مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا

ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي  / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين  / مدونة قيقي  / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي

9 مصاحف

 

الأربعاء، 16 مايو 2018

9.الباب الثامن في مخارج الحروف

9.الباب الثامن في مخارج الحروف  اسلام ويب
[ ص: 105 ] الباب الثامن في مخارج الحروف والكلام على كل حرف بانفراده
فصل: مخارج الحروف عند الخليل سبعة عشر مخرجا. وعند سيبويه وأصحابه ستة عشر، لإسقاطهم الجوية. وعند الفراء وتابعيه أربعة عشر، لجعلهم مخرج الذلقية واحدا. ويحصر المخارج الحلق واللسان والشفتان، ويعمها الفم.
فللحلق ثلاثة مخارج، لسبعة أحرف:
[ ص: 106 ] فمن أقصاه الهمزة، والألف، لأن مبدأه من الحلق، ولم يذكر الخليل هذا الحرف هنا، والهاء.
ومن وسطه العين والحاء المهملتان.
ومن أدناه الغين والخاء.
وللسان عشرة مخارج لثمانية عشر حرفا:
فمن أقصاه مما يلي الحلق وما يحاذيه من الحنك الأعلى القاف.
ودونه قليلا مثله الكاف.
ومن وسطه ووسط الحنك الأعلى الجيم والشين والياء.
ومن إحدى حافتيه وما يحاذيها من الأضراس اليسرى. صعب، ومن اليمنى أصعب منه، الضاد.
ومن رأس حافته وطرفه ومحاذيها من الحنك الأعلى من اللثة اللام.
ومن رأسه أيضا ومحاذيه من اللثة النون.
ومن ظهره ومحاذيه من اللثة الراء.
هذا على مذهب سيبويه ، وعند الفراء وتابعيه مخرج اللثة واحد.
ومن رأسه أيضا وأصول الثنيتين العليين الطاء والتاء والدال.
ومن رأسه أيضا وبين أصول الثنيتين الصاد والسين والزاي.
ومن رأسه وما بين طرفي الثنيتين الظاء والذال والثاء.
ومن طرفي الثنيتين وباطن الشفة السفلى الفاء.
وللشفتين الباء والميم والواو.
والغنة من الخيشوم من داخل الأنف، هذا السادس عشر.
وأحرف المد من جو الفم، وهو السابع عشر.
2
[ ص: 107 ] فَصْلٌ نَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنَ اَلتَّجْوِيدِ
[اَلْهَمْزَةُ]
أَمَّا اَلْهَمْزَةُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى مَخْرَجِهَا وَنِسْبَتِهَا وَصِفَتِهَا، وَهِيَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ، شَدِيدٌ، مُنْفَتِحٌ، مُسْتَفِلٌ، لَا يُخَالِطُهَا نَفَسٌ. وَهِيَ مِنْ حُرُوفِ اَلْإِبْدَالِ، وَحُرُوفِ اَلزَّوَائِدِ. وَهِيَ لَا صُورَةَ لَهَا فِي اَلْخَطِّ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ بِالشَّكْلِ وَالْمُشَافَهَةَ.
وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي اَلنُّطْقِ بِهَا عَلَى مِقْدَارِ غِلَظِ طِبَاعِهِمْ وَرِقَّتِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَلْفِظُ بِهَا لَفْظًا تَسْتَبْشِعُهُ اَلْأَسْمَاعُ، وَتَنْبُو عَنْهُ اَلْقُلُوبُ، وَيَثْقُلُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ بِالْقِرَاءَةِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، مَعِيبٌ مَنْ أَخَذَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنِ اَلْأَعْمَشِ أَنَّهُ كَانَ [ ص: 108 ] يَكْرَهُ شِدَّةَ اَلنَّبْرَةِ - يَعْنِي اَلْهَمْزَةَ - فِي اَلْقِرَاءَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: إِمَامُنَا يَهْمِزُ " مُؤْصَدَة " [اَلْهُمَزَةِ: 8] فَأَشْتَهِي أَنْ أَسُدَّ أُذُنِي إِذَا سَمِعْتُهُ يَهْمِزُهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَدِّدُهَا فِي تِلَاوَتِهِ، يَقْصِدُ بِذَلِكَ تَحْقِيقَهَا، وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ بَعْدَ اَلْمَدِّ، فَيَقُولُونَ: " يَا أَيُّهَا " [اَلْبَقَرَةِ: 21] .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِهَا فِي لَفْظَةٍ مُسَهَّلَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِيمَا أَحْكَمَتِ اَلرِّوَايَةُ تَسْهِيلَهُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي، أَنَّ اَلْقَارِئَ - إِذَا هَمَزَ - أَنْ يَأْتِيَ بِالْهَمْزَةِ سِلْسِلَةً فِي اَلنُّطْقِ، سَهْلَةً فِي اَلذَّوْقِ، مِنْ غَيْرِ لَكَنٍ وَلَا اِبْتِهَارٍ لَهَا، وَلَا خُرُوجٍ بِهَا عَنْ حَدِّهَا، سَاكِنَةً كَانَتْ أَوْ مُتَحَرِّكَةً، يَأْلَفُ ذَلِكَ طَبْعُ كُلِّ أَحَدٍ، وَيَسْتَحْسِنُهُ أَهْلُ اَلْعِلْمِ بِالْقِرَاءَةِ، وَذَلِكَ اَلْمُخْتَارُ. وَقَلِيلٌ مَنْ يَأْتِي بِهَا كَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَلَا يَقْدِرُ اَلْقَارِئُ عَلَيْهِ إِلَّا بِرِيَاضَةٍ شَدِيدَةٍ، كَمَا كَانَ حَمْزَةُ يَقُولُ: إِنَّمَا اَلْهَمْزَةُ رِيَاضَةٌ.
وَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبٍ: فَإِذَا أَحْسَنَ اَلرَّجُلُ سَهَّلَهَا، أَيْ تَرَكَهَا.
[ ص: 109 ] وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ إِذَا سَهَّلَ اَلْهَمْزَةَ أَنْ يَجْعَلَهَا بَيْنَ اَلْهَمْزَةِ وَالْحَرْفِ اَلَّذِي مِنْهُ حَرَكَتُهَا، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ اَلْقِرَاءَاتِ، فَلِذَلِكَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا.
وَيَنْبَغِي أَيْضًا لِلْقَارِئِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ إِخْفَاءِ اَلْهَمْزَةِ إِذَا اِنْضَمَّتْ أَوِ اِنْكَسَرَتْ، وَكَانَ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ قَبْلَهُ ضَمَّةٌ أَوْ كَسْرَةٌ، نَحْوُ قَوْلِهِ: {إِلَى بَارِئِكُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 54]، {سُئِلَ} [اَلْبَقَرَةِ: 108]، وَ {مُتَّكِئُونَ} [يس: 56]، وَ {أَعَدَّتْ} [اَلْبَقَرَةِ: 24]. وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ إِذَا وَقَفَ عَلَى اَلْهَمْزَةِ اَلْمُتَطَرِّفَةِ بِالسُّكُونِ أَنْ يُظْهِرَهَا فِي وَقْفَةٍ لِبُعْدِ مَخْرَجِهَا، وَضَعْفِهَا بِالسُّكُونِ وَذَهَابِ حَرَكَتِهَا، لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ سَكَنَ خَفَّ إِلَّا اَلْهَمْزَةَ، فَإِنَّهَا إِذَا سَكَنَتْ ثَقُلَتْ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ، سَوَاءٌ كَانَ اَلسَّاكِنُ حَرْفَ عِلَّةٍ أَوْ صِحَّةٍ، نَحْوُ قَوْلِهِ: {دِفْء} [اَلنَّحْلِ: 5] وَ {اَلْخَبْء} [اَلنَّمْلِ: 25] وَ {اَلسَّمَاء} [اَلْبَقَرَةِ: 19] وَ {شَيْء} [اَلْبَقَرَةِ: 20] وَلِهَذَا اَلْمَعْنَى آثَرَ هِشَامٌ تَسْهِيلَهَا عَلَى تَسْهِيلِ اَلْمُتَوَسِّطَةِ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ اَلْهَمْزَةِ.
تابع الجزء الأول
[اَلْبَاءُ]

وَأَمَّا حُكْمُ اَلْبَاءِ: فَهِيَ تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، مِمَّا بَيْنَ [ ص: 110 ] اَلشَّفَتَيْنِ، مَعَ تَلَاصُقِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُسْتَفِلَةٌ مُقَلْقَلَةٌ.
فَإِذَا اِلْتَقَتَا مِنْ كَلِمَتَيْنِ، وَكَانَتْ أُولَاهُمَا سَاكِنَةً كَانَ إِدْغَامُهَا إِجْمَاعًا نَحْوُ قَوْلِهِ: {فَاضْرِبْ بِهِ} [ص: 44].
وَإِذَا سَكَنَتْ وَلَقِيَهَا مِيمٌ أَوْ فَاءٌ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هُودٍ: 42]، {أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ} [اَلنِّسَاءِ: 74] جَازَ فِيهَا اَلْإِظْهَارُ وَالْإِدْغَامُ، فَالْإِظْهَارُ لِاخْتِلَافِ اَللَّفْظَيْنِ، وَالْإِدْغَامُ لِقُرْبِ اَلْمَخْرَجِ.
وَإِذَا اِلْتَقَتِ اَلْبَاءُ اَلْمُتَحَرِّكَةُ بِمِثْلِهَا وَجَبَ إِثْبَاتُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صِيغَتِهِ مُرَقَّقًا، مَخَافَةَ أَنْ يَقْرُبَ اَللَّفْظُ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، نَحْوُ قَوْلِهِ {سببًا} [اَلْكَهْفِ: 84]، وَ {حُبِّبَ إِلَيْكُمْ} [اَلْحُجُرَاتِ: 7]، {اَلْكِتَاب بِالْحَقِّ} [اَلْبَقَرَةِ: 176] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فصل: وإذا سكنت الباء وجب على القارئ أن يظهرها مرققة، وأن يقلقلها، سواء كان الإسكان لازما أو عارضا، لا سيما إذا أتى بعدها واو، وذلك نحو قوله تعالى: {ربوة} [المؤمنون: 50]، و {عبرة} [يوسف: 111] ، وقوله {فانصب} [الشرح: 7]. وأما العارض فنحو قوله: {الحساب} [البقرة: 202] و {الكتاب} [البقرة: 2] و {لهب} [المسد: 1] و {حسب} [العنكبوت: 4] ونحو ذلك. [ ص: 111 ] فصل: وإذا وقع بعد الباء ألف وجب على القارئ أن يرقق اللفظ بها، لا سيما إذا وقع بعدها حرف استعلاء أو إطباق، نحو قوله تعالى: {باغ} [البقرة: 173] و {بارئكم} [البقرة: 54] و {باسط} [الكهف: 18] و {الأسباط} [البقرة: 136] و {الباطل} [الأنفال: 8] و {بالغ} [المائدة: 95] ونحو ذلك. فكثير من القراء يتعمدون اللفظ بها شديدة، فيخرجونها عن حدها، ويفخمون لفظها، فاحذر ذلك، واحذر أيضا إذا رققتها أن تدخلها إمالة، فكثيرا ما يقع في ذلك عامة المغاربة.
[اَلتَّاءُ] وَأَمَّا اَلتَّاءُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمُخْرِجِ اَلثَّامِنِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهِيَ مِنْ فَوْقِ اَلثَّنَايَا اَلْعُلْيَا، مُصْعَدًا إِلَى جِهَةِ اَلْحَنَكِ يَسِيرًا مِمَّا يُقَابِلُ طَرَفَ اَللِّسَانِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ شَدِيدَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُسْتَفِلَةٌ. وَقِيلَ إِنَّهَا مِنْ حُرُوفِ اَلْقَلْقَلَةِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ اَلْبُعْدِ، لِأَنَّ كُلَّ حُرُوفِ اَلْقَلْقَلَةِ مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ، وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ فِي اَلتَّاءِ لَلَزِمَ فِي اَلْكَافِ. فَلَوْلَا اَلْهَمْسُ اَلَّذِي فِي اَلتَّاءِ لَكَانَتْ دَالًا، وَلَوْلَا اَلْجَهْرُ اَلَّذِي فِي اَلدَّالِ لَكَانَتْ تَاءً، إِذِ اَلْمَخْرَجُ وَاحِدٌ، وَقَدِ اِشْتَرَكَا فِي اَلصِّفَاتِ.[ ص: 112 ] فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا وَبَعْدَهَا أَلِفٌ غَيْرُ اَلْمُمَالَةِ فَاحْذَرْ تَغْلِيظَهَا أَوْ أَنْ تَنْحُوَ بِهَا إِلَى اَلْكَسْرِ، فَكِلَاهُمَا مَحْذُورَانِ، بَلْ تَنْطِقُ بِهَا مُرَقَّقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ {اَلتَّائِبُونَ} [اَلتَّوْبَةِ: 112] وَ {تَأْكُلُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 49] .
فَصْلٌ: وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا طَاءٌ أَوْ دَالٌ أَوْ تَاءٌ وَجَبَ إِدْغَامُهَا فِيهِنَّ، فَإِذَا أُدْغِمَتْ فِي اَلطَّاءِ وَجَبَ إِظْهَارُ اَلْإِدْغَامِ مَعَ إِظْهَارِ اَلْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ. وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَتْ طَائِفَة} [اَلْأَحْزَابِ: 13]، لِأَنَّ فِي اَلْأَصْلِ إِطْبَاقًا مَعَ إِطْبَاقٍ وَكَذَا اِسْتِعْلَاءٌ مَعَ اِسْتِعْلَاءٍ، وَذَلِكَ غَايَةُ اَلْقُوَّةِ، لَا سِيَّمَا مَعَ اَلْجَهْرِ وَالشِّدَّةِ.وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلتَّاءُ فِي كَلِمَةٍ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَتَوَفَّاهُمْ} [اَلنَّحْلِ: 28]، أَوْ كَلِمَتَيْنِ اَلْأُولَى مُتَحَرِّكَةٌ، أَظْهَرْتَهُمَا إِظْهَارًا بَيِّنًا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كِدْت تَرْكَنُ} [اَلْإِسْرَاءِ: 74]. وَإِنْ تَكَرَّرَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ نَحْوُ قَوْلِهِ: / {اَلرَّاجِفَة تَتْبَعُهَا} [اَلنَّازِعَاتِ: 6،7] فَبَيَانُ هَذَا اَلْحَرْفِ لَازِمٌ، لِأَنَّ فِي اَللَّفْظِ بِهِ صُعُوبَةٌ. قَالَ مَكِّيٌّ فِي اَلرِّعَايَةِ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ اَلْمَاشِي يَرْفَعُ رِجْلَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَرُدُّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِلَى اَلْمَوْضِعِ اَلَّذِي رَفَعَهَا مِنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ اَللِّسَانَ إِذَا لَفَظَ بِالتَّاءِ اَلْأُولَى رَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ لِيَلْفِظَ بِالثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَلْفِظَ بِالثَّالِثَةِ، وَذَلِكَ صَعْبٌ، فِيهِ تَكَلُّفٌ.وَإِذَا جَاءَتْ قَبْلَ حَرْفِ اَلْإِطْبَاقِ فِي كَلِمَةٍ لَزِمَ بَيَانُهَا وَتَخْلِيصُهَا بِلَفْظٍ مُرَقَّقٍ غَيْرِ مُفَخَّمٍ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَتُطْمِعُونَ} [اَلْبَقَرَةِ: 75] وَ {لَا تَطْرُدُ} [ ص: 113 ] [اَلْأَنْعَامِ: 52] وَ {لَا تَطْغَوْا} [هُودٍ: 112] وَ {تطهيرًا} [اَلْأَحْزَابِ: 33] وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ اَلطَّاءَ وَالتَّاءَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ اَلطَّاءَ حَرْفٌ قَوِيٌّ فِيهِ جَهْرٌ وَشِدَّةٌ وَإِطْبَاقٌ وَاسْتِعْلَاءٌ، وَالتَّاءُ مُنْسَفِلَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مَهْمُوسَةٌ، وَالْقَوِيُّ إِذَا تَقَدَّمَ اَلضَّعِيفَ وَهُوَ مُجَاوِرُهُ جَذَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اَلتَّاءَ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ حَرْفِ اَلْإِطْبَاقٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ تُبْدَلَ مِنْهَا طَاءً، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اِصْطَفَى} [اَلْبَقَرَةِ: 132] ، وَ {اُضْطُرَّ} [اَلْبَقَرَةِ: 173] ، لِيَعْمَلَ اَللِّسَانُ عَمَلًا وَاحِدًا، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ نَحْوُ قَوْلِهِ: {اِخْتَلَطَ} [اَلْأَنْعَامِ: 146] وَجَبَ بَيَانُ اَلتَّاءِ مُرَقَّقَةً، مَعَ تَرْقِيقِ اَللَّامِ، لِئَلَّا تُقَرَّبَ اَلتَّاءُ مِنْ لَفْظِ اَلطَّاءِ اَلَّتِي بَعْدَهَا، وَتَصِيرَ اَللَّامُ مُفَخَّمَةً.
وَإِذَا سَبَقَتِ اَلطَّاءُ اَلتَّاءَ وَكَانَتْ سَاكِنَةً أَدْغَمَتِ اَلطَّاءُ فِيهَا، فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا خَلَّصْتَ صَوْتَ اَلطَّاءِ مَعَ اَلْإِتْيَانِ بِصَوْتِ اَلْإِطْبَاقِ، ثُمَّ تَأْتِي بِالتَّاءِ مُرَقَّقَةً عَلَى أَصْلِهَا. وَهَذَا قَلِيلٌ فِي زَمَانِنَا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اَلْمَاهِرُ اَلْمُجَوِّدُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَسَطَتْ إِلَيَّ} [اَلْمَائِدَةِ: 28]، وَ {فَرَّطَتْ} [اَلزُّمَرِ: 56]، وَ {أَحَطْت} [اَلنَّمْلِ: 22]، وَهَذَا وَنَحْوُهُ تَحْكُمُهُ اَلْمُشَافَهَةُ.
قَالَ شُرَيْحٌ فِي نِهَايَةِ اَلْإِتْقَانِ: اَلْقُرَّاءُ قَدْ يَتَفَاضَلُونَ فِيهَا، يَعْنِي اَلتَّاءَ، [ ص: 114 ] فَتَلْتَبِسُ فِي أَلْفَاظِهِمْ بِالسِّينِ لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا، فَيُحْدِثُونَ فِيهَا رَخَاوَةً وَصَفِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ بِهَا إِلَى جِهَةِ اَلْحَنَكِ، إِنَّمَا يَنْحُونَ بِهَا إِلَى جِهَةِ اَلثَّنَايَا، وَهُنَاكَ مَخْرَجُ اَلسِّينِ.وَإِذَا قَرَأْتَ بِحَرْفِ وَرْشٍ وَفَخَّمْتَ اَللَّامَ فَلْيَكُنِ اِحْتِفَالُكَ بِتَرْقِيقِ اَلتَّاءِ أَكْثَرَ، لِقُرْبِ اَلْحَرْفِ اَلْقَوِيِّ مِنَ اَلتَّاءِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُصَلَّى نارًا} [اَلْغَاشِيَةِ: 4]. وَإِذَا سَكَنَتِ اَلتَّاءُ وَأَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اَلْمُعْجَمِ فَاحْذَرْ إِخْفَاءَهَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {فِتْنَة} [اَلْبَقَرَةِ: 102] وَقِيلَ: لِأَنَّ اَلتَّاءَ حَرْفٌ فِيهِ ضَعْفٌ، وَإِذَا سَكَنَ ضَعُفَ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهِ لِشِدَّتِهِ.
[اَلثَّاءُ]
وَأَمَّا اَلثَّاءُ فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلْعَاشِرِ مِنَ اَلْفَمِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ اَللِّسَانِ وَأَطْرَافِ اَلثَّنَايَا اَلْعُلْيَا، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ، فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا فَوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ صِفَاتِهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحْدِثَ فِيهَا جَهْرًا، فَيَلْتَبِسَ لَفْظُهَا بِالذَّالِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ.
وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ اَلثَّاءِ أَلِفٌ فَالْفِظْ بِهَا مُرَقَّقَةً غَيْرَ مُغَلَّظَةٍ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَالِث} [اَلْمَائِدَةِ: 73] وَ{ثَامِنهمْ} [اَلْكَهْفِ: 22]
وَنَحْوِهِ.
[ ص: 115 ] وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلثَّاءُ وَجَبَ بَيَانُهَا، نَحْوُ قَوْلِهِ: {ثَالِث ثَلَاثَةِ} [اَلْمَائِدَةِ: 73] وَنَحْوِهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَدْخُلَ اَلْكَلَامَ إِخْفَاءٌ.
وَإِذَا وَقَعَتِ اَلثَّاءُ اَلسَّاكِنَةُ قَبْلَ حَرْفِ اِسْتِعْلَاءٍ وَجَبَ بَيَانُهَا، لِضَعْفِهَا وَقُوَّةِ اَلِاسْتِعْلَاءِ بَعْدَهَا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أثخنتموهم} [مُحَمَّدٍ: 4]، وَ {إِنْ يُثَقِّفُوكُمْ} [اَلْمُمْتَحِنَةِ: 2] وَشِبْهِهِ.
[اَلْجِيمُ]
وَأَمَّا اَلْجِيمُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّالِثِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهُوَ مِنْ وَسَطِ اَللِّسَانِ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَسَطِ اَلْحَنَكِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ مُقَلْقَلَةٌ، فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا فَوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ صِفَاتِهَا.
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلْجِيمُ، سَوَاءٌ كَانَ سُكُونُهَا لَازِمًا أَوْ عَارِضًا، فَإِنْ كَانَ لَازِمًا وَجَبَ اَلتَّحَفُّظُ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ شِينًا، لِأَنَّهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ قَوْمًا يَغْلَطُونَ [ ص: 116 ] فِيهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا زَايٌ أَوْ سِينٌ، فَيُحْدِثُونَ هَمْسًا وَرَخَاوَةً وَيُدْغِمُونَهَا فِي اَلزَّايِ وَالسِّينِ، وَيُذْهِبُونَ لَفْظَهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اِجْتَمَعُوا} [اَلْحَجِّ: 73]، وَ {اَلنَّجْدَيْنِ} [اَلْبَلَدِ: 10] وَ {اِجْتَنِبُوا} [اَلْحُجُرَاتِ: 12] وَ {خَرَجَتْ} [اَلْبَقَرَةِ: 149] وَ {وَجْهك} ] [اَلْبَقَرَةِ: 144] وَ {تُجْزَى} [غَافِرٍ: 17] وَ {تَجْزُونَ} [اَلْأَنْعَامِ: 93]، وَ {رجزًا} [اَلْبَقَرَةِ: 59] وَ {رجسًا} [اَلتَّوْبَةِ: 125] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُنْطَقَ بِجَهْرِهَا وَشِدَّتِهَا وَقَلْقَلَتِهَا. وَإِذَا كَانَ سُكُونُهَا عَارِضًا فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِ جَهْرِهَا وَشِدَّتِهَا وَقَلْقَلَتِهَا، وَإِلَّا ضَعُفَتْ وَانْمَزَجَتْ بِالشِّينِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُجَاج} [اَلْفُرْقَانِ: 53] وَ {فَخَرَاج} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 72] وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي اَلْوَقْفِ.
وَإِذَا أَتَتِ اَلْجِيمُ مُشَدَّدَةً أَوْ مُكَرَّرَةً وَجَبَ عَلَى اَلْقَارِئِ بَيَانُهَا، لِقُوَّةِ اَللَّفْظِ بِهَا وَتَكْرِيرِ اَلْجَهْرِ وَالشِّدَّةِ فِيهَا، نَحْوُ قَوْلِهِ: {حَاجَجْتُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 66] وَ / {حَاجَّهُ} [اَلْأَنْعَامِ: 80].
فَإِنْ أَتَى بَعْدَ اَلْجِيمِ اَلْمُشَدَّدَةِ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ خَفِيٌّ كَانَ اَلْبَيَانُ لَهُمَا جَمِيعًا آكَدُ، لِئَلَّا يَخْفَى اَلْحَرْفُ اَلَّذِي بَعْدَ اَلْجِيمِ وَلِيَظْهَرَ اَلْجِيمُ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوَجِّهُهُ} [اَلنَّحْلِ: 76]، وَالْبَيَانُ لَهُمَا لَازِمٌ، لِصُعُوبَةِ اَللَّفْظِ بِإِخْرَاجِ اَلْهَاءِ اَلْمُشَدَّدَةِ [بَعْدَ اَلْجِيمِ اَلْمُشَدَّدَةِ] ، لِأَجْلِ خَفَاءِ اَلْهَاءِ
.
[ ص: 117 ] [اَلْحَاءُ]
وَأَمَّا اَلْحَاءُ اَلْمُهْمَلَةُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّانِي مِنْ وَسَطِ اَلْحَلْقِ، بَعْدَ مَخْرَجِ اَلْعَيْنِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ وَسَطِهِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُنْسَفِلَةٌ مُنْفَتِحَةٌ، فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا فَوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ صِفَاتِهَا.
قَالَ اَلْخَلِيلُ فِي كِتَابِ اَلْعَيْنِ: "وَلَوْلَا بُحَّةٌ فِي اَلْحَاءِ لَكَانَتْ مُشَبَّهَةً بِالْعَيْنِ". يُرِيدُ فِي اَللَّفْظِ، إِذِ اَلْمَخْرَجُ وَالصِّفَاتُ مُتَقَارِبَةٌ، وَلِهَذِهِ اَلْعِلَّةِ لَمْ يَتَأَلَّفْ فِي كَلَامِ اَلْعَرَبِ عَيْنٌ وَحَاءٌ أَصْلِيَّتَانِ فِي كَلِمَةٍ، ، لَا تَجِدُ إِحْدَاهُمَا مُجَاوِرَةً لِلْأُخْرَى فِي كَلِمَةٍ إِلَّا بِحَاجِزٍ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ اَلْهَاءُ مَعَ اَلْحَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اَلْعَرَبِ فِي "مَعَهُمْ": مَحُّمْ، فَأَبْدَلَ مِنَ اَلْعَيْنِ حَاءً، لِقُرْبِ اَلْحَاءِ فِي اَلصِّفَةِ، وَلِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ، وَلِبُعْدِ اَلْهَاءِ فِي اَلصِّفَةِ مِنَ اَلْعَيْنِ مَعَ خَفَاءِ اَلْهَاءِ، فَلَمَّا أَبْدَلَ مِنَ اَلْعَيْنِ حَاءً أُدْغِمَتِ اَلْهَاءُ اَلَّتِي بَعْدَهَا فِيهَا، عَلَى إِدْغَامِ اَلثَّانِي فِي اَلْأَوَّلِ.
[ ص: 118 ] وَإِذَا أَتَى بَعْدَ اَلْحَاءِ أَلِفٌ وَجَبَ عَلَى اَلْقَارِئِ أَنْ يَلْفِظَ بِهَا مُرَقَّقَةً، وَيَنْبَغِيَ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِبَيَانِ لَفْظِهَا عِنْدَ مَجِيءِ اَلْعَيْنِ بَعْدَهَا، لِأَنَّهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ.
فَإِذَا وَقَعَتِ اَلْحَاءُ قَبْلَ اَلْعَيْنِ خِيفَ أَنْ يَقْرُبَ اَللَّفْظُ مِنَ اَلْإِخْفَاءِ أَوْ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اَلْمَسِيح عِيسَى} [آلِ عِمْرَانَ: 45]، وَ {زَحْزَحَ عَنْ} [آلِ عِمْرَانَ: 185]
وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِذَا كَانَتِ اَلْحَاءُ سَاكِنَةً كَانَ اَلْبَيَانُ آكَدَ، لِأَنَّ بِسُكُونِهَا قَدْ تَهَيَّأَتْ لِلْإِدْغَامِ، إِذْ كُلُّ حَرْفٍ أُدْغِمَ لَا بُدَّ مِنْ إِسْكَانِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْغَمَ، فَإِذَا سَكَنَتِ اَلْحَاءُ قَبْلَ اَلْعَيْنِ قَرُبَتْ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، فَيَجِبُ إِظْهَارُهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} [اَلزُّخْرُفِ: 89] اَلْبَيَانُ فِي هَذِهِ لَازِمٌ.
وَإِذَا لَقِيَهَا مِثْلُهَا كَانَ اَلْبَيَانُ لَازِمًا، إِنْ لَمْ يُقْرَأْ بِالْإِدْغَامِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى} [اَلْكَهْفِ: 60].
وَإِنْ لَاصَقَهَا هَاءٌ كَانَ اَلْبَيَانُ لَازِمًا أَكِيدًا، لِئَلَّا تُدْغَمَ اَلْهَاءُ فِيهَا، لِقُرْبِ اَلْمَخْرَجَيْنِ، وَلِأَنَّ اَلْحَاءَ أَقْوَى مِنَ اَلْهَاءِ، فَهِيَ تَجْذِبُ اَلْهَاءَ إِلَى نَفْسِهَا، وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ اَلنَّاسُ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَبَّحَهُ} [ق: 40] فَالتَّحَفُّظُ بِإِظْهَارِهَا وَاجِبٌ.
[ ص: 119 ] [اَلْخَاءُ]
وَأَمَّا اَلْخَاءُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّالِثِ مِنَ اَلْحَلْقِ، وَهِيَ مِمَّا يَلِي اَلْفَمَ، وَهِيَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ مُسْتَعْلٍ رَخْوٌ مُنْفَتِحٌ، فَإِذَا نَطَقْتَ بِهَا فَوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْ صِفَاتِهَا.
فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْخِيمِ لَفْظِهَا لِاسْتِعْلَائِهَا، وَكَذَلِكَ كَلُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ اَلِاسْتِعْلَاءِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً وَلَمْ يَجِئْ بَعْدَهَا أَلِفٌ. قَالَ اِبْنُ اَلطَّحَّانِ اَلْأَنْدَلُسِيُّ فِي "تَجْوِيدِهِ": "اَلْمُفَخَّمَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَتَمَكَّنُ اَلتَّفْخِيمُ فِيهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُ حُرُوفِ اَلِاسْتِعْلَاءِ مَفْتُوحًا. وَضَرْبٌ يَكُونُ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَقَعَ حَرْفٌ مِنْهَا مَضْمُومًا. وَضَرْبٌ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَرْفٌ مِنْهَا مَكْسُورًا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ أَنْ تَكُونَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَتَمَكَّنُ اَلتَّفْخِيمُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حَرْفِ اَلِاسْتِعْلَاءِ أَلِفٌ.
[ ص: 120 ] وَضَرْبٌ دُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَفْتُوحًا، وَدُونَهُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا، وَدُونَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونُ سَاكِنًا، وَدُونَهُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَكْسُورًا.
وَاحْذَرْ إِذَا فَخَّمْتَهَا قَبْلَ اَلْأَلِفِ أَنْ تُفَخِّمَ اَلْأَلِفَ مَعَهَا، فَإِنَّهُ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ اَلْقُرَّاءُ فِي مِثْلِ هَذَا وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِالْحُرُوفِ مُجَوَّدَةً، وَهَؤُلَاءِ مُصَدَّرُونَ فِي زَمَانِنَا، يُقْرِئُونَ اَلنَّاسَ اَلْقِرَاءَاتِ. فَالْوَاجِبُ أَنْ يُلْفَظَ بِهَذِهِ كَمَا يُلْفَظُ بِهَا إِذَا قُلْتَ: هَاءٌ، يَاءٌ، قَالَ اَلْجَعْبَرِيُّ:
وَإِيَّاكَ وَاسْتِصْحَابَ تَفْخِيمِ لَفْظِهَا إِلَى اَلْأَلِفَاتِ اَلتَّالِيَاتِ فَتَعْثَرَا
وَقَالَ شَيْخُنَا اِبْنُ اَلْجُنْدِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: وَتَفْخِيمُ اَلْأَلِفِ بَعْدَ حُرُوفِ اَلِاسْتِعْلَاءِ خَطَأٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ {خَائِفِينَ} [اَلْبَقَرَةِ: 114] وَ {اَلْغَالِبِينَ} [اَلْأَعْرَافِ: 113] وَ {قَالَ} [اَلْبَقَرَةِ: 30] وَ {طَالَ} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 44] وَ {خَالِق} [اَلْأَنْعَامِ: 102] وَ {غَالب} [آلِ عِمْرَانَ: 160] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَبَعْضُ اَلْقُرَّاءِ يُفَخِّمُونَ لَفْظَهَا إِذَا جَاوَرَهَا أَلِفٌ، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ غَلَبَت [اَلْبَقَرَةِ: 249] وَ خَلْق [اَلْبَقَرَةِ: 29] .
قَالَ شُرَيْحٌ فِي "نِهَايَةِ اَلْإِتْقَانِ": وَتَفْخِيمُ لَفْظِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ اَلصَّوَابُ لِاسْتِعْلَائِهَا.
[ ص: 121 ] وَيَنْبَغِي أَنْ تُخَلِّصَ لَفْظَهَا إِذَا سَكَنَتْ، وَإِلَّا رُبَّمَا اِنْقَلَبَتْ غَيْنًا، كَقَوْلِهِ: {وَلَا تَخْشَى} [طه: 77] وَ {واخْتَارَ مُوسَى} [اَلْأَعْرَافِ: 155] وَ {اِخْتَلَطَ} [اَلْأَنْعَامِ: 146] وَ {يَخْتِمُ} [اَلشُّورَى: 24] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[اَلدَّالُ]
وَأَمَّا اَلدَّالُ اَلْمُهْمَلَةُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى مَخْرَجِهَا، وَهُوَ مَخْرَجُ اَلتَّاءِ اَلْمَذْكُورُ، وَعَلَى أَنَّهَا مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ مُتَقَلْقِلَةٌ.
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلدَّالُ - وَسَوَاءٌ كَانَ سُكُونُهَا لَازِمًا أَوْ عَارِضًا - فَلَا بُدَّ مِنْ قَلْقَلَتِهَا وَبَيَانِ شِدَّتِهَا وَجَهْرِهَا: فَإِنْ كَانَ سُكُونُهَا لَازِمًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَأَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اَلْمُعْجَمِ، لَا سِيَّمَا اَلنُّونُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَلْقَلَتِهَا وَإِظْهَارِهَا، لِئَلَّا تَخْفَى عِنْدَ اَلنُّونِ وَغَيْرِهَا، لِسُكُونِهَا وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي اَلْجَهْرِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ لَقِينَا} [اَلْكَهْفِ: 62] وَ {لَقَدْ رَأَى} [اَلنَّجْمِ: 18] وَ {قَدْ نَرَى} [اَلْبَقَرَةِ: 144] وَ {اَلْقَدْر} [اَلْقَدْرِ: 1] وَ {باَلْعَدْل} [ ص: 122 ] [اَلْبَقَرَةِ: 282] وَ {وَعُدْنَا} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 83] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِيَّاكَ إِنْ أَظْهَرْتَهَا أَنْ تُحَرِّكَهَا كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ اَلْعَجَمِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ. وَقَالَ لِي شَخْصٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ إِمَامُ عَصْرِهِ: لَا تَكُونُ اَلْقَلْقَلَةُ إِلَّا فِي اَلْوَقْفِ، فَقُلْتُ لَهُ: سَلَامًا.
وَإِنْ كَانَ سُكُونُهَا عَارِضًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَقَلْقَلَتِهَا، وَإِلَّا عَادَتْ تَاءً.
وَإِيَّاكَ إِنْ تَعَمَّدْتَ بَيَانَهَا أَنْ تُشَدِّدَهَا، كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ اَلْقُرَّاءِ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلدَّالُ وَأَتَتْ مُشَدَّدَةً وَغَيْرً مُشَدَّدَةٍ وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا، لِصُعُوبَةِ اَلتَّكْرِيرِ عَلَى اَللِّسَانِ، فَالْإِظْهَارُ لَازِمٌ كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 217]، {أَخِي * اُشْدُدْ بِهِ} [طه:30،31] ، {أَنْحَنِ صَدَدْنَاكُمْ} [سَبَأٍ: 32] وَ {وَعَدَّده} [اَلْهُمَزَةِ: 2] وَ {مُمَدَّدَة} [اَلْهُمَزَةِ: 9] وَنَحْوِهِ، اَلْبَيَانُ لَازِمٌ.
وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ اَلدَّالُ بَدَلًا مِنْ تَاءٍ وَجَبَ عَلَى اَلْقَارِئِ بَيَانُهَا، لِئَلَّا يَمِيلَ بِهَا اَللِّسَانُ إِلَى أَصْلِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ: {مُزْدَجَر} [اَلْقَمَرِ: 4] وَ {تَزْدَرِي} [هُودٍ: 31] وَشِبْهِهِ.
وَإِذَا اِلْتَقَى اَلدَّالُ بِالتَّاءِ وَهُوَ سَاكِنٌ، أُدْغِمَ مِنْ غَيْرِ عُسْرٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ: {وَوَعَدَتْكُمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 22] وَ {مَهَّدَتْ}[اَلْمُدَّثِّرِ: 14] وَ {قَدْ تَبَيَّنَ} [اَلْبَقَرَةِ: 256] وَ {لَقَدْ تَابَ} [اَلتَّوْبَةِ: 117]، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا أَلِفٌ لُفِظَ بِهَا مُرَقَّقَةً.
[ ص: 123 ] [اَلذَّالُ]
أَمَّا اَلذَّالُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلثَّاءِ، وَهُوَ اَلْمَخْرَجُ اَلْعَاشِرُ مِنَ اَلْفَمِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ اَلثَّاءِ بِالْجَهْرِ، وَلَوْلَا اَلْجَهْرُ اَلَّذِي فِي اَلذَّالِ لَكَانَتْ ثَاءً، وَلَوْلَا اَلْهَمْسُ اَلَّذِي فِي اَلثَّاءِ لَكَانَتْ ذَالًا.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَ اَلذَّالِ أَلِفٌ نَطَقْتَ بِهَا مُرَقَّقَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ} [اَلْبَقَرَةِ: 2].
وَ {ذَاتَ} [اَلْأَنْفَالِ: 1] وَشِبْهِهِ، وَمَتَى لَمْ تَحْتَفِظْ بِتَرْقِيقِ اَلذَّالِ دَخَلَهَا اَلتَّفْخِيمُ، فَيُؤَدِّيَهَا إِلَى اَلْإِطْبَاقِ، فَتَصِيرَ عِنْدَ ذَلِكَ ظَاءً.
وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا ظَاءٌ فَإِدْغَامُهَا فِيهَا لَازِمٌ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ ظَلَمُوا} فِي [اَلنِّسَاءِ: 64]، وَ {إِذْ ظَلَمْتُمْ} فِي [اَلزُّخْرُفِ:39]، لَيْسَ فِي اَلْقُرْآنِ غَيْرُهُمَا، فَاخْرُجْ مِنْ لَفْظِ اَلْهَمْزَةِ إِلَى لَفْظِ اَلظَّاءِ اَلْمُشَدَّدَةِ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مَهْمُوسٌ فَبَيِّنْ جَهْرَهَا، وَإِلَّا عَادَتْ ثَاءً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ} [اَلْأَعْرَافِ: 86].
وَإِنْ أَتَى بَعْدَهَا نُونٌ، كَقَوْلِهِ: {فَنَبَذْنَاهُ} [اَلصَّافَّاتِ: 145]، {وَإِذْ نتقنا} [اَلْأَعْرَافِ: 171] فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا، وَإِلَّا رُبَّمَا اِنْدَغَمَتْ فِي اَلنُّونِ.
وَإِذَا اِلْتَقَتْ بِالرَّاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَتَخْلِيصِ اَللَّفْظِ بِهَا رَقِيقَةً، وَبِالرَّاءِ [ ص: 124 ] بَعْدَهَا مُفَخَّمَةً، فَلَا يُتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ، فَرُبَّمَا اِنْقَلَبَتِ اَلذَّالُ ظَاءً إِذَا فُخِّمَتِ اَلرَّاءُ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَرَّة} [اَلنِّسَاءِ: 40] وَ {ذراعًا} [اَلْحَاقَّةِ: 32] وَ {أَنْذَرَتْكُمْ} [فُصِّلَتْ: 13].
وَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا قَافٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهَا، وَإِلَّا صَارَتْ ظَاءً، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَاقُوا} [اَلْأَنْعَامِ: 148] وَ {اَلْأَذْقَان} [يس: 8].
فَلَا بُدَّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَأْتِيَ بِالذَّالِ مُنْسَفِلَةً مُنْفَتِحَةً، وَبِالظَّاءِ مُسْتَعْلِيَةً مُطْبَقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اَلْمُنْذِرِينَ} [اَلشُّعَرَاءِ: 194] وَ {اَلْمَنْظَرَيْنِ} [اَلْأَعْرَافِ: 15] وَ {ذَلَّلْنَاها} [يس: 72] وَ {ظَلِلْنَا} [اَلْبَقَرَةِ: 57] وَ {محذورًا} [اَلْإِسْرَاءِ: 57] وَ {محظورًا} [اَلْإِسْرَاءِ: 20] وَمَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلذَّالُ وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا، نَحْوُ {ذِي اَلذَّكَرِ} [ص: 1] وَقَدِ اِجْتَمَعَ هُنَا ثَلَاثُ ذَالَاتٍ، لِأَنَّ اَللَّامَ قُلِبَتْ ذَالًا تَوَصُّلًا إِلَى اَلْإِدْغَامِ، وَبَيَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَازِمٌ.
وَإِيَّاكَ أَنْ تُبَالِغَ فِي تَرْقِيقِ اَلذَّالِ، فَتَجْعَلَهَا ثَاءً، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ اَلنَّاسِ.
[اَلرَّاءُ]
وَأَمَّا اَلرَّاءُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخَرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلسَّابِعِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ طَرَفِ اَللِّسَانِ وَفُوَيْقِ اَلثَّنَايَا اَلْعُلْيَا، وَهِيَ أَدْخَلُ فِي طَرَفِ اَللِّسَانِ قَلِيلًا مِنَ اَلنُّونِ، وَفِيهَا اِنْحِرَافٌ إِلَى مَخْرَجِ اَللَّامِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ، بَيْنَ اَلشِّدَّةِ [ ص: 125 ] وَالرَّخَاوَةِ، مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، ضَارَعَتْ بِتَفْخِيمِهَا اَلْحُرُوفَ اَلْمُسْتَعْلِيَةَ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَالرَّاءُ إِذَا تَكَلَّمْتَ بِهَا خَرَجَتْ كَأَنَّهَا مُضَاعِفَةٌ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ اَلتَّكْرِيرِ اَلَّذِي اِنْفَرَدَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ اَلْحُرُوفِ.
وَإِذَا أَتَتْ مُشَدَّدَةً وَجَبَ عَلَى اَلْقَارِئِ اَلتَّحَفُّظُ مِنْ تَكْرِيرِهَا، وَأَنْ يُؤَدِّيَهَا بِيُسْرٍ، مِنْ غَيْرِ تَكْرِيرٍ وَلَا عُسْرٍ، فَغَالِبُ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ وَلَحْنٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَرَّ مُوسَى} [اَلْأَعْرَافِ: 143] ، وَ {أَشَدّ حرًا} [اَلتَّوْبَةِ: 81] وَ {مَرَّةَ} [اَلْأَنْعَامِ: 94] وَ {اَلرَّحْمَن اَلرَّحِيم} وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلرَّاءُ وَالْأُولَى مُشَدَّدَةٌ وَجَبَ اَلتَّحَفُّظُ عَلَى إِظْهَارِهَا وَإِخْفَاءِ تَكْرِيرِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {محررًا} [آلِ عِمْرَانَ: 35].
وَأَمَّا تَرْقِيقُهَا وَتَفْخِيمُهَا فَقَدْ أَحْكَمَ اَلْقُرَّاءُ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ، فَلِذَلِكَ أَضْرَبْنَا عَنْهُ هُنَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْخِيمِهَا إِذَا كَانَ بَعْدَهَا أَلِفٌ، وَاحْذَرْ تَفْخِيمَ اَلْأَلِفِ مَعَهَا.
[ ص: 126 ] [اَلزَّايُ]
وَأَمَّا اَلزَّايُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلتَّاسِعِ مِنَ اَلْفَمِ، مِمَّا يَلِي طَرَفَ اَللِّسَانِ وَفُوَيْقَ اَلثَّنَايَا اَلسُّفْلَى، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ صَفِيرِيَّةٌ.
فَإِذَا سَكَنَتْ وَجَبَ بَيَانُهَا مِمَّا بَعْدَهَا وَإِشْبَاعُ لَفْظِهَا، وَسَوَاءٌ لَقِيَتْ حَرْفًا مَهْمُوسًا أَوْ مَجْهُورًا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَنَزْتُمْ} [اَلتَّوْبَةِ: 35]، وَ {تَزْدَرِي} [هُودٍ: 31] وَ {أَزْكَى} [اَلْبَقَرَةِ: 232] وَ {مُزْجَاة} [يُوسُفَ: 88] وَ {لَيَزْلِقُونَك} [اَلْقَلَمِ: 51] وَ {وِزْرك} [اَلشَّرْحِ: 2] وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلزَّايُ وَجَبَ بَيَانُهَا أَيْضًا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَزَزْنَا بِثَالِثِ} [يس: 14] لِثِقَلِ اَلتَّكْرِيرِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا أَلِفٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ما زَادُوكُمْ} [اَلتَّوْبَةِ: 47] وَ {اَلزَّانِيَة} [اَلنُّورِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[اَلسِّينُ]
وَأَمَّا اَلسِّينُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى مَخْرَجِهَا، وَهُوَ مَخْرَجُ اَلزَّايِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ [ ص: 127 ] رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ صَفِيرِيَّةٌ، وَلَوْلَا اَلْهَمْسُ اَلَّذِي فِيهَا لَكَانَتْ زَايًا، وَلَوْلَا اَلْجَهْرُ اَلَّذِي فِي اَلزَّايِ لَكَانَتْ سِينًا، فَاخْتِلَافُهُمَا فِي اَلسَّمْعِ هُوَ بِالْجَهْرِ وَالْهَمْسِ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَ اَلسِّينِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اَلْإِطْبَاقِ، سَوَاءٌ كَانَتْ سَاكِنَةً أَوْ مُتَحَرِّكَةً، وَجَبَ بَيَانُهَا فِي رِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ، وَإِلَّا صَارَتْ صَادًا بِسَبَبِ اَلْمُجَاوَرَةِ، لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ، وَلَوْلَا اَلتَّسَفُّلُ وَالِانْفِتَاحُ اَللَّذَانِ فِي اَلسِّينِ لَكَانَتْ صَادًا، وَلَوْلَا اَلِاسْتِعْلَاءُ وَالْإِطْبَاقُ اَللَّذَانِ فِي اَلصَّادِ لَكَانَتْ سِينًا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ صَفِيرُهَا أَكْثَرَ مِنَ اَلصَّادِ، لِأَنَّ اَلصَّادَ بَيِّنٌ بِالْإِطْبَاقِ، نَحْوُ {بَسْطَةً} [اَلْبَقَرَةِ: 247] وَ
{مسطورًا} [اَلْإِسْرَاءِ: 58] وَ {تَسْتَطِيعَ} [اَلْكَهْفِ: 41] وَ {أَقْسَط} [اَلْبَقَرَةِ: 282] فَتَلْفِظُ بِهَا فِي حَالَيْ سُكُونِهَا وَتَحْرِيكِهَا بِرِفْقٍ وَرِقَّةٍ.
وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا جِيمٌ أَوْ تَاءٌ فَبَيِّنْهَا، نَحْوُ مسجد [اَلْأَعْرَافِ: 31] وَ {مُسْتَقِيم} [اَلْبَقَرَةِ: 142] وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تُبَيِّنْهَا لَالْتَبَسَتْ بِالزَّايِ لِلْمُجَاوَرَةِ.
وَاحْذَرْ أَنْ تُحَرِّكَهَا عِنْدَ بَيَانِكَ صَفِيرَهَا.
وَإِذَا أَتَى لَفْظٌ هُوَ بِالسِّينِ يُشْبِهُ لَفْظًا هُوَ بِالصَّادِ وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ، وَإِلَّا اِلْتَبَسَ، نَحْوُ {أَسَرُّوا} [يُونُسَ: 54] وَ {أَصَرُّوا} [نُوحٍ: 7] وَ {يَسْحَبُونَ} [غَافِرٍ [ ص: 128 ] 71] وَ {يَصْحَبُونَ} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 43] وَ {قِسْمنَا} [اَلزُّخْرُفِ: 32] وَ {قَصَمْنَا} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 11] ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ صَفِيرِهَا فِي اِنْسِفَالِهَا.
[اَلشِّينُ]
وَأَمَّا اَلشِّينُ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّالِثِ مِنَ اَلْفَمِ بَعْدَ اَلْكَافِ، مِنْ وَسَطِ اَللِّسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَسَطِ اَلْحَنَكِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ مُتَفَشِّيَةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ اَلتَّفَشِّي اَلَّذِي فِيهَا عِنْدَ اَلنُّطْقِ بِهَا.
وَإِذَا كَانَتْ مُشَدَّدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ إِشْبَاعِ تَفَشِّيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَشَّرْنَاهُ [هُودٍ: 71] وَإِذَا سَكَنَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ تَفَشِّيهَا وَتَخْلِيصِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اِشْتَرَاهُ} [اَلْبَقَرَةِ: 102]، وَ {يَشْرَبُونَ} [اَلْإِنْسَانِ: 5] وَ {اُشْدُدْ} [طه: 31].
وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى نَحْوِ {اَلرُّشْد} [اَلْبَقَرَةِ: 256] فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ تَفَشِّيهَا، وَإِلَّا صَارَتْ كَالْجِيمِ.
وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهَا جِيمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ لَفْظِ اَلشِّينِ، وَإِلَّا تَقْرُبُ مِنْ لَفْظِ اَلْجِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [اَلنِّسَاءِ: 65]، وَ {شَجَرَةً تَخْرُجُ} [اَلصَّافَّاتِ: 64] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[ ص: 129 ] [اَلصَّادُ]
وَأَمَّا اَلصَّادُ اَلْمُهْمَلَةَ: فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلتَّاسِعِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهُوَ مَخْرَجُ اَلزَّايِ وَالسِّينِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُطْبَقَةٌ مُسْتَعْلِيَةٌ صَفِيرِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى تَضْخِيمِهَا فِي ذِكْرِ اَلْخَاءِ.
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلصَّادُ وَأَتَى بَعْدَهَا دَالٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْلِيصِهَا وَبَيَانِ إِطْبَاقِهَا وَاسْتِعْلَائِهَا، وَإِلَّا صَارَتْ زَايًا، كَقَوْلِهِ: {أَصْدَق} [اَلنِّسَاءِ: 87] وَ {يَصْدُرُ} [اَلْقَصَصِ: 23]، إِلَّا مَنْ مَذْهَبُهُ اَلتَّشْرِيبُ.
وَإِنْ أَتَى بَعْدَهَا طَاءٌ فَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ إِطْبَاقِهَا وَاسْتِعْلَائِهَا، وَإِلَّا صَارَتْ زَايًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اِصْطَفَى} [اَلْبَقَرَةِ: 132] وَ {يَصْطَفِي} [اَلْحَجِّ: 75] وَشِبْهِهِ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ إِطْبَاقِهَا وَاسْتِعْلَائِهَا، وَإِلَّا بَادَرَ اَللِّسَانُ إِلَى جَعْلِهَا سِينًا، لِأَنَّ اَلسِّينَ أَقْرَبُ إِلَى اَلتَّاءِ مِنَ اَلصَّادِ إِلَى اَلتَّاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ حَرَصَتْ} [يُوسُفَ: 103] وَ {حَرَصْتُمْ} [اَلنِّسَاءِ: 129] وَنَحْوِهِ،
[ ص: 130 ] [اَلضَّادُ]
وَأَمَّا اَلضَّادُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلرَّابِعِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اَللِّسَانِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ اَلْأَضْرَاسِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُطْبَقَةٌ مُسْتَعْلِيَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اَلْحَرْفَ لَيْسَ مِنَ اَلْحُرُوفِ حَرْفٌ يَعْسُرُ عَلَى اَللِّسَانِ غَيْرُهُ، وَالنَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي اَلنُّطْقِ بِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ ظَاءً مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ يُشَارِكُ اَلظَّاءَ فِي صِفَاتِهَا كُلِّهَا، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِالِاسْتِطَالَةِ، فَلَوْلَا اَلِاسْتِطَالَةُ وَاخْتِلَافُ اَلْمَخْرَجَيْنِ لَكَانَتْ ظَاءً، وَهُمْ أَكْثَرُ اَلشَّامِيِّينَ وَبَعْضُ أَهْلِ اَلشَّرْقِ. وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ اَللَّهِ تَعَالَى، لِمُخَالَفَةِ اَلْمَعْنَى اَلَّذِي أَرَادَهُ اَللَّهُ تَعَالَى، إِذْ لَوْ قُلْنَا {اَلضَّالِّينَ} بِالظَّاءِ كَانَ مَعْنَاهُ: اَلدَّائِمِينَ، وَهَذَا خِلَافُ مُرَادِ اَللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، لِأَنَّ (اَلضَّلَالَ) بِالضَّادِ وَهُوَ ضِدُّ (اَلْهُدَى) ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} [اَلْإِسْرَاءِ: 67]، {وَلَا اَلضَّالِّينَ} [اَلْفَاتِحَةِ: 7] وَنَحْوِهِ، وَبِالظَّاءِ هُوَ اَلدَّوَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ظَلَّ وَجْهه مسودًا} [اَلنَّحْلِ: 58] ، فَمِثَالُ اَلَّذِي يَجْعَلُ اَلضَّادَ ظَاءً فِي هَذَا وَشِبْهِهِ كَاَلَّذِي يُبْدِلُ اَلسِّينَ صَادًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {وَأَسَرُّوا اَلنَّجْوَى} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 3] وَ {أَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا} [نُوحٍ: 7] فَالْأَوَّلُ مِنَ اَلسِّرِّ، وَالثَّانِي مِنَ اَلْإِصْرَارِ.
[ ص: 131 ] وَقَدْ حَكَى اِبْنُ جِنِّيٍّ فِي كِتَابِ "اَلتَّنْبِيهِ" وَغَيْرِهِ أَنَّ مِنَ اَلْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ اَلضَّادَ ظَاءً مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ كَلَامِهِمْ. وَهَذَا غَرِيبٌ، وَفِيهِ تَوَسُّعٌ لِلْعَامَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُوصِلُهَا إِلَى مَخْرَجِهَا، بَلْ يُخْرِجُهَا دُونَهُ مَمْزُوجَةً بِالطَّاءِ اَلْمُهْمَلَةِ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُمْ أَكْثَرُ اَلْمِصْرِيِّينَ وَبَعْضُ أَهْلِ اَلْمَغْرِبِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُهَا لَامًا مُفَخَّمَةً، وَهُمُ اَلزَّيَالِعُ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اَلْحَرْفَ خَاصَّةً إِذَا لَمْ يَقْدِرِ اَلشَّخْصُ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ بِطَبْعِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِكُلْفَةٍ وَلَا بِتَعْلِيمٍ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَ اَلضَّادِ حَرْفُ إِطْبَاقٍ وَجَبَ اَلتَّحَفُّظُ بِلَفْظِ اَلضَّادِ، لِئَلَّا يَسْبِقَ اَللِّسَانُ إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ اَلْإِدْغَامُ، كَقَوْلِهِ: {فَمَنْ اُضْطُرَّ} [اَلْبَقَرَةِ: 173] وَ {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} [اَلْبَقَرَةِ: 126].
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلضَّادُ وَأَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ اَلْمُعْجَمِ فَلَا بُدَّ مِنَ اَلْمُحَافَظَةِ عَلَى بَيَانِهَا، وَإِلَّا بَادَرَ اَللِّسَانُ إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهَا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[ ص: 132 ] {أَفَضْتُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 198] وَ {خُضْتُمْ} [اَلتَّوْبَةِ: 69] وَ {وَاخْفِضْ جَنَاحَك} [اَلْحِجْرِ: 88] وَ {وَقَيَّضْنَا} [فُصِّلَتْ: 25] وَ {فَرْضنَا} [اَلْأَحْزَابِ: 50] وَ {خضر} [يُوسُفَ: 43] وَ {نَضِرَةً} [اَلْإِنْسَانِ: 11] وَ {فِي تَضْلِيل} [اَلْفِيلِ: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتْ هِيَ، أَوْ أَتَى بَعْدَهَا ظَاءٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِخْرَاجِهِمَا مِنْ مَخْرَجِهَا، كَقَوْلِهِ: {يَغْضُضْنَ} [اَلنُّورِ: 31] وَ {أَنْقُضُ ظَهْرك} [اَلشَّرْحِ: 3] وَ {يَعَضُّ اَلظَّالِم} [اَلْفُرْقَانِ: 27] وَنَحْوِهِ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ مُفَخَّمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا، لِئَلَّا يُبْدِلَهَا اَللِّسَانُ حَرْفًا مِنْ جِنْسِ مَا بَعْدَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، نَحْوُ {أَرْض اَللَّهِ} [اَلنِّسَاءِ: 97] وَ {اَلْأَرْض ذهبًا} [آلِ عِمْرَانَ: 91] وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَالتَّفْخِيمُ ذُكِرَ قَبْلُ.
[اَلطَّاءُ]
وَأَمَّا اَلطَّاءُ اَلْمُهْمَلَةُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلتَّاءِ وَالدَّالِ، وَهُوَ اَلْمَخْرَجُ اَلثَّامِنُ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى اَلْحُرُوفِ، لِأَنَّهَا حَرْفٌ [ ص: 133 ] مَجْهُورٌ شَدِيدٌ مُطْبَقٌ مُسْتَعْلٍ مُقَلْقَلٌ إِذَا سَكَنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى تَفْخِيمِهِ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلطَّاءُ وَجَبَ بَيَانُهَا لِقُوَّتِهَا كَقَوْلِهِ: {شططًا} [اَلْكَهْفِ: 14] . وَإِذَا سَكَنَتْ - سَوَاءٌ كَانَ سُكُونُهَا لَازِمًا أَوْ عَارِضًا، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ إِطْبَاقِهَا وَقَلْقَلَتِهَا، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اَلْخَطْفَة} [اَلصَّافَّاتِ : 10] وَ {اَلْأَطْفَال} [اَلنُّورِ: 59] وَ {اَلْبَطْشَة} [اَلدُّخَانِ: 16] وَ {اَلْأَسْبَاط} [اَلْبَقَرَةِ: 136] وَ {اِخْتَلَطَ} [اَلْأَنْعَامِ: 146] وَ {اَلْقِسْط} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 47] وَنَحْوِهِ فِي اَلْوَقْفِ.
وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ فَأَدْغِمْهَا فِيهَا إِدْغَامًا غَيْرَ مُسْتَكْمَلٍ، تُبْقِي مَعَهُ تَضْخِيمَهَا وَاسْتِعْلَاءَهَا، لِقُوَّةِ اَلطَّاءِ وَضَعْفِ اَلتَّاءِ، نَحْوُ: {بَسَطَتْ} [اَلْمَائِدَةِ: 28] وَ {أَحَطْت} [اَلنَّمْلِ: 22] وَ {فَرَّطَتْ} [اَلزُّمَرِ: 56] لِأَنَّ أَصْلَ اَلْإِدْغَامِ أَنْ يُدْغَمَ اَلْأَضْعَفُ فِي اَلْأَقْوَى، لِيَصِيرَ فِي مِثْلِ قُوَّتِهِ، وَفِي مِثْلِ هَذَا عَكْسُهُ، وَسَوَّغَهُ اَلْقَلْبُ، لَكِنَّ اَلصِّفَةَ بَاقِيَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَوْصُوفِهَا فِي نَحْوِ هَذَا كَالْغُنَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا أَدْغَمْتَ اَلتَّاءَ فِي اَلطَّاءِ فِي نَحْوِ: {وَدَّتْ طَائِفَةً} [آلِ عِمْرَانَ: 69] لَمْ تُبْقِ مِنْ لَفْظِهَا شَيْئًا، لِأَنَّ اَلْإِدْغَامَ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَامِلًا فِي نَحْوِ هَذَا، وَلَوْلَا أَنَّهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ لَمْ تُدْغَمِ اَلطَّاءُ فِيهَا، فَلِذَلِكَ ضَعُفَ اَلْإِدْغَامُ عَنْ أَنْ يَكُونَ [ ص: 134 ] مُكْمَلًا. وَنَظِيرُهُ إِدْغَامُ اَلنُّونِ اَلسَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ فِي اَلْوَاوِ وَالْيَاءِ، إِذَا أُبْقِيَتِ اَلْغُنَّةُ، فَيَكُونُ اَلتَّشْدِيدُ مُتَوَسِّطًا، لِأَجْلِ إِبْقَاءِ اَلْغُنَّةِ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِي هَذَا مَذْهَبُ اَلْقُرَّاءِ. وَقَدْ يَجُوزُ إِدْغَامُهَا وَإِدْغَامُ صَوْتِهَا، أَعْنِي اَلطَّاءَ فِي اَلتَّاءِ، كَجَوَازِهِ فِي إِدْغَامِ اَلتَّنْوِينِ وَالنُّونِ فِي اَلْوَاوِ وَالْيَاءِ مَعَ غُنَّتِهِمَا، كَرِوَايَةِ خَلَفٍ عَنْ سُلَيْمٍ عَنْ حَمْزَةَ، وَهُوَ اَلْأَقَلُّ.
قَالَ شُرَيْحٌ فِي "نِهَايَةِ اَلْإِتْقَانِ": "مِنَ اَلْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ اَلتَّاءَ طَاءً، ثُمَّ يُدْغِمُ اَلطَّاءَ اَلْأُولَى فِيهَا فَيَقُولُ: {أَحَطُّ} وَ {فَرَّطُّ} وَهَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِي كَلَامِ اَلْخَلْقِ لَا فِي كَلَامِ اَلْخَالِقِ".
وَإِذَا كَانَتِ اَلطَّاءُ مُشَدَّدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا، نَحْوُ {اِطَّيَّرْنَا} [اَلنَّمْلِ: 47] وَ {أَنْ يَطُوفَ} [اَلْبَقَرَةِ: 158]، وَإِلَّا مَالَ بِهَا اَللِّسَانُ إِلَى اَلرَّخَاوَةِ.
[اَلظَّاءُ]
وَأَمَّا اَلظَّاءُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى مَخْرَجِهَا وَأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلذَّالِ وَالثَّاءِ [ ص: 135 ] وَهُوَ اَلْمَخْرَجُ اَلْعَاشِرُ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُطْبَقَةٌ مُسْتَعْلِيَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى تَفْخِيمِهَا.
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلظَّاءُ وَأَتَى بَعْدَهَا تَاءٌ وَجَبَ بَيَانُهَا، لِئَلَّا تَقْرُبَ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، نَحْوُ {أَوُعِظَتْ} فِي [اَلشُّعَرَاءِ: 136] ، وَلَا ثَانِيَ لَهُ.
قَالَ مَكِّيٌّ : اَلظَّاءُ مُظْهَرَةٌ بِغَيْرِ اِخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ اَلْقُرَّاءِ.
وَقَالَ اَلدَّانِي فِي كِتَابِ "اَلتَّحْدِيدِ" لَهُ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالْكَسَائِيِّ مَا لَا يَصِحُّ فِي اَلْأَدَاءِ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي اَلتِّلَاوَةِ. وَكَذَا يَلْزَمُ تَخْلِيصُهُ وَبَيَانُهُ سَاكِنًا كَانَ أَوْ مُتَحَرِّكًا حَيْثُ وَقَعَ.
[اَلْعَيْنُ]
وَأَمَّا اَلْعَيْنُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّانِي مِنَ اَلْحَلْقِ مِنْ قَبْلِ مَخْرَجِ اَلْحَاءِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ بَيْنَ اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاوَةِ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ، فَإِذَا لَفَظْتَ بِهَا فَبَيِّنْ جَهْرَهَا، وَإِلَّا عَادَتْ حَاءً، إِذْ لَوْلَا اَلْجَهْرُ وَبَعْضُ اَلشِّدَّةِ لَكَانَتْ حَاءً كَذَلِكَ، وَلَوْلَا اَلْهَمْسُ وَالرَّخَاوَةُ اَللَّذَانِ فِي اَلْحَاءِ لَكَانَتْ عَيْنًا.
[ ص: 136 ] فَإِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا حَرْفٌ مَهْمُوسٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَعْتَدُوا} [اَلْبَقَرَةِ: 190] وَ {اَلْمُعْتَدِينَ} [اَلْبَقَرَةِ: 190] فَبَيِّنْ جَهْرَهَا وَشِدَّتَهَا، وَكَذَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهَا أَلِفٌ نَحْوُ: {اَلْعَالَمِينَ} [اَلْفَاتِحَةِ: 2] فَلَطِّفِ اَلْعَيْنَ وَرَقِّقِ اَلْأَلِفَ. وَبَعْضُ اَلنَّاسِ يُفَخِّمُونَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
فَإِذَا تَكَرَّرَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا، لِقُوَّتِهَا وَصُعُوبَتِهَا عَلَى اَللِّسَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُطَبِّعُ عَلَى} [اَلْأَعْرَافِ: 100] وَ {فَزَع عَنْ} [سَبَأٍ: 23] وَشِبْهِهِ.
وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ اَلْعَيْنِ اَلسَّاكِنَةِ غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ وَجَبَ بَيَانُهَا، لِقُرْبِ اَلْمَخْرَجِ وَلِمُبَادَرَةِ اَللَّفْظِ عَلَى اَلْإِدْغَامِ، نَحْوُ {وَاسْمَعْ غَيْر} [اَلنِّسَاءِ: 46].
[اَلْغَيْنُ]
وَأَمَّا اَلْغَيْنُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلْخَاءِ، وَهِيَ آخِرُ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّالِثِ مِنَ اَلْحَلْقِ مِمَّا يَلِي اَلْفَمَ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُسْتَعْلِيَةٌ، وَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى تَفْخِيمِهَا.
فَإِذَا لَقِيَتْ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ اَلْحَلْقِ وَجَبَ بَيَانُهَا، نَحْوُ {رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا} [ ص: 137 ] [اَلْبَقَرَةِ: 250] وَ {أَبْلُغُهُ} [اَلتَّوْبَةِ: 6]. وَكَذَلِكَ اَلْقَافُ، نَحْوُ {لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آلِ عِمْرَانَ: 8] لِأَنَّ مَخْرَجَ اَلْغَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ مَخْرَجِ اَلْعَيْنِ قَبْلَهُ، وَالْقَافُ بَعْدَهُ، فَيُخْشَى أَنْ يُبَادِرَ اَللَّفْظُ إِلَى اَلْإِخْفَاءِ وَالْإِدْغَامِ.
وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ اَلْغَيْنِ اَلسَّاكِنَةِ شِينٌ وَجَبَ بَيَانُهَا، لِئَلَّا تَقْرُبَ مِنْ لَفْظِ اَلْخَاءِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اَلْهَمْسِ وَالرَّخَاوَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُغْشَى} [آلِ عِمْرَانَ: 154] وَنَحْوِهِ. وَكَذَا حُكْمُهُ مَعَ سَائِرِ اَلْحُرُوفِ، نَحْوُ {فَرَغَتْ} [اَلشَّرْحِ: 7] وَ {ضغثًا} [ص: 44] وَ {بغيًا} [اَلْبَقَرَةِ: 90] وَ {يَغْفِرُ} [آلِ عِمْرَانَ: 129] وَ {أَغْنَى} [اَلْأَعْرَافِ: 48] وَ {أغلالًا} [يس: 8] وَ {أَغْطَشَ} [اَلنَّازِعَاتِ: 29] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[اَلْفَاءِ]
وَأَمَّا اَلْفَاءُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى مَخْرَجِهَا مِنَ اَلْفَمِ، وَهُوَ اَلْحَادِي عَشَرَ، وَهُوَ مِنْ أَطْرَافِ اَلثَّنَايَا اَلْعُلْيَا وَبَاطِنِ اَلشَّفَةِ اَلسُّفْلَى، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُسْتَفِلَةٌ مُتَفَشِّيَةٌ.
فَإِذَا اِلْتَقَتْ بِالْمِيمِ أَوِ اَلْوَاوِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا لِتَأَفُّفِهَا، نَحْوُ {تَلَقَّفَ مَا} [اَلْأَعْرَافِ: 117] وَ {لَا تَخَفْ وَلَا} [اَلْعَنْكَبُوتِ: 33] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلْفَاءُ وَجَبَ بَيَانُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ [ ص: 138 ] تَعَالَى: {يُخَفِّفُ} [اَلْبَقَرَةِ: 86] وَ {لِيَسْتَعْفِف} [اَلنُّورِ: 33] وَ {تَعْرِفُ فِي} [اَلْحَجِّ: 72] فِي مَذْهَبِ اَلْمُظْهِرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا أَلِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهَا.
[اَلْقَافُ]
وَأَمَّا اَلْقَافُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مَنْ أَوَّلِ مَخَارِجِ اَلْفَمِ مِنْ جِهَةِ اَلْحَلْقِ، مَنْ أَقْصَى اَللِّسَانِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ اَلْحَنَكِ اَلْأَعْلَى، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ مُسْتَعْلِيَةٌ مُقَلْقَلَةٌ مُنْفَتِحَةٌ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مَنْ مَخْرَجِ اَلْكَافِ، وَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى تَفْخِيمِهَا، وَيَنْبَغِي اَلْمُبَالَغَةُ فِيهِ.
وَإِذَا سَكَنَتْ، وَكَانَ سُكُونُهَا لَازِمًا أَوْ عَارِضًا، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَلْقَلَتِهَا وَإِظْهَارِ شِدَّتِهَا، وَإِلَّا مَازَجَتِ اَلْكَافَ، نَحْوُ: {تَقْتُلُونَ} [اَلْبَقَرَةِ: 85] وَ {أَقْسَمُوا} [اَلْمَائِدَةِ: 53] ، وَ {لَا تَقْنَطُوا} [اَلزُّمَرِ: 53] وَ {وَاقْصِدْ} [لُقْمَانَ: 19] ، وَ {فَلَا تَقْهَرُ} [اَلضُّحَى: 9]، وَ {فَاقْضِ} [طه: 72]، وَ {اَلْحَقّ} [اَلْبَقَرَةِ: 26] ، وَ {فَرْق} [اَلشُّعَرَاءِ: 63] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ [ ص: 139 ] لَمْ تُبَيِّنْ قَلْقَلَتَهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: (يُقْتَلْ) صَارَ (يُكْتَلْ) وَكَذَا (تَقْفُ) وَ (يَكْفِ).
وَإِذَا تَكَرَّرَتْ وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ، نَحْوُ: {حَقّ قَدْرِهِ} [اَلْأَنْعَامِ: 91] وَ {اَلْحَقّ قَالُوا} [اَلْأَنْعَامِ: 30] .
وَإِذَا وَقَعَتِ اَلْكَافُ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا، لِغَيْرِ اَلْمُدْغِمِ، نَحْوُ {لَك قصورًا} [اَلْفُرْقَانِ: 10] {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءِ} [اَلْأَنْعَامِ: 101] وَ {خَلَقَكُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 21] وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَفِي إِدْغَامِهَا إِذَا سَكَنَتْ فِي اَلْكَافِ مَذْهَبَانِ: اَلْإِدْغَامُ اَلنَّاقِصُ مَعَ إِظْهَارِ اَلتَّفْخِيمِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، كَالطَّاءِ فِي اَلتَّاءِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ، وَالْإِدْغَامُ اَلْكَامِلُ بِلَا إِظْهَارِ شَيْءٍ، فَتَصِيرُ كَافًا مُشَدَّدَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ اَلدَّانِي وَمَنْ وَالَاهُ.
قُلْتُ: وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَبِالْأَوَّلِ أَخَذَ عَلَيَّ اَلْمِصْرِيُّونَ، وَبِالثَّانِي اَلشَّامِيُّونَ. وَاخْتِيَارِي اَلثَّانِي وِفَاقًا لِلدَّانِي وَقِيَاسًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو. [ ص: 140 ] [اَلْكَافُ]
وَأَمَّا اَلْكَافُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّامِنِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، بَعْدَ اَلْقَافِ مِمَّا يَلِي اَلْفَمَ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ شَدِيدَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ.
فَإِذَا أَتَى بَعْدَهَا حَرْفُ اِسْتِعْلَاءٍ وَجَبَ اَلتَّحَفُّظُ بِبَيَانِهَا، لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِلَفْظِ اَلْقَافِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 104] ، وَ {كَالطَّوْدِ} [اَلشُّعَرَاءِ: 63] وَنَحْوِهِ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتِ اَلْكَافُ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِئَلَّا يَقْرُبَ اَللَّفْظُ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، لِتَكَلُّفِ اَللِّسَانِ بِصُعُوبَةِ اَلتَّكْرِيرِ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنَاسِككُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 200] وَ {إِنَّك كُنْت} [طه: 35]
عَلَى مَذْهَبِ اَلْمُظْهِرِ.
وَإِذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ أَنْ تُبْدَلَ مِنْهَا قَافٌ فِي بَعْضِ اَللُّغَاتِ وَجَبَ بَيَانُ اَلْكَافِ، لِئَلَّا تَخْرُجَ مِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [اَلتَّكْوِيرِ: 11]، قَرَأَ اِبْنُ مَسْعُودٍ (قُشِطَتْ) بِالْقَافِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا أَلِفٌ.
Top of Form
[اَللَّامُ]
وَأَمَّا اَللَّامُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلْخَامِسِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ [ ص: 141 ] بَعْدَ مَخْرَجِ اَلضَّادِ، مِنْ حَافَّةِ اَللِّسَانِ فَأَدْنَاهَا، إِلَى مُنْتَهَى طَرَفِهِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ بَيْنَ اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاوَةِ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ.
فَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا نُونٌ فِي كَلِمَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سُكُونِهَا، نَحْوُ {جَعَلْنَا} [اَلْبَقَرَةِ: 125] وَ {قُلْنَا} [اَلْبَقَرَةِ: 34] ،وَاحْذَرْ مِنْ تَحْرِيكِهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ اَلْعَجَمِ، وَكَذَلِكَ أَظْهِرْهَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {قُلْ تَعَالَوْا} [اَلْأَنْعَامِ: 151] وَ {قُلْ نَعَمْ} [اَلصَّافَّاتِ: 18].
وَأَمَّا لَامُ اَلتَّعْرِيفِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا عِنْدَ هَذِهِ اَلْحُرُوفِ: اَلْبَاءِ وَالْجِيمِ وَالْحَاءِ وَالْخَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَالْفَاءِ وَالْقَافِ وَالْكَافِ، [وَالْهَمْزَةِ] وَالْمِيمِ وَالْهَاءِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ. وَإِدْغَامِهَا فِيمَا بَقِيَ. وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي أَوَائِلِ كَلِمِ هَذَيْنِ اَلْبَيْتَيْنِ، [وَإِذَا حَفِظْتَ تَفْهَمُ أَنَّ مَا عَدَاهَا مَظْهَرٌ، وَهُمَا قَوْلِي]:
وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ أَدْغِمْهَا: تَنَلْ ثَوَابَ دَاءٍ زَانَهُ ذُو شِفَا رَمَاهُ سَهْمٌ صَائِبٌ لَحْظُهُ
نَائِبَةٌ ظُلْمَ طَبِيبٍ ضَفَا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: التُّرَابِ [اَلنَّحْلِ: 59]، اَلثَّوَاب [آلِ عِمْرَانَ: 195]، اَلدَّار [اَلْبَقَرَةِ: 94] ، الزَّانِي [اَلنُّورِ: 3]، اَلذُّلّ [اَلْإِسْرَاءِ: 24]، الشَّرَابُ [اَلْكَهْفِ: 29]، اَلرَّحْمَن [اَلْفَاتِحَةِ: 1]، اَلسَّمَاء [اَلْبَقَرَةِ: 19]، اَلصِّرَاط [اَلْفَاتِحَةِ: 6]، اَللَّيْل [اَلْبَقَرَةِ: 164]، اَلنَّار [اَلْبَقَرَةِ: [ ص: 142 ] 24]، اَلظَّالِم [اَلنِّسَاءِ: 75]، اَلطَّيْر [اَلْبَقَرَةِ: 260]، اَلضَّالِّينَ [اَلْفَاتِحَةِ: 7].
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَدْغَمْتَ اَللَّامَ اَلسَّاكِنَةَ فِي نَحْوِ " اَلنَّارِ " وَ " النَّاسِ " [اَلْبَقَرَةِ: 257]، وَأَظْهَرْتَ فِي: {قُلْ نِعَم} [اَلصَّافَّاتِ: 18]، وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ قَدْ أُعِلَّ بِحَذْفِ عَيْنِهِ، فَلَمْ يُعَلَّ ثَانِيًا بِحَذْفِ لَامِهِ، لِئَلَّا يَصِيرَ فِي اَلْكَلِمَةِ إِجْحَافٌ، إِذْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ. وَالْحَرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى اَلسُّكُونِ لَمْ يُحْذَفْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يُعَلَّ بِشَيْءٍ، فَلِذَلِكَ أُدْغِمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اَلْكَسَائِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَدْغَمَ اَللَّامَ مِنْ (هَلْ) وَ (بَلْ) فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ} [مَرْيَمَ: 65] وَ {بَلْ نَحْنُ} [اَلْوَاقِعَةِ: 67] ، وَلَمْ يُدْغِمْهَا فِي {قُلْ نَعَمْ} وَ {قُلْ تَعَالَوْا} [اَلْأَنْعَامِ: 151]. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى إِدْغَامِ {قُلْ رَبِّ} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 93] وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ اَلرَّاءَ حَرْفٌ مُكَرَّرٌ مُنْحَرِفٌ فِيهِ شَدَّةٌ وَثِقَلٌ، يُضَارِعُ حُرُوفَ اَلِاسْتِعْلَاءِ بِتَفْخِيمِهِ، وَاللَّامُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَجَذَبَ اَللَّامَ جَذْبَ اَلْقَوِيِّ لِلضَّعِيفِ، ثُمَّ أُدْغِمَ اَلضَّعِيفُ فِي اَلْقَوِيِّ عَلَى اَلْأَصْلِ، بَعْدَ أَنْ قَوِيَ بِمُضَارَعَتِهِ بِالْقَلْبِ، وَالرَّاءُ قَائِمٌ بِتَكْرِيرِهِ مَقَامَ حَرْفَيْنِ كَالْمُشَدَّدَاتِ، فَاعْلَمْ.
وَأَمَّا اَلنُّونُ فَهُوَ أَضْعَفُ مِنَ اَللَّامِ بِالْغُنَّةِ، وَالْأَصْلُ أَلَّا يُدْغَمَ اَلْأَقْوَى فِي اَلْأَضْعَفِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اَللَّامَ إِذَا سَكَنَتْ كَانَ إِدْغَامُهَا فِي اَلرَّاءِ إِجْمَاعًا، وَلَا كَذَلِكَ اَلْعَكْسُ. وَكَذَلِكَ إِذَا سَكَنَتِ اَلنُّونُ كَانَ إِدْغَامُهَا فِي اَللَّامِ إِجْمَاعًا، وَلَا كَذَلِكَ اَلْعَكْسُ، وَهَذَانِ سُؤَالَانِ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ إِلَيْهِمَا.
وَإِذَا جَاوَرَتِ اَللَّامُ لَامًا مُغَلَّظَةً فَتَعَمَّلْ فِي بَيَانِهَا وَتَخْلِيصِهَا، وَإِلَّا فَخَّمْتَ مَا [ ص: 143 ] لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَعَلَ اَللَّه} [اَلنِّسَاءِ: 5] وَ {قَالَ اَللَّهُ} [آلِ عِمْرَانَ: 55]. وَكَذَلِكَ إِنْ لَاصَقَهَا حَرْفُ إِطْبَاقٍ، فَبَيِّنْ تَرْقِيقَهَا، نَحْوُ: {اَللَّطِيف} [اَلْأَنْعَامِ: 103] وَ {مَا اِخْتَلَطَ} [اَلْأَنْعَامِ: 146] وَ {لَسَلَّطَهُمْ} [اَلنِّسَاءِ: 90] وَنَحْوِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْخِيمِ اِسْمِ (اَللَّهِ) تَعَالَى إِذَا كَانَ قَبْلَهُ ضَمَّةٌ أَوْ فَتْحَةٌ، وَمِنْ تَرْقِيقِهِ إِذَا كَانَ قَبْلَهُ كَسْرَةٌ. وَبَعْدُ اَلْإِمَالَةُ فِيهَا خِلَافٌ.
[اَلْمِيمُ]
وَأَمَّا اَلْمِيمُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، مِنْ مَخْرَجِ اَلْبَاءِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ بَيْنَ اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاوَةِ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ، وَهِيَ أُخْتُ اَلْبَاءِ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا وَاحِدٌ، فَلَوْلَا اَلْغُنَّةُ اَلَّتِي فِي اَلْمِيمِ وَجَرَيَانُ اَلنَّفَسِ مَعَهَا لَكَانَتْ بَاءً، وَالْمِيمُ أَيْضًا مُوَاخِيَةٌ لِلنُّونِ، لِلْغُنَّةِ اَلَّتِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، تَخْرُجُ مِنَ اَلْخَيْشُومِ، وَلِأَنَّهُمَا مَجْهُورَتَانِ، وَلِذَلِكَ أَبْدَلَتِ اَلْعَرَبُ إِحْدَاهُمَا مِنَ اَلْأُخْرَى فَقَالُوا: غَيْنٌ وَغَيْمٌ، وَقَالُوا فِي اَلْغَايَةِ: اَلنَّدَى وَالْمَدَى.
فَإِذَا سَكَنَتِ اَلْمِيمُ وَأَتَى بَعْدَهَا فَاءٌ أَوْ وَاوٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا، كَقَوْلِهِ [ ص: 144 ] تَعَالَى: {هُمْ فِيهَا} [اَلْبَقَرَةِ: 39] وَ {يَمُدُّهُمْ فِي} [اَلْبَقَرَةِ: 15] {وَعِدْهمْ وَمَا} [اَلْإِسْرَاءِ: 64] وَنَحْوِهِ.
وَإِذَا سَكَنَتْ وَأَتَى بَعْدَهَا بَاءٌ فَعَنْ أَهْلِ اَلْأَدَاءِ فِيهَا خِلَافٌ: مِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُهَا عِنْدَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْفِيهَا، وَإِلَى إِخْفَائِهَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ اِبْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ بِشْرٍ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ قَالَ اَلدَّانِي . وَإِلَى إِدْغَامِهَا ذَهَبَ اِبْنُ اَلْمُنَادِي وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ اَلتَّائِبُ: أَجْمَعَ اَلْقُرَّاءُ عَلَى تَبْيِينِ اَلْمِيمِ اَلسَّاكِنَةِ وَتَرْكِ إِدْغَامِهَا إِذَا لَقِيَهَا بَاءٌ فِي كُلِّ اَلْقُرْآنِ. وَبِهِ قَالَ مَكِّيٌّ . وَبِالْإِخْفَاءِ أَقُولُ، قِيَاسًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَمْرِو بْنِ اَلْعَلَاءِ، قَالَ شَيْخُنَا اِبْنُ اَلْجُنْدِيِّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ-: وَاخْتُلِفَ فِي اَلْمِيمِ اَلسَّاكِنَةِ إِذَا لَقِيَتْ بَاءً، وَالصَّحِيحُ إِخْفَاؤُهَا مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ [ ص: 145 ] كَانَتْ أَصْلِيَّةَ اَلسُّكُونِ كَـ {أَمْ بِظَاهِرِ} [اَلرَّعْدِ: 33] أَوْ عَارِضَةً كَـ {يَعْتَصِمُ بِاَللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ: 101] . وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهَا وَتَرْقِيقِ مَا بَعْدَهَا، إِذَا كَانَتْ أَلِفًا.
[اَلنُّونُ]
وَأَمَّا اَلنُّونُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ اَلْمَخْرَجِ اَلسَّادِسِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، فَوْقَ اَللَّامِ قَلِيلًا، عَلَى اَلِاخْتِلَافِ اَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ بَيْنَ اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاوَةِ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ فِيهَا غُنَّةٌ، إِذَا سَكَنَتْ تَخْرُجُ مِنَ اَلْخَيَاشِيمِ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِ اَلْمُتَحَرِّكَةِ وَسَأُفْرِدُ لِأَحْكَامِهَا إِذَا سَكَنَتْ بَابًا بَعْدُ، إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى، وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى اَلْمُتَحَرِّكَةِ.
فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا أَلِفٌ غَيْرُ اَلْمُمَالَةِ يَجِبُ عَلَى اَلْقَارِئِ أَنْ يُرَقِّقَهَا، وَلَا يُغَلِّظَهَا كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ اَلنَّاسِ.
وَإِذَا تَكَرَّرَتْ وَجَبَ اَلتَّحَفُّظُ مِنْ تَرْكِ بَيَانِ اَلْمِثْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَتِ اَلْأُولَى مُشَدَّدَةً كَانَ اَلْبَيَانُ آكَدَ، لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثِ نُونَاتٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتَعْلَمْنَ نَبَأَهُ} [ص: 88].
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَا} [يُوسُفَ: 11] فَلِلسَّبْعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا اَلْإِشَارَةُ بِالشَّفَتَيْنِ إِلَى اَلْحَرَكَةِ بَعْدَ اَلْإِدْغَامِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِدْغَامًا.
اَلثَّانِي: اَلْإِشَارَةُ إِلَى اَلنُّونِ اَلْأُولَى بِالْحَرَكَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِخْفَاءً.
[ ص: 146 ] وَإِذَا أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ اَلْهَمْزَةِ عَلَى اَلتَّنْوِينِ وَحُرِّكَ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ وَرْشٍ ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [40]: {مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ اَلْحُكْمَ} لُفِظَ بِثَلَاثِ نُونَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مَكْسُورَاتٍ.
[اَلْهَاءُ]
وَأَمَّا اَلْهَاءُ: تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلْهَمْزَةِ مِنْ وَسَطِ اَلْمَخْرَجِ اَلْأَوَّلِ مِنْ مَخَارِجِ اَلْحَلْقِ، بَعْدَ مَخْرَجِ اَلْهَمْزَةِ، وَهِيَ مَهْمُوسَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ خَفِيَّةٌ، فَلَوْلَا اَلْهَمْسُ وَالرَّخَاوَةُ اَللَّذَانِ فِيهَا مَعَ شِدَّةِ اَلْخَفَاءِ لَكَانَتْ هَمْزَةً، وَلَوْلَا اَلشِّدَّةُ وَالْجَهْرُ اَللَّذَانِ فِي اَلْهَمْزَةِ لَكَانَتْ هَاءً، إِذِ اَلْمَخْرَجُ وَاحِدٌ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَبْدَلَتِ اَلْعَرَبُ مِنَ اَلْهَاءِ هَمْزَةً وَمِنَ اَلْهَمْزَةِ هَاءً، فَقَالُوا: مَاءٌ وَأَصْلُهُ مَاهٌ، وَأَصْلُ ذَا: مَوَهٌ، ثُمَّ أُعِلَّ. وَأَرَقْتُ اَلْمَاءَ وَهَرَقْتُهُ، وَكَذَا فِي مَوَاضِعَ.
وَالْحُرُوفُ تَكُونُ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهَا، فَيَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مَا يَقَعُ فِي اَلسَّمْعِ مِنْ كُلِّ حَرْفٍ.
وَلَمَّا كَانَتِ اَلْهَاءُ حَرْفًا خَفِيًّا وَجَبَ أَنْ يُتَحَفَّظَ بِبَيَانِهَا، لَا سِيَّمَا إِذَا تَكَرَّرَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ، لِتَكَرُّرِ اَلْخَفَاءِ وَلِتَأَتِّي اَلْإِدْغَامِ فِي ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ اَلْمِثْلَيْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وُجُوههمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 106] وَ {يُلْهِهِمْ}[اَلْحِجْرِ: 3] وَ {فِيهِ هدىً} [اَلْبَقَرَةِ: 2] وَ {فَاعْبُدُوهُ هَذَا} [آلِ عِمْرَانَ: 51] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
[ ص: 147 ] وَإِذَا كَانَتِ اَلْهَاءُ مُشَدَّدَةً مُدْغَمَةً فِي مِثْلِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا نَحْوُ: أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ [اَلنَّحْلِ: 76]، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ قَبْلَهَا حَرْفٌ مَجْهُورٌ كَهَذَا، لِأَنَّ أَصْلَهُ (يُوَجِّهُهُ) بِهَاءَيْنِ، وَبِهِمَا رُسِمَ فِي اَلْأُمَّهَاتِ، فَلَمَّا سَكَنَتِ اَلْهَاءُ اَلْأُولَى لِلشَّرْطِ أُدْغِمَتْ فِي اَلثَّانِيَةِ، وَكَذَا كُلُّ هَاءٍ مُشَدَّدَةٍ، نَحْوُ {فَمَهَّلَ} [اَلطَّارِقِ: 17وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:{مَالِيهِ * هَلَكَ} [اَلْحَاقَّةِ: 28، 29] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ اَلْأَدَاءِ فِي إِظْهَارِهَا وَإِدْغَامِهَا، وَالْمُخْتَارُ أَلَّا تُدْغَمَ هَاءُ اَلسَّكْتِ فِي غَيْرِهَا لِعُرُوضِهَا، وَأَنْ يُنْوَى بِهَا اَلْوَقْفُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ بِإِدْغَامِهَا لِلتَّمَاثُلِ وَسُكُونٍ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمَا.
وَإِذَا سَكَنَتِ اَلْهَاءُ وَأَتَى بَعْدَهَا حَرْفٌ آخَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا لِخَفَائِهَا، نَحْوُ {يَسْتَهْزِئُ} [اَلْبَقَرَةِ: 15] وَ{عَهْدًا} [اَلْبَقَرَةِ: 80] وَ {اِهْتَدَى} [يُونُسَ: 108] وَ {كَالْعِهْن} [اَلْمَعَارِجِ: 9] وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَإِذَا وَقَعَتْ بَيْنَ أَلِفَيْنِ وَجَبَ بَيَانُهَا، لِاجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ خَفِيَّةٍ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَنَاهَا} [اَلنَّازِعَاتِ: 27] وَ {طَحَاهَا} [اَلشَّمْسِ: 6] وَنَحْوِهِ.
[اَلْوَاوُ]
أَمَّا اَلْوَاوُ فَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلْبَاءِ وَالْمِيمِ، وَهُوَ اَلْمَخْرَجُ اَلثَّانِي عَشَرَ مِنْ بَيْنِ اَلشَّفَتَيْنِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ بَيْنَ [ ص: 148 ] اَلشِّدَّةِ وَالرَّخَاوَةِ فِي قَوْلٍ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَدِّ وَاللِّينِ فِيهَا وَفِي أُخْتَيْهَا فَسَأُفْرِدُ لِذَلِكَ بَابًا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى.
وَإِذَا جَاءَتِ اَلْوَاوُ مَضْمُومَةً أَوْ مَكْسُورَةً وَجَبَ بَيَانُهَا وَبَيَانُ حَرَكَتِهَا، لِئَلَّا يُخَالِطَهَا لَفْظُ غَيْرِهَا، أَوْ يَقْصُرُ اَللَّفْظُ عَنْ إِعْطَائِهَا حَقَّهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وُجُوه} [آلِ عِمْرَانَ: 106] وَ {تَفَاوُت} [اَلْمُلْكِ: 3] {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بينكم} [اَلْبَقَرَةِ: 237] {وَلِكُلِّ وُجْهَةِ} [اَلْبَقَرَةِ: 148].
فَإِنِ اِنْضَمَّتْ وَلَقِيَهَا مِثْلُهَا كَانَ بَيَانُهَا آكَدَ لِثِقَلِهَا، نَحْوُ {وُورِيَ} [اَلْأَعْرَافِ: 20].
وَإِذَا سَكَنَتْ وَانْضَمَّ مَا قَبْلَهَا، وَأَتَى بَعْدَهَا مَثَلُهَا، وَجَبَ بَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا، خَشْيَةَ اَلْإِدْغَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَتَمَكُّنُ اَلْوَاوِ اَلْأُولَى لِمَدِّهَا وَلِينِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ {آمَنُوا وَعَمِلُوا} [اَلْبَقَرَةِ: 25] {وَقَاتَلُوا وَقَتَلُوا} [آلِ عِمْرَانَ: 195].
فَإِنِ اِنْفَتَحَ مَا قَبْلَ اَلْأُولَى وَجَبَ اَلْإِدْغَامُ وَبَيَانُ اَلتَّشْدِيدِ، لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ اَلصَّحِيحِ، فَإِدْغَامُهَا وَاجِبٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اِتَّقَوْا وَآمَنُوا ، ثُمَّ اتَّقَوْا [ ص: 149 ] وَأَحْسَنُوا} [اَلْمَائِدَةِ: 93].
وَإِذْ أَتَتِ اَلْوَاوُ مُشَدَّدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ اَلتَّشْدِيدِ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَمْضِيغٍ وَلَا رَخَاءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوَوْا} [اَلْمُنَافِقُونَ: 5] {وَأُفَوِّضُ} [غَافِرٍ: 44] وَ {عَدُوًّا} [اَلْبَقَرَةِ: 97] وَنَحْوِهِ.
[اَلْأَلِفُ]
أَمَّا اَلْأَلِفُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مِنْ أَوَّلِ اَلْحَلْقِ، وَتَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى صِفَاتِهَا وَعِلَلِهَا، فَهُوَ مُغْنٍ عَنِ اَلْإِعَادَةِ هُنَا، وَلَا تَكُونُ إِلَّا سَاكِنَةً، وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَهَا إِلَّا مَفْتُوحًا، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِأَحْوَالٍ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ، وَيَقَعُ زَائِدًا إِذَا لَمْ يَنْقَلِبْ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنِ اِنْقَلَبَ كَانَ أَصْلِيًّا، فَيَنْقَلِبُ عَنْ وَاوٍ نَحْوُ (قَالَ)، وَعَنْ يَاءٍ نَحْوُ (جَاءَ) ، وَعَنْ هَمْزَةٍ نَحْوُ (سَالَ) ، وَيَكُونُ عِوَضًا عَنِ اَلتَّنْوِينِ اَلْمَنْصُوبِ فِي حَالِ اَلْوَقْفِ. وَاحْذَرْ تَفْخِيمَهُ إِذَا أَتَى بَعْدَ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ اَلِاسْتِعْلَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَإِذَا أَتَى بَعْدَ لَامٍ مُفَخَّمَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْقِيقِهِ، نَحْوُ: إِنَّ اَللَّهَ [اَلْبَقَرَةِ: 20] وَ اَلصَّلَاةَ [اَلْبَقَرَةِ: 3] وَ اَلطَّلَاق [اَلْبَقَرَةِ: 227] فِي مَذْهَبِ وَرْشٍ ، فَتَأْتِي بِاللَّامِ مُغَلَّظَةً، وَالْأَلِفِ بَعْدَهَا مُرَقَّقَةً، وَبَعْضُ اَلنَّاسِ يُتْبِعُونَ اَلْأَلِفَ اَللَّامَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَلَا تُفَخِّمْهَا إِذَا أَتَى بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَمَدَدْتَهَا، كَفِعْلِ اَلْعَجَمِ، وَذَلِكَ قَبِيحٌ.
Top of Form
[ ص: 150 ] [اَلْيَاءُ]
وَأَمَّا اَلْيَاءُ تَقَدَّمَ اَلْكَلَامُ عَلَى أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ اَلْجِيمِ وَالشِّينِ، وَهُوَ اَلْمَخْرَجُ اَلثَّالِثُ مِنْ مَخَارِجِ اَلْفَمِ، وَهِيَ مَجْهُورَةٌ رَخْوَةٌ مُنْفَتِحَةٌ مُنْسَفِلَةٌ جِدًّا، وَسَيَأْتِي اَلْكَلَامُ عَلَى مَدِّهَا.
فَإِذَا سَكَنَتْ بَعْدَ كَسْرٍ، وَأَتَى بَعْدَهَا مِثْلُهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْكِينِهَا وَإِظْهَارِهَا وَبَيَانِ سُكُونِ اَلْأُولَى، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اَلَّذِي يُوَسْوِسُ} [اَلنَّاسِ: 5].
وَإِذَا جَاءَتْ مُشَدَّدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَشِدَّتِهَا، نَحْوُ {إِيَّاكَ} [اَلْفَاتِحَةِ: 5] وَ {غنيًا} [اَلنِّسَاءِ: 6].
وَإِذَا تَكَرَّرَتْ وَجَبَ بَيَانُهَا وَالتَّحَفُّظُ عَلَى إِظْهَارِهَا بِرِفْقٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْتَحْيِي} [اَلْبَقَرَةِ: 26] ، {وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ} [اَلنَّحْلِ: 90]، وَ {يُحْيِي} [اَلْبَقَرَةِ: 73] وَنَحْوِهِ.
وَإِذَا تَحَرَّكَتْ بِالْكَسْرِ، وَقَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَتْحَةٌ، نَحْوُ {تَرَيْنَ} [مَرْيَمَ: 26]، وَ {مَعَايِش} [اَلْأَعْرَافِ: 10] أَوِ اِنْفَتَحَتْ، وَاكْتَنَفَاهَا - أَيْ كَسْرَةٌ وَفَتْحَةٌ - نَحْوُ {لَا شِيَةَ} [اَلْبَقَرَةِ: 71] وَجَبَ تَخْفِيفُ اَلْحَرَكَةِ عَلَيْهَا وَتَسْهِيلُ اَللَّفْظِ بِحَرَكَتِهَا.
[ ص: 151 ] وَإِذَا تَكَرَّرَتْ، وَإِحْدَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ، وَجَبَ بَيَانُهَا لِثِقَلِ اَلتَّكْرِيرِ، وَإِلَّا سَقَطَتِ اَلْأُولَى، نَحْوُ {إِنَّ وَلِيِّيَ اَللَّه} [اَلْأَعْرَافِ: 196] {وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ} [اَلْأَنْعَامِ: 52] وَ {وَإِذَا حَيِيتُمْ} [اَلنِّسَاءِ: 86] وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ حُرُوفُ اَلتَّجْوِيدِ بِأُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا، وَقَدْ شَرَحْتُهَا وَبَيَّنْتُ حَقَائِقَهَا، لِيُقَاسَ عَلَيْهَا أَشْكَالُهَا، وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُضْطَرٌّ إِلَى اَلرِّيَاضَةِ فِي تَصْحِيحِهِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى اَلْمُشَافَهَةِ فِي أَدَائِهِ، لِيَنْكَشِفَ غَامِضُ سِرِّهِ، وَيَتَّضِحَ طَرِيقُ نَقْلِهِ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ اَلْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ . [ ص: 152 ]

------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق