إذا وجدت المؤلف يكتب بقراءة غير مشهورة بينت قارئها.
5- رقمت كل سورة حسب ترتيب المؤلف لكي يسهل على الباحث الوصول إليها.
6- رقمت الأبواب الواردة في المقدمة.
7- خرجت الأحاديث الواردة في الكتاب من الكتب المعتمدة في السنة مع ذكر ما يراه العلماء من الصحة والضعف متى أمكن، مشيرا إلى الكتاب والجزء والصفحة. فإذا كان الحديث مخرجا في الصحيحين وعند غيرهما اكتفيت بذكر الجزء والصفحات فيهما فقط.
8- خرجت الآثار الواردة في الكتاب عن الصحابة أو التابعين أو المفسرين، من كتب السنة متى أمكن أو من كتب التفسير المعتبرة كتفسير "جامع البيان"، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير ابن كثير، وتفسير "الدر المنثور"، وغيرها، أو من كتب النسخ المعتمدة المتقدمة ككتاب "الناسخ والمنسوخ" للنحاس، وكتاب "الإيضاح" لمكي بن أبي طالب وكتاب "الناسخ والمنسوخ" لعبد القاهر البغدادي وغيرها.
9- التزمت في معظم الآيات تحديد رأي المؤلف عن النسخ بالمقارنة بين كتابيه التفسير ومختصر "عمدة الراسخ" -إذا وجدت ذلك مع بيان موقف علماء النسخ والتفسير في القضية نسخا وإحكاما.
10- حررت عزو أقوال العلماء من المصادر الموثوقة.
11- ترجمت كل صحابي وصحابية، وكل من برز في علم التفسير، وكل من يقدم المؤلف له رأيا في الكتاب وقت تقديمه، سواء في علم التفسير أو غيره، كما قمت بترجمة كل شيخ مباشر للمؤلف عند ورود أسمائهم مشيرا إلى مصادر ترجمتهم كتابا وجزءا وصفحة أو رقم الترجمة إذا رقمت.
12- قومت العبارات المخالفة لقواعد النحو بطريقة صحيحة متمشية معها.
13- شرحت المفردات الغريبة من كتب اللغة.
(1/47)
14- صححت الأخطاء الإملائية التي وجدتها في النسختين: حيث كان يكتب الناسخ المدني مثلا:
خطأ صواب
ـــ ـــ
ادعى ادعاء
استثنى استثناء
طايفة طائفة , وأمثال ذلك كثير
وكان يكتب الناسخ الهندي، مثلا:
بينها ولاء بين هؤلاء
سما سماء
جز جزاء، وأمثال ذلك كثير
15- الرموز والمصطلحات المستعملة في التحقيق: سبق أن أشرنا إلى أن "م" إشارة إلى النسخة المدنية و "هـ" إشارة إلى النسخة الهندية، وهناك أقواس واصطلاحات أخرى استخدمتها خلال التحقيق، وهي كالتالي:
(أ) ()، للقرآن الكريم والأحاديث النبوية.
(ب) [ ] للسقوط في إحدى النسختين إما لوجود سواد أو بياض أو لم أجد للعبارة الساقطة فراغا أصلا، مشيرا في الهامش إلى رمز النسخة التي سقطت منها.
(ج) = =، اخترت هذين الخطين المزدوجين إذا أضفت عبارة -كانت ساقطة من النساخ- حسبما أجد من المصادر الموثوقة الأخرى سواء للمؤلف أو لغيره، أو أضفتها من عندي نظرا لما يتطلبه المعنى الصحيح، أو أضفت التسليم على الأنبياء، أو الترضية على الصحابة حين لم أجدهما في كلتا النسختين.
(د) " "، لعدم الوضوح في إحدى النسختين أو كليهما، أو لتكرار العبارة، مشيرا لذلك كله في الهامش.
(هـ) اقتصرت عند عدم الالتباس في ذكر أسماء الكتب كالتالي:
في ناسخه: لكل من ألف في النسخ وتكرر ذكر كتابه وأمن اللبس.
الإيضاح: للإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب.
المنتظم: للمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي.
الفتح: فتح الباري شرح البخاري للحافظ ابن حجر.
التهذيب: لتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر.
التقريب: لتقريب التهذيب للحافظ ابن حجر.
الذيل: للذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب.
الإتقان: للإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
16- ختمت الكتاب بخاتمة وجيزة تتضمن ما يلي:
(أ) نتائج البحث وثماره.
(ب) وقائع النسخ عند ابن الجوزي.
(ج) تقويم الكتاب.
17- وضعت فهارس علمية تساعد الباحث على الاستفادة من الكتاب، وهي تشمل:
(1/48)
(أ) فهرس الآيات القرآنية: روعي فيه أن يكون جامعا لجميع الآيات المدعى عليها النسخ الواردة في الكتاب، موافقا لترتيبها في المصحف مع وضع رقم الصفحة أمام كل آية.
(ب) فهرس الموضوعات الواردة في مقدمة التحقيق وفي مقدمة المؤلف.
(ج) فهرس الأعلام المترجمة في الهامش وفي مقدمة التحقيق: روعي فيه أن يكون مرتبا حسب الحروف الهجائية مع وضع رقم الصفحة أمام كل اسم.
(د) قائمة المراجع: روعي فيها ذكر جميع المصادر والمراجع التي استفدت خلال بحثي ونقلت منها، مطبوعا ومخطوطا، على ترتيب حروف الهجاء، مع الإشارة إلى أماكن طبعها، وتاريخ الطبع إذا وجد، أو الإشارة إلى أماكن وجودها إذا كانت مخطوطة.
وبهذا، نأتي إلى كتاب إمامنا الجليل، نتمتع بعلومه وننتفع بجهوده حيث أفرغ جهده كله طيلة حياته ذودا عن الدين وحماية لكتاب الله وسنة رسوله، - صلى الله عليه وسلم - من مكر الطغاة وجهل الجاهلين.
وسوف نذكر، إن شاء الله، في نهاية الكتاب نتائج التحقيق وثمرة جهدي المتواضع لكي يستغني القارئ والباحث عن كثير من الكتب في الموضوع بهذا الكتاب القيم والتراث الثمين، والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به نفسي وأناسا أخلصوا قلوبهم لله، فما أصبت في عملي فمن الله وحده، وما أخطأت فأسأل الله العفو والمغفرة، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
(1/49)
تحقيق كتاب نواسخ القرآن
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا (1) الشيخ الإمام العالم الأوحد شيخ الإسلام وحبر الأمة قدوة الأئمة سيد العلماء، جمال الدين أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي (2) قدس الله روحه، ونور ضريحه.
قال: الحمد لله على التوفيق، والشكر لله على التحقيق، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادة سالك من الدليل أوضح طريق، ومنزه له عما لا يجوز ولا يليق. وصلى الله على أشرف فصيح، وأطرف (3) منطيق، محمد أرفق نبي بأمته وألطف شفيق (4) وعلى أصحابه، وأزواجه وأتباعه إلى يوم الجمع والتفريق، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن نفع العلم بدرايته لا بوراثته (5) وبمعرفة أغواره (6) لا بروايته (7) وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم، وتسليم الأمر إلى معظميهم، من غير بحث عما صنفوه ولا طلب للدليل عما ألفوه. وإني رأيت كثيرا من المتقدمين على كتاب الله - عز وجل - بآرائهم الفاسدة، وقد دسوا في تصانيفهم للتفسير أحاديث باطلة وتبعهم على ذلك مقلدوهم، فشاع ذلك وانتشر، فرأيت العناية بتهذيب علم التفسير عن الأغاليط من اللازم.
__________
(1) - روى هذا الكتاب عن مؤلفه ابن الجوزي رحمه الله، الشيخ محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني، ذكر ذلك العلامة محمد بن علي الشوكاني في كتابه إتحاف الأكابر ص113، بسنده المتصل إليه. راجع المقدمة عند ذكر نسبة الكتاب إلى ابن الجوزي.
(2) - في "هـ" ابن جوزي، بدون أل، ولعله سقط من الناسخ.
(3) - أطرف: أي: جاء بطرفة، أي: الحديث الجديد المستحسن: انظر: المصباح المنير 2/18.
(4) - في "هـ" سعي، ولعله تصحيف عما أثبت.
(5) - في "هـ" لا بدراشته بالدال والشين المعجمة، وهو تصحيف.
(6) - الأغوار، جمع غور بالفتح، من كل شيء قعره، يقال: عارف بالأمور وغار في الأمر، إذا دقق النظر فيه، انظر: المصباح المنير 2/110.
(7) - في "هـ" لا بزاويته، وهو تصحيف.
(1/50)
وقد ألفت كتابا كبيرا سميته بالمغني في التفسير (1) يكفي عن جنسه، وألفت كتابا متوسط الحجم مقنعا في ذلك العلم سميته زاد المسير (2) وجمعت كتابا دونه سميته بتيسير التبيان في علم القرآن (3)
__________
(1) - ذكره ابن رجب في الذيل 1/416 بعنوان "كتاب المغني في التفسير" وقال: أنه (81) جزءا وذكره كحالة في معجم المؤلفين 5/157 بعنوان "المغني في علوم القرآن" وعده العلوجي في مؤلفات ابن الجوزي (219) من الآثار الضائعة أو التي يحتمل ضياعها، وقال: ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام بعنوان "المغني في علم القرآن". وأما ما ذكره العلوجي كتابا آخر باسم المعين في علم التفسير وأنه يقع (81) جزءا معزيا ذلك إلى سبط ابن الجوزي، فيغلب ظني أنه الكتاب الذي ذكره المؤلف هنا، ولعله تحريف من المغني بدليل أن سبط بن الجوزي لم يذكر كتابا آخر باسم المغني مع أنه في مقدمة كتب التفسير لجده، وبدليل أنا لم نجد في ثبت مؤلفات ابن الجوزي الذي كتبه هو بخطه، والذي رواه عنه تلميذه القطيعي، كتابا بهذا الاسم إنما وجدنا اسم هذا الكتاب الذي ذكره المؤلف هنا، وهو المغني في التفسير، انظر: الذيل لابن رجب 1/416.
(2) - وهو كتاب محقق ومطبوع على تسعة أجزاء، بدمشق سنة 1384هـ 1964م بالمكتب الإسلامي للطباعة والنشر.
(3) - ذكره ابن رجب في الذيل= 1/416، وذكره العلوجي في مؤلفات ابن الجوزي 213، ضمن الآثار الضائعة لابن الجوزي، وقال: ذكره سبط بن الجوزي في مرآة الزمان..
(1/51)
واخترت فيه الأصوب من الأقوال ليصلح للحفظ، واختصرته بتذكرة الأريب في تفسير الغريب (1) وأرجو أن تغني هذه المجموعات عن كتب التفسير مع كونها مهذبة عن خللها سليمة من زللها. (2)
فصل: [ثم إني رأيت الذين وقع منهم التفسير صحيحا قد صدر عنهم ما هو أفظع فآلمني] (3) وهو الكلام في الناسخ والمنسوخ، فإنهم "أقدموا" (4) على هذا العلم فتكلموا فيه، وصنفوه، وقالوا بنسخ [ما ليس] (5) بمنسوخ، ومعلوم أن نسخ الشيء، رفع حكمه وإطلاق القول [برفع حكم آية] (6) لم يرفع جرأة عظيمة.
__________
(1) - ذكره حاجي خليفة بعنوان تذكرة الأديب في التفسير، وذكر ابن رجب بعنوان تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ويوجد في بولندا نسخة مخطوطة باسم تفسير غريب القرآن لابن الجوزي، وفي الجامعة الإسلامية نسختان مصورتان إحداهما من الكلية (الباقيات الصالحات) بجنوب الهند، بعنوان الأديب في تفسير الغريب، والثانية مصورة من الكلية (دار العلوم ندوة العلماء) بشمال الهند، بعنوان تذكرة الأديب وهو الآن تحت التحقيق يحققه الشيخ عبد القادر منصور السوري، انظر: مؤلفات ابن الجوزي (68).
(2) - من هنا تبدأ النسخة المدنية، وفي بدايتها (بسم الله الرحمن الرحيم: قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رضي الله عنه، جمع كتابا لطيفا في علم القرآن).
(3) - العبارة التي بين معقوفين، فيها سقط وقلق في النسختين، فقد جاء في "م" (ثم إني رأيت الذين [ ] قد تصدر ما هو أقطع فما [ ] عنهم وهو الكلام...) وجاء في "هـ" (ثم إن رأيت الذين وقع في التفسير صححي منهم قد صدر ما هو أقطع مما لمسي عنهم فهو الكلام) ولعل ما أثبت أقرب إلى الصواب.
(4) - في "م" أقلاد، وهو تحريف.
(5) - ساقطة من "م".
(6) - ساقطة من "م".
(1/52)
ومن نظر في كتاب الناسخ والمنسوخ للسدي (1) رأى من "التخليط" (2) العجائب، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر (3) رأى العظائم.
وقد تداوله (4) الناس لاختصاره، ولم "يفهموا" (5) دقائق أسراره فرأيت كشف هذه الغمة عن الأمة ببيان إيضاح الصحيح، وهتك ستر (6) القبيح، متعينا على من أنعم الله عليه بالرسوخ في العلم وأطلعه على أسرار النقل، واستلب زمامه من أيدي التقليد فسلمه إلى يد (7) الدليل فلا يهوله قول معظم، فكيف بكلام جاهل مبرسم (8).
__________
(1) - أما السدي: فهو إسماعيل بن عبد الرحمن المتوفى سنة (128)هـ صاحب التفسير والمغازي، والسير، وهو ثقة عند مسلم وأصحاب السنن الأربعة، بدليل أنهم أخرجوا له، وكذلك ابن حبان فقد ذكره من الثقات، وقال حسين بن واقد (سمعت السدي فأقمت حتى سمعته يتناول أبا بكر وعمر فلم أعد إليه). وحكي عن أحمد: (أنه ليحسن الحديث إلا أن هذا التفسير الذي يأتي به قد جعل له إسنادا واستكلفه) وقال الطبري (أنه لا يحتج بحديثه) وأما كتاب السدي المذكور، فلم أعثر عليه بعد. انظر: التهذيب 1/313؛ والجرح والتعديل 2/184-185.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - هو هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي أبو القاسم الضرير، مفسر من أهل بغداد وكان له حلقة في جامع المنصور، وله مؤلفات عديدة منها الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي أشار إليه المؤلف، وطبع بمصر سنة 1387هـ، توفي رحمه الله سنة (410هـ). انظر: تاريخ بغداد 14/70؛ وشذرات الذهب 3/192؛ والأعلام 9/59.
(4) - في "هـ" تداولوه.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - في "هـ" سر، بدل ستر، وهو تصحيف.
(7) - في "هـ" أيدي.
(8) - يقال برسم الرجل وهو مبرسم، البرسام داء معروف يعرض للحجاب الذي بين الكبد والقلب. انظر: المصباح المنير 1/48.
(1/53)
فصل: و[قد] (1) قدمت أبوابا قبل الشروع في بيان الآيات هي كالقواعد والأصول للكتاب ثم أتيت بالآيات المدعى عليها النسخ [على ترتيب القرآن إلا أني أعرضت عن ذكر آيات ادعي عليها النسخ] (2) [من] (3) حكاية لا تحصل إلا تضييع الزمان أفحش تضييع كقول السدي: { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } (4) نسخها { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } (5) وقوله { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } (6) نسخها { قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } (7) وقوله: { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ } (8) [نسخها { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } ] (9) وقوله: { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } (10) نسخها { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ [مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا] } (11) وقوله: { وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } (12) نسخها { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } (13) "في نظائر كثيرة لهذه الآيات" (14).
__________
(1) - ساقطة من "م".
(2) - ما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "م".
(4) - الآية الثانية من سورة النساء.
(5) -الآية الخامسة من سورة النساء.
(6) - الآية (38) من سورة النساء.
(7) - الآية (53) من سورة التوبة.
(8) - الآية (106) من سورة المائدة.
(9) - الآية (106) من سورة المائدة، وما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(10) - الآية (63) من سورة الأنعام.
(11) - الآية (11) من سورة محمد.
(12) - الآية (45) من سورة العنكبوت.
(13) - الآية (152) سورة البقرة.
(14) - في النسختين هنا قلق في العبارة، وقد جاء في "م" في نظائره كثير الآيات "وفي" "هـ" "في نظائر كثيرة لهذه الآيات" والفقرة الأخيرة في "هـ" مكررة أيضا، ولعل ما أثبت أقرب إلى المعنى المطلوب.
(1/54)
لا أدري أي الأخلاط الغالبة حملته على هذا التخليط. فلما كان مثل هذا ظاهر الفساد، وريت (1) "عنه غيرة" (2) على الزمان أن يضيع، وإن كنت قد ذكرت مما يقاربه طرفا، لأنبه بمذكوره على "مغفله" (3).
فصل: ولما رأيت المصنفين في هذا العلم، قد تباينوا، فمنهم من أطال بما لا حاجة بمثل هذا التصنيف إليه، ومنهم من قلد [القائلين] (4) ولم يحكم على الاختلاف ببيان [الصواب، ومنهم] (5) من نقص بحذف ما يحتاج إليه أتيتك بهذا الكتاب متوسطا، وحذفت كثيرا من الأسانيد والطرق خوف الملل والله ولي التوفيق (6).
الباب الأول
باب [بيان] (7) جواز النسخ والفرق بينه وبين البداء (8)
اتفق جمهور علماء الأمم على جواز النسخ عقلا وشرعا وانقسم اليهود في ذلك ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول: قالوا: لا يجوز عقلا ولا شرعا، وزعموا أن النسخ هو عين البداء (9).
__________
(1) - ورّى الشيء تورية عن كذا، أي أراده وأظهر غيره. انظر: أقرب المورد 2/1447.
(2) - في "م" عبرة، وفي "هـ" عند غيره، كلاهما تصحيف ولعل الصواب ما سجلت.
(3) - في "هـ" معقله، وهو تصحيف.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - من هنا يوجد في "م" صفحتان مكررتان بخطين مختلفين، فبالخط الثاني يستمر الكتاب إلى النهاية.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - قال الفيومي في المصباح المنير 1/46، (وبدا له في الأمر، أي ظهر له ما لم يظهر أولا والاسم البداء). وقد جاء في القرآن كلمة البداء على معنيين: أولا: الظهور بعد الخفاء كقوله تعالى (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) سورة الزمر (48). ثانيا: نشأة رأي جديد لم يكن: كقوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) يوسف (35) والله سبحانه وتعالى منزه عن أن يتصف بالبداء بكلا المعنيين.
(9) - وهم الشمعونية: نسبة إلى شمعون بن يعقوب. انظر: النسخ في القرآن الكريم 1/27.
(1/55)
والقسم الثاني: (1) قالوا: يجوز عقلا وإنما منع الشرع من ذلك وزعموا أن موسى، عليه السلام، "قال" (2) إن شريعته لا تنسخ من بعده، وإن (3) ذلك في التوارة ومن هؤلاء من قال: لا يجوز النسخ إلا في موضع واحد، وهو "أنه" (4) يجوز نسخ عبادة أمر الله بها بما هو أثقل على سبيل العقوبة لا غير.
__________
(1) - أما أصحاب القسم الثاني: فقد اشتهروا باسم العنانية، نسبة إلى عنان بن داود وهو رأس الجالوت تخالف فرقته سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء، والسمك، ويذبحون الحيوان على القفا، ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإرشاداته، ويقولون أنه لم يخالف التوراة البتة بل قررها ودعا الناس إليها، وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة والمستجيبين لموسى عليه السلام غير أنه لا يعترف بنبوته، ولا برسالته. انظر: الملل والنحل للشهرستاني 2/ 54.
(2) - في "هـ" أخبر، بدل "قال".
(3) - في "هـ" وأن من ذلك.
(4) - في "هـ" وهو الله، ولعله تحريف عما أثبت.
(1/56)
والقسم الثالث: (1) قالوا: يجوز شرعا لا عقلا، واختلف هؤلاء في عيسى ومحمد، صلى الله عليهما، فمنهم من قال: لم يكونا نبيين لأنهما "لم يأتيا بمعجزة"، وإنما أتيا بما" (2) هو من جنس "الشعوذة" (3). ومنهم من قال: كانا نبيين صادقين، غير أنهما لم يبعثا بنسخ شريعة موسى ولا بعثا إلى بني إسرائيل إنما بعثا إلى العرب والأميين (4).
__________
(1) - أما أصحاب القسم الثالث: هم العيسوية نسبة إلى أبي عيسى، إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وقيل اسمه عويفيل الوهيم أي عابدا لله وهو يدعى بأن عيسى نبي وأفضل ولد آدم وأعلى من منزلة الأنبياء الماضين، وخالفوا اليهود في كثير من أحكام الشريعة. انظر: الملل والنحل 2/55-56.
(2) - هكذا في النسختين، ونحن نرى أن المذهب الثالث الذي حكا5 ابن الجوزي لا يستقيم مع ما قاله العلماء السابقون عليه كأبي الحسين صاحب كتاب المعتمد إذ أنهم حكوا المذهب الثالث بجواز5 عقلا وشرعا فلعل ابن الجوزي قد وقع في كتابه خطأ فبدل اللام الواو، ويمكن أن يعزا ذلك إلى النساخ، وإلا لكان ابن الجوزي نبه على ذلك بقوله مثلا "وما نقل عن هذه الفرقة غير صحيح إذ أنه يجوز شرعا لا عقلا وحيث لم يذكر ذلك دل على أنه مع الأصوليين، فثبت ما قلنا5 من أن ذلك خطأ من النساخ. انظر: كتاب المعتمد 1/401.
(3) - في "هـ" شعبذة، والشعوذة مثل الشعبذة وزنا ومعنا، لعب يرى الإنسان منه ما ليس له حقيقة كالسحر. انظر: المصباح المنير 1/337.
(4) - تجد آراء الفرق اليهودية الثلاثة في النسخ، في معظم كتب الأصول. انظر مثلا: الإحكام في أصول الإحكام للآمدي 3/105؛ وشرح الأسنوي 2/146؛ وكشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام 3/153.
(1/57)
فصل: وأما الدليل على جواز النسخ عقلا، فهو أن التكليف "لا يخلو" (1) أن يكون موقوفا على مشيئة المكلف أو على مصلحة المكلف، فإن كان الأول، فلا [يمتنع أن يريد] (2) تكليف العباد عبادة في مدة معلومة ثم يرفعها ويأمر بغيرها.
وإن كان [الثاني] (3) فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان [ويوضح هذا أنه قد جا] (4) ز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم، وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان، ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم [ثم] (5) قد رتب الحر والبرد والليل والنهار وهو أعلم بالمصالح [وله] (6) الحكم (7).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "م".
(6) - ساقطة من "م".
(7) - تجد نحو هذا الدليل والتوجيهات على جواز النسخ عقلا، في كشف الأسرار 3/161-162، نقلا عن الأصوليين.
(1/58)
فصل: وأما الدليل على جواز النسخ شرعا، أنه قد ثبت أن من دين آدم [عليه السلام] (1) وطائفة من أولاده، جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم (2) والعمل في يوم السبت ثم نسخ ذلك في شريعة موسى (3) وكذلك "الشحوم" (4)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - وقد جاء في سفر التكوين في الأصحاح الرابع: (أن آدم أمر بتزويج بناته من بنيه، تنزيلا لاختلاف البطون منزلة اختلاف الأنساب، لتكثير الأفراد الذين يعمرون الأرض ويسكنونها في بدء الخليقة لضرورة عمارة الدنيا وكثرة النسل) وقد جاء في الآية (17) من الباب عشرين من سفر الأحبار (أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه، ورأى عورتها ورأت عورته، فهذا عار شديد، فيقتلان أمام شعبهما وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما) هذا كان في شريعة موسى.
(3) - وأما العمل يوم السبت فقد كان محرما في شريعة موسى، ونسخ التحريم في شريعة يحيى وشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد جاء في سفر الخروج: الأصحاح (16) (أن الله حرم على اليهود العمل الدنيوي، ومنه الاصطياد يوم السبت في كل أسبوع). ووقع في باب (31) من سفر الخروج هكذا (13) (كلم بني إسرائيل وقل لهم أن يحفظوا يوم السبت من أجل أنه علاقة بيني وبينكم في أجيالكم، لتعلموا أني أنا الرب أطهركم). (14) فاحفطوا يومي يوم السبت فإنه طهر لكم، ومن لا يحفظه فليقتل قتلا فيه فتهلك تلك النفس من شعبها. انظر في ذلك كله: الكتاب المقدس المطبوعة بالمطبعة الأميركانية ببيروت 1969 م؛ وكتاب فتح المنان ص 158-160. قلت: ذكر الأمثلة من كتب اليهود للاحتجاج عليهم من باب الإلزام فقط لأن ما فيها بعد التحريف والتبديل لا يصلح لإثبات حق إلا ما ورد منه في القرآن أو ثبت في السنة المطهرة.
(4) - في "هـ" سحوم، وهو تصحيف.. وأما حرمتها لليهود فقد قال الله تعالى في سورة الأنعام (146) (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون).
(1/59)
كانت مباحة ثم حرمت في دين موسى، فإن ادعوا أن هذا ليس بنسخ فقد خالفوا في اللفظ دون المعنى.
فصل: وأما قول من قال: لا يجوز النسخ إلا على وجه العقوبة (1) فليس بشيء، لأنه إذا أجاز النسخ في الجملة جاز أن يكون للرفق بالمكلف، كما جاز للتشديد عليه.
فصل: وأما "دعوى من ادعى" (2) أن موسى -عليه السلام- أخبر أن شريعته لا تنسخ فمحال. ويقال: أن ابن الراوندي" (3) علمهم أن يقولوا: أن موسى قال: لا نبي بعدي، ويدل على ما قلنا: أنه لو صح قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليه السلام؛ لأن الله تعالى [لا يصدق] (4) بالمعجزة من كذب موسى فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى، فإن اعترفوا ببعض معجزاته، لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليه السلام "لأنه قال لا نبي بعدي [ومما] (5) يدل على كذبهم فيما ادعوا أن اليهود ما كانوا يحتجون على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بكل شيء.
وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - مصدقا لموسى عليه السلام، وحكم عليهم بالرجم عملا بما في شريعة موسى (6) [صلى الله عليه وسلم] (7) فهلا احتجوا عليه بذلك، ولو احتجوا لشاع نقل ذلك، فدل على أنه قول ابتدع بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) - القائلون بذلك بعض العنانية، كما تقدم آنفا.
(2) - في "هـ" وأما دعى من ادعى وهو تحريف عما سجلت.
(3) - في "م" و "هـ" ابن الريوندي، وهو تحريف عما أثبت، وهو ابن الراوندي المشهور بالإلحاد والزندقة اسمه أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الراوندي ابن الراوندي البغدادي، من علماء الفلاسفة له من الكتب المؤلفة مائة وأربعة عشر كتابا، توفي سنة (298هـ) انظر: وفيات الأعيان 1/78؛ والبداية والنهاية 11/112؛ شذرات الذهب 2/235.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - رواه مسلم في كتاب الحدود في باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا. انظر: صحيح مسلم بشرحه للنووي 2/54.
(7) - ساقطة من "هـ".
(1/60)
فصل: وأما قول من قال: [أن عيسى و] (1) محمدا عليهما السلام كانا نبيين لكنهما لم يبعثوا إلى بني إسرائيل فتغفيل من قائله، لأنه إذا أقر بنبوة نبي فقد أقر بصدقه، لأن النبي لا يكذب، وقد كان عيسى عليه السلام يخاطب بني إسرائيل، ونبينا =صلى الله عليه وسلم= يقول: (بعثت إلى الناس كافة) (2) ويكاتب ملوك الأعاجم (3).
فصل: فأما الفرق بين النسخ والبداء، فذلك من وجهين: أحدهما أن النسخ "تغيير" (4) عبادة أمر بها المكلف، وقد علم الآمر حين الأمر أن "لتكليف" (5) المكلف بها غاية ينتهي الإيجاب "إليها" (6) ثم يرتفع بنسخها. والبداء "أن ينتقل الأمر عن ما أمر به" (7) وأراده دائما بأمر حادث لا بعلم سابق (8).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - رواه البخاري في باب التيمم، بلفظ (بعثت إلى الناس عامة). انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري 1/455.
(3) - جاء ذلك في الحديث السادس من صحيح البخاري.
(4) - في "م" تعين، ولعله تحريف عما سجلت عن "هـ".
(5) - في النسختين "التكليف" بال، وهو خطأ.
(6) - غير واضحة من "م".
(7) - في العبارة قلق في "هـ" وقد جاء فيه "أن الأمر على ما أمر به"، وفي "م" كما أثبت إلا أن فيه، على، بدل "عن" صححتهما كي يستقيم المعنى.
(8) - قال ابن حزم الظاهري في الفرق بين النسخ والبداء: وهو أن البداء أن يأمر بالأمر والآمر لا يدري ما يئول إليه الحال، والنسخ: هو: أن يأمر بالأمر والآمر يدري أنه سيحيله في وقت كذا ولا بد: قد سبق ذلك في علمه وحتمه من قضائه. انظر: الإحكام في أصول الإحكام 4/446.
(1/61)
والثاني: أن "سبب" (1) النسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحة الخطاب الأول، والبداء يكون "سببه" (2) دالا على إفساد الموجب، لصحة الأمر الأول، مثل أن يأمره بعمل يقصد به مطلوبا فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل "فيبدو" (3) له ما يوجب الرجوع عنه، وكلا الأمرين يدل على قصور في العلم والحق - عز وجل - منزه عن ذلك.
الباب الثاني
"باب [إثبات] (4) أن في القرآن منسوخا"
انعقد إجماع العلماء [على] (5) هذا إلا أنه قد شذ من لا يلتفت إليه فحكى أبو جعفر النحاس (6) أن قوما قالوا: ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ (7) وهؤلاء قوم لا يقرون، لأنهم خالفوا نص الكتاب، وإجماع الأمة قال الله - عز وجل - (ما ننسخ (8) [من آية أو ننسأها) (9).
__________
(1) - في "هـ" تسبب، وهو تصحيف.
(2) - في "هـ" شبه، وهو تصحيف.
(3) - في "هـ" فسدوا، وهو تصحيف.
(4) - ساقطة من "م".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي، النحاس النحوي المصري المتوفى سنة (338 هـ) كان مفسرا أديبا صاحب مؤلفات عديدة في التفسير والنحو والأدب، وله كتاب في الناسخ والمنسوخ في القرآن الذي يعتبر من أجود ما عثرنا عليه مطبوعا، كما قدمنا. انظر في ترجمته وفيات الأعيان 1/82؛ البداية والنهاية 11/222؛ والأعلام 1/199.
(7) - انظر: نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 3.
(8) - من هنا صفحتان بيضاوان في النسخة المدنية.
(9) - الآية (106) من سورة البقرة.
روى ابن أبي داود في المصاحف 3/96، عن سعد بن أبي وقاص (أو ننسأها) وذكر النحاس في ناسخه قولين عن ابن عباس: (قال: ما ننسخ من آية نرفع حكمها أو ننسها، نتركها فلا ننسخها، وقيل، ننساها: نبيح لكم تركها، وعلى قراءة البصريين ننسأها، أحسن ما قيل في معنا5: أو نتركها ونؤخرها فلا ننسخها). وقال ابن كثير: معنى ننسأها: نؤخرها، وفي قراءة (ننسها). انظر: الناسخ والمنسوخ (8)؛ وتفسير القرآن العظيم 1/208.
(1/62)
وأخبرنا المبارك بن علي (1) قال أخبرنا أحمد بن قريش، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق، قال: بنا: عبد الله بن أبي داود، وقال: حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم عن أبيه، عن نشهل بن سعيد عن الضحاك (2) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (3) في قوله تعالى { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } (4) قال: في الناسخ والمنسوخ (5)
__________
(1) - المبارك بن علي الصيرفي أبو طالب بن صغير، وهو من مشايخ ابن الجوزي، ذكره في مشيخته ص 187، وقال أنه قرأ عليه، وكان ثقة صحيح السماع توفي سنة 564. انظر: شذرات الذهب 4/206؛ والنجوم الزاهرة 5/376.
(2) - الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم الخراساني مفسر صدوق له كتاب في التفسير أخرج له أصحاب السنن، ولكن الحافظ بن حجر يقول: أنه كثير الإرسال، وقال ابن عدي: الضحاك بن مزاحم إنما عرف بالتفسير، فأما رواياته عن ابن عباس، وأبي هريرة، وجميع من روى عنه ففي ذلك كله نظر، وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول: الضحاك بن مزاحم ثقة مأمون. مات سنة خمس ومائة أو ست ومائة. انظر: التهذيب 4/453؛ وميزان الاعتدال 1/471؛ والتاريخ الكبير للإمام البخاري 4/332- 333.
(3) - ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المفسرين، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على ناصيته وقال: (اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب) يقال له الحبر والبحر لكثرة علمه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الأربعة وعن أبيه وأمه وأخيه الفضل وغيرهم من الصحابة، قال أبو نعيم في آخرين: توفي سنة (68) هـ بالطائف. انظر: التهذيب 5/278؛ أسد الغابة 3/193؛ الإصابة 2/331.
(4) - الآية 39- من سورة الرعد .
(5) - أخرج ابن جرير نحوه عن ابن عباس وعن قتادة وابن زيد وابن جريج عند ذكر هذه الآية في جامع البيان 13/112-113..
(1/63)
قال ابن =أبي= (1) داود: وحد=ثنا= (2) يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن = (3) ابن عباس= رضي الله عنهما: { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } (4) ويقول: يبدل الله ما يشاء من القرآن =فينسخه ويثبت= (5) ما يشاء فلا يبدله، =وما يبدل= (6)
__________
(1) - كلمة "أبي" غير موجودة في "هـ" وهي -كما أثبت- مفهوم السياق، حيث عطف قوله على الأثر السابق المذكور من طريق ابن أبي داود، وهو الحافظ العلامة أبو بكر عبد الله ابن الحافظ الكبير أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب التصانيف منها: الناسخ والمنسوخ، كان فقيها عالما حافظا ثبتا، وقد أكثر ابن الجوزي في هذا الكتاب الرواية عنه مات سنة (310)هـ. انظر: تذكرة الحفاظ 1/767-773؛ وتاريخ بغداد 9/464.
(2) - ساقطة من "هـ" كملتها نظرا للسياق.
(3) - ساقطة من "هـ" كملتها حسب سند ابن جرير في جامع البيان، وهو علي بن أبي طلحة الهاشمي اسمه مخارق، مولى آل عباس بن عبد المطلب، صدوق قد يخطئ روى عن ابن عباس ولم يسمع منه إنما أخذ عن طريق مجاهد، وسعيد بن جبير وقد أخرج له مسلم حديثا واحدا في ذكر العزل، وقد أكثر المؤلف الرواية من طريقه عن ابن عباس، وصححه في هذا الكتاب، يقول السيوطي في الإتقان عن رواية علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (إنها طريقة جيدة: قال أحمد بن حنبل بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي 10/12؛ والتهذيب 7/339-341؛ والإتقان 2/188؛ والتفسير والمفسرون 1/77-78.
(4) - الآية (39) من سورة الرعد.
(5) - ساقطة من "هـ" كملتها حسب لفظ الطبري في الأثر الآتي.
(6) - ساقطة من "هـ" كملتها كما في رواية الطبري الآتية..
(1/64)
وما يثبت وكل ذلك في كتاب (1).
__________
(1) - أخرج ابن جرير عن المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (يمحو الله ما يشاء) قال: من القرآن: يقول يبدل الله ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وما يبدل، وما يثبت كل ذلك في كتاب. انظر: جامع البيان 13/113 وأورده السيوطي في الدر المنثور 4/67 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في المدخل، من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/65)
قال ابن أبي داود وحدثنا يونس بن حبيب، قال: حدثنا أبي داود، وقال: حدثنا همام، عن قتادة (1) عن عكرمة (2) في قوله: { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } (3) قال: ينسخ الآية بالآية فترفع، وعنده أم الكتاب، أصل الكتاب (4) قال: وحدثنا علي بن حرب، ومصعب بن محمد ويعقوب بن سفيان، قالوا: حدثنا عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب (5)
__________
(1) - قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب السدوس الحافظ العلامة المفسر الضرير الأكمه، بصري من رأس الطبقة الرابعة ومن أول من ألف في الناسخ والمنسوخ في القرآن كما تقدم في مقدمة التحقيق. قال أحمد بن حنبل: قتادة أعلم بالتفسير وأحفظ الناس، قال الحافظ بن حجر عنه: ثقة ثبت توفي سنة 117، أو 118، في مدينة واسطة. انظر: التهذيب 8/351-356؛ والتقريب 381؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله 106؛ وصفوة الصفوة 3/259.
(2) - عكرمة مولى عبد الله بن عباس أبو عبد الله البربري، كان من أعلم تلامذة ابن عباس بالتفسير روى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهما، واتفق بحديثه عامة أهل العلم منهم أحمد بن حنبل، وتوفي سنة (107) هـ في المدينة المنورة. انظر: التهذيب 7/263؛ صفوة الصفوة 2/103-104؛ تذكرة الحفاظ 1/89.
(3) - الآية (39) من سورة الرعد.
(4) - أخرج ابن جرير بسند صحيح عن قتادة بلفظ (يمحو الله ما يشاء ويثبت) هي مثل قوله: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير مها أو مثلها) وقوله: (وعنده أم الكتاب، أي: جملة الكتاب وأصله. انظر: جامع البيان 13/112-113).
(5) - محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرضي أبو حمزة من حلفاء الأوس سكن الكوفة ثم المدينة، روى عن ابن عباس، وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة، قال عنه عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن منه، مات سنة (118هـ) بسقوط سقف المسجد عليه وهو يدرس. ثقة عالم من الثالثة، وكان قد نزل الكوفة مدة.. انظر: تهذيب التهذيب 9/422؛ والتاريخ الصغير للبخاري، وفيه مات سنة 108.
(1/66)
في قوله - عز وجل - { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قال: نزلت في الناسخ والمنسوخ (1) قال: وحدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا كثير بن يحيى، قال: حدثنا أبي، قال: بنا يونس بن عبيد، وهشام بن حسان جميعا، عن محمد بن سيرين (2) { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ } (3) يرفعه، ويثبت ما يشاء فيدعه مقرا له قال: وحدثنا موسى بن هارون، قال حدثنا الحسين قال: بنا شيبان عن قتادة { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } (4) قال: المحكمات الناسخ الذي يعمل به (5) قال وحدثنا محمد بن معمر: قال: ثنا روح، قال: حدثنا الحسن بن علي بن "عفان" (6) عن عامر بن الفرات عن أسباط (7) عن السدي { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } (8)
__________
(1) - سبق مثله عن ابن عباس.
(2) - محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم أبو بكر بن أبي عمرة البصري روى عن الصحابة وعن كبار التابعين، قال أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين، لم يسمع ابن سيرين من ابن عباس، رضي الله عنهما، وهو تابعي فاضل عالم ثقة كان كاتب أنس بن مالك بفارس مات سنة (110)هـ وهو ابن (70). انظر: التهذيب 9/214-217.
(3) - الآية (39) من سورة الرعد.
(4) - الآية السابعة من آل عمران.
(5) - أخرج الطبري نحو5 عن قتادة في جامع البيان 3/172.
(6) - غير واضحة من "هـ" وهو الحسن بن علي بن عفان العامري أبو محمد الكوفي صدوق من الحادية عشرة مات سنة (270 هـ). انظر: التهذيب (70-71).
(7) - أما أسباط فهو ابن نصر الهمداني، وقد اختلف الثقاة في الحكم عليه فضعفه أحمد وأبو نعيم والنسائي، والساجي فيما رواه عن السماك بن حرب، وأما البخاري فقد وصفه في التاريخ الأوسط بأنه صدوق، قال الحافظ بن حجر: علق له البخاري حديثا في الاستسقاء وهو حديث منكر أوضحته في التعليق، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب من الثامنة. انظر: التهذيب 1/ 211-212؛ والتقريب 26-27.
(8) - الآية (39) من سورة الرعد..
(1/67)
ما يشاء من المنسوخ ويثبت من الناسخ، قال: وحدثنا... { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } (1) قال:... لم تنسخ (2) ورواه سفيان عن سلمة (3) عن الضحاك، قال: المحكمات الناسخ (4).
__________
(1) -الآية السابعة من آل عمران.
(2) - يظهر كأن في هذه الرواية سقط لو لم يكن في "م" سقط للحقنا الصواب.
(3) - في "م" وعن سلمة، ولعل الواو زيادة من النساخ كما يظهر من كتاب سفيان الثوري الآتي ذكره.
(4) - رواه سفيان في تفسيره: عن سلمة بن نبيط، أو جويبير، عن الضحاك في قوله: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات) قال: الناسخ، وأخر متشابهات، قال: المنسوخ. انظر: تفسير سفيان الثوري الآية (7) من سورة آل عمران والصفحة (34). وقد جاء في تفسير الطبري 3/172، من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (المحكمات الناسخ الذي يدان به ويعمل به، والمتشابهات المنسوخات التي لا يدان بهن) وفي تفسير تنوير المقياس - المنسوب إلى ابن عباس - ص34 (آيات محكمات) أي: مبينات بالحلال والحرام، لم تنسخ يعمل بها.
(1/68)
أخبرنا إسماعيل =ابن= (1) أحمد قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي (2) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، - رضي الله عنه - (3) قال: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع عن سلمة "بن نبيط" (4) عن الصحابة] (5)
__________
(1) - ساقطة من "هـ"، والصواب ما أثبت كما يظهر من ترجمته.
(2) - يبدو أن هنا سقطا، لأن إسماعيل بن أحمد لم يسمع من إسحاق بن أحمد ولم يدركه، كما أنه لم يرو المؤلف إلى نهاية الكتاب في هذا السند إلا بواسطة أبي الفضل البقال عن ابن بشران عن إسحاق بن أحمد الكاذي، وليس هذا أيضا من جملة حذف الأسانيد للاختصار، المشار إليه في مقدمة المؤلف، لأنه لم يتعود الحذف إلا من بداية السند لا من وسطه. فظهر لنا أن الصواب في السند: أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفضل البقال، قال: أخبرنا ابن بشران، قال: أخبرنا إسحاق ابن أحمد الكاذي). والله أعلم. أما إسماعيل بن أحمد فهو من مشائخ المؤلف وممن كثر عنه الرواية في هذا الكتاب يقول ابن الجوزي في مشيخته عنه: (هو إسماعيل بن أحمد بن الأشعث السمرقندي، كان ثقة ذا يقظة ومعرفة بالحديث)، وحسن إصغاء إلى من يقرأ عليه الحديث، وأملى بجامع المنصور زيادة من ثلاثمائة مجلس. وقرأت عليه الحديث، توفي رحمه الله 536 هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 89-92؛ والمنتظم 10/98؛ والشذرات 4/ 112.
(3) - عبد الله بن محمد بن حنبل الشيباني ثقة ثبت مفسر محدث سمع من أبيه المسند، وهو ثلاثون ألفا، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفا، سمع منه ثمانين ألفا والباقي وجادة، وسمع الناسخ والمنسوخ والتاريخ وجوابات القرآن وغيرهما من أبيه، ولد سنة (213هـ) وتوفي سنة (290هـ). انظر: التهذيب 5/141-143.
(4) - غير واضحة من "هـ" صححتها عن التهذيب وهو سلمة بن نبيط بن شريط من مشائخ الوكيع ثقة، يقال: اختلط في آخره. انظر: التهذيب 4/158.
(5) - انتهى البياض من "م"..
(1/69)
قال: المتشابه ما قد نسخ، والمحكمات ما لم ينسخ (1).
وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (2) أُبَيٌّ (3) أعلمنا بالمنسوخ (4).
الباب الثالث
"باب بيان حقيقة النسخ"
النسخ في اللغة على معنيين:
أحدهما: الرفع والإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل إذا رفعت ظل الغداة بطلوعها وخلفه ضوؤها. ومنه قوله تعالى: { فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ } (5)
__________
(1) - أخرج الطبري من طريق السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة (المحكمات الناسخات التي يعمل بهن والمتشابهات المنسوخات). انظر: جامع البيان 3/104. وقد ذكر المؤلف في زاد المسير 350 ثمانية آراء للمحكمات ومنها أن معناها الناسخ والمنسوخ، وعزا5 إلى ابن عباس وابن مسعود والسدي وقتادة.
(2) - عمر بن الخطاب بن فضيل القرشي العدوي، أبو حفص، ثاني الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين، صاحب الفتوحات، يضرب المثل بشجاعته كان في الجاهلية من أشراف قريش، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين فصلوا بالكعبة جهارا، استشهد أمير المؤمنين في أواخر ذي الحجة سنة 23هـ بعد أن عاش نحوا من ستين سنة. انظر: تذكرة الحفاظ 1/5-8.
(3) - أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار المدني سيد القراء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شهد بدرا والعقبة الثانية، قال عمر رضي الله عنه: سيد المسلمين. أبي بن كعب، قال الأكثرون: توفي في خلافة عمر رضي الله عنه. انظر: التهذيب 1/187-188؛ وتذكرة الحفاظ 1/16-17.
(4) - رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن عباس عن عمر رضي الله عنه في باب جواز نسخ القرآن والدليل على ذلك. انظر: مسند الإمام أحمد مع الفتح الرباني 18/57-58.
(5) - الآية (52) من سورة الحج.
(1/70)
والثاني: تصوير مثل المكتوب في محل آخر، "يقولون" (1) نسخت الكتاب، ومنه قوله تعالى: { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (2)
وإذا أطلق النسخ في الشريعة أريد به المعنى الأول، لأنه رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل.
وقال شيخنا علي بن عبيد الله: (3) الخطاب في التكليف على ضربين: أمر، ونهي، فالأمر استدعاء الفعل، والنهي استدعاء الترك، واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب:
أحدهما: (4) ما يكون على سبيل (5) الإلزام والانحتام إما بكونه فرضا أو واجبا ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه:
أحدها: (6) أن يخرج من الوجوب إلى المنع، مثل ما كان (7) التوجه إلى بيت المقدس واجبا ثم نسخ [بالمنع منه.
والثاني: أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب مثل نسخ] (8) وجوب الوضوء "لكل صلاة إلى أن" (9) جعل مستحبا.
__________
(1) - في "هـ" يقول، بالإفراد.
(2) - الآية (29) من سورة الجاثية.
(3) - علي بن عبيد الله بن نصر السري أبو الحسن المعروف بابن الزاغوني، تتلمذ عليه ابن الجوزي وكان فقيها مؤرخا من أعيان الحنابلة يتفنن في شتى العلوم، من الأصول والفروع والحديث والوعظ وصنف في ذلك كله، قال المؤلف في مشيخته: توفي يوم الأحد سابع عشر محرم سنة سبع وعشرين وخمسمائة، انظر: الذيل لابن رجب 1/182؛ والنجوم الزاهرة 5/250؛ ومشيخة ابن الجوزي 86-88؛ ومعجم المؤلفين 7/144، ولم أعثر على كلامه من كتبه لأنها معدومة اليوم.
(4) - في "هـ" "حدهما" ولعله خطأ من الناسخ.
(5) - في "هـ" ما سبيل الإلزام و "ما" زيادة من الناسخ.
(6) - في "هـ" أحد هما، وهو خطأ.
(7) - في "هـ" ما يكون، بصيغة المضارع.
(8) - ما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(9) - غير واضحة من "م".
(1/71)
والثالث: (1) أن ينسخ [من] (2) الوجوب إلى الإباحة مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز فصار الوضوء منه جائزا.
والضرب الثاني: استدعاء على سبيل الاستحباب، فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا:
أحدها: أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب، وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه "وافتدى" (3) جاز ثم نسخ ذلك بانحتامه في حق الصحيح المقيم.
والثاني: أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم، مثل نسخ "اللطف" (4) بالمشركين وقول الحسنى لهم فإنه نسخ بالأمر بقتالهم.
والثالث: أن ينسخ من الاستحباب إلى الإباحة، مثل (5) نسخ استحباب الوصية للوالدين بالإباحة.
والضرب الثالث: (6) المباح وقد اختلف العلماء هل هو (7) [مأمور به والصحيح أنه مأذون فيه =غير= (8) مأمور به، ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم، مثاله: أن الخمر مباحة ثم حرمت. وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة، فلا يوجد، لأنه لا تناقض، فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ، لأن "إيجاب" (9) المباح إبقاء تكليف لا نسخ وأما القسم الثاني من الخطاب: وهو النهي فهو يقع على ضربين:
أحدهما: على سبيل التحريم، فهذا قد ينسخ بالإباحة، مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع (10).
والثاني: على سبيل الكراهة، لم يذكر له مثال.
__________
(1) - في "هـ" كلمة "والضرب" زيادة بعد والثالث، ولعلها من الناسخ.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "م".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - في "م" مثل ما نسخ، ولعل "ما" زيادة من الناسخ.
(6) - في "هـ" فصل: والثالث.
(7) - من هنا صفحتان بيضاوان في المدنية.
(8) - كلمة "غير" غير موجودة في "هـ" أيضا، أضفتها، حسب ما يفهم من سياق كتب الأصول. انظر: مثلا الموافقات في كتاب الأحكام 1/(109).
(9) - في "هـ" إيجاز، وهو تحريف.
(10) - كلمة والجماع عطف على الأكل لا على النوم كما هو ظاهر.
(1/72)
فصل: فأما "الأخبار" (1) فهي على ضربين:
أحدهما: ما كان لفظه لفظ الخبر، ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى: { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } (2) فهذا لاحق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه.
والثاني: الخبر الخالص، فلا يجوز عليه، لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك محال. وقد حكى جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (3) والسدي وليس بشيء يعول عليه: وقال أبو جعفر النحاس، وهذا القول عظيم جدا يئول إلى الكفر، لأن قائلا لو قال: قام فلان ثم قال: لم يقم، فقال: نسخته لكان كاذبا (4).
__________
(1) - في "هـ" الاجبار، وهو تصحيف.
(2) - الآية (79) من سورة الواقعة.
(3) - ذكر هذا القول ابن خزيمة الفارسي في ناسخه المطبوع مع الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 263، عن ابن زيد وجماعة، ثم قال: ولا حجة لهم في ذلك من الرواية. وأما عبد الرحمن، فهو ابن زيد بن أسلم العدوي مولاهم المدني، قال ابن حبان: كان يقلب الأخبار، وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف فاستحق الترك وقال أبو داود: أنا لا أحدث عن عبد الرحمن. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه، قال البخاري، قال لي إبراهيم بن حمزة مات سنة (182)هـ. انظر: التهذيب 6/178.
(4) - انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 3. يقول ابن جرير الطبري وهو يفسر آية (ما ننسخ من آية أو ننسها) 106 البقرة (يعني جل ثناؤ5 بقوله: ما ننسخ من آية - ما ننسخ من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره وذلك أن يحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ). انظر: جامع البيان 1/378.
(1/73)
وقال ابن عقيل: (1) الأخبار لا يدخلها النسخ، لأن نسخ الأخبار كذب وحوشي القرآن من ذلك.
__________
(1) - أما ابن عقيل: فهو علي بن عقيل بن أحمد البغدادي، أبو الوفاء المعروف بابن عقيل عالم العراق شيخ الحنابلة ببغداد في وقته ولد سنة 431هـ - كما قال المؤلف نقلا عن خطه - وله عدة تصانيف أعظمها كتاب الفنون وهو أربعمائة جزء، قال الذهبي ما صنف في الدنيا أكبر من كتاب الفنون توفي رحمه الله سنة 513هـ. انظر: معجم المؤلفين 7/152؛ ولسان الميزان 4/243؛ وشذرات الذهب 4/35؛ والأعلام 5/121.
(1/74)
فصل: وقد زعم قوم: أن المستثنى ناسخ لما استثنى منه، وليس هذا بكلام من يعرف ما يقول، لأن =الاستثناء إخراج بعض ما شمله= (1) اللفظ، وليس ذلك بنسخ، وكذلك التخصيص، وقد يجوزه بعض السلف فيقول "هذه الآية نسخت هذه الآية. أي: نزلت بنسختها" (2)
__________
(1) - هذه العبارة غير واضحة من "هـ" كملتها من كتاب المؤلف المخطوط سماه بمختصر عمدة الراسخ، في الورقة الثالثة منه.
(2) - هذ5 العبارة أيضا غير واضحة من "هـ" صححتها من كتب النسخ الأخرى. انظر: مثلا الناسخ والمنسوخ للنحاس (112)، وسوف يأتي في أماكن كثيرة، نقل المؤلف هذا القول عن النحاس. قلت: كان الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون من بعدهم يرون أن النسخ هو مطلق التغيير الذي يطرأ على بعض الأحكام، فيرفعها ليحل غيرها محلها، أو يخصص ما فيها من عموم، أو يقيد ما فيها من إطلاق. انظر ما قاله الشاطبي: (الذي يظهر من كلام المتقدمين - أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين، فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخا، وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخا - كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا؛ لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد، وهو مطلق التغيير. أما النسخ في اصطلاح المتأخرين فهو يقتضي أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف، وإنما المراد ما جيء به آخرا فالأول غير معمول به والثاني معمول به وهذا تغيير خاص) قلت: وهذه النظرية قد سبق إليها إمام المفسرين ابن جرير الطبري حيث يشير في تفسير5 إلى كتاب له باسم (البيان عن أصول الإحكام) وأخبر أنه دلل فيه (بما أغنى عن تكريره في هذه الموضع) - (على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكما ثابتا ألزم العباد فرضه، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك.. فأما إذا احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم، أو المجمل والمفسر - في الناسخ والمنسوخ بمعزل... ولا منسوخ إلا الحكم الذي قد كان ثبت حكمه وفرضه) وأما الإمام ابن حزم الظاهري فيقول: (وقد تشكل قوم في معاني النسخ والتخصيص، والاستثناء فقوم جعلوها كلها نوعا واحدا، قال أبو محمد وهذا خطأ...) ثم بين الفرق بين الاستثناء والنسخ وقال: (فإن كان هذا لمخالف يريد أن يقول: أن النسخ نوع من أنواع الاستثناء، لأنه استثناء زمان وتخصيصه بالعمل دون سائر الأزمان، لم نأب عليه ذلك، ويكون حينئذ صواب القول إن كل نسخ استثناء، وليس كل استثناء نسخا، وهذا صحيح. انظر في ذلك كله: الموافقات للشاطبي 3/108؛ وجامع البيان عند ذكر آية (115) (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) 1/402؛ والإحكام في أصول الإحكام لابن حزم 4/444.
(1/75)
.
الباب الرابع
"باب شروط النسخ"
الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة:
أحدها: أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا، بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا، فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر، وذلك قد يكون على وجهين:
أحدها: أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله =الثاني= (1) بدليل العموم، والآخر متناولا لما تناوله =الأول= (2) بدليل الخصوص، فالدليل الخاص لا يوجب نسخ دليل العموم، بل، يبين أنه إنما تناوله التخصيص لم يدخل تحت دليل العموم.
والوجه الثاني: أن يكون كل واحد من الحكمين ثابتا في حال "غير" (3) الحالة التي ثبت فيها "الحكم" (4) الآخر مثل تحريم المطلقة ثلاثا فإنها محرمة على مطلقها في حال، وهي ما دامت خالية عن زوج وإصابة فإذا أصابها زوج ثان ارتفعت الحالة الأولى، وانقضت بارتفاعها مدة التحريم فشرعت في حالة أخرى حصل فيها حكم الإباحة للزوج المطلق ثلاثا، فلا يكون هذا ناسخا، لاختلاف حالة التحريم والتحليل.
والشرط الثاني: أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ فذلك يقع بطريقين:
__________
(1) - العبارة قلقة في "هـ" فيها "متناولا لاما متناوله بدليل العموم" صححتها حسب السياق، ونظرا إلى أن المعنى المطلوب لا يفهم إلا به.
(2) - كلمة "الأول"، غير موجودة في "هـ" أضفتها حسب السياق.
(3) - في "هـ" عن، وهو تحريف عما أثبت.
(4) - في "هـ" من الحكم، ولعل "من" زائدة من الناسخ.
(1/76)
أحدهما: من جهة النطق كقوله تعالى: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } (1) وقوله { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ } (2) ومثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها) (3).
والثاني: أن يعلم بطريق التاريخ، وهو أن ينقل "بالرواية" (4) بأن يكون =الحكم الأول ثبوته= (5) متقدما على الآخر فمتى ورد الحكمان مختلفين على وجه =لا يمكن العمل (6) = بأحدهما إلا بترك الآخر، ولم يثبت تقديم أحدهما على صاحبه بأحد الطريقين امتنع ادعاء النسخ في أحدهما.
والشرط الثالث: "أن يكون الحكم المنسوخ مشروعا" (7) أعني أنه ثبت بخطاب الشرع، فأما إن كان ثابتا بالعادة والتعارف لم يكن رافعه ناسخا، بل يكون ابتداء شرع وهذا شيء "ذكر عند" (8) المفسرين، فإنهم قالوا: كان الطلاق في الجاهلية لا إلى غاية فنسخه قوله: (الطلاق =مرتان=) (9) وهذا لا يصدر ممن "يفقه" (10) لأن الفقيه يفهم أن هذا ابتداء "شرع" (11) لا نسخ.
__________
(1) - الآية (66) من سورة الأنفال.
(2) - الآية (187) من سورة البقرة.
(3) - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن بريدة في باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، وفي رواية أخرى عنه، تبدأ (نهيتكم). انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 13/134-135.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ" كملتها حسب السياق ولوجود بياض في المخطوطة.
(6) - ساقطة من "هـ" كملتها نظرا للسياق ولوجود بياض في المخطوطة.
(7) - غير واضحة من "هـ" أحسبها كما صححت.
(8) - غير واضحة من "هـ" كملتها نظرا للسياق.
(9) - الآية (229) من سورة البقرة، "مرتان" ساقطة من "هـ".
(10) - غير واضحة من "هـ".
(11) - في "هـ" ابتداء شرعا، بالنصب، والذي سجلت أقوم.
(1/77)
والشرط الرابع: أن يكون ثبوث الحكم الناسخ مشروعا كثبوت المنسوخ، فأما ما ليس بمشروع بطريق النقل، فلا يجوز أن يكون ناسخا للمنقول، ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس.
والشرط الخامس: أن يكون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل الطريق الذي ثبت به المنسوخ أو أقوى منه، فأما إن كان] (1) دونه فلا يجوز أن يكون الأضعف ناسخا للأقوى.
الباب الخامس
"باب ذكر ما اختلف [فيه] (2) هل هو شرط في النسخ أم لا"؟
اتفق العلماء على جواز نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة، فأما نسخ القرآن بالسنة، فالسنة تنقسم قسمين:
__________
(1) - انتهى البياض في (م).
(2) - ساقطة من "هـ".
(1/78)
أحدهما: ما ثبت بنقل متواتر، كنقل القرآن، فهل يجوز أن ينسخ القرآن بمثل هذا حكى فيه شيخنا علي بن عبيد الله روايتين عن أحمد (1) قال: والمشهور أنه لا يجوز، وهو مذهب الثوري (2) والشافعي (3)
__________
(1) - وهو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي إمام المذهب الحنبلي أصله من مرو وكان أبو5 والي سرخس، ولد ببغداد سنة 164 هـ، وسافر لطلب العلم إلى البلدان النائية العديدة، وصنف المسند الذي يحتوي على ثلاثين ألف حديث، وله مؤلفات قيمة منها الناسخ والمنسوخ، رواه عنه ولد5 عبد الله، وتوفي رحمه الله سنة 241 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 1/ 72-76؛ وتاريخ بغداد 4/412؛ ووفيات الأعيان 1/87؛ ودائرة المعارف الإسلامية 491، 496؛ والبداية والنهاية 1/ 32.
(2) - أما الثوري: فهو سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري، أبو هبة الله الكوفي، إمام شهير ورع، قال الخطيب: كان إماما من أئمة المسلمين، وعلما من أعلام الدين مجمع على إمامته معروف بالحفظ والضبط والمعرفة والزهد، ولد سنة 97 هـ وتوفي سنة 161 هـ بالبصرة. انظر: التهذيب 4/111-115؛ وتذكرة الحفاظ 203-204.
(3) - انظر ما قاله الإمام الشافعي في رسالته 106-110، بتحقيق أحمد شاكر. وقد روى ابن حازم عن الشافعي وأحمد رحمهما الله بسند متصل إليهما عدم جواز نسخ القرآن بالسنة، في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار 28-29 وأما الشافعي: فهو الإمام الكبير المجتهد النحرير صاحب المذهب المعروف باسمه محمد بن إدريس المطلبي الشافعي القرشي المكي أبو عبد الله نزيل مصر ولد سنة (150) للهجرة، يوم وفاة الإمام الأعظم أبي حنيفة الكوفي، قال أحمد: (إن الله يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب، فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي المائتين الشافعي) وهو من أول من تكلم في النسخ ضمن مؤلفاته، توفي سنة (204هـ).. انظر: التهذيب 9/25-31؛ وطبقات الشافعية 1/175؛ وكتاب "الشافعي حياته وعصره" للأستاذ أبي زهرة.
(1/79)
والرواية الثانية يجوز: وهو قول أبي حنيفة (1) ومالك (2) قال: ووجه الأولى: قوله تعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } (3) والسنة ليست مثلا للقرآن. وروى الدارقطني (4) من حديث جابر بن عبد الله (5)
__________
(1) - أبو حنيفة: هو الإمام الأعظم النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي صاحب المذهب المعروف باسمه فقيه مجتهد، ولد سنة (70هـ) في الكوفة ونشأ بها وكان قوي الحجة من أحسن الناس منطقا، قال الإمام الشافعي: (الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة) توفي رحمه الله سنة (150هـ). انظر: التهذيب 10/449-452؛ وتاريخ بغداد 13/323-423؛ وفيات الأعيان 2/163.
(2) - مالك: هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر أبو عبد الله المدني، إمام دار الهجرة أحد أعلام الإسلام، صاحب المذهب المعروف باسمه، كان صلبا في دينه بعيدا عن الأمراء والملوك، وكان ثقة ورعا مأمونا فقيها حجة قال الإمام الشافعي: (إذا جاء الأثر فمالك النجم، ومالك وابن عيينة قرينان ولد سنة (93)هـ وتوفي سنة 179هـ، ودفن بالبقيع. انظر: التهذيب 10/5 ؛ صفوة الصفوة 2/177-180؛ تذكرة الحفاظ 1/207.
(3) - الآية (106) من سورة البقرة.
(4) - الدارقطني: هو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الدارقطني الشافعي الحافظ، إمام عصره في الحديث، ولد بدارقطنى 306هـ (من أحياء بغداد فتوفي فيها سنة (385هـ) وله عدة تصانيف منها السنن. انظر: تاريخ بغداد 12/34؛ وطبقات الشافعية؛ وسير أعلام النبلاء الطبقة الحادية والعشرون مخطوط.
(5) - جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي، صحابي جليل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كبار الصحابة، اختلف في تاريخ وفاته، قيل 78هـ وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 2/42-43؛ وأسد الغابة 1/256؛ والإصابة 1/213..
(1/80)
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (كلامي لا ينسخ القرآن، والقرآن ينسخ بعضه بعضا) (1).
__________
(1) - رواه الدارقطني في النوادر من سنة 5/145، بلفظ (كلامي لا ينسخ كلام الله وكلام الله ينسخ كلامي، وكلام الله ينسخ بعضه بعضا) وفي إسناد5 جبرون بن واقد، قال الذهبي، عنه أنه ليس بثقة، روى هذا الحديث عن سفيان عن الزبير بقلة حياء. انظر: المغني في الضعفاء 1/127. وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي العلاء بن الشخير، حديثا بلفظ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثه بعضه بعضا، كما ينسخ القرآن بعضه بعضا) وذكر نحو5 ابن حازم في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفق، وابن الجوزي في كتاب أعلام العالم بعد رسوخه بحقائق ناسخ الحديث ومنسوخه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/37.
(1/81)
ومن جهة المعنى؛ فإن السنة تنقص عن درجة القرآن فلا تقدم عليه، ووجه الرواية الثانية، قوله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } (1) والنسخ في الحقيقة بيان مدة المنسوخ، فاقتضت هذه الآية قبول هذا البيان، قال: وقد نسخت الوصية للوالدين والأقربين (2) بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث) (3) ونسخ قوله تعالى: { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } (4) بأمره عليه الصلاة والسلام، أن يقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة (5) ومن جهة المعنى، أن السنة مفسرة للقرآن وكاشفة لما يغمض من معناه فجاز أن ينسخ بها. والقول الأول هو الصحيح، لأن هذه الأشياء تجري مجرى البيان للقرآن، "لا النسخ" (6) وقد روى أبو داود السجستاني (7)
__________
(1) - الآية (44) من سورة النحل.
(2) - جاء ذكر الوصية في القرآن الآية (180) من سورة البقرة.
(3) - رواه البخاري معلقا والدارقطني وابن ماجه وقال العلامة أحمد بن أبي بكر البصيري في زوائد بن ماجه، إسناد5 صحيح، وفيه محمد بن شعيب وثقه رحيم وأبو داود وباقي رجال الإسناد على شرط البخاري. انظر: سنن ابن ماجه بتحقيق فؤاد عبد الباقي 2/905.
(4) - الآية (119) من سورة البقرة.
(5) - كما رواه البخاري عن أنس بن مالك في باب أين وكز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، واسم ابن خطل: عبد الله هو رجل من بني تميم بن غالب، قاله ابن إسحاق. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/76؛ وسيرة بن هشام 3/410؛ والسيرة النبوية لابن كثير 3/564.
(6) - في "م" و "هـ" لا للنسخ، ولعل اللام الثاني زيادة من الناسخ.
(7) - وهو سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي أبو داود إمام أهل الحديث في عصره توفي بالبصرة (266) هـ وقد روى عنه أبو بكر أحمد بن سليمان النجار كتاب الناسخ والمنسوخ وله عدة مؤلفات، منها: السنن.. انظر: تذكرة الحفاظ 2/591-593؛ وتاريخ بغداد 9/55.
(1/82)
قال: سمعت أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - يقول: السنة تفسر القرآن، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن، وكذلك قال الشافعي: إنما ينسخ الكتاب الكتاب والسنة ليست ناسخة له (1).
والقسم الثاني: الأخبار المنقولة بنقل الآحاد فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن، لأنها لا توجب العلم، بل تفيد الظن، والقرآن يوجب العلم، فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون، وقد احتج من رأى جواز نسخ التواتر بخبر الواحد بقصة أهل قباء لما استداروا بقول واحد (2) فأجيب بأن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالقرآن فجاز أن "تنسخ" (3) بخبر الواحد.
__________
(1) - يقول الإمام الشافعي في رسالته: (... وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب بمثل ما نزل نصا ومفسرة معنى ما أنزل الله منه مجملا). انظر: الرسالة ص106، بتحقيق أحمد شاكر. ويرى الإمام ابن حزم الظاهري وغيره جواز نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن لأن كل ذلك سواء في أنه وحي، وساق ابن حزم أدلة كثيرة على ذلك في باب الأخبار من كتابه الإحكام في أصول الإحكام، وفند أدلة المعارضين في باب الكلام في النسخ منه. انظر: الكتاب المذكور 4/477-483.
(2) - رواه البخاري في كتاب التفسير في باب (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب) الآية ورواه مسلم في "باب تحويل القبلة إلى الكعبة". انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/240؛ وصحيح مسلم مع شرح النووي 5/10.
(3) - في "م" و "هـ" ينسخ بالياء التحتانية، وهو خطأ.
(1/83)
فصل: واتفق "العلماء" (1) على جواز نسخ نطق الخطاب، واختلفوا في نسخ ما "ثبت" (2) بدليل الخطاب و "تنبيهه" (3) و "فحواه" (4) "فذهب" (5) عامة العلماء إلى جواز ذلك، واستدلوا بشيئين:
أحدهما: أن دليل الخطاب دليل شرعي يجري مجرى النطق في وجوب العمل به "فجرى مجراه" (6) في النسخ.
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - في "هـ" يثبت.
(3) - في "هـ" تنبه، وهو خطأ من الناسخ.
(4) - في "هـ" فجواه بالجيم وهو تصحيف. أما دليل الخطاب عند الأصوليين فهو مفهوم المخالفة، وهو إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه. وأما تنبيه الخطاب وهو نوع من مفهوم المخالفة، وهو مفهوم الموافقة عند القاضي عبد الوهاب، أو المخالفة عند غيره، وكلاهما فحوى لخطاب عند الباجي. فترادف تنبيه الخطاب وفحواه ومفهوم الموافقة لمعنى واحد، وهو إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى كما ترادف مفهوم المخالفة، ودليل الخطاب وتنبيهه. انظر: شرح تنقيح الفصول 53.
(5) - في "هـ" وذهب بالواو.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(1/84)
والثاني: أنه قد وجد ذلك، فروى جماعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الماء من الماء) (1) وعملوا بدليل خطابه، فكانوا "لا يغتسلون" (2) من التقاء الختانين، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو (لم ينزل) (3) وقد حكى عن جماعة من أهل الظاهر أنه لا يجوز نسخ ما ثبت بدليل الخطاب وفحواه "قالوا:" (4) لأن ذلك معلوم بطريق القياس، والقياس لا يكون ناسخا ولا منسوخا وليس الأمر على ما ذكر، بل هو مفهوم من معنى النطق وتنبيهه (5).
__________
(1) - أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري، في باب بيان أن الغسل لا يوجب إلا أن ينزل المني، والترمذي عن أبي بن كعب في باب ما جاء أن الماء من الماء. انظر: صحيح مسلم 4/37؛ والترمذي 1/183، وفيه (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها).
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - في "هـ" (إذ التقى الختان الختان وجب الغسل نزل أو لم ينزل). أخرج هذا الحديث مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في باب بيان أن الغسل يجب بالجماع، وفي رواية له عن مطر وإن لم ينزل، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، وفيه "أنزل أو لم ينزل" وأخرجه الترمذي عن عائشة وغيرها في باب (إذ التقى الختانان وجب الغسل). وناقش قضية النسخ في هذا الحديث ابن حازم في الاعتبار. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 4/40-41؛ ومسند الإمام أحمد مع فتح الرباني 2/114؛ والجامع الصحيح للترمذي 1/180- 181؛ والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار 30-32.
(4) - في "هـ" وقالوا.
(5) - قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في كتابه اللمع في أصول الفقه، ص 33 (يجوز النسخ بدليل الخطاب لأنه معنى النطق على المذهب الصحيح، ومن أصحابنا من جعله كالقياس، فعلى هذا لا يجوز النسخ به والأول أظهر، وأما النسخ بفحو الخطاب وهو التنبيه فلا يجوز لأنه قياس، ومن أصحابنا من قال: يجوز النسخ به لأنه كالنطق.
(1/85)
فصل: واتفق العلماء على أن الحكم المأمور به إذا عمل به ثم نسخ بعد ذلك أن النسخ يقع صحيحا جائزا. واختلفوا هل يجوز نسخ الحكم قبل العمل به فظاهر كلام أحمد: جواز ذلك وهو اختيار عامة أصحابنا وكان أبو الحسن التميمي (1) يقول: لا يجوز ذلك وهو قول أصحاب أبي حنيفة (2) واحتج الأولون بأن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخ ذلك بالفداء قبل فعله (3) وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض عليه وعلى أمته ليلة المعراج خمسون صلاة ثم نسخ ذلك بخمس صلوات (4)
__________
(1) - وهو أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي الكوفي النحوي المعروف بابن النجار، عالم مؤلف مشهور، ولد بالكوفة سنة 303هـ وتوفي فيها 402هـ. انظر: شذرات الذهب 2/164؛ والمنتطم 6/12، والأعلام 6/298-299.
(2) - يذكر الأصوليون في كتبهم الاختلاف بين العلماء في جواز نسخ الحكم قبل العمل به فقالوا: ذهب الأشاعرة وأكثر أصحاب الشافعي، وأكثر الفقهاء إلى جواز5 وخالفهم المعتزلة ومعظم الحنفية... وأبو بكر الصيرفي من أصحاب الشافعي، وبعض أصحاب أحمد. انظر: الإحكام في أصول الإحكام للآمدي 3/126؛ والتقرير والتحبير شرح التحرير 3/49-53؛ وكتاب المعتمد 1/406-413.
(3) - كما جاء ذلك في سورة "الصفات" الآيات 100-108، يقول المؤلف في كتابه فنون الأفنان في عجائب القرآن، (المخطوط)- وهو يثبت جواز نسخ الحكم قبل العمل به: (إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولد5 بمنام، والمنام أوفى درك الوحي). انظر: البرهان للزركشي2/37.
(4) - رواه الشيخان وأصحاب السنن. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء 2/4-9؛ وصحيح مسلم بشرح النووي 2/209-216؛ في باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض الصلاة، كلاهما من حديث أنس..
(1/86)
ومن جهة المعنى: فإن الأمر بالشيء يقع فيه تكليف الإيمان [به] (1) والاعتقاد له، ثم تكليف العزم على فعله في الزمان الذي عين له ثم إذا "فعل" (2) على الوجه المأمور به، فجاز أن ينسخ قبل الأداء، لأنه لم يفقد من لوازمه غير الفعل، والنية نائبة عنه.
واحتج من منع من ذلك، بأن الله تعالى إنما يأمر عباده بالعبادة، لكونها "حسنة" (3) "فإذا" (4) أسقطها قبل فعلها، خرجت عن كونها حسنة وخروجها قبل الفعل يؤدي إلى البداء (5) وهذا كلام مردود بما بينا من الإيمان والامتثال. والعزم يكفي في تحصيل المقصود، من "التكليف" (6) بالعبادة.
الباب السادس
"باب فضيلة علم الناسخ والمنسوخ والأمر بتعلمه"
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في النسختين "إذا فعله" والذي أثبت أقوم لأنه لم يسبق ما يعود إليه الضمير.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - في "هـ" فإن".
(5) - قال الإمام ابن حزم الظاهري، بعد أن جوز النسخ قبل العمل به وبعده، (ومن جعل هذا بداء قد جعل النسخ بداء ولا فرق. وكل ما أدخلوه في نسخ الشيء قبل أن يعمل به راجع عليهم في نسخه بعد أن يعمل به ولا فرق. والله تعالى يفعل ما يشاء. والذي نقدر أن الذي حداهم إلى الكلام في هذه المسألة مذهبهم الفاسد في المصالح، ونحن لا نقول بها، بل نفوض الأمور إلى الله عز وجل يفعل ما يشاء). انظر: الإحكام في أصول الإحكام 4/472.
(6) - في "هـ" "الركب" وهو تحريف ظاهر.
(1/87)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي (1) قال: أخبرنا عبد الله بن محمد "الصريفيني" (2) قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم "الكتاني" (3) قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: بنا زهير بن حرب، قال حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حصين [عن أبي] (4) عبد الرحمن أن عليا عليه السلام (5)
__________
(1) - وهو الحافظ المحدث أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك البغدادي الأنماطي سمع عبد الله بن محمد الصريفيني وغيره ، قال السمعاني كان حافظا ثقة متقنا، وقال ابن الجوزي: (وكنت أقرأ الحديث عليه وهو يبكي فاستفدت من بكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان صحيح السماع ثقة ثبتا، وتوفي رحمه الله سنة 538 هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 92-93؛ والمنتظم 10/108؛ وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 رقم (1076)؛ والذيل لابن رجب 1/201-203.
(2) - غير واضحة من النسختين صححتها من كتب التراجم، وهو بفتح الصاد، وكسر الراء والفاء نسبة إلى صريفين ببغداد، أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني خطيبها، توفي سنة 469هـ. انظر: تاريخ بغداد 10/146؛ ومعجم البلدان 5/354؛ المنتظم 8/314.
(3) - في النسختين "الكمالي" وهو خطأ، والصواب الكتاني، كما يظهر من ترجمته وهو أبو حفص المقرئ عمر بن إبراهيم الكتاني سمع من عبد الله البغوي وغيره مات سنة 539. انظر: تذكرة الحفاظ 1/738، و 2/1011.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن والحسين من أول الناس إسلاما ورابع الخلفاء الراشدين ومن المبشرين بالجنة شهد المشاهد كلها ما عدا غزوة تبوك، ولد رضي الله عنه قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح وتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، قتل في ليلة السابع عشر من شهر رمضان سنة 40هـ، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق). انظر: التهذيب 7/334-339؛ وأسد الغابة 4/16-40؛ والإصابة 2/507-510..
(1/88)
مر بقاص، فقال: أتعرف الناسخ والمنسوخ قال: لا.
قال: هلكت وأهلكت (1) أخبرنا محمد بن ناصر (2) قال: أخبرنا علي بن الحسين بن أيوب، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد، قال: حدثنا أبو داود (3) السجستاني، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا شعبة عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: مر أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - على قاص يقص "فقال" (4) تعلمت الناسخ والمنسوخ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت (5)
__________
(1) - أخرج هذا الأثر النحاس عن علي رضي الله عنه من طريق سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي، وذكر5 ابن حزم الأنصاري في ناسخه بدون إسناد، عن أبي عبد الرحمن، كما ذكره الخطيب البغدادي عنه، بإسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (5)، ومعرفة الناسخ والمنسوخ المطبوع على هامش تفسير ابن عباس (308)؛ والفقيه والمتفقه 1/80.
(2) - محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي الفارسي الأصل ثم البغدادي، متقن ثبت أديب لغوي حافظ من أول مشائخ ابن الجوزي، قال: السمعاني كان دينا خيرا كثير الصلاة دائم التلاوة للقرآن مواظبا على صلاة الضحى، وقال ابن الجوزي: كان حافظا ثقة ضابطا من أهل السنة لا مغمز فيه. تولى تسميعي، وسمعت بقراءته مسند أحمد والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث. انظر: الذيل 1/225-227؛ وتذكرة الحفاظ رقم (1079).
(3) - في "هـ" والسجستاني، والواو زيادة من الناسخ.
(4) - في "هـ" قال: بدون فاء ولعلها سقطت من الناسخ.
(5) - أخرجه النحاس في ناسخه (5) من طريق شعبه... عن أبي حصين. عن عبد الرحمن السلمي وذكر نحوه ابن حازم في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص (6) عن عبد الرحمن..
(1/89)
أخبرنا عبد الله بن علي المقري (1) قال: أخبرنا أحمد بن بندار البقال، قال: أخبرنا محمد بن عمر بن بكير النجار، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال: بنا إبراهيم بن عبد الله البصري، قال: حدثنا أبو عمر حفص بن عمر [الضرير] (2) قال: أبنا حماد بن سلمة أن عطاء بن السائب أخبرهم عن أبي البختري "الطائي" (3) قال: أتى علي عليه السلام على رجل في مسجد الكوفة وهو يقص فقال: من هذا قالوا: رجل يحدث، ثم أتى عليه يوما آخر [فإذا هو يقص] (4) فقال: من هذا قالوا: رجل يحدث (5) فقال: اسألوه، يعرف الناسخ من المنسوخ فسألوه، فقال: لا. فقال: إن هذا يقول: اعرفوني اعرفوني، أنا فلان ثم قال: لا تحدث (6).
__________
(1) - في "م" المقبري وهو تصحيف، والصواب المقري كما يظهر من ترجمته، وهو أبو محمد عبد الله بن علي المقري من مشائخ المؤلف ولد سنة (414)هـ وقرأ القراءات على جده أبي منصور الخياط وغيره وقرأ الأدب والحديث وكان حسن الصوت والأداء في القراءة، توفي سنة 541هـ. انظر: ترجمته في مشيخة ابن الجوزي 137-139؛ والذيل 1/209-212.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" الطاسي، وهو تحريف عما سجلت عن "م" وهو سعيد بن فيروز أبو البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ابن أبي عمران الطائي، مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل، كثير الإرسال من الثالثة، مات سنة 183هـ، التقريب (125).
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - في "م" زيادة في الهامش، ولا داعي لها، وهي (ثم أتى عليه يوم آخر فقال: هل).
(6) - أخرجه النحاس من طريق عطاء بن السائب عن أبي البختري. انظر: الناسخ والمنسوخ، ص 4.
(1/90)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا يزيد يعني ابن إبراهيم بن العلاء الغنوي، أن سعيد بن أبي الحسن لقي "أبا يحيى" (1) فقال: يا أبا يحيى: من الذي قال له علي عليه السلام اعرفوني اعرفوني؟ فقال إني [أ] (2) ظنك عرفت أني أنا هو، قال: قال: ما عرفت أنك هو، قال: فإني أنا هو، مر بي وأنا أقص بالكوفة، فقال: من أنت فقلت أنا [أ] (3) بو يحيى، قال: لست "بأبي" (4) يحيى ولكنك اعرفوني، هل عرفت الناسخ من المنسوخ؟ قلت: لا. قال: هلكت وأهلكت، قال: فلم أعد بعد [ذلك] (5) أقص على أحد (6)
__________
(1) - أما أبو يحيى: فهو مصد الأعرج المعرقب مولى عبد الله بن عمرو، ويقال: مولى معاذ بن عفراء، روى عن علي والحسن، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة، وروى عنه أبو الحسن البصري وآخرون. قال علي بن المديني وهو الذي مر به ابن سعيد بن أبي طالب وهو يقص فقال: تعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. وقال ابن حبان في الضعفاء، وجاء في التقريب مصدع بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه مقبول من الثالثة. انظر: التهذيب 10/157؛ والتقريب (338).
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" باقي، وهو تحريف.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ذكر ابن حزم نحوه عن سعيد بن أبي الحسن بدون إسناد، وذكر هبة الله في ناسخه أنه روى عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أنه دخل يوما مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرحمن بن دأب وكان صاحبا لأبي موسى الأشعري وقد تحلق عليه الناس، يسألونه ويخلط الأمر بالنهي والإباحة بالحظر فقال له علي رضي الله عنه: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا.. قال: هلكت وأهلكت، أبو من أنت؟ فقال: أبو يحيى، فقال له علي رضي الله عنه أنت أبو اعرفوني، وأخذ أذنه ففتلها، فقال: لا تقصن في مسجدنا بعد. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ 308؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله (4).
(1/91)
.
قال أحمد: وبنا عبد الصمد، قال: أخبرنا القاسم بن الفضل، قال حدثنا علي بن زيد، عن أبي يحيى قال: أتاني عليه عليه السلام وأنا أقص، قال: فذهبت [أوسع له] (1) فقال: إني لم آتك لأجلس إليك، هل تعلم الناسخ من المنسوخ؟ قلت: لا. قال: هلكت وأهكلت، ما اسمك، قلت: أبو يحيى. قال: أنت أبو اعرفوني.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(1/92)
أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، قال: حدثنا حجاج، قال حدثنا "يزيد" (1) بن إبراهيم، قال: "بنا" (2) إبراهيم بن العلاء الغنوي أبو هارون عن سعيد بن [أبي] (3) الحسن أنه لقي أبا يحيى "المعرقب" (4) فقال له: من الذي قال له: إعرفوني إعرفوني. قال: يا سعيد. إني أنا هو. قال: ما عرفت أنك هو، قال: فإني أنا هو، مر بي علي - رضي الله عنه - وأنا أقص بالكوفة فقال لي: من أنت فقلت: أنا أبو يحيى. فقال: لست بأبي يحيى، ولكنك إعرفوني إعرفوني، ثم قال: هل علمت الناسخ من المنسوخ؟ قلت: لا. قال: هلكت وأهلكت. قال: فما عدت بعدها أقص على أحد (5).
__________
(1) - في "هـ" بريد، وهو تصحيف.
(2) - في "هـ" حدثنا.
(3) - ساقطة من "هـ" والصواب ما أثبت وهو سعيد بن أبي الحسن وهو بصري ثقة من الثالثة مات سنة مائة. انظر: التقريب (120).
(4) - مصحفة في النسختين، وهو معرقب كما سبق في ترجمته آنفا، وقد جاء في كتاب معرفة الناسخ والمنسوخ لابن حزم (لقي أبا يحيى المعروف) وهو خطأ لأن الحافظ بن حجر يقول: إنما قيل له معرقب، لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي، فأبى فقطع عرقوبه. انظر: معرفة الناسخ والمنسؤخ (309)؛ والتهذيب 10/158.
(5) - هذه الآثار التي أوردها المؤلف بأسانيد وعبارات مختلفة قد ذكرها معظم من ألف في النسخ في مقدمة كتبهم، كما ذكرها أيضا السيوطي في الإتقان 2/20؛ والهيثمي في مجتمع الزوائد 1/154.
(1/93)
قال ابن أبي داود وحدثنا محمد بن عثمان العجلي، قال: حدثنا أبو أسامة [عن] (1) هشام بن حسان [عن] (2) محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: قال: حذيفة (3) [إنما يفتي] (4) الناس أحد ثلاثة، رجل قد علم ناسخ القرآن من منسوخه، وأمير "لا يجد من ذلك بدا" (5) أو أحمق متكلف (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "م".
(3) - أما حذيفة فهو حذيفة ابن اليمان اسمه حسيل مصغرا، ويقال حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين، وقد صح في مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبو5 صحابي أيضا، استشهد بأحد، مات حذيفة سنة 36هـ، في أول خلافة علي رضي الله عنه. انظر: التهذيب 2/219-220.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - العبارة غير مفهومة من النسختين، ففي "م" "لا عدا معي بدا" بلا نقاط وفي "هـ" "لا يجد معنى بدا" صححتها، من لفظ ابن حزم.
(6) - روا 5 الدارمي في باب الفتيا، عن حذيفة، وفيه (وأمير لا يخاف) وذكر5 ابن حزم عنه في ناسخه، وفيه: (قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر). وروا 5 أيضا النحاس بإسناده عن حذيفة وفيه، (ورجل قاض لا يجد من القضاء بدا ورجل متكلف فلست من الرجلين الأولين وأكر5 أن أكون الثالث). انظر: سنن الدارمي 1/62؛ ومعرفة الناسخ والمنسوخ (309)؛ والناسخ والمنسوخ (5).
(1/94)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله [قال] (1) أخبرنا علي بن محمد بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن "أحمد" (2) الكازي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع عن سلمة بن "نبيط" (3) عن الضحاك قال: مر "ابن عباس" (4) على قاص، قال: تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت (5) فقال: أحمد: وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرني سليم عن ابن عون، عن محمد (6) قال: جهدت أن أعلم الناسخ من المنسوخ "فلم أعلمه" (7) وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس [في] (8) قوله تعالى: { و[مَنْ] (9) يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } (10) قال: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره وحرامه وحلاله، وأمثاله (11).
الباب السابع
"باب أقسام المنسوخ"
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "م" حمزة، وهو خطأ وتحريف عما نقلت عن "هـ" وعن كتب التراجم، وهو إسحاق بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسين الكاذي كان محدثا روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، توفي سنة 346هـ. انظر: تاريخ بغداد 6/399-400.
(3) - في "هـ" "سبط" وهو تصحيف.
(4) - مكررة في "هـ".
(5) - قال هبة الله في ناسخه بعد إيراد قصة علي مع أبي يحيى: (يروى في معنى الحديث عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، قالا: لرجل آخر مثل قول علي رضي الله عنه) وأورد الهيثمي أيضا عن ابن عباس وعزا5 إلى الطبراني في الكبير. انظر: الناسخ والمنسوخ (4)؛ ومجمع الزوائد 1/154.
(6) - وهو محمد بن سيرين، تقدمت ترجمته، ص 87.
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - الآية (269) من سورة البقرة.
(11) - أخرجه الطبري والنحاس وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة. انظر جامع البيان 3/60؛ والناسخ والمنسوخ (5)؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (210).
(1/95)
المنسوخ (1) من القرآن على ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول: ما نسخ رسمه وحكمه، أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، قال أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهري، "قال" (2) أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف (3) أن رهطا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه، أنه "قام" (4) رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلا { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } (5) فأتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، جاء آخر وآخر [حتى] (6) اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم، فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة فسكت ساعة، لا يرجع إليهم شيئا، ثم قال: (نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه) (7).
__________
(1) - في "هـ"، كلمة "الأول" ولعلها زيادة من الناسخ.
(2) - مكررة في "هـ".
(3) - أما أبو أمامة بن سهل بن حنيف فاسمه أسعد، صحابي جليل ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معروف بكنيته، له روايات كثيرة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة (100)هـ. انظر: التهذيب 1/263-265؛ والتقريب ص 3.
(4) - في "هـ" قال، وهو تحريف ظاهر.
(5) - الآية (30) من سورة النحل.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - أخرج نحوه الطحاوي في مشكل الآثار، في باب مشكل قول الله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها)، عن أبي أمامة من طريق الزهري 3/418.
(1/96)
[أخبرنا المبارك بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال] (1) أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق، قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا [سليمان بن داود بن حماد] (2) قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد عن "ابن شهاب" (3) قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل يقرؤها، فلم يقدر عليها قال: "فأصبحوا" (4) فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجتمعوا عنده، فقال بعضهم: يا رسول الله: قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها، وقال الآخر: ما جئت يا رسول الله إلا لذلك، [وقال الآخر وأنا رسول الله] (5) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إنها نسخت البارحة) (6) قال أبو بكر بن أبي داود، وحدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي، قال: أبنا عفان، قال: بنا حماد، قال بنا علي [بن] (7) زيد عن أبي حرب "بن" (8)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ" وهو سليمان بن داود بن حماد المهري، ثقة من الحادية عشرة، مات سنة 253هـ. انظر: التهذيب 4/186؛ والتقريب 133.
(3) - غير واضحة من "هـ" وهو ابن شهاب الزهري، ستأتي ترجمته ص 140.
(4) - في "هـ" أصبحوا، بدون فاء.
(5) - هذ5 العبارة، كانت مضافة في "الهامش" في "م" وهي غير موجودة في رواية الطحاوي كما أنها ساقطة من "هـ".
(6) - أخرج نحوه الطحاوي في المصدر السابق عن أبي أمامة بن سهل. انظر: مشكل الآثار 2/417.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - في "هـ" عن، بدل من، وهو تحريف..
(1/97)
أبي الأسود عن أبيه عن أبي موسى (1) قال: نزلت سورة مثل براءة ثم رفعت فحفظ منها (أن الله يؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) (2) قال ابن أبي داود: وحدثنا محمد بن عثمان العجلي قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سيف عن مجاهد (3) قال:
__________
(1) - أما أبو موسى: فهو عبد الله بن قيس بن سليم المشهور بأبي موسى الأشعري صحابي جليل ذو صوت جميل، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أمر5 الرسول على زبيد، وعدن، وأمر5 عمر على البصرة، وعثمان على الكوفة مات سنة (50)هـ وقيل بعدها. انظر: التهذيب 5/362 إلى 363.
(2) - أخرج الطحاوي نحوه عن أبي موسى الأشعري، وذكر السيوطي نحو5 في الإتقان وعزاه، إلى أبي عبيدة بإسناده عن أبي موسى. انظر: مشكل الآثار 2/419، في باب بيان مشكل آية (ما ننسخ من آية) والإتقان 2/25.
(3) - أما مجاهد: فهو ابن جبر أبو الحجاج المخزومي المكي إمام في التفسير والعلم ثقة ورع من الطبقة الثالثة، روى عن علي والعبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة، قال مجاهد: قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت؟ مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة. انظر: التهذيب 10/42-44؛ والتقريب (328)؛ وتذكرة الحفاظ 1/92.
(1/98)
"إن الأحزاب كانت مثل البقرة أو أطول". قال ابن أبي داود: وحدثنا عباد بن [يعقوب] (1) قال أخبرنا شريك عن عاصم عن زر، قال: قال أبي بن كعب: كيف تقرأ [سورة الأحزاب] (2) قلت سبعين أو إحدى وسبعين آية "قال" (3) والذي "أحلف به" (4) لقد نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنها لتعادل البقرة أو [تزيد] (5) عليها (6).
وقد روي عن ابن مسعود =رضي الله عنه= أنه قال: أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "آية" (7) فكتبتها [في] (8) مصحفي فأصبحت ليلة فإذ الورقة بيضاء، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أما علمت أن تلك رفعت البارحة) (9).
__________
(1) - ساقطة من "هـ" وهو عباد بن يعقوب الرواجني أبو سعيد صدودق رافضي بالغ فيه ابن حبان فقال: يستحق الترك، من العاشرة، مات 250 هـ. انظر: التقريب (164).
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" وقال.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ذكر هذا الحديث بالاختصار وبدون إسناد، مكي بن أبي طالب في ناسخه (59) عن عاصم بن بهدلة عن زر، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، ثم قال مكي عن عاصم أنه كان ثقة مؤمونا، وذكر نحو مطولا السيوطي في الإتقان، وعزاه إلى أبي عبيدة بإسناده عن عاصم بن أبي النجود، عن زر عن أبي، وفيه: (قلت اثنين وسبعين أو ثلاث وسبعين آية) وذكر الهيثمي أيضا، مطولا بالإسناد المذكور، ثم قال: عن عاصم بن أبي النجود: وقد ضعف، ويقول الحافظ ابن حجر في التقريب عنه صدوق له أوهام حجة في القراءات من السادسة مات 128 هـ. انظر: الإتقان 2/25؛ وموارد الظمآن على زوائد ابن حبان (435)؛ والتقريب (159).
(7) - في "هـ" (أنه) وهو تحريف.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ذكره هبة الله في ناسخه (5) وابن خزيمة في ناسخه (261) عن ابن مسعود بدون إسناد.
(1/99)
القسم الثاني: ما نسخ رسمه وبقي حكمه: أخبرنا "ابن" (1) الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني إسحاق ابن عيسى الطباع، قال: حدثنا مالك بن أنس، قال حدثني "ابن" (2) شهاب عن عبيد الله بن عبد الله، أن ابن عباس أخبره، قال: جلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد: أيها الناس فإني قائل مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن وعاها "وعقلها" (3) فليحدث بها حيث "انتهت" (4) به راحلته، ومن لم يعها، فلا أحل له أن يكذب على أن الله - عز وجل - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق وأنزل عليه الكتاب "فكان (5) " فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله، فالرجم في كتاب الله حق، على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو "الحبل" (6)
__________
(1) - في "هـ" أبو، وهو خطأ، وهو هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني أبو القاسم ابن الحصين، من مشائخ المؤلف، راوي مسند الإمام أحمد عن أحمد بن علي بن المذهب، قال المؤلف: سمعت منه جميع مسند الإمام أحمد وغيره وهو صحيح السماع، وأملى بجامع القصر مجالس كثيرة خرجها له شيخنا أبو الفضل بن ناصر واستملاها عليه، وكنت أحضر الإملاء وأكتب. توفي رحمه الله سنة 525 هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 60-61؛ والمنتطم 10/24؛ والنجوم الزاهرة 5/247.
(2) - مكررة في "هـ".
(3) - في "هـ" علقها، وهو تحريف.
(4) - في "هـ" انتهب، وهو تصحيف.
(5) - في "هـ" فكأنما وهو تحريف.
(6) - في "هـ" الجبل وهو تصحيف..
(1/100)
أو الاعتراف، ألا: وإنا قد كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم [أن ترغبوا] (1) عن آبائكم). أخرجاه في الصحيحين (2) وفي رواية ابن عيينة عن الزهري [وأيم الله] (3) لولا أن يقول قائل: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها في القرآن (4).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - رواه البخاري ومسلم من طريق ابن عباس بألفاظ مختلفة، كما رواه أصحاب السنن مختصرا ومطولا، ورواه أيضا الإمام أحمد من طريقين عن ابن عباس عن عمر. انظر: صحيح البخاري بالفتح 11/191-192؛ في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وصحيح مسلم 15/158، في باب حد الزنا؛ ومسند الإمام أحمد مع فتح الرباني في باب دليل رجم الزاني المحصن من كتاب الله 16/81-82.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - هذه الزيادة رواها أبو داود عن عمر بن الخطاب في باب الرجم، كما رواها الطحاوي عنه من طريق ابن عباس في باب (مشكل ما روى أن الرجم مما أنزل الله في كتابه). انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 12/98؛ ومشكل الآثار 3/2-3.
(1/101)
أخبرنا المبارك بن علي [قال أخبرنا] (1) أبو العباس بن قريش قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق، قال: حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا [عيسى بن حماد قال أخبرنا] (2) الليث عن يحيى بن سعيد "عن سعيد" (3) "بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: (أيها الناس، قد سننت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتكم على الواضحة، أن لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وآية الرجم لا تضلوا عنها، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم ورجمنا، وأنها قد أنزلت، وقرأناها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة) ولولا أن يقال: زاد عمر في كتاب الله "لكتبتها" (4) بيدي (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ" وهو عيسى ابن حماد بن مسلم التجيبي الأنصاري ثقة من العاشرة مات 248هـ. انظر: التقريب (370).
(3) - في "هـ" بن شعيب، بدل من سعيد، وهو تحريف ظاهر، والصواب ما أثبت عن "م".
(4) - في "هـ" كتبتها، بدون لام، ولعلها سقطت من الناسخ.
(5) - روى الإمام مالك نحو5 في الموطأ من طريق سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه. انظر: الموطأ في كتاب الحدود مع شرح التنوير الحوالك 3/42.
(1/102)
قال ابن أبي داود: وحدثنا موسى بن سفيان، قال: حدثنا عبد الله يعني ابن الجهم، قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس "عن عاصم" (1) بن أبي النجود عن زر أن أبي بن كعب سأله: كم تقرأ هذه السورة؟ يعني الأحزاب، قال: إما ثلاثا وسبعين وإما أربعا وسبعين، قال: "إن كنا لنقرأها كما نقرأ سورة البقرة، وإن كنا" (2) لنقرأ فيها، إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم (3) قال ابن أبي داود: وحدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر، قال:
حدثني أن ابن أبي مليكة "عن المسور بن مخرمة" (4) قال: قال عمر بن الخطاب: لعبد الرحمن بن عوف (5) ألم تجد فيما أنزله الله علينا "أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة"، فإنا لا نجدها قال: سقطت فيما أسقط من القرآن (6).
__________
(1) - غير واضحة في "هـ".
(2) - في "هـ" إنا كنا نقرأها كما تقرأ سورة البقرة وإنا كنا نقرأ فيها.
(3) - سبق تخريجه آنفا، وقلنا أن من رواته من تكلم فيه، وهو عاصم بن أبي النجود، ولكن الفقرة الأخيرة من الحديث قد وردت في خطبة عمر بن الخطاب صحيحة كما سبق تخريجه عند الإمام مالك، وكما روى النحاس في ناسخه (8) من طريق الزهري عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وقال: إسناد الحديث صحيح إلا أنه ليس حكمه حكم القرآن الذي نقله الجماعة عن الجماعة ولكنه سنة ثابتة.
(4) - غير واضحة من "هـ" وهو المسور بن مخرمة بن نوفل بن وهيب بن عبد مناف ابن زهرة الزهري أبو عبد الرحمن، له ولأبيه صحبة، مات سنة 64هـ. انظر: التقريب (337).
(5) - عبد الرحمن بن عوف القرشي صحابي جليل من العشرة المبشرين بالجنة أسلم قبل أن يدخل الرسول دار الأرقم، هاجر الهجرتين وشهد المشاهد، مات سنة 32هـ، وقيل غير ذلك. انظر: التقريب 208؛ وأسد الغابة 3/313- 317؛ وتجريد أسماء الصحابة 353.
(6) - أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار 2/418 عن عمر بن الخطاب من طريق المسور بن مخرمة.
(1/103)
قال: (1) وحدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي حميد قال: (2) أخبرتني حميدة، قال أوصت لنا عائشة رضي الله عنها (3) بمتاعها فكان في مصحفها: (إن الله وملائكته يصلون على النبي والذين يصلون الصفوف الأولى) (4) أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا [ابن المذ] (5) هب، قال: وأخبرنا أحمد بن جعفر، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال [حدثني] (6) أبي قال: بنا عبد الصمد، قال: حدثنا همام قال: حدثنا إسحاق (7) عن أنس =رضي الله عنه= (8)
__________
(1) - يعني ابن أبي داود، كما يعرف من السياق.
(2) - في "هـ" كلمة أخبرني، زيادة، ولعلها من الناسخ.
(3) - عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة محدثات عصرها ونابغته في الذكاء والفصاحة، والبلاغة، فكانت عاملا كبيرا ذا تأثير عميق في نشر تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها ولدت قبل الهجرة بتسع سنين أو نحوها، وتوفيت سنة 57هـ على الصحيح. انظر: الاستيعاب 4/1881؛ والتاريخ الصغير 1/99-100، وأعلام النساء 3/9-131؛ والتقريب 470.
(4) - ذكر5 السيوطي في الدر المنثور 220، وعزا5 إلى أبي داود في المصاحف بإسناد5 عن حميدة عن عائشة، وإسناد المؤلف كإسناد أبي داود، ضعيف، لأن ابن أبي حميد هو محمد بن إبراهيم الزرقي أبو إبراهيم المدني ضعيف من السابعة، وكذلك حميدة، قال الحافظ بن حجر عنها أنها مقبولة من الخامسة. انظر: تقريب التهذيب 295 و 467. في "هـ" وفي رواية أبي داود "الأول".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - مكررة في "هـ".
(8) - أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة 2 وقيل 3 و 90، وقد جاوز المائة. انظر: التقريب ص 39..
(1/104)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بعث" (1) حراما (2) خاله في سبعين رجلا فقتلوا يوم "بير معونة" (3) قال:
فأنزل علينا فكان مما نقرأ، فنسخ، أن بلغوا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا. انفرد بإخراجه البخاري (4).
__________
(1) - في "هـ" بعد، وهو تحريف.
(2) - في م حزاما، وهو تصحيف، والصواب ما أثبت وهو حرام بن ملحان الأنصاري من بني عدي بن النجار بن مالك، بدري قتل ببير معونة. انظر: تجريد أسماء الصحابة 1/126.
(3) - غير واضحة من "هـ" وفي "م" بير معاوية، وهو تحريف.
(4) - تجد هذا الحديث مرويا عند البخاري في باب من ينكب أو يطحن في سبيل الله كما تجده أيضا في كتاب المغازي من صحيح البخاري في باب غزوة الرجيع، وذكوان، وبير معونة، رواه بطرق عديدة وبألفاظ مختلفة عن أنس رضي الله عنه. قال الحافظ في الفتح (والضمير في "خاله" لأنس) واستبعد تجويز الكرماني بإعادة الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى أن حراما كان خاله من الرضاعة أو أن يكون من جهة النسب انظر: صحيح البخاري مع الفتح 6/358-359، و8/388-392. أما البخاري فهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا في ثقة الحديث صاحب أصح كتب بعد كتاب الله، قال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري ولد سنة 194هـ وتوفي سنة 256هـ وله 62سنة. انظر: التقريب (290)؛ وتذكرة الحفاظ 1/555- 557.
(1/105)
فصل: ومما نسخ رسمه واختلف في بقاء حكمه، أخبرنا المبارك بن علي قال: أخبرنا أبو العباس بن قريش، قال: أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال أبنا [ابن] (1) أبي داود، قال: حدثنا عبد الله بن سعد قال: حدثني عمر، قال: حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن "عمر =و= (2) عن عمرة" (3) بنت عبد الرحمن، عن عائشة =رضي الله عنها= قالت: "لقد نزلت" (4) آية الرجم ورضعات الكبير عشرا وكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشاغلنا بأمره ربيبة لنا فأكلتها، تعني الشاة (5)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ" و "م".
(3) - العبارة قلقة في النسختين وقد جاء فيهما محمد بن عمر عن عمرة وعن غمرة، والصواب ما أثبت عن كتب التراجم وهو (عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ثقة من الخامسة، مات سنة 135هـ. انظر التهذيب 5/164؛ والتقريب 169، وأما عمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة، ثقة من الثالثة ماتت قبل المائة ويقال بعدها. انظر: التقريب 471.
(4) - في "هـ" أنزلت.
(5) - رواه ابن ماجه في كتاب النكاح عن عائشة رضي الله عنها وفيه و (دخل داجن فأكلها) انظر رقم الحديث 1944 من سنن ابن ماجه، وجاء في أقرب المورد 1/320، يقال: الداجن للشاة والحمام إذا ألفت البيوت واستأنست يقول الإمام ابن حزم الظاهري عن هذا الحديث: (وقد غلط قوم غلطا شديدا وأتوا بأخبار ولدها الكاذبون والملحدون، منها: أن الداجن أكل صحيفة فيها آية متلوة فذهبت البتة.. ثم قال: وقد أساء الثناء على أمهات المؤمنين ووصفهن بتضييع ما يتلى في بيوتهن حتى تأكله الشاة فيتلف، مع أن هذا كذب ظاهر ومحال ممتنع، لأن الذي أكل الداجن لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظا له، أو كان قد أنسيه، فإن كان في حفظه فسواء أكل الداجن الصحيفة أو تركها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنسيه، فسواء أكله الداجن أو تركه فقد رفع من القرآن: فلا يحل إثباته فيه كما قال تعالى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله، فنص تعالى على أنه لا ينسى أصلا شيئا من القرآن إلا ما أراد الله تعالى رفعه بإنسائه، فصح أن حديث الداجن إفك وكذب وفرية، ولعن الله من جوز هذا أو صدق به بل كان ما رفعه الله تعالى من القرآن فإنما رفعه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قاصدا إلى رفعه، ناهيا عن تلاوته إن كان غير منسي أو ممحوا في الصدور كلها، ولا سبيل إلى كون شيء من ذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجيز هذا مسلم، لأنه تكذيب لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) انظر: كتابه الإحكام في أصول الإحكام 4/453- 454.
(1/106)
.
قال ابن أبي داود: حدثنا أبو الطاهر، قال: أخبرنا بن وهب، قال: "أخبرني" (1) مالك عن عبد الله بن أبي بكر "عن عمرة" (2) عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يقرأ من القرآن (3).
قلت: "أما مقدار" (4) ما يحرم من الرضاع فعن أحمد بن حنبل =رحمه الله= [فيه ثلاث] (5) روايات:
إحداهن: رضعة واحدة [و] (6) به قال أبو [حنيفة] (7) ومالك أخذا بظاهر القرآن في قوله: { وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ } (8) وتركا لذلك الحديث.
والثانية: ثلاث، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تحرم المصة و [المصتان] (9).
__________
(1) - في "هـ" أخبرنا.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها في كتاب الرضاع وفيه (وهن مما يقرأ من القرآن) وقال الإمام النووي في معنى قولها: (وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقر القرآن) أي: النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه سلم توفي وبعض الناس يقرأ عشر رضعات، ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 10/29.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - الآية (23) من سورة النساء.
(9) - ساقطة من "هـ" والحديث أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها في كتاب الرضاع انظر: صحيح مسلم 10/27؛ بشرح النووي.
(1/107)
والثالثة: خمس (1) لما روينا في حديث عائشة، وتأولوا قولها: وهي [مما يقرأ من القرآن] (2) أن الإشارة إلى قوله: { وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ } وقالوا: لو كان يقرأ "بعد وفاة رسول الله صلى الله" (3) عليه وسلم، لنقل إلينا نقل المصحف، ولو كان بقي [من القرآن شيء لم] (4) ينقل لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل، فذلك محال.
ومما نسخ خطه واختلف في حكمه ما روى مسلم (5) في أفراده عن عائشة =رضي الله عنها= أنها أملت على كاتبها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (6).
__________
(1) - هذه الأقوال الثلاثة للإمام أحمد، ذكرها ابن قدامة في المغني 9/192.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - مسلم: هو الإمام الكبير مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري حافظ من أئمة المحدثين صاحب أحد الصحيحين المعول عليهما عند أهل السنة في الحديث، ولد بنيسابور سنة 204هـ، وتوفي فيها سنة 261هـ. انظر: تهذيب التهذيب 10/121؛ وتاريخ بغداد 13/100؛ والبداية والنهاية 11/33؛ وتذكرة الحفاظ 2/150.
(6) - رواه مسلم في صحيحه عن عائشة في باب "الدليل لمن قال: (الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) كما رواه مالك في موطئه في باب الصلاة الوسطى. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 5/129- 130؛ والموطأ بشرح الزرقاني.
(1/108)
وقد اختلف الناس في الصلاة الوسطى على خمسة أقوال بعدد الصلوات الخمس وقد شرحنا ذلك في التفسير (1).
القسم الثالث: ما نسخ حكمه وبقي رسمه: وله وضعنا هذا الكتاب ونحن نذكره على ترتيب الآيات والسور "ونذكر" (2) ما قيل ونبين صحة الصحيح وفساد الفاسد، إن شاء الله [تعالى] (3) وهو الموفق بفضله.
الباب الثامن
"باب ذكر السور التي تضمنت الناسخ والمنسوخ، أو أحدهما، أو خلت عنهما"
زعم جماعة من المفسرين: أن السور التي تضمنت الناسخ والمنسوخ خمس وعشرون: سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، وإبراهيم، والنحل، [ومريم] (4) والأنبياء، والحج، والنور، والفرقان، والشعراء، والأحزاب، وسبأ، والمؤمن، والشورى، والذاريات، والطور، والواقعة، والمجادلة، والمزمل، [والتكوير] (5) والعصر.
__________
(1) - أورد المؤلف في تفسير5 زاد المسير 1/282-283 خمسة أقوال مفصلا، معزيا كل قوله إلى قائليه: فالقول الأول: أنها صلاة العصر، وعزاه إلى علي، وابن مسعود، وأبي رضي الله عنهم. والثاني: أنها الفجر، وعزاه إلى عمر، وعلي في رواية، وأبي موس الأشعري رضي الله عنهم. والثالث: أنها الظهر، وعزا5 إلى ابن عمرو، وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد رضي الله عنهم. والرابع: أنها المغرب، وعزا5 إلى ابن عباس وقبيصة بن ذؤيب رضي الله عنهما. والخامس: أنها العشاء الأخيرة، وعزا5 إلى علي بن أحمد النيسابوري في تفسير5.
(2) - في "م" بذكر، بالباء وما أثبت عن "هـ" أنسب.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "م".
(5) - ساقطة من "هـ".
(1/109)
"قالوا: والسور التي دخلها المنسوخ دون الناسخ أربعون": الأنعام، والأعراف، ويونس، وهود، والرعد، والحجر، وسبحان، والكهف، وطه، والمؤمنون، والنمل، والقصص، والعنكبوت، "والروم" (1) ولقمان، والسجدة، والملائكة، والصافات، وص، والزمر، "والمصابيح" (2) والزخرف، والدخان، والجاثية، "والأحقاف" (3) وسورة محمد، وق، والنجم، والقمر، والممتحنة، ون، والمعارج، والمدثر، والقيامة، والإنسان، وعبس، والطارق، والغاشية، والتين، والكافرون.
وقالوا: والسور التي اشتملت على الناسخ دون المنسوخ ست: الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والأعلى.
والسور الخاليات عن ناسخ ومنسوخ ثلاث وأربعون: (4) سورة الفاتحة، ويوسف، ويس، والحجرات، والرحمن، والحديد، والصف، والجمعة، والتحريم، والملك، "والحاقة، ونوح" (5) والجن، "والمرسلات" (6) والنبأ، والنازعات، والانفطار، "والمطففين" (7) والانشقاق، والبروج، "والفجر" (8) والبلد، والشمس، "والليل، والضحى" (9) وألم نشرح، والقلم، والقدر، "والانفكاك" (10) "والزلزلة" (11) والعاديات، والقارعة، "والتكاثر" (12) والهمزة، والفيل، وقريش، والدين، "والكوثر" (13) والنصر، وتبت، والإخلاص، والفلق، والناس.
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ"، وهي السورة المعروفة بفصلت.
(3) - في "هـ" الغافر، بدل الأحقاف، وهو خطأ، لأن سورة غافر هي سورة المؤمن التي سبق ذكرها فيما تضمن الناسخ والمنسوخ.
(4) - في "هـ" وأربعين، وهو خطأ من الناسخ.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - غير واضحة من "هـ".
(9) - غير واضحة من "هـ".
(10) - غير واضحة من "هـ".
(11) - في "هـ" والزلة، وهو خطأ من الناسخ.
(12) - غير واضحة من "هـ".
(13) - غير واضحة من "هـ".
(1/110)
قلت: واضح بأن (1) التحقيق في الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه، والله الموفق.
مناقشة 247 قضية من بين 62 سورة قرآنية
(1)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة البقرة" (2)
ذكر الآية الأولى (3)
قوله تعالى: { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } (4) اختلف المفسرون في المراد بهذه النفقة على أربعة أقوال:
أحدها: أنها النفقة على الأهل والعيال، قاله ابن مسعود (5) وحذيفة (6).
والثاني: الزكاة المفروضة، قاله ابن عباس، وقتادة (7).
والثالث: الصدقات النوافل، قاله مجاهد والضحاك (8).
والرابع: أن الإشارة بها إلى نفقة كانت واجبة قبل الزكاة.
__________
(1) - في "هـ" والتحقيق، والواو زيادة من الناسخ.
(2) - في العبارة قلق في "هـ" وقد جاء فيها (باب ذكر الآيات والتي تضمنت ادعى عليهن من النسخ).
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية الثالثة من البقرة.
(5) - أما ابن مسعود، فهو عبد الله بن مسعود بن غافل، بمعجمة وفاء - ابن حبيب الهزلي أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة، وأمّره عمر رضي الله عنه على الكوفة، مات سنة 32هـ أو في التي بعدها بالمدينة. انظر: التقريب (189).
(6) - أخرجه الطبري عن ابن عباس وابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وفيه (وهذا قبل أن تنزل الزكاة) وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي، وذكره ابن العربي عن ابن مسعود. انظر: جامع البيان 1/81؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (7)؛ وأحكام القرآن 1/10.
(7) - أخرجه الطبري عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة وسعيد ابن جبير عنه، كما ذكر5 ابن العربي أيضا عن ابن عباس. انظر المصادر الثلاثة السابقة.
(8) - أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/7، عن قتادة، وذكر5 ابن العربي في أحكام القرآن 1/10، عن الضحاك.
(1/111)
ذكره بعض ناقلي التفسير، وزعموا: أنه كان فرض على الانسان أن يمسك مما في يده قدر كفايته "يومه" (1) وليلته ويفرق باقيه على "الفقراء" (2) ثم نسخ ذلك بآية الزكاة (3) وهذا قول ليس "بصحيح" (4) لأن لفظ الآية لا يتضمن ما ذكروا وإنما يتضمن مدح المنفق، والظاهر، أنها تشير إلى الزكاة لأنها قرنت مع الإيمان بالصلاة.
__________
(1) - في "هـ" نومه، وهو تصحيف.
(2) - في "هـ" الفقر، وهو خطأ من الناسخ.
(3) - أخرجه ابن جرير 1/81، في جامع البيان، وذكر5 ابن كثير في تفسيره 1/42، عن الضحاك، وقد جاء فيهما: (ومما رزقناهم ينفقون) قال: (كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله على قدر ميسورهم وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات: سبع آيات في سورة البراءة مما يذكر فيهن الصدقات هن المثبتات الناسخات). وفي الإسناد جويبير، هو ضعيف كما في التقريب (58).
(4) - في "هـ" تصحيح، وهو تصحيف.
(1/112)
وعلى هذا، لا وجه للنسخ "وإن كانت" (1) تشير إلى الصدقات النوافل والحث عليها باق، والذي أرى، ما بها مدح لهم على جميع نفقاتهم في الواجب والنفل (2) وقد قال أبو جعفر يزيد بن القعقاع (3) نسخت آية الزكاة كل صدقة "كانت" (4) قبلها ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله (5) والمراد بهذا كل صد "قة وجبت" (6) بوجود المال مرسلا كهذه الآية (7).
ذكر الآية الثانية:
"قوله" (8) تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا } [الآية] (9) اختلف المفسرون [في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال] (10)
__________
(1) - في "هـ" والزكاة، وهو خطأ من الناسخ.
(2) - أورد المؤلف هذه الآراء كلها في تفسير5 زاد المسير 1/26 عمن ذكر عنهم هنا، ثم قال بعد ذكر دعوى النسخ: (وغير هذا القول أثبت) وقال في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (2) بعد إيراد دعوى النسخ: (وهذا بعيد).
(3) - هو أبو جعفر المدني المخزومي اسمه يزيد بن القعقاع، ثقة إمام أهل المدينة في القراءة روى عن مولا5 عبد الله بن عياش بن ربيعة، وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم وروى عنه نافع بن أبي نعيم القاري ومالك وآخرون أخرج له داود في سننه، توفي سنة 127هـ وقيل 130. انظر: التهذيب 12/58-59.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه ص 11، عن يزيد بن القعقاع.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - اختار الإمام ابن جرير في جامع البيان 1/81 بأن هذه الآية عامة في الزكاة والنفقات وأن أسلوبها مدح وثناء للمنفقين، فهو إذًا أسلوب خبر، وفي نسخ الأخبار تكذيب للمخبر، وتبعه في ذلك ابن العربي في أحكام القرآن 1/10-11، ولم يتعرض لدعوى النسخ في هذ5 الآية النحاس ومكي بن أبي طالب وابن حزم الأنصاري في نواسخهم.
(8) - في "هـ" كقوله.
(9) - ساقطة من "هـ"، والآية (62) من سورة البقرة.
(10) - ساقطة من "هـ".
(1/113)
أحدها: أن المعنى: إن الذين آمنوا من هذه الأمة، والذين هادوا، وهم أتباع موسى، "والنصارى، وهم" (1) أتباع عيسى، والصابئون: الخارجون من الكفر إلى [الإسلام] (2) أي: من آمن، أي: من دام منهم على الإيمان (3).
والثاني: إن الذين آمنوا بألسنتهم [وهم] (4) المنافقون (5) والذين هادوا: وهم اليهود، والنصارى والصابئون: وهم كفار أيضا، من آمن أي من دخل في الإيمان بنية صادقة.
والثالث: إن المعنى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } ومن آمن من الذين هادوا، فيكون قوله: بعد هذا: من آمن راجعا إلى المذكورين مع الذين آمنوا، ومعناه: من يؤمن [منهم] (6) وعلى هذه الأقوال الثلاثة لا وجه لادعاء نسخ هذه الآية. وقد قيل: إنها منسوخة بقوله: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } (7)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أول بن جرير بذلك فيما عدا كلمة "الصابئين، وقال فيها: الصابئون جمع صابئي، وهو المستحدث سوى دينه دينا، وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره". انظر: جامع البيان 1/252.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكر القول الثاني القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 1/432 والمؤلف في زاد الميسر 1/91، ونسباه إلى سفيان الثوري.
(6) - في "هـ" ساقطة، قال المؤلف في زاد المسير 1/92، بعد إيراد هذا القول (وهذا المعنى مروي عن مجاهد والضحاك في آخرين وعلى هذا يرون إحكام الآية).
(7) - الآية (85) من سورة آل عمران.
(1/114)
فأخبرنا المبارك بن علي "الصيرفي" (1) قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن قريش، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ } الآية. قال: فأنزل الله تعالى بعد هذه الآية { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
قلت: فكأنه أشار بهذا إلى النسخ (2) وهذا القول لا يصح لوجهين:
أحدهما: أنه إن أشير بقوله: { وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى } إلى من كان تابعا لنبيه قبل أن يبعث النبي الآخر فأولئك على الصواب [وإن أشير إلى من كان] (3) في زمن نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإن من ضرورة من لم يبدل دينه ولم يحرف أن يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويتبعه.
__________
(1) - في "هـ" صرفي، وهو خطأ. انظر ترجمته فيما سبق ص 83.
(2) - أخرج هذا الأثر ابن جرير، وابن أبي حاتم، في تفسيرهما عن ابن عباس، ثم قال ابن جرير: (دل هذا الخبر على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل شأنه كان قد وعد من عمل صالحا من اليهود والنصارى والصابئين الجنة في الآخرة على عمله ثم نسخ ذلك بقوله (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) ولكن ابن جرير اختار في نهاية المناقشة إحكام الآية ورد دعوى النسخ. انظر: جامع البيان 1/252؛ وتفسير بن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (49).
(3) - ساقطة من "هـ".
(1/115)
والثاني: "أن هذه الآية خبر" (1) والأخبار لا يدخلها النسخ (2).
ذكر الآية الثالثة:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - أورد مكي بن أبي طالب هذ5 الآية في ناسخه ص 107، وعزا دعوى النسخ إلى ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة ئم قال: (والصواب أن تكون محكمة، لأنها خبر من الله بما يفعل بعباده الذين كانوا على أديانهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا ينسخ، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا من الأولين والآخرين) ولم يتعرض النحاس لدعوى النسخ أصلا ورد المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) دعوى النسخ بمثل ما رد به هنا.
(1/116)
"قوله تعالى" (1) { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } (2) جمهور المفسرين [على أن المراد] (3) بالسيئة الشرك (4) فلا يتوجه على هذا القول نسخ "أصلا" (5) وقد روى السدي عن أشياخه: أن المراد بالسيئة الذنب من الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار (6) فعلى هذا يتوجه النسخ بقوله { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (7) على أنه يجوز أن يحمل ذلك، على من أتى السيئة مستحلا فلا يكون نسخا (8)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - الآية (81) من سورة البقرة.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - روى ابن جرير في جامع البيان 1/304-305، هذا المعنى عن مجاهد وقتادة وأبي وائل وابن جريج والربيع، كما عزا المؤلف في زاد المسير 1/108، هذا القول إلى ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبي العالية، وأبي وائل ومقاتل، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره ورقة 56، عن أبي هريرة في قوله (أحاطت به خطيئته) قال: أحاطت به شركه، وفي تفسير سفيان الثوري ص 7 (من كسب سيئة) قال: الشرك، (وأحاطت به خطيئته) قال: كل عمل أوجب عليه النار.
(5) - في "هـ" أصلي، وهو خطأ إملائي.
(6) - رواه الطبري عن السدي ضمن من يؤول السيئة بالشرك. انظر: جامع البيان 1/305.
(7) - الآية (48) من سورة البقرة.
(8) - يقول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) بعد ذكر دعوى النسخ في هذه الآية (ويمكن أن يحمل ذلك على أن من أتى السيئة مستحلا فلا يكون نسخا) ولم يتعرض لدعوى النسخ في زاد المسير أصلا. قلت، دعوى النسخ هنا في غاية الضعف، لأنه لم يثبت ذلك بنقل صحيح، ولأن السدي غير معتبر كلامه في التفسير كما سبق في ترجمته عن الإمام أحمد، ولأن هذ5 الآية وردت في أسلوب الإخبار للوعيد وليس فيها حكم عملي فرعي حتى يقيل النسخ، ويؤيد ذلك إعراض أمهات كتبت النسخ وكتب التفسير عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية.. انظر: ترجمة السدي في بداية مقدمة المؤلف بالهامش ص 68.
(1/117)
.
ذكر الآية الرابعة:
قوله تعالى: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } (1) اختلف المفسرون في "المخاطبين" (2) بهذا على قولين:
أحدهما: أنهم اليهود، والتقدير من سألكم عن شأن محمد =صلى الله عليه وسلم= فاصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره، قاله ابن عباس، وابن جبير (3) وابن جريج (4) ومقاتل (5).
__________
(1) - الآية (83) من سورة البقرة.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - أما ابن جبير: فهو سعيد ابن جبير بن هشام الأسدي الوابلي روى عن ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وغيرهم من الصحابة والتابعين ثقة إمام حجة قتل (95)هـ على يد الحجاج لخروجه عليه، انظر: ترجمة التهذيب 4/11- 14؛ والتقريب (120).
(4) - في "م و "هـ" ابن جريح، بالحاء وهو تصحيف، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي الرومي الأصل كان يدلس ويرسل روى عن أبيه وعن الزهري وعطاء وغيرهم. ثقة كثير الحديث مات سنة 151هـ وهو ابن (70). التهذيب 6/403-406.
(5) - أما مقاتل فهو ابن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني صاحب التفسير. قال ابن المبارك لما نظر إلى شيء من تفسير5 (يا له من علم لو كان له إسناد) كذبوه وهجرو5 ورمي بالتجسيم من السابعة مات (150هـ) التهذيب 10/239- 285؛ والطبقات الكبرى لابن سعد 7/373، وفيه (وأصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه). وتاريخ بغداد 13/160-169. ذكر المؤلف لي زاد المسير 1/110، هذا القول عن ابن عباس وابن جبير وابن جريج.
(1/118)
والثاني: أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم اختلف أرباب هذا القول، فقال الحسن (1) مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر (2) وقال أبو العالية (3) وقولوا للناس معروفا (4) وقال محمد بن علي بن الحسين (5) كلموهم بما تحبون أن يقولوا لكم (6) فعلى هذا الآية محكمة. وذهب قوم إلى أن المراد بذلك: مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام، فالآية عند هؤلاء منسوخة بآية السيف وهذا قول بعيد، لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار [يفتقر] (7) إلى دليل ولا دليل هاهنا، ثم إن (إنذار) (8)
__________
(1) - هو الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه ولد بالمدينة سنة 21 هـ رأى عليا وطلحة وعائشة رضي الله عنهم ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرا ويدلس هو رأس الطبقة الثالثة مات سنة عشرة ومائة هـ وقد قارب التسعين. انظر: التهذيب 2/263-270؛ وحلية الأولياء 2/131؛ والتقريب (69).
(2) - أخرج هذا القول ابن حاتم عن سعيد بن جبير، وذكره النحاس عن سفيان الثوري. انظر: تفسير المخطوط لابن أبي حاتم 1/ (57 ورقة)؛ والناسخ والمنسوخ 23-24.
(3) - أما أبو العالية: فهو رفيع بن مهران الرياحي، مجمع على ثقته، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، كثير الإرسال، من الثانية مات سنة 90هـ. وقيل بعد ذلك. انظر: التهذيب 3/284- 285؛ والتقريب (104).
(4) - ذكره المؤلف عن أبي العالية في زاد المسير 1/110.
(5) - وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أبو جعفر الباقر) ثقة فاضل من الرابعة مات على الصحيح سنة (114هـ). التهذيب 9/350-352 والتقريب (311).
(6) - ذكره المؤلف عن محمد بن علي بن الحسين في المصدر السابق.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - في "هـ" إنذارك، وهو خطأ..
(1/119)
الكفار من الحسنى (1).
ذكر الآية الخامسة:
__________
(1) - قال: المؤلف في زاد المسير بعد إيراد هذه الآراء المذكورة هنا (وزعم قوم أن المراد بذلك مساهلة الكفار في دعائهم إلى الإسلام فعلى هذا، تكون منسوخة بآية السيف) ورد في مختصر عمدة الراسخ ورقة (2) بمثل ما رد به هنا، وقال النحاس في ناسخه 23-24 بعد ذكر دعوى النسخ هنا: (أن الآية غير منسوخة، لأن معنى الآية ادعوهم إلى الله كما قالوا: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وذكر دعوى الإحكام مكي بن أبي طالب في ناسخه (170) عن عطاء، على أن معناه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(1/120)
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا } (1) [قال] (2) المفسرون: كانت هذه الكلمة لغة في الأنصار، وهي من راعيت الرجل [إذا تأملته وتعرفت] (3) أحواله ومنه قولهم: أرعني "سمعك" (4) وكانت الأنصار تقولها لرسول [الله صلى الله عليه وسلم] (5) وهي بلغة اليهود سب بالرعونة (6) [وكانوا يقولونها له وينوون] (7) بها السب فنهى الله سبحانه المؤمنين عن قولها لئلا يقولها اليهود وأمرهم أن يجعلوا مكانها "أنظرنا" وقرأ الحسن والأعمش (8)
__________
(1) - الآية (104) من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" سمك، وهو خطأ. معنى راعيت الأمر، أي: نظرت في عاقبته، وراعيته: لاحظته، أرعيته سمعي: مثل أصغيت وزنا ومعنى، وأرعني سمعك. انظر: المصباح المنير 1/247. وقد أخرج الطبري عن ابن عباس ومجاهد والضحاك، أرعني سمعك أي: اسمع منا ونسمع منك. انظر: تفسير الطبري 1/373-374.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - قال الحافظ في الفتح (روى أبو نعيم في الدلائل بسند ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: راعنا بلسان اليهود "السب القبيح"، فسمع سعد بن معاذ ناسا من اليهود خاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (لئن سمعتها من أحد منكم لأضربن عنقه) وذكر نحو5 السيوطي أيضا في الدر المنثور. انظر: فتح الباري 9/229؛ والدر المنثور 1/103. وقال الراغب في المفردات 197 (لا تقولوا راعنا) أي: وكان ذلك قولا يقولونه للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم يقصدون رميه بالرعونة، ويوهمون أنهم يقولون: راعنا، أي: احفظنا.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - أما الأعمش فهو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد، من أهل الكوفة المعروف بالأعمش ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع تقي لكنه يدلس توفي سنة 145هـ. انظر: التهذيب 4/223؛ والتقريب 136..
(1/121)
وابن المحيصن (1) (راعنا) بالتنوين فجعلوه مصدرا، أي: لا تقولوا رعونة (2).
وقرأ ابن مسعود: (لا تقولوا راعونا) على الأمر بالجماعة (3) كأنه نهاهم أن يقولوا ذلك فيما بينهم، والنهي في مخاطبة النبي بذلك أولى، وهذه الآية قد ذكروها في المنسوخ، ولا وجه لذلك بحال، ولولا إيثاري ذكر ما ادعى عليه النسخ لم أذكرها. قال أبو جعفر النحاس: هي ناسخة لما كان مباحا قوله (4) قلت: وهذا تحريف في القول، لأنه إذا نهى عن شيء لم تكن الشريعة أتت به لم يسم النهي نسخا (5).
ذكر الآية السادسة:
__________
(1) - أما بن المحيصن: فهو عمر بن عبد الرحمن بن المحيصن من أشهر قراء مكة مقبول من الخامسة مات سنة 123هـ. انظر: التهذيب 7/474؛ والتقريب 255.
(2) - قال الإمام البخاري في صحيحه: (راعنا: من الرعونة، إذا أرادوا ان يحمقوا إنسانا قالوا راعنا). وقال الحافظ في الفتح: هذا على قراءة من نون، وهي قراءة الحسن البصري، ووجهه بأنها صفة لمصدر محذوف، أي: لا تقولوا قولا راعنا أي قولا ذا رعونة. انظر: صحيح البخاري، وفتح الباري 9/229.
(3) - أخرجه الطبري عن ابن مسعود في جامع البيان 1/376، وقال الحافظ في الفتح 9/229...: وفي قراءة أبي بن كعب (لا تقولوا راعونا) وهو بلفظ الجمع وكذا في مصحف ابن مسعود، يقول الطبري: بعد أن أورد قراءة ابن مسعود: ولا نعلم ذلك صحيحا عن ابن مسعود فإن صح عنه وجه أن يكون القوم كأنهم نهوا عن استعمال ذلك بينهم في خطاب بعضهم بعضا، كان خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره.
(4) - انظر ما قاله النحاس في الناسخ والمنسوخ ص 24، وفي "هـ" كلمة "تعالى" زيادة ولعلها من الناسخ.
(5) - لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذ5 الآية في مختصر عمدة الراسخ ولا في تفسيره. ونرى مكي ابن أبي طالب يورد دعوى النسخ عن عطاء ثم قال: قد كان حق هذا أن لا يذكر في الناسخ والمنسوخ؛ لأنه لم ينسخ قرآنا. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 107-108.
(1/122)
قوله تعالى: { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } (1) قال المفسرون: أمر الله بالعفو والصفح عن أهل الكتاب قبل أن يأمر بقتالهم، ثم نسخ العفو والصفح بقوله { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (2) الآية، هذا مروي عن ابن مسعود، وابن عباس =رضي الله عنهما= وغيرهما (3) أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري (4) قال: أخبرنا علي بن الفضل، قال: أخبرنا عبد الصمد، قال: أخبرنا "ابن" (5) حموية، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم، قال: بن عبد الحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم، وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا "ابن بشران" (6) قال: أخبرنا إسحاق الكاذي، قال حدثنا عبد الله بن أحمد، قال حدثني أبي، قال حدثنا عبد الصمد، كلاهما عن همام "ابن يحيى" (7) عن قتادة قال: أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح، حتى يأتي الله بأمره، فأنزل (8)
__________
(1) - الآية (109) من سورة البقرة.
(2) - الآية (29) من سورة البقرة.
(3) - أخرجه الطبري في جامع البيان 1/390، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/76، عن ابن عباس رضي الله عنهما= من طريق علي بن أبي طلحة، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/107 وزاد نسبته إلى ابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس.
(4) - أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب العامري شيخ المؤلف ولد سنة (469هـ) وكانت له معرفة في الحديث والفقه، وكان يعظ، قال المؤلف في المنتظم: قرأت عليه كثيرا من الحديث والتفسير. انظر: مشيخة ابن الجوزي 149-152؛ والمنتظم 10/64-65؛ والبداية والنهاية 12/27.
(5) - في "هـ" أبو، وهو خطأ، هو ابن حمويه السرخسي أبو محمد عبد الله بن أحمد محدث ثقة روى صحيح البخاري عن الفربري، توفي سنة 381هـ. انظر مشيخة ابن الجوزي 74.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - في "هـ" الله..
(1/123)
في براءة { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } [الآية] (1) فنسخها بهذه الآية، وأمره فيها بقتال "أهل" (2) الكتاب حتى يسلموا، أو "يقروا" (3) بالجزية (4) قال أحمد: وحدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن قتادة { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا } (5) نسختها { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (6) [أخبرنا] (7) ابن ناصر، قال: أخبرنا علي بن أيوب قال: أخبرنا ابن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: أخبرنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد المروزي، قال أخبرنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا [أبو] (8) جعفر، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا } (9) قال: نسخ بقوله: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } (10) الآية (11).
__________
(1) - الآية (39) من سورة التوبة، كلمة "لآية" ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - في النسختين "ويقروا" بدون همزة وهو خطأ، والصواب ما أثبت عن رواية الطبري، ولأن الإسلام والجزية لا يجتمعان.
(4) - أخرج الطبري نحو5 في جامع البيان 1/190، عن قتادة.
(5) - الآية (109) من سورة البقرة.
(6) - الآية الخامسة من سورة التوبة.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - ساقطة من "هـ".
(11) - أخرجه الطبري عن ربيع بن أنس وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي العالية. انظر: جامع البيان 1/190؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 76.
(1/124)
فصل: واعلم أن تحقيق الكلام دون التحريف فيه أن يقال: إن هذه الآية ليست بمنسوخة؛ لأنه لم يأمر بالعفو مطلقا، وإنما أمر به إلى غاية وبين الغاية بقوله: { حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } (1) وما بعد الغاية يكون حكمه مخالفا لما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون أحدهما ناسخا للآخر، بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته والآخر محتاجا (2) إلى حكم آخر، وقد ذهب إلى ما قلته جماعة من فقهاء المفسرين وهو الصحيح (3) وهذا إذا قلنا: إن المراد بالعفو عن قتالهم "وقد قال" (4) الحسن: هذا فيما بينكم وبينهم دون ترك حق الله تعالى حتى يأتي الله بالقيامة.
وقال غيره: بالعقوبة، فعلى هذا يكون الأمر بالعفو [محكما لا منسو]خا (5).
ذكر الآية السابعة:
قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (6) اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال:
__________
(1) - أخرجه الطبري عن ربيع بن أنس وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي العالية. انظر: جامع البيان 1/190؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 76.
(2) - في "هـ" محتاج بالرفع، وهو خطأ من الناسخ.
(3) - ذكر المؤلف في زاد المسير 1/132، هذا الرأي عن جماعة من المفسرين والفقهاء، وقال في تفسير آية (حتى يأتي الله بأمره): قال ابن عباس: فجاء الله بأمره في النضير بالجلاء والنفي، وفي قريظة بالقتل والسبي. وأما في مختصر عمدة الراسخ في ورقة (2) فقال بعد ذكر دعوى النسخ: (زعم قوم أنها منسوخة بآية السيف، وليس بصحيح، لأنه لا يأمر بالعفو مطلقا، بل إلى غاية ومثل هذا لا يدخل في المنسوخ).
(4) - في "هـ" فقال.
(5) - ساقطة من "هـ" ما بين معقوفين.
(6) - الآية (115) من سورة البقرة.
(1/125)
أحدهما: أنها نزلت في اشتباه القبلة. أخبرنا "أبو بكر بن حبيب قال: أخبرنا علي" (1) بن الفضل، قال: أخبرنا محمد بن عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا "إبرهيم بن خريم " (2) قال: حدثنا عبد الحميد، قال أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أشعث بن سعيد قال: حدثنا عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن "عامر" (3) بن ربيعة عن أبيه (4) قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "في غزاة في ليلة سوداء مظلمة" (5) فلم نعرف القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (6) وروى جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية [كنت فيها] (7)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - في "هـ" عباس، وهو خطأ والصواب ما سجلت عن "م" وهو عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ثقة روى عن أبيه عامر بن ربيعة، وروى عنه الزهري، وعاصم بن عبيد الله وغيرهما، قال الحافظ: لأبيه صحبة، وثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين. انظر: الجرح والتعديل 5/122 رقم 559؛ والتقريب 178.
(4) - وهو عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بسكون النون حليف آل الخطاب صحابي مشهور، أسلم قديما وهاجر، وشهد بدرا مات ليالي قتل عثمان رضي الله عنه. انظر: التقريب (160).
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - أخرجه الترمذي والبيهقي في سننهما والطبري وابن أبي حاتم في تفسيرهما، والواحدي في أسباب النزول عن عامر بن ربيعة، وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أشعث وقد ضعف. انظر: صحيح الترمذي 5/205؛ والسنن الكبرى للبيهقي 2/10؛ وجامع البيان 1/401؛ وتفسير بن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 92؛ وأسباب النزول ص 22.
(7) - ساقطة من "هـ"..
(1/126)
فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة: القبلة هاهنا فصلوا وخطوا خطا، وقال بعضهم هاهنا فصلوا وخطوا خطا، فلما أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فسكت، فأنزل الله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (1).
__________
(1) - أخرجه الدارقطني في سننه 1/271 في (باب الاجتهاد في القبلة) عن جابر رضي الله عنه، وأخرجه البيهقي في سننه 2/10، في (باب الاختلاف في القبلة عند التحري) عنه وفيه: فقال: (قد أجزأت صلاتكم) وليس فيه ذكر نزول الآية، وذكر في رواية أخرى نزول الآية ولكن البيهقي ضعفهما وقال: لم نجد لهما إسنادا صحيحا.
(1/127)
قلت: وهذا الحكم باق عندنا وإن من اشتبهت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد فصلاته صحيحة "مجزية" (1) وهو قول سعيد بن المسيب (2) ومجاهد و "عطاء" (3) والشعبي (4) والنخعي (5) وأبي حنيفة، وللشافعي قولان:
أحدهما: كمذهبنا (6).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - وهو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين. انظر: التقريب (126). تجد قول سعيد ابن المسيب في كتاب، فقه سعيد بن المسيب 1/204.
(3) - غير واضحة من "هـ"، وهو عطاء بن أبي رباح بفتح الراء والموحدة واسم أبي رباح، أسلم القرشي مولاهم المكي ثقة فقيه عالم كثير الحديث لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة 114 هـ على المشهور، وقيل: أنه تغير في آخر5، ولم يكن ذلك منه. انظر: تهذيب التهذيب 7/199؛ والتقريب (239).
(4) - أما الشعبى فهو عامر بن شراحيل بن عبد الله الشعبي الحميري الكوفي روى عن كثير من الصحابة والتابعين، وقال ابن معين وغير واحد: أنه ثقة، وكان فقيها مشهورا فاضلا من الثالثة، مات بعد المائة وله نحوا من ثمانين سنة. انظر: التهذيب 5/65-69؛ والتقريب 161.
(5) - أما النخعي: فهو إبراهيم بن يزيد بن قيس ابن الأسود النخعي الكوفي الفقيه ثقة إلا أنه يرسل كثيرا، من الخامسة، مات سنة 191هـ، وهو ابن خمسين أو نحوها. انظر: التهذيب 1/177- 179؛ والتقريب (24). وقد أورد البيهقي قول النخعي هذا في سننه 2/12، وتجد5 أيضا في كتاب موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/384؛ والمصنف لعبد الرازق 2/344.
(6) - يقصد مذهب الحنابلة.
(1/128)
والثاني: "يجب" (1) الإعادة، وقال الحسن، والزهري (2) وربيعة (3) يعيد في الوقت، فإذا فات الوقت لم يعد، وهو قول مالك.
__________
(1) - في "هـ" يجيب، وهو تحريف، أورد مكي بن أبي طالب عن النخعي، في هذه الآية أنها مخصوصة محكمة نزلت فيمن جهل القبلة، له أن يصلي أينما توجه، ولا إعادة عليه، وعند مالك وأصحابه عليه الإعادة. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 113.
(2) - أما الزهري: فهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبيد الله بن شهاب القريشي الزهري وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة 125هـ وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. انظر: التقريب 318؛ وتذكرة الحفاظ 1/102؛ وحلية الأولياء 2/360.
(3) - أما ربيعة: فهو أبو عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو عثمان المدني، واسم أبيه فروخ، ثقة، فقيه مشهور من الخامسة، مات سنة 136هـ على الصحيح. انظر: التقريب 102.
(1/129)
القول الثاني: أن المراد بالآية صلاة التطوع، أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: بنا علي بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عبد الصمد، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حموية قال: أبنا إبراهيم بن خريم ، قال: حدثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر (1) قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به، وهو جا[ي من مكة] (2) إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (3) فقال ابن عمر =رضي الله عنه=: في هذا أنزلت الآية (4).
__________
(1) - وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي أسلم قديما، وهو صغير، وهاجر مع أبيه، شهد الخندق وبيعة الرضوان، والمشاهد التي بعدها، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه وعن كبار الصحابة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر مات سنة 73هـ في آخرها أو أول التي تليها. انظر: التهذيب 5/329-330؛ والتقريب (182).
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - الآية (115) من سورة البقرة.
(4) - أخرجه مسلم عن ابن عمر في باب جواز النافلة في السفر حيث توجهت، والترمذي في كتاب التفسير الباب الثالث عن ابن عمر، وابن جرير أيضا عنه. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 5/209؛ والترمذي 5/205؛ وجامع البيان 1/400-104. في "هـ" ولهذا أنزلت الآية.
(1/130)
القول الثالث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [لما صلى على النجاشي، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] (1) كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا؟ وكان يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنزلت هذه الآية [رواه] (2) عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (3).
القول الرابع: أن المراد بالآية: أينما كنتم من "شرق" (4) أو غرب فاستقبلوا الكعبة، قاله مجاهد (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري في جامع البيان 1/401 عن قتادة بلفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه، قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم، قال: فنزلت (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله) قال قتادة: فقالوا إنه كان لا يصلي إلى القبلة فأنزل الله عز وجل (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله). وذكر نحوه أيضا الواحدي عن ابن عباس من طريق عطاء، في أسباب النزول ص 24. كما ذكر5 السيوطي في لباب النقول، نقلا عن ابن جرير، ثم قال: هذا الحديث غريب جدا مرسل أو معضل. انظر: لباب النقول في أسباب النزول المطبوع على هامش تفسير ابن عباس ص 23.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - رواه الترمذي في صحيحه 5/206، وابن جرير في تفسيره 1/402، والبيهقي في سننه 2/13، عن مجاهد في كتاب التفسير.
(1/131)
القول الخامس: أن اليهود "لما تكلموا" (1) "حين" (2) صرفت القبلة إلى الكعبة نزلت هذه الآية، ومعناها: "لا تلتفتن" (3) إلى اعتراض اليهود بالجهل وإن المشرق والمغرب لله يتعبدكم بالصلاة إلى مكان ثم يصرفكم عنه كما يشاء. ذكره أبو بكر [بن] (4) الأنباري (5) وقد روى معناه عن ابن عباس =رضي الله عنهما=.
والقول السادس: أنه ليس المراد بالصلاة وحدها وإنما معنى الآية من أي وجه قصدتم الله، وعلى أي حال عبدتموه علم ذلك وأثابكم عليه.
والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد، قال الشاعر:
استغفر الله ذنبا لست محصيه ... رب العباد إليه الوجه والعمل
معناه: إليه القصد والتقدم. ذكره محمد بن القاسم أيضا (6).
والقول السابع: أن معنى الآية أينما كنتم [من] (7) الأرض فعلم الله بكم محيط لا يخفى عليه شيء من أعمالكم (8) [ذكره] (9) ابن القاسم أيضا وعلى هذه [الأقوال] (10) الآية محكمة.
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - في "هـ"حتى، وهو تصحيف.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري حافظ أديب نحوي صدوق فاضل دين من أهل السنة صنف كتبا عديدة في علوم القرآن، ذكر له السيوطي كتابا في ناسخ القرآن ومنسوخه، قال أبو علي القالي: كان أبو بكر الأنباري يحفظ ثلاثماثة ألف بيت شاهد في القرآن وقال عن نفسه: أنه كان يحفظ ثلاثة عشر صندوقا (يقصد الكتب) توفي سنة (336) هـ. انظر: تاريخ بغداد 3/181- 186؛ وتذكرة الحفاظ 2/230؛ وإنباه الرواة 3/201-208.
(6) - يقصد ابن الأنباري المذكور. قال الراغب في المفردات ص 514 (يقال للقصد وجه وللمقصد جهة ووجهة وهي حيثما نتوجه للشيء)، وذكر مكي بن أبي طالب نحو هذا المعنى عن بعض أهل المعاني. انظر: الإيضاح ص 113.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - في "هـ" هنا (فعلم الله بكم) وهي زيادة عن "م".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - ساقطة من "هـ".
(1/132)
[القول الثامن ذكر] (1) أربابه أنها منسوخة، فروى عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته صخرة بيت المقدس "فصلى" (3) إليها، وكانت قبلة اليهود، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب فنسخ ذلك { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } (4).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (115) من سورة البقرة.
(3) - في "هـ" فصلا، وهو خطأ إملائي.
(4) - الآية (150) من سورة البقرة، والأثر أخرجه الطبري مطولا من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 1/399-400.
(1/133)
أخبرنا "إسماعيل" (1) ابن أحمد السمرقندي قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران، قال: أبنا [أبو] (2) الحسين إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: حدثني حجاج بن محمد، قال: أنبا ابن جريج عن عطاء الخراساني (3) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: أول ما نسخ من القرآن -فيما ذكر لنا والله أعلم- شأن القبلة، قال: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (4) فاستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق فقال: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } (5) يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرف إلى البيت العتيق فقال: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } .(6)
__________
(1) - في "هـ" ابن إسماعيل. ولعلها زيادة من الناسخ، والصواب إسماعيل بن أحمد كما سبق لي ترجمته ص 89.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أما عطاء الخراساني: فهو عطاء بن أبي مسلم أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان واسم أبيه ميسرة وقيل عبد الله صدوق يهم كثيرا، ويرسل ويدلس، قال أبو داود: لم ير ابن عباس ولم يدركه، من الخامسة مات (135هـ). انظر: التهذيب 7/212- 215؛ والتقريب (239).
(4) - الآية (115) من سورة البقرة.
(5) - الآية (142) من سورة البقرة.
(6) - رواه البيهقي في سننه 2/12 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص 24، عن ابن عباس من طريق عطاء الخرساني، كما ذكره ابن كثير والسيوطي والشوكاني في تفاسيرهم عند ذكر هذه الآية. وقال السيوطي في الدر المنثور 1/ 1430 أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الناسخ والمنسوخ..
(1/134)
قال أحمد بن حنبل: وحدثنا عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا سعيد بن "أبي عروبة عن قتادة"(1) { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) قال: كانوا "يصلون" (3) نحو "بيت المقدس ونبي" (4) الله بمكة وبعدما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت" (5) المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى بعد ذلك "نحو الكعبة" (6) البيت الحرام، قال أحمد، وبنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: بنا همام [قال] (7) بنا قتادة { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } قال: وكانوا يصلون نحو بيت [المقدس ثم وجهه] (8) الله "نحو الكعبة" (9).
وقال - عز وجل - { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } (10) فنسخت هذه الآية ما كان قبلها [من] (11) قبلة. أخبرنا محمد بن عبد الله العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم ، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس، عن شيبان عن قتادة { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (12) قال: نسخ هذا بعد ذلك، فقال الله - عز وجل - { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } (13) قلت: وهذا قول أبي العالية والسدي (14).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - الآية (115) من سورة البقرة.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - في "هـ" إلى نحو الكعبة.
(10) - الآية (144) من سورة البقرة.
(11) - ساقطة من "هـ".
(12) - الآية (115) من سورة البقرة.
(13) - ساقطة من "هـ".
(14) - هذه الأقواد الواردة عن قتادة أخرج نحوها الترمذي في سننه 5/206 في كتاب التفسير وابن جرير في جامع البيان 1/400 عن قتادة كما أخرج الطبري نحوها عن السدي من طريق أسباط.
(1/135)
فصل: واعلم: أن [قوله] (1) تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) ليس فيه أمر بالتوجه إلى [بيت] (3) المقدس ولا إلى غيره بل هو دال على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها.
فأما التوجه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء، هل كان برأي النبي، - صلى الله عليه وسلم - [و] (4) اجتهاده، أو كان عن وحي؟ فروي عن ابن عباس وابن جريج أنه كان عن أمر الله [تعالى] (5) لقوله - عز وجل - { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ } (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (115) من سورة البقرة.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (143) من سورة البقرة، والأثر أخرجه الطبري عن ابن عباس، وابن جريج. انظر: جامع البيان في تفسير آية سيقول السفهاء 2/4.
(1/136)
وأخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: [بنا محمد بن الحسين] (1) قال بنا كثير بن يحيى قال: بنا أبي، قال: بنا أبو بكر الهدبي، عن عكرمة، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: قالت [اليهود] (2) إن محمدا مخالف لنا في "كل شيء" (3) فلو تابعنا على قبلتنا، أو على شيء لتابعناه، "فظن" (4) النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا منهم جد، وعلم الله [منهم] (5) الكذب، وأنهم لا يفعلون "فأراد الله" (6) أن يبين ذلك لنبيه =صلى الله عليه وسلم= فقال: إذا قدمت المدينة فصل قبل بيت المقدس، ففعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت اليهود: قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا، فأنزل الله - عز وجل - { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } (7) فقد علمنا انهم لا يفعلون، ولكن أردنا أن نبين ذلك لك (8) [و] (9) قال الحسن وعكرمة وأبو العالية، والربيع [بل] (10) كان برأيه واجتهاده (11) وقال قتادة: كان الناس يتوجهون إلى [أي] (12) جهة شاءوا، بقوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } (13) [ثم أمرهم] (14)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - الآية (143) من سورة البقرة.
(8) - أخرج نحوه الطبري عن ابن عباس وقتادة في جامع البيان 2/4-5 وليس فيه (قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا).
(9) - الواو ساقطة من "م".
(10) - ساقطة من "هـ".
(11) - أخرج الطبري هذا القول عن عكرمة والحسن وأبي العالية في جامع البيان 2/4.
(12) - ساقطة من "هـ".
(13) - 115: البقرة.
(14) - ساقطة من "هـ"..
(1/137)
النبي - صلى الله عليه وسلم - باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيد: "كانوا ينحون أن يصلوا إلى قبلة" (1) شاءوا، لأن المشارق والمغارب لله، وأنزل الله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (2) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله - يعني بيت المقدس - فصلوا إليه) فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بضعة عشر شهرا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتى هديناه، فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله تعالى { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ } (3) أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد "بن الحسين" (4) ابن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا [محمد بن أيوب] (5) قال: بنا أحمد بن عبد الرحمن، قال بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع، قال: حدثني أبو العالية، أن نبي الله خير بين أن يوجه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس، لكي يتألف أهل الكتاب ثم وجهه الله إلى البيت [الحرام] (6) "واختلف العلماء في سبب اختياره بيت" (7) المقدس على قولين:
__________
(1) - في العبارة قلق في "هـ" وقد جاء فيه: "كانوا ينحوا أن يصلوا إلى أن قبلة" وفي "م" سقط النون من ينحون، لعله من النساخ.
(2) - البقرة 115.
(3) - أورد مكي بن أبي طالب ما في معناه عن ابن زيد في الإيضاح ص 110.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ". وأخرج هذا القول الطبري عن أبي العالية من طريق الربيع في جامع البيان 2/ 4.
(7) - غير واضحة من "هـ".
(1/138)
أحدهما: أن العرب لما كانت تحج ولم تألف "بيت" (1) المقدس، أحب الله امتحانهم بغير ما ألفوه [ليظهر من] (2) يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } (3) وهذا قول الزجاج (4).
والثاني: أنه "اختاره" (5) ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطبري (6) قلت: فإذا ثبت أن رسول الله =صلى الله عليه وسلم= اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة، ثم نسخ ذلك بالقرآن.
__________
(1) - مكررة في "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - الآية (143) من سورة البقرة.
(4) - وأما الزجاج: فهو بفتح الزاي والجيم المشددة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج النحوي، كان عالما اديبا دينا صنف كتابا في معاني القرآن، روى عن المبرد وثعلب وغيرهما، توفي في بغداد سنة 311هـ. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب 2/62؛ ووفيات الأعيان 1/32.
(5) - في "م" اختار.
(6) - وهو الإمام الكبير والمفسر المعروف محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر، المؤرخ ولد في آمل طبرستان سنة 224هـ، وهو من ثقات المؤرخين، صاحب المؤلفات منها جامع البيان في تفسير القرآن، وأخبار الرسل والملوك، وفي تفسير5 ما يدل على علم غزير وتحقيق، توفي رحمه الله ببغداد سنة (310). انظر: البداية والنهاية 11/145؛ تذكرة الحفاظ 2/351؛ تجد كلام الطبري عن أبي العالية في جامع البيان 2/4.
(1/139)
والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه الله، فيحتاج مدعي نسخها أن يقول: فيها إضمار. تقديره: (فولوا وجوهكم) في الصلاة أين شئتم ثم نسخ ذلك المقدر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها (1)
__________
(1) - قلت: وقد أنكر الطبري والنحاس وقوع النسخ في هذه الآية، وقالا: (لا يوجد هنا ناسخ ولا منسوخ) وأما ابن هلال فقد أورد قول النسخ وقال: (إن القول بنسخ هذه الآية غلط قبيح. قال المؤلف في تفسيره: (وهذ5 الآية مستعملة الحكم في المجتهد إذا صلى إلى غير القبلة وفي صلاة التطوع على الراحلة، والخائف. وقد ذهب قوم إلى نسخها فقالوا: إنها لما نزلت، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطر5) البقرة "144"، وهذا (مروي عن ابن عباس. قال شيخنا علي بن عبيد الله: وليس في القرآن أمر خاص بالصلاة إلى بيت المقدس، وقوله (فأينما تؤلوا فثم وجه الله) ليس صريحا بالأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، بل فيه ما يدل على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها، فإذا ثبت هذا، دل على أنه وجب التوجه إلى بيت المقدس بالسنة، ئم نسخ بالقرآن). وقال في مختصر عمدة الراسخ، بعد إيراد آية (فأينما تولوا فثم وجه الله) (ذهب بعضهم إلى أن هذ5 الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت قوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام) وإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقدير5: فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم، ثم نسخ ذلك المقدر، والصحيح أنها محكمة، لأنها خبر أخبرت أن الإنسان أينما تولى فثم وجه الله، ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة، لا على وجه النسخ. انظر: جامع البيان 1/402؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس 15؛ والإيجاز في معرفة الناسخ والمنسوخ، ورقة 15 من المخطوط وتفسير زاد المسير 1/135؛ ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثانية..
(1/140)
.
ذكر الآية الثامنة:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق