مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا

ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي  / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين  / مدونة قيقي  / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي

9 مصاحف

 

الخميس، 17 مايو 2018

2.نواسخ القران لابن الجوزي ذكر الآية الثامنة قوله تعالى: { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ }


ذكر الآية الثامنة قوله تعالى: { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } (1) قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى نوع مساهلة للكفار ثم نسخ بآية السيف، ولا أرى هذا القول صحيحا، لأربعة أوجه:
أحدها: أن معنى الآية: أتخاصموننا في دين الله (2) وكانوا يقولون: نحن أولى بالله منكم، لأننا أبناء الله وأحباؤه [ومنا كانت الأنبياء] (3) وهو ربنا وربكم أي: نحن كلنا في حكم العبودية [سواء فكيف يكونون] (4) أحق به؟ { وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } (5) أي: "لا اختصاص لأحد به" (6) إلا [من جهة] (7) الطاعة والعمل، وإنما يجازي كل منا بعمله. ولا تنفع الدعاوى وعلى هذا [البيان] (8) لا وجه للنسخ.
والثاني: أنه خبر خارج مخرج الوعيد والتهديد.
والثالث: إنا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم.
والرابع: أن المنسوخ ما لا يبقى له حكم، وحكم هذا الكلام لا يتغير فإن كل عامل له "جزاء" (9) عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم (10).
ذكر الآية التاسعة:
__________
(1) - الآية (139) من سورة البقرة.
(2) - أخرجه الطبري عن مجاهد وابن زيد في جامع البيان 1/445.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - في "هـ" لاختصاص الآخرين، وهو تحريف.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - في "هـ" جزى، وهو تحريف.
(10) - نقل المؤلف دعوى النسخ هنا في زاد المسير 1/152، عن أكثر المفسرين، بدون رد ولا ترجيح، وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة 2-3، فقال: بعد عزو دعوى النسخ إلى بعض المفسرين: وفي هذا بعد من وجهين: أحدهما: أن الناسخ ينافي المنسوخ، ولا تنافي بين الآيتين. والثاني: أنه خبر. قلت: لم تتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية أمهات كتب النسخ أصلا، إنما ذكر ذلك هبة الله في ناسخه (14) وعزاه إلى الجماعة.
(1/141)
قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } (1) الآية قد ذكر عن بعض المفسرين أنه قال: معنى الآية فلا جناح عليه أن [لا] (2) يطوف بهما. قال: ثم نسخ ذلك [بقوله] (3) تعالى: { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } (4) والسعي بينهما من ملة إبراهيم (5).
قلت: وهذا قول مرذول: لا يصلح الالتفات إليه، لأنه [يوجب إضمارا] (6) في الآية ولا يحتاج إليه كان قد قرئ به فإنه مروي عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأنس، وابن جبير، وابن سيرين، وميمون بن مهران (7) أنهم قرأوا (8) (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) (9) ولهذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن تكون دالة على أن السعي بينهما لا يجب (10).
__________
(1) - الآية (158) من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية (130) من سورة البقرة.
(5) - ذكر هذا القول هبة الله في ناسخه (14).
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - هو ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب الرقي فقيه نشأ بالكوفة ثم نزل "الرقة" روى عن عمر، والزبير مرسلا، وعن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وغيرهم، ذكره أبو عروبة في الطبقة الأولى من التابعين ووثقه المحدثون، مات سنة 16 أو 17 ومائة هجرية. انظر: التهذيب 1/390-392.
(8) - في "هـ" قرأ بالإفراد وهو خطأ.
(9) - أخرج هذه القراءة الطبري في جامع البيان 2/31، عن ابن عباس رضي الله عنهما ثم قال: وهو خلاف رسوم مصاحف المسلمين، لو قرأ اليوم بها قارئ كان مستحقا للعقوبة، لزيادته في كتاب الله ما ليس فيه.
(10) - أخرجه الطبري عن أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق عبد حميد. انظر: جامع البيان 2/30.
(1/142)
والثاني: أن يكون "لا" صلة. كقوله: ما "منعك" (1) أن لا تسجد (2) فيكون معناه معنى القراءة المشهورة، وقد ذهب مالك [والشافعي] (3) وأحمد إلى أن السعي من أركان الحج (4) وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو واجب "يجزي" (5) عنه الدم (6) والصحيح في سبب نزول هذه الآية، ما أخبرنا به أبو بكر بن حبيب، قال: أبنا علي الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا: إبراهيم ابن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الوهاب بن عطاء بن داود، عن عامر، قال: كان على الصفا [وثن] (7) يدعى "أساف" (8) ووثن على المروة يدعى نائلة، وكان أهل الجاهلية "يسعون" (9) بينهما ويمسحون الوثنين فلما جاء الإسلام أمسك المسلمون عن السعي بينهما فنزلت هذه الآية (10)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ذكره الطبري في جامع البيان 1/31، ولم يسنده إلى أحد.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - قال المؤلف في زاد المسير 1/164: (اختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في السعي بين الصفا والمروة، فنقل الأشرم أن من ترك السعي لم يجزه حجه. ونقل أبو طالب: لا شيء في تركه عمدا أو سهوا، ولا ينبغي أن يتركه. ونقل الميموني: أنه تطوع). وأما ابن قدامة، فقد أورد في المغني 3/408، أنه ركن، وعزاه إلى الإمام مالك والشافعي، وذكر عن أحمد أنه سنة فقط لا يجب الدم بتركه.
(5) - في "هـ" محرى، وهو تحريف.
(6) - أخرج الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد نحوه في جامع البيان 2/30.
(7) - ساقطة من "م" وفي "هـ" وثنا بالنصب وهو خطأ.
(8) - غير واضحة من "هـ" وفي "م" مساف، وهو تحريف، والصواب ما أثبت عن رواية الطبري والواحدي كما سيأتي.
(9) - غير واضحة من "هـ".
(10) - أخرجه الطبري عن الشعبي وعامر، وذكره الواحدي عن ابن عمر من طريق عمرو بن الحسين، وفيه: (أن ابن عمر انطلق إلى ابن عباس فسأله) ثم ذكر نحو الحديث. انظر: جامع البيان 2/28؛ وأسباب النزول للواحدي 28.. وقد ذكر نحوه هبة الله في ناسخة (14) ولم يعز إلى أحد.
(1/143)
قلت: فقد بان بهذا أن المسلمين إنما امتنعوا عن الطواف لأجل "الصنمين" (1) فرفع الله - عز وجل - الجناح عمن طاف بينهما، لأنه إنما يقصد تعظيم الله تعالى بطوافه [دون] (2) الأصنام (3).
ذكر الآية العاشرة:
قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ [يَكْتُمُونَ] (4) مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى } إلى قوله: { اللاعِنُونَ } (5) قد زعم قوم من القراء "الذين" (6) قل حظهم من علم العربية والفقه أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها (7) ولو كان لهم نصيب من ذلك، لعلموا أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو إخراج بعض ما شمله اللفظ، وينكشف هذا من وجهين:
أحدهما: أن الناسخ والمنسوخ لا يمكن العمل [بأحدهما] (8) إلا بترك العمل بالآخر، وهاهنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
والثاني: أن الجمل إذا دخلها الاستثناء يثبت أن المستثنى لم يكن مرادا دخوله في الجملة "الباقية" وما لا يكون مرادا باللفظ الأول لا يدخل عليه النسخ (9).
ذكر الآية الحادية عشرة:
__________
(1) - مكررة في "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - قلت لم يتعرض لدعوى النسخ هنا، أصحاب أمهات كتب النسخ، ما عدا هبة الله، كما أن المؤلف أعرض عن ذكره أصلا في مختصر عمدة الراسخ، وفي تفسيره.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - الآية (159) من سورة البقرة.
(6) - في "هـ" الذي، وهو خطأ.
(7) - ذكره مكي بن أبي طالب عن يحيى بن حبيب بن إسماعيل الأسدي، ثم قال: أنه وهم منه. انظر: الإيضاح ص 214.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - قلت: أورد دعوى النسخ هنا كل من ابن حزم الأنصاري في ناسخه (320) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (14)، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (17) كلهم قالوا: أنها منسوخة بالاستثناء، ثم رد ابن هلال، على ذلك. وأما المؤلف فقد أورد قول النسخ في كتابيه التفسير 2/166، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ثم رد عليه بمثل ما رد به هنا.
(1/144)
قوله تعالى: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } (1) الآية ذهب جماعة من مفسري القرآن إلى أن أول هذه الآية منسوخ بقوله [تعالى] (2) { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ } (3) (4) وزعم بعضهم [أنه] (5) إنما نسخ منها حكم الميتة والدم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أحلت [لنا] ميتتان ودمان، السمك والجراد، والكبد والطحال) (6) وكلا القولين باطل، لأن الله تعالى: استثنى من التحريم "حال" (7) الضرورة والنبي صلى الله عليه "وسلم استثنى بالتخصيص" (8) ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال (9).
ذكر الآية الثانية عشرة:
__________
(1) - الآية: 173 من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ"، وفيها "يقول فيها"، وهي زيادة من الناسخ.
(3) - ساقطة من "هـ"، وفيها "يقول فيها"، وهي زيادة من الناسخ.
(4) - جزء من الآية المذكورة.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - رواه الإمام الشافعي في مسنده، وابن ماجه والدارقطني في سننهما عن عبد الله بن عمر في كتاب الأطعمة. انظر: مسند الشافعي المطبوع على هامش الأم 6/257؛ وابن ماجه 2/102؛ والدارقطني 4/272، ما بين معقوفين من الحديث ساقطة من "هـ".
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - غير واضحة من "هـ".
(9) - قلت: وممن عد هذه الآية من المنسوخة ابن حزم في ناسخه ص 320، وهبة الله في ناسخه ص 15، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (18)، ثم قال ابن هلال: (لا يسمى ما يبينه النبي صلى الله عليه وسلم بالتخصيص نسخا للكتاب العزيز، وهذا خبر مؤكد موجب بحرف التأكيد ناف بالحصر ما عداه). وأما المؤلف فلم يتعرض لدعوى النسخ في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ.
(1/145)
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى } (1) ذهب بعض المفسرين إلى أن "دليل" (2) خطاب هذه الآية منسوخ، لأنه لما قال: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ } (3) اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر، وكذا لما قال: { وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى } (4) اقتضى، أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخ بقوله [تعالى] (5) { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } (6) وإلى هذا أشار ابن عباس فيما رواه عثمان بن عطاء (7) عن أبيه عن ابن عباس قال: نسختها الآية التي في المائدة { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } (8) وإلى نحو هذا ذهب سعيد بن جبير ومقاتل.
__________
(1) - الآية (178) من سورة البقرة.
(2) - مكررة في "هـ".
(3) - مكررة في "هـ".
(4) - مكررة في "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (45) من سورة المائدة، وفي "هـ" (والعين بالعين).
(7) - أما عثمان بن عطاء فهو ابن أبي مسلم الخراساني أبو مسعود المقدسي ضعيف من السابعة مات سنة (155) قيل (151) هـ. انظر: التقريب 235.
(8) - ذكره النحاس عن ابن عباس من طريق جويبير، وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ في التقريب (58)، وذكره مكي بن أبي طالب أيضا عن ابن عباس بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ (16) والإيضاح (114).
(1/146)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا أبو بكر محمد بن إسماعيل [أذنا] (1) قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني عبد الله بن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا "العبيد والنساء" (2) فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا وكان أحد الحيين يتطاولون على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا نرضى حتى نقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم فنزل فيهم { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى } (3) فرضوا بذلك فصارت آية { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى } منسوخة نسخها { النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } (4).
قلت: وهذا "القول" (5) ليس [بشيء] (6) لوجهين:
أحدهما: أنه إنما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التوراة وذلك لا يلزمنا وإنما نقول في إحدى الروايتين عن أحمد: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه، وبخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النسخ، فتلك الآية أولى أن تكون منسوخة بهذه من هذه بتلك.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" العبد والنشاء وهو تصحيف.
(3) - 178: البقرة.
(4) - رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير من طريق عطاء بن دينار وقال الحافظ في التقريب: أن رواية عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير من صحيفته. انظر: تفسير ابن أبي حاتم المخطوط ورقة 102 من الجزء الأول، والتقريب (239).
(5) - في النسختين "القولين" بالتثنية وهو خطأ، لأنه لم يسبق إلا قول واحد.
(6) - ساقطة من "هـ".
(1/147)
والثاني: أن دليل الخطاب عند الفقهاء حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحر فلأن الحر يوازي [العبد أولى، ثم إن أول الآية يعم، وهو قوله] (1) { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ } (2) وإنما الآية نزلت فيمن كان "يقتل حرا" (3) [بعبد وذكرا بأنثى] (4) فأمروا بالنظر في التكافؤ.
__________
(1) - ما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(2) - 178: البقرة.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(1/148)
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب قال: أبنا [علي بن] (1) الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد السرخسي، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: بنا يونس عن شيبان، عن قتادة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى } (2) قال: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة "للشيطان" (3) فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد وعدة، فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين. قالوا: لن نقتل به إلا حرا تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم. وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة. قالوا: "لن نقتل" (4) بها إلا رجلا فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وينهاهم عن البغي "ثم" (5) أنزل في سورة المائدة { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } إلى قوله: { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } (6)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (178) من سورة البقرة.
(3) - في "هـ" عن للشيطان، ولعلها زيادة من الناسخ.
(4) - في "هـ" لن يقبل، وهو تصحيف.
(5) - في "هـ" مكررة.
(6) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/61، والبيهقي في سنة 8/26 في كتاب الجنايات عن قتادة.. قلت: أورد دعوى النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ، ولكن مكي بن أبي طالب نقل عن جماعة عدم وقوع النسخ على أن آية المائدة شرع لمن قبلنا، لم يفرضه علينا فيكون ناسخا لما تقدم من سنه الفرض علينا، ثم أورد مكي أربع توجيهات كلها تؤيد إحكام الآية، فالأول عن الشعبي، والثاني عن السدي، والثالث عن الحسن البصري، والرابع عن أبي عبيد، ثم قال: (والآية عند مالك محكمة، وروى عنه أنه قال: أحسن ما سمعت في هذه الآية: أنها يراد بها، الجنس، الذكر والأنثى فيه سواء)، وأما المؤلف، فقد أورد دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ثم ردها بمثل ما رد به هنا، وأما في تفسيره فذكر قول النسخ عن جماعة من المفسرين ثم قال: (قال شيخنا علي بن عبيد الله: وهذا عند الفقهاء ليس بنسخ، لأن الفقهاء يقولون: دليل الخطاب حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه). انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 114-116، وزاد المسير 1/180.
(1/149)
.
ذكر الآية الثالثة عشرة:
قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } (1) اختلف المفسرون في هذه الوصية، هل كانت واجبة أم لا على قولين:
أحدهما: أنها كانت ندبا لا واجبة، وهذا مذهب جماعة منهم [الشعبي] (2) والنخعي (3) واستدلوا بقوله { بِالْمَعْرُوفِ } قالوا: المعروف لا يقتضي الإيجاب وبقوله: { عَلَى الْمُتَّقِينَ } والواجب لا يختص به المتقون.
__________
(1) - الآية (180) من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - حكى مكي عن الشعبي والنخعي بأن (الوصية للوالدين والأقربين في الآية على الندب لا على الفرض فمنعت السنة من جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصية للأقربين على الندب). انظر: الإيضاح 122.
(1/150)
والثاني: (أنها كانت فرضا ثم نسخت، وهو قول جمهور المفسرين، واستدلوا بقوله: { كُتِبَ } وهو بمعنى فرض كقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } (1) وقد نص أحمد في رواية الفضل بن زياد، على نسخ هذه الآية، فقال: الوصية للوالدين، منسوخة (2) وأجاب أرباب هذا القول أهل القول الأول، فقالوا: ذكر المعروف لا يمنع الوجوب، لأن المعروف بمعنى العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (3) ولا خلاف في وجوب هذا (4) [الرزق والكسوة، فذكر المعروف في الوصية لا يمنع وجوبها بل يؤكده، وكذلك تخصيص الأمر بالمتقين دليل على توكيده لأنها إذا وجبت على المتقين كان وجوبها على غيرهم أولى، وإنما خصهم بالذكر، لأن فعل ذلك من تقوى الله تعالى، والتقوى لازمة لجميع الخلق.
فصل: ثم اختلف القائلون، بإيجاب الوصية ونسخها بعد ذلك، في المنسوخ من الآية على ثلاثة أقوال:
__________
(1) - الآية (183) من سورة البقرة.
(2) - أورد الحافظ ابن كثير في تفسيره 1/211، دعوى النسخ هنا، عن الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) - الآية (233) من سورة البقرة.
(4) - من هنا يوجد نقص كبير في النسخة الهندية، سوف تبدأ الموافقة مع النسخة المدنية من آية (وأتموا الحج والعمرة لله) أي: بعد ثمانية وعشرين صفحة من النسخة المدنية.
(1/151)
أحدها: أن جميع ما في الآية من إيجاب الوصية منسوخ، قاله ابن عباس =رضي الله عنهما= أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أخبرنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: أبنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية قال: حدثني أبي عن جدي عن عبد الله بن عباس =رضي الله عنهما= { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } قال: نسخت الفريضة التي للوالدين والأقربين "الوصية" (1)
__________
(1) - في "م" من الوصية، ولعل "من" زيادة من الناسخ، والصواب ما سجلت عن رواية الطبري: وقد روى الطبري هذا القول عن ابن عباس من طريق محمد بن سعد العوفي. قلت: وإسناد الطبري كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء، وقد أكثر المؤلف الرواية بهذا الإسناد في الكتاب، وهو مكون من أسرة واحدة كلها من الضعفاء حتى تنتهي إلى عطية بن سعد العوفي، وهو مختلف فيه، قال ابن حبان في كتاب المجروحين 2/176 عنه: (فلا يحل كتابة حديثه إلا على جهه التعجب). أما محمد بن سعد، فقال الخطيب عنه لين الحديث. انظر: تاريخ بغداد ه/322-323، وأما أبوه فهو سعد بن محمد بن الحسن العوفي ضعيف جدا. انظر: المصدر السابق 9/126؛ ولسان الميزان 3/19. وأما عمه الحسين بن الحسن فقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن حبان في المجروحين: (منكر الحديث... ولا يجوز الاحتجاج بخبره) مات سنة 201هـ. انظر: كتاب المجروحين لابن حبان 1/246؛ وتاريخ بغداد 8/26-32؛ ولسان الميزان 2/278.. وأما أبوه (أبو الحسين هذا) وهو الحسن بن عطية بن سعد العوفي، فهو ضعيف أيضا قال البخاري في التاريخ الكبير 1/2/301 (ليس بذاك) وقال أبو حاتم (ضعيف الحديث) وقال ابن حبان: (يروي عن أبيه، روى عنه ابنه محمد بن الحسن، منكر الحديث فلا أدري البلبلة في أحاديثه منه أو من أبيه أو منهما معا لأن أباه ليس بشيء في الحديث وأكثر روايته عن أبيه، فمن هنا اشتبه أمره ووجب تركه، مات سنة 211هـ. انظر: الجرح والتعديل 3/2/26؛ وكتاب المجروحين لابن حبان 1/234. أما جده عطية بن جنادة، فهو مختلف فيه قال أحمد (ضعيف الحديث كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وقال أبو حاتم (ضعيف الحديث يكتب حديثه) وضعفه ابن حبان في كتاب المجروحين وأما ابن سعد، فقال: (كان ثقة إنشاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به) مات عطية سنة 110هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري 1/4/9؛ وكتاب المجروحين 2/176؛ والجرح والتعديل 6/382؛ وطبقات بن سعد 6/304.
(1/152)
.
أخبرنا بن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الحسن بن محمد. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا علي بن محمد بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي "قال" (1) بنا حجاج قال: بنا ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } (2) نسختها { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ } الآية (3) أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف (4)
__________
(1) - في "م" قالا بالتثنية، وهو خطأ لعله من الناسخ.
(2) - الآية (180) من سورة البقرة.
(3) - الآية السابعة من سورة النساء، والأثر أخرجه النحاس في ناسخه 18، عن ابن عباس من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه.
(4) - عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف، هـ (من مشائخ ابن الجوزي، يقول عنه: أنه ولد سنة 474هـ، وكان حافظا لكتاب الله دينا ثقة سمع الحديث الكثير، وحدث توفي يوم الأحد خامس عشر من جمادى الأولى من سنة 575هـ، ودفن بمقبرة أحمد. انظر: مشيخة ابن الجوزي 393-194؛ والشذرات 4/251؛ والنجوم الزاهرة 6/86..
(1/153)
قال: أبنا محمد بن مرزوق، قال: أبنا أبو بكر الخطيب، قال: أبنا ابن رزق، قال: أبنا أحمد بن سلمان، قال: بنا أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمد، هو المروزي، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث (1) أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا النضر بن شميل، قال: أبنا ابن عون عن ابن سيرين، قال: كان ابن عباس يخطب، فقرأ هذه الآية { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } فقال: هذه نسخت (2)
__________
(1) - روى أبو داود نحوه عن ابن عباس في باب ما جاء في نسخ الوصية للوالدين والأقربين كما رواه الدارمي في باب الوصية للوارث، عن عكرمة والحسن، وإسنادهما كإسناد المؤلف - من طريق علي بن الحسين بن واقد، قال المنذري، بعد ذكر هذا الأثر: (وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال). انظر: سنن أبي داود مع شرح عون المعبود 8/71؛ وسنن الدارمي 2/420.
(2) - أخرجه ابن جرير في تفسيره جامع البيان 2/70، والبيهقي في سننه 6/265، في كتاب الوصايا، وذكر السيوطي أيضا في الدر المنثور 1/174، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، وأبي داود في ناسخه، وابن المنذر، والحاكم وصححه، كلهم عن محمد بن سيرين..
(1/154)
قال عبد الحميد: وحدثنا يحيى بن آدم عن ابن حماد الحنفي عن جهضم عن عبد الله بن بدر الحنفي، قال: سمعت ابن عمر يسأل عن هذه الآية { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } قال: نسختها آية المواريث (1).
قال عبد الحميد: وحدثنا يحيى بن آدم عن محمد بن الفضيل، عن أشعث عن الحسن { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ } قال: نسختها آية الفرائض (2). قال عبد الحميد وأخبرني شبابة عن ورقاء عن "ابن أبي نجيح" (3) عن مجاهد قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين، فهي منسوخة وكذلك قال: سعيد بن جبير: (إن ترك خيرا الوصية قال: نسخت) (4).
__________
(1) - أخرجه الطبري والبيهقي في المصدرين السابقين عن ابن عمر رضي الله عنهما، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/175، وزاد نسبته إلى وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وكلهم عن ابن عمر.
(2) - أخرج نحوه الطبري عن الحسن البصري في جامع البيان 20/70.
(3) - أما ابن أبي نجيح فهو عبد الله بن يسار الثقفي أبو يسار، روى عن أبيه وعطاء ومجاهد، وعكرمة، وطاؤس، وغيرهم، وروى عنه شعبة والسفيانان وورقاء وآخرون، وكان سفيان يصحح تفسير ابن أبي نجيح، وهو ثقة رمى بالقدر، ربما يدلس، من السادسة، مات سنة 131هـ أو بعدها. انظر: التهذيب 6/54-55؛ والتقريب 191؛ والجرح والتعديل 5/202-203.
(4) - أخرجه الطبري عن مجاهد، وذكره السيوطي، وعزاه إلى عبد ابن حميد عن مجاهد انظر: جامع البيان 2/70؛ والدر المنثور 1/175.
(1/155)
القول الثاني: أنه نسخ منها الوصية للوالدين: أخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو ظاهر الباقلاوي، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرحمن ابن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم عن الورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ } قال: كان الميراث للولد، والوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ منه الوالدين (1) أخبرنا إسماعيل، قال: أبنا أبو الفضل البقال قال: أبنا بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا أسود بن عامر، قال: بنا إسرائيل، عن مغيرة عن إبراهيم، قال: كانت الوصية للوالدين فنسختها آية الميراث، وصارت الوصية للأقربين (2).
__________
(1) - تقدم نحوه عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. وفي صحيح البخاري، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، والثلث وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في كتاب الوصايا 6/301؛ وفي لفظ الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما، كانت الوصية للوالدين والأقربين. انظر: سنن الدارمي في باب الوصية للوارث 2/420.
(2) - ذكر البيهقي نحوه في سننه 6/265 عن إبراهيم النخعي في كتاب الوصايا.
(1/156)
قال أحمد: وحدثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاؤس عن أبيه (1) قال: نسخت الوصية عن الوالدين، وجعلت للأقربين (2).
قال أبو داود: وحدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي ميمونة، قال: سألت العلاء بن زياد (3) ومسلم بن يسار (4) عن الوصية، فقالا: هي للقرابة.
القول الثالث: إن الذي نسخ من الآية الوصية "لمن" (5) يرث ولم ينسخ الأقربون الذين لا يرثون، رواه عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما=، وهو قول الحسن والضحاك وأبي العالية (6).
__________
(1) - أما أبوه فهو طاؤس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري، مولاهم الفارسي يقال: اسمه ذكوان وطاؤس لقبه، ثقة فقيه فاضل من الثالثة مات سنة 106هـ وقيل بعد ذلك. انظر: التقريب 156.
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/69، والبيهقي في سننه 6/265، عن طاؤس وقد تعارضت روايتهما عنه في ذي القرابة، ففي رواية الطبري عنه: (فمن أوصى لذي قرابته لم تجز وصيته، وفي رواية البيهقي عنه (فمن أوصى لغير ذي قرابته لم تجز).
(3) - أما العلاء بن زياد فهو مطر العدوي أبو نصر البصري أحد العباد ثقة من الرابعة مات سنة 194هـ. انظر: التقريب (268).
(4) - أما مسلم بن يسار فهو أبو عبد الله البصري نزيل مكة فقيه، ويقال له مسلم سكرة ومسلم المصبح، ثقة عابد من الرابعة مات سنة مائة أو بعدها بقليل. انظر: التقريب (336) وقد أخرج الطبري نحو قولهما عن الحسن البصري في جامع البيان 2/68.
(5) - في "م" لم، بدل "لمن" وهو خطأ صححتها نظرا للسياق.
(6) - أخرجه الطبري عن ابن عباس في جامع البيان 2/69.
(1/157)
أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا علي ابن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال بنا مسلم بن إبراهيم عن همام بن يحيى، عن قتادة قال: أمر أن يوصي لوالديه، وأقربيه ثم نسخ الوالدين والحق لكل ذي ميراث نصيبه منها، وليست لهم منه وصية فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب (1).
__________
(1) - أخرج نحوه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 115 عن أبي العالية، وليس فيه (من قريب أو غير قريب)، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/175، وعزاه إلى عبد بن حميد عن قتادة.
(1/158)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: بنا أبو الحسن بن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال: حدثنا هشيم، قال: أبنا يونس عن الحسن، قال: كانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ ذلك، وأثبتت لهما نصيبهما في سورة النساء وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون، ونسخ من الأقربين كل وارث (1) قال أحمد: وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ } قال: أمر الله أن يوصي لوالديه وأقربائه ثم نسخ ذلك في سورة النساء فألحق لهم نصيبا معلوما، والحق لكل ذي ميراث نصيبه منه وليست لهم وصية، فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو بعيد (2) أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا إبراهيم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا إسماعيل بن عياش، قال: بنا شرحبيل بن مسلم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي (3)
__________
(1) - أخرج الطبري نحوه عن قتادة والحسن في جامع البيان 2/69. واختار الطبري رأيهما، على أن الوصية للوالدين منسوخة بآية المواريث، وبقي فرض الوصية للأقربين ممن لا يرث.
(2) - روى نحوه الدارمي في سننه عن قتادة في كتاب الوصايا. انظر: سنن الدارمي 2/419.
(3) - أما أبو أمامة: فهو صدي بالتصغير بن عجلان بن وهب، ويقال: ابن عمرو، أبو أمامة الباهلي الصحابي المشهور، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر وعن عثمان وعلي، وأبي عبيدة وغيرهم من الصحابة سكن الشام، ومات فيها سنة (86)هـ، وهو آخر من مات من الصحابة في الشام. انظر: التهذيب 4/420؛ والتقريب (152)..
(1/159)
يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (1).
ذكر الآية الرابعة عشرة:
__________
(1) - أخرجه أبو داود في سننه عن أبي أمامة في (باب ما جاء في الوصية للوارث) والإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه، والنسائي في سننه وابن ماجه في سننه من حديث عمرو بن خارجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الوصايا، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 8/72؛ ومسند أحمد مع فتح الرباني 5/188؛ وجامع الترمذي 4/433؛ والنسائي 6/207 وابن ماجه 2/905. قلت: بعد أن عرض المؤلف رحمه الله الأقوال بأدلتها نراه يقف موقفا محايدا بدون ترجيح رأي على آخر، وأما في مختصر عمدة الراسخ في الورقة الثانية، فيقول: (فذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الآية منسوخة بآية الميراث، وقد نص أحمد على ذلك فقال: الوصية للوالدين منسوخة) وأما في تفسيره زاد المسير 1/182 فيورد قول ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما بنسخ هذه الآية بآية الميراث ثم يقول: (العلماء متفقون على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون، وهم مختلفون في الأقربين الذين لا يرثون، هل تجب الوصية لهم؟ على قولين: أصحهما أنها لا تجب لأحد) فكأنه يميل إلى قول إمامه أحمد بن حنبل رحمه الله وقد أورد دعوى النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ والأصول، ونص أبو جعفر النحاس على ذلك في ناسخه (19). ويحكي ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط ورقة (115) قول النسخ في هذه الآية بآية الميراث، وعن ابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، والحسن ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وعكرمة، وزيد بن أسلم، والربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حبان، وطاؤس، وإبراهيم النخعي، وشريح، والضحاك، والزهري.
(1/160)
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } (1) أما قوله كتب، فمعناه فرض (2) والذين من قبلنا، هم أهل الكتاب (3) وفي كاف التشبيه في قوله: "كما" ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إلى حكم الصوم وصفته لا إلى عدده.
__________
(1) - الآية (183) من سورة البقرة.
(2) - ذكر الطبري هذا المعنى في جامع البيان 2/75، عن الشعبي، وذكره ابن أبي حاتم في تفسيره 1/117، عن سعيد ابن جبير، وكذا في تفسير ابن عباس (المنسوب إليه (20).
(3) - ذكر الطبري هذا المعنى في جامع البيان 2/76 عن مجاهد.
(1/161)
أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق، قال: أبنا محمد بن مرزوق، قال: أبنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أبنا عبد الله بن يحيى السكري، قال: أبنا جعفر الخلدي، وقال: أبنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال: بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= ولم يذكر عكرمة - قال: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } (1) يعني بذلك: أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل كان يأكل ويشرب، وينكح، ما بينه وبين أن يصلي العتمة، أو يرقد وإذا صلى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها، فنسختها هذه الآية { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } (2) أخبرنا محمد بن أبي منصور (3)
__________
(1) - الآية (183) من سورة البقرة.
(2) - الآية (187) من البقرة، والآثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/177، وعزاه إلى سعيد وابن عساكر عن ابن عباس.
(3) - أما محمد بن أبي منصور، فهو من مشائخ المؤلف، اسم أبيه عبد الملك بن الحسن ابن إبراهيم بن خيرون المقرئ، ولد سنة 454 هـ وقرأ القراءات، وصنف فيها، وأقرأ به، وحدث، وكان ثقة، توفي سنة 539هـ انظر: مشيخة ابن الجوزي 88-89، معجم المؤلفين 10/256؛ ومعرفة القراء الكبار 1/499..
(1/162)
قال: أبنا علي بن أبي أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء (1) قال: كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة، وأن قيس بن صرمة (2) أتى امرأته، وكان صائما فقال: عندك شيء قالت: لعلي أذهب فأطلب لك، فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت: خيبة لك فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } إلى قوله { مِنَ الْفَجْرِ } (3) وقال سعيد بن جبير: كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحل له أن يطعم إلى القابلة، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام، وهو عليهم ثابت وقد أرخص لكم (4)
__________
(1) - أما البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري، فهو صحابي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعلي وأبي أيوب وبلال وغيرهم استصغره النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، مات سنة 72هـ. انظر: التهذيب 425-426؛ والتقريب 43-44.
(2) - أما قيس بن صرمة، فهو صحابي اختلفت الروايات في ذكر اسمه، فعند ابن جرير صرمة بن أبي أنس وعند غيره صرمة بن قيس، وصرمة ابن أنس وصرمة بن مالك، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هذه الروايات، فقال: (الجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك). انظر: فتح الباري 5/32؛ والإصابة 2/183؛ وأسد الغابة 4/217.
(3) - أخرج نحوه البخاري في كتاب الصوم عن البراء بن عازب. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 5/32.
(4) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/177، وعزاه إلى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير..
(1/163)
فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بقوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } الآية، وقد روى أن قيس بن صرمة أكل بعدما نام، وأن عمر بن الخطاب جامع زوجته بعد (1) أن نامت، فنزل فيهما قوله تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ } الآية (2).
القول الثاني: أنها ترجع إلى عدد الصوم لا إلى صفته، ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقوال:
__________
(1) - في "م" في الهامش (كانت) وهي زيادة من الناسخ.
(2) - رواه الإمام أحمد وأبو داود في حديث طويل عن معاذ رضي الله عنه، في كتاب الصيام. انظر: مسند أحمد مع فتح الرباني 9/239-244؛ وسنن أبي داود مع عون المعبود 6/426.
(1/164)
أما الأول: فأخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: أبنا علي بن الفضل العامري قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: أبنا إبراهيم بن خريم قال: حدثنا عبد الحميد، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال: بنا محمد بن طلحة عن الأعمش، قال: قال ابن عباس =رضي الله عنهما= كتب على النصارى الصيام كما كتب عليكم، فكان أول أمر النصارى أن قدموا يوما قالوا: حتى لا نخطئ، قال: ثم آخر أمرهم صار إلى أن قالوا: نقدمه عشرا ونؤخر عشرا حتى لا نخطئ، فضلوا، وقال "دغفل" بن حنظلة (1) كان على النصارى صوم رمضان فمرض ملكهم "فقالوا" (2)
__________
(1) - أما دغفل، فهو ابن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة السدوسي الشابة الشيباني الذهلي مختلف في صحبته، قال الإمام البخاري في تاريخه بعد ذكر نحو هذا الحديث عن دغفل بن خنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الحسن: (لا يعرف سماع الحسن من دغفل، ولا يعرف لدغفل إدراك النبي صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن 63، وهو الصحيح، كما قاله ابن عباس وعائشة، وفي التقريب اسمه جعفر، مخضرم غرق بفارس في قتال الخوارج قبل سنة ستين هجرية. انظر: التاريخ الكبير للبخاري 3/255؛ والتهذيب 3/210؛ والتقريب (97) وتهذيب الكمال المخطوط 2/198-199.
(2) - في "م" فتالي لعله تصحيف عما أثبت عن لفظ البخاري في التاريخ الكبير..
(1/165)
إن شفاه الله تعالى لنزيدن عشرة، ثم كان بعده ملك آخر فأكل اللحم فوجع فوه فقال: إن شفاه ليزيدن سبعة أيام ثم ملك بعده ملك، فقال: ما ندع من هذه الثلاثة الأيام أن نتمها، ونجعل صومنا في الربيع، ففعل فصارت خمسين يوما (1) وروى السدي عن أشياخه، قال: اشتد على النصاري صيام رمضان، وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا (2) فجعلوا صيامهم خمسين يوما (3) فعلى هذا البيان الآية محكمة غير منسوخة.
__________
(1) - أخرج نحوه البخاري في تاريخ الكبير 3/255، عن دغفل عند ذكر ترجمته، كما أخرج النحاس نحوه في ناسخه (20) عنه، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/176، وزاد نسبته إلى الطبراني، عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الله عيه وسلم وفي هامش تاريخ الكبير نقل عن تهذيب تاريخ ابن عساكر، هذا الحديث بلفظ قريب من لفظ المؤلف.
(2) - في "م" صنعني وهو خطأ والصواب ما أثبت عن لفظ الطبري.
(3) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/75، عن السدي من طريق أسباط. وذكر نحوه البغوي في تفسيره 1/128، عن سعيد بن جبير.
(1/166)
وأما الثاني: فأخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: أبنا محمد بن سعد، قال: حدثنا أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن ابن عطية، قال: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } فكان ثلاثة أيام في كل شهر، ثم نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان (1) وقال قتادة: كتب الله - عز وجل - على الناس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيام من كل شهر (2).
وأما الثالث: فقد روى "النزال" (3) بن سبرة عن ابن مسعود، أنه قال: ثلاثة أيام من كل شهر، ويوم "عاشوراء" (4) وقد زعم أرباب هذا القول، أن الآية منسوخة بقوله: { شَهْرُ رَمَضَانَ } (5) وفي هذا بعد كثير، لأن قوله { شَهْرُ رَمَضَانَ } جاء عقيب قوله { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } فهو كالتفسير للصيام والبيان له.
__________
(1) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 2/76، عن ابن عباس رضي الله عنهما، من طريق محمد بن سعد العوفي، وإسناد الطبري كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء كما قدمنا في ترجمة آل العوفي عند ذكر آية (180) من البقرة.
(2) - ذكره نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/177؛ وعزاه إلى عبيد بن حميد، عن قتادة.
(3) - في "م" البراء، وهو تحريف من النزال كما تبين لي بعد التحقيق، وهو نزال بن سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي سمع ابن مسعود وغيره، ثقة من الثانية، وقيل أن له صحبة. انظر: التقريب (356).
(4) - في "م" عاشور، وهو خطأ إملائي.
(5) - الآية (185) من البقرة، ذكر الطحاوي في باب مشكل ما روى عن صوم عاشوراء عن ابن مسعود، بأن صوم عاشوراء منسوخ بشهر رمضان. انظر: مشكل الآثار 3/85-86.
(1/167)
القول الثالث: أن التشبيه راجع إلى نفس الصوم لا إلى صفته ولا إلى عدده، وبيان ذلك، أن قوله تعالى { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } لا يدل على عدد ولا صفة، ولا وقت، وإنما يشير إلى نفس الصيام كيف وقد عقبه الله بقوله تعالى { أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } فتلك يقع على يسير الأيام وكثيرها، فلما قال تعالى: في نسق التلاوة شهر رمضان، بين عدد الأيام المعدودات ووقتها، وأمر بصومها فكان التشبيه الواقع في نفس الصوم. والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم، وأما صفة الصوم وعدده فمعلوم من وجوه أخر لا من نفس الآية، وهذا المعنى مروي عن ابن أبي ليلى (1) وقد أشار إليه السدي والزجاج، والقاضي أبو يعلى (2)
__________
(1) - أخرجه الطبري عن ابن أبي ليلى مستدلا به على إحكام الآية. انظر: جامع البيان 2/277. وأما ابن أبي ليلى: فهو عبد الرحمن ابن أبي ليلى، واسمه يسار، ويقال: بلال ويقال: داود الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي ولد لست بقين من خلافة عمر، روى عن أبيه وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، تابعي ثقة توفي سنة 81 أو 82 أو 83هـ، على الخلاف. انظر: التهذيب 6/260-262.
(2) - ذكر نحوه المؤلف في زاد المسير 1/184، ولم يعز إلى أحد. أما أبو يعلى، فهو الحافظ أحمد بن علي المثنى التميمي أبو يعلى الموصلي صاحب المسند الكبير سمع علي بن الجعد ويحيى ابن معين ومحمد بن منهال وغيرهم وثقه ابن حبان ووصفه بالإتقان والدين، ولد في شوال سنة (210)هـ ومات سنة (307). انظر: تذكرة الحفاظ 2/707-709. رقم 736..
(1/168)
وما رأيت مفسرا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومى إليه، وهو الصحيح وما ذكره المفسرون فإنه شرح حال صوم المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تفسير للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخة أصلا (1).
ذكر الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } (2) اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين:
__________
(1) - قلت: أورد المؤلف في زاد المسير 1/184-185، قولي النسخ والإحكام وما يؤيدهما، ولكنه، لم يبد رأيه فيه، وأما في مختصر عمدة الراسخ الورقة (3) فقد اختار إحكام الآية بعد أن أورد ما أورده هنا، من وجهة النظر والتعليل. وقد ذكر دعوى النسخ معظم كتب النسخ، إلا أن أبا جعفر النحاس قال: عن حديث دغفل بن حنظلة الذي رواه من طريق قتادة: (وهذا أشبه ما في هذه الآية). وذكر مكي بن أبي طالب عن الشعبي والحسن ومجاهد (أن هذه الآية غير منسوخة ولا ناسخة) وهو اختيار الطبري أيضا، انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 20؛ والإيضاح 124؛ وجامع البيان 2/77.
(2) - الآية (184) من سورة البقرة.
(1/169)
أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين والإفطار مع الإطعام، لأن معنى الكلام وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية، فعلى هذ يكون الكلام منسوخا بقوله تعالى: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (1) أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا بن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي أحمد بن حنبل، قال: بنا عبد الرزاق قال: بنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قال: نسختها { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (2) قال أحمد: وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وكانت الإطاقة أن الرجل والمرأة يصبح صائما، ثم إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينا فنسختها { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (3) قال أحمد: وحدثنا عبد الله بن إدريس، قال: بنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة (4) { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قال: نسختها { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } (5)
__________
(1) - الآية (185) من سورة البقرة.
(2) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/177، وعزاه إلى عبد بن حميد عن ابن سيرين عن ابن عباس.
(3) - أخرجه النحاس بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج نحوه الطبري في أثر طويل عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير. انظر: الناسخ والمنسوخ (21)؛ وجامع البيان 2/79.
(4) - أما علقمة: فهو ابن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان الكوفي ثقة فقيه عابد ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثانية مات بعد الستين وقيل بعد السبعين. انظر: التهذيب 7/276-278؛ والتقريب 243.
(5) - أخرجه الطبري عن علقمة من طريق عبد الله بن إدريس. انظر: جامع البيان 2/78..
(1/170)
قال أحمد: وحدثنا وكيع، قال: بنا محمد بن سليم عن ابن سيرين عن عبيدة (1) { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قال: نسختها التي بعدها والتي تليها (2) أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال أبنا عبيد الله موسى عن إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة قال: كانوا إذا أراد الرجل أن يفطر يوما من رمضان من غير مرض أفطر وأطعم نصف صاع حتى نسختها { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ } فلم يكن إلا لهما (3) قال عبد الحميد: وحدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: بنا وهيب بن خالد، عن ابن شبرمة عن الشعبي، قال لما نزلت { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصوم على الفقراء فأنزل الله تعالى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } فصام الناس جميعا (4).
__________
(1) - أما عبيدة فهو ابن عمرو السلماني بسكون اللام ويقال، بفتحها، قبيلة من مراد، مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، أبو عمرو الكوفي تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت كان شريح إذا أشكل عليه شيء سأله. مات سنة سبعين على الصحيح. انظر: التقريب 230.
(2) - رواه الطبري عن عبيدة السلماني من طريق وكيع في جامع البيان 2/79.
(3) - تقدم تخريجه آنفا عن علقمة مختصرا عند ابن جرير من طريق آخر.
(4) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/178 وعزاه إلى عبد الله بن حميد وابن المنذر عن الشعبي.
(1/171)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز (1) قال: أبنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أبنا أبو عمرو بن مهدي، قال: أبنا محمد بن مخلد، قال: بنا القاسم بن عياد، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة عن ابن سيرين أن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } قال: هذه منسوخة (2) وروى عطية، وابن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: كان في الصوم الأول فدية طعام مسكين فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر، كان ذلك رخصة له، ثم نسخ ذلك (3).
__________
(1) - عبد الرحمن بن محمد القزاز، من مشائخ المؤلف، المعروف بأبي زريق، قال بن الجوزي عنه: قرأت عليه وكان ثقة خيرا من أولاد المحدثين، توفي في شوال سنة 535هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 125؛ والمنتظم 10/95؛ والشذرات 4/106.
(2) - تقدم تخريج نحو هذا الأثر عن ابن سيرين عن ابن عباس، وقد ذكره المؤلف هناك بإسناد آخر.
(3) - روى نحوه أبو داود من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال المنذري عن علي بن الحسين بن واقد بن المسيح: وفيه مقال. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 6/429-430.
(1/172)
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أبنا علي بن أيوب، قال: أبنا علي بن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا قتيبة. وأبنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو بكر محمد بن هبة الله الطبري، قال: أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: بنا أبو محمد بن درستويه قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: بنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن يزيد مولى أم سلمة عن سلمة بن الأكوع (1) قال: لما نزلت: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي، فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها (2) وقال أنس =رضي الله عنه= لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام وكان الصوم عليهم شديدا وكان من لم يصم أطعم مسكينا. وقد روى هذا المعنى: أنه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى لقوله: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } إلى أن نزل قوله: { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } فنسخ ذلك بهذه، عن جماعة منهم معاذ بن جبل (3)
__________
(1) - سلمة ابن الأكوع: هو عمرو بن الأكوع الأسلمي، أبو مسلم وأبو إياس صحابي شهد بيعة الرضوان، كان شجاعا راميا، يقال: كان يسبق الفرس، مات سنة 64هـ. انظر: التهذيب 4/150-152؛ والتقريب 131هـ.
(2) - رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع في باب (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/247.
(3) - معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن صحاب جليل شهد بدرا وما بعدها وكان إليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن مات بالشام سنة (18)هـ. انظر: التقريب (340)..
(1/173)
وابن مسعود، وابن عمر، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والنخعي، والزهري =رضي الله عنهم= (1).
__________
(1) - روى نحو هذا المعنى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل في مسنده 9/233-244، في كتاب الصيام، كما روى عنه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة (117) وروى نحوه الحاكم أيضا عن سلمة بن الأكوع في المستدرك 1/423، والبيهقي في السنن الكبرى 4/200 عن ابن عمر في كتاب الصيام.
(1/174)
والقول الثاني: أنه محكم غير منسوخ وأن فيه إضمارا تقديره: وعلى الذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فدية وأشير بذلك إلى الشيخ الفاني الذي يعجز عن الصوم، والحامل التي تتأذى بالصوم والمرضع. أخبرنا عبد الوهاب قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو ظاهر الباقلاوي، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: أبنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدثني أبي قال: بنا عمي الحسين بن الحسن بن عطية، قال: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } وهو الشيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شاب فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أقط (1) وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال بنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا روح قال: بنا زكريا بن إسحاق، قال: بنا عمرو بن دينار عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } قال: ليست بمنسوخة وهو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كل يوم مسكينا (2).
__________
(1) - أخرج الطبري نحوه في جامع البيان 2/80، عن ابن عباس، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء لأنه من طريق آل العوفي، وقد تقدمت ترجمتهم عند ذكر آية 180 من البقرة، وليس في لفظ الطبري ذكر الأقط.
(2) - رواه البخاري عن عطاء في باب قوله تعالى: (أياما معدودات إلخ) وفيه (يطوقونه). انظر: صحيح البخاري بالفتح 9/246، وفي "م" يطيقونه وهو تحريف عما أثبت. ويدل على ذلك اعتراض المؤلف قريبا على هذه القراءة.
(1/175)
أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة، قال: كان ابن عباس يقول: لم ينسخ (1) قال عبد الحميد: وأخبرنا النضر بن شميل، قال: بنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } قال: هم الذي يكلفونه ولا يطيقونه هو الشيخ والشيخة (2) قال عبد الحميد وأخبرنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } قال: هو الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يطعم عنه لكل يوم مسكين (3) وقد روى قتادة عن عكرمة قال: نزلت في الحامل والمرضع (4) وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحاق بن إبراهيم بن الحسن، قال: بنا موسى بن مسعود النهدي، قال: بنا سفيان الثوري، عن منصور عن مجاهد، قال: كان ابن عباس =رضي الله عنهما= يقرؤها (وعلى الذين "يطوقونه") (5)
__________
(1) - أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق مجاهد في جامع البيان 2/81، وذكره البيهقي عنه في كتاب الصيام من السنن الكبرى 4/271.
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/81 عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما كما أخرجه عنه عبد الرازق في مصنفه 4/211.
(3) - أخرج نحوه الدارقطني في سننه عن عكرمة في كتاب الصيام 1/204، وليس فيه ذكر الآية. وقال الدارقطني إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرازق عنه أيضا في مصنفه 4/220.
(4) - أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة في جامع البيان. 2/81.
(5) - في "م" يطيقونه، وهو تحريف كما قدمنا..
(1/176)
قال: الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام يطعم عنه (1) وبالإسناد حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب (وعلى الذين "يطوقونه") (2) قال: الشيخ الكبير الذي يصوم فيعجز والحامل إن اشتد عليها الصوم يطعمان لكل يوم مسكينا (3).
قلت: هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه:
أحدها: أنها شاذة خارجة عما اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.
والثاني: أنها تخالف ظاهر الآية، لأن الآية تقتضي إثبات الإطاقة لقوله: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } (4) وهذه القراءة تقتضي نفيها.
والثالث: إن الذين يطيقون الصوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين:
أحدهما: من يعجز لمرض أو لسفر، أو لشدة جوع أو عطش فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة.
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/80 عن ابن عباس رضي الله عنهما كما أخرجه عنه عبد الرزاق في مصنفه 4/221 من طريق مجاهد.
(2) - في "م" يطيقونه، وهو تحريف عما أثبت من لفظ الطبري.
(3) - رواه الطبري عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب، وفيه (والحامل التي ليس عليها الصيام). انظر: جامع البيان 2/80.
(4) -البقرة 184.
(1/177)
والثاني: من يعجز لكبر السن "فهذا يلزمه الكفارة من غير قضاء، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز" ثم يلزمه القضاء والكفارة كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، وهذا كله ليس بمستفاد من الآية إنما المعتمد فيه على السنة وأقوال الصحابة. فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يدل على ما قلنا قوله تعالى في تمام الآية: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } (1) وغير جائز أن يعود هذا الكلام إلى المرضى والمسافرين ولا إلى الشيخ الكبير ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، لأن الفطر في حق هؤلاء أفضل من الصوم من جهة أنهم قد نهوا أن يعرضوا أنفسهم للتلف، وإنما عاد الكلام إلى الأصحاء المقيمين خيروا بين الصوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة. قال أبو عبيد القاسم بن سلام (2) لا تكون الآية على القراءة الثانية، وهي: (يطيقونه) إلا منسوخة (3)
__________
(1) -البقرة 184.
(2) - هو الإمام المجتهد أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي الفقيه القاضي صاحب المصنفات العديدة منها الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، معظم من صنف في النسخ بعده قد نقلوا من كتابه ويبدو أن كتابه هذا كان موجودا حتى في القرن العاشر حيث كان السيوطي ينقل منه في الدر المنثور وغيره، وأبو عبيد كان ثقة ورعا حافظا للحديث وعلله، مات بمكة المكرمة سنة 224هـ. انظر: التهذيب 8/315؛ وطبقات المفسرين للداودي 2/32-33؛ وطبقات القراء للجزري 2/16-18؛ ومعجم الأدباء 16/254؛ وإنباه الرواة 3/12؛ والإتقان 3/20؛ وكشف الظنون 47؛ والخلاصة 469.
(3) - هذا هو الموضع الأول الذي صرح فيه المؤلف بنسخ الآية، وعدها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (3) من الآية المنسوخة وصرح به، وهو اختيار النحاس وابن حزم الأنصاري، وابن حزم الظاهري وابن سلامة وغيرهم.. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 22؛ ومعرفة الناسخ والمنسوخ لابن حزم 321؛ والإحكام في أصول الإحكام 4/461؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله 18-19؛ وقد أثبت إحكام هذه الآية الشيخ مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم فقرة 873-888.
(1/178)
.
ذكر الآية السادسة عشرة:
قوله تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (1) اختلف المفسرون في هذه الآية هل هي منوسخة أو محكمة على قولين:
أحدهما: أنها منسوخة ثم اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنه أولها، وهو قوله: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } قالوا: وهذا يقتضي أن القتال إنما يباح في حق من قاتل من الكفار فأما من لم يقاتل فإنه لا يقاتل ولا يقتل (2).
ثم اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال:
أحدهما: أنه قوله تعالى: { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } (3).
والثاني: أنه قوله تعالى: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } (4).
والثالث: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [ بِاللَّهِ ] (5) وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } (6)
والرابع: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (7).
__________
(1) - الآية (190) من سورة البقرة.
(2) - ذكره الطبري عن الربيع في جامع البيان 2/110، كما ذكره الرازي في مفاتيح الغيب 2/218 عن ابن زيد والربيع.
(3) - الآية (36) من سورة البراءة، أخرج الطبري هذا القول عن ابن زيد في جامع البيان 2/110، وذكره النحاس عنه في ناسخه 25.
(4) - الآية (191) من سورة البقرة، وذكره الطبري أيضا عن ابن زيد في المصدر السابق.
(5) - ساقطة من "م".
(6) - الآية (29) من سورة التوبة.
(7) - الآية الخامسة من التوبة، ذكر هذا الرأي ابن سلامة في ناسخه 19.
(1/179)
قلت: وهذا القول الذي قالوا إنما أخذوه من دليل الخطاب "إنما هو" (1) حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السيف وغيرها مما يقتضي إطلاق قتل الكفار، قاتلوا أو لم يقاتلوا. فأما الآية الأولى التي زعموا أنها ناسخة فإنها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها، لأنها إنما تضمنت قتال من قاتل.
وأما الآية الثانية فإنها إنما تضمنت قتال الذين أمروا بقتالهم؛ لأن قوله { وَاقْتُلُوهُمْ } عطف على المأمور بقتالهم.
وأما الآية الثالثة: فإنها تتضمن قتال أهل الكتاب والآية التي ادعى نسخها مطلقة في كل من يقاتل. وأما الرابعة تصلح ناسخة لو وجدت ما تنسخه وليس هاهنا إلا دليل الخطاب، وليس بحجة هاهنا على ما بينا.
القول الثاني: أن المنسوخ منها قوله { وَلا تَعْتَدُوا } للمفسرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال:
أحدها: لا تعتدوا بقتل النساء والولدان، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن مجاهد (2).
الثاني: بقتال من لم يقاتلكم، قاله أبو العالية، وسعيد بن جبير، وابن زيد وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل، لأنه لم يعد نفسه للقتال كالنساء والولدان، والرهبان فالآية محكمة؛ لأن هذا الحكم ثابت (3). وإن عنوا من لم يقاتل من الرجال المستعدين للقتال توجه النسخ.
__________
(1) - هكذا في "م" وتكون العبارة أوضح إذا أسقطنا "إنما" وقلنا (وهو حجة).
(2) - أخرجه الطبري عن هؤلاء، في جامع البيان 2/115، وذكر السيوطي في الدر المنثور 1/205، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وفيه (ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم) وهذا يشبه ما سيرويه المؤلف قريبا عن ابن قتيبة.
(3) - قال السيوطي في المصدر السابق: وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن يحيى ابن يحيى الغاني قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن هذه الآية (وقاتلوا في سبيل الله) إلخ، فكتب إلى أن ذلك في النساء والذرية من لم ينصب لك الحرب منهم.
(1/180)
والثالث: أن الاعتداء إتيان ما نهى الله عنه، قاله الحسن (1).
والرابع: أنه ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام في الحرم قاله مقاتل (2).
والخامس: لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم. قاله ابن قتيبة (3) والظاهر إحكام الآية كلها =ويبعد ادعاء النسخ فيها= (4).
ذكر الآية السابعة عشرة:
__________
(1) - ذكره ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 1/226، عن الحسن البصري.
(2) - ذكره المؤلف في زاد المسير 1/197 وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (3) ولم يسنده إلى أحد، وفي تفسير المنسوب إلى ابن عباس ص 21 (ولا تعتدوا) أي: ولا تبدأوا.
(3) - سبق تخريج ما في معناه عن ابن عباس عند ابن المنذر وابن أبي حاتم. وأما ابن قتيبة: فهوأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين، ولد ببغداد سنة 213، وتوفي سنة 276هـ. انظر: ميزان الاعتدال 2/503.
(4) - في "م" قلق في العبارة وقد جاء فيها (وهذا ادعاء النسخ فيها) ولعل ما أثبت أقرب إلى الصواب، ويقول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ، (وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية). ولم يرجح المؤلف في التفسير رأيا دون آخر. قلت: ذكر دعوى النسخ هنا النحاس، وابن سلامة، ومكي بن أبي طالب، وابن هلال، في نواسخهم، واختار النحاس إحكام الآية بعد إيراد ما يؤيد الإحكام عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وقال: (وهذا أصح القولين) واستدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان، وبما ورد عن عمر بن عبد العزيز السابق ذكره، ومن ناحية اللغة أن فاعلا يكون من اثنين فإنما هو من أنك تقاتله ويقاتلك وهذا لا يكون في النساء والصبيان. وهكذا أورد إحكام الآية أيضا مكي بن أبي طالب عن ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد. انظر: الناسخ للنحاس 25-26؛ والإيضاح للمكي 130.
(1/181)
قوله تعالى: { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } (1) اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخة أو محكمة على قولين:
أحدهما: أنها منسوخة واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه قوله تعالى { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) فأمر بقتلهم في الحل والحرم قاله قتادة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب عن همام عن قتادة { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } فأمر أن لا يبدأوا بقتال، ثم قال: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } (3) ثم نسخت الآيتان في براءة فقال: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (4).
قال أحمد: وحدثنا حسين عن شيبان عن قتادة { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } قال: كانوا لا يقاتلون به حتى يقاتلوهم ثم نسخ ذلك فقال: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (5) فأمر الله بقتالهم في الحل والحرم وعلى كل حال (6).
__________
(1) - الآية (131) من سورة البقرة.
(2) -الآية الخامسة من التوبة.
(3) - الآية (217) من سورة البقرة.
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/112، عن همام عن قتادة، وليس فيه ذكر الآية (217) من سورة البقرة، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/205، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد الله حميد، وابن أبي داود في ناسخه عن قتادة.
(5) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/112، عن همام عن قتادة، وليس فيه ذكر الآية (217) من سورة البقرة، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/205، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد الله حميد، وابن أبي داود في ناسخه عن قتادة.
(6) - أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان 2/112.
(1/182)
والثاني: قوله تعالى: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } (1) قاله الربيع بن أنس (2) وابن زيد (3).
والثالث: قوله تعالى { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } (4) قاله مقاتل (5).
__________
(1) - الآية (193) من سورة البقرة.
(2) - الربيع بن أنس البكري أو الحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام رمى بالتشييع من الخامسة مات سنة 140هـ أو قبلها. انظر: التقريب (100).
(3) - أخرجه الطبري عن الربيع بن أنس وذكره الرازي ثم قال هذا خطأ وضعيف. انظر: جامع البيان 2/112؛ ومفاتيح الغيب 22/220.
(4) - الآية (191) من سورة البقرة.
(5) - أخرج الطبري هذا القول عن قتادة في المصدر السابق، وأورد المؤلف هذه الآراء الثلاثة في زاد المسير 1/199، عمن ذكرها هنا.
(1/183)
والقول الثاني: أنها محكمة وأنه لا يجوز أن يقاتل أحد في المسجد الحرام حتى يقاتل وهذا قول مجاهد والمحققين ويدل عليه ما روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: في مكة (أنها لا تحل لأحد من بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار) (2) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس =رضي الله عنه= عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض أنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل إلا ساعة من نهار) (3).
وقد ادعى بعض من لا علم له أن هذه الآية نسخت بحديث أنس =رضي الله عنه= (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة) (4) وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أن القرآن لا ينسخ إلا القرآن، ولو أجزنا نسخه بالسنة لاحتجنا إلى أن نعتبر في نقل ذلك الناسخ ما اعتبرنا في نقل المنسوخ وطريق الرواية لا يثبت ثبوت القرآن.
__________
(1) - أما أبو هريرة فهو صحابي جليل مشهور حافظ لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف في اسمه واسم أبيه، قيل عبد الرحمن بن صخر، وقيل ابن غنم، وقيل غير ذلك وذهب الأكثرون إلى أن أرجح الأقوال هو عبد الرحمن ابن صخر مات سنة 7، أو 8، و59هـ وهو ابن ثمان وسبعين. انظر: التقريب (431).
(2) - متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/87 في باب غزوة فتح مكة. وصحيح مسلم بشرح النووي 9/128-129، في باب تحريم مكة وتحريم صيدها وخلالها وشجرها.
(3) - رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس. انظر: صحيح البخاري بالفتح 4/418-420، في باب "لا يحل القتال بمكة". وصحيح مسلم بشرح النووي 9/123-124 في الباب السابق ذكره.
(4) - رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في باب غزوة الفتح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/76.
(1/184)
والثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أنه إنما خص بالإباحة في ساعة من نهار، والتخصيص ليس بنسخ، لأن النسخ ما رفع الحكم على الدوام كما كان ثبوت حكم المنسوخ على الدوام، فالحديث دال على التخصيص لا على النسخ، ثم إنما كان النسخ مع تضاد اجتماع الناسخ والمنسوخ، وقد أمكن الجمع بين ما ادعوه ناسخا ومنسوخا وصح العمل بهما فيكون قوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وقوله: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ } في غير الحرم بدليل قوله: { وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } وكذلك قوله: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي: في غير الحرم بدليل قوله عقيب ذلك { وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج، فقد بان مما أوضحنا إحكام الآية وانتفى النسخ عنها (1).
ذكر الآية الثامنة عشرة:
قوله تعالى: { فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (2) اختلف المفسرون في المراد بهذا الانتهاء على قولين:
__________
(1) - قلت: اختار المؤلف إحكام الآية في تفسيره 1/200، وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وقد أورد النحاس في ناسخه 26 الإحكام عن ابن عباس من طريق طاؤس، وعن مجاهد ابن أبي نجيح، وعن طاؤس أيضا، كما ذكر الإحكام مكي بن أبي طالب في ناسخه 132 عن مجاهد وطاؤس، ولكن مكي بن أبي طالب اختار نسخها. وعلل ذلك (لأن قتال المشركين فرض لازم في كل موضع، وسورة براءة نزلت بعد البقرة بمدة) وقد رأينا رد المؤلف على هذه النظرية.
(2) - الآية (192) من سورة البقرة.
(1/185)
أحدهما: أنه الانتهاء عن الكفر (1).
والثاني: عن قتال المسلمين (2) لا عن الكفر فعلى القول الأول الآية محكمة والثاني يختلف في المعنى فمن المفسرين من يقول: { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (3) إذ لم يأمركم بقتالهم في الحرم بل يخرجون منه على ما ذكرنا في الآية التي قبلها فلا يكون نسخ أيضا. ومنهم من يقول: المعنى اعفوا عنهم وارحموهم، فيكون لفظ الآية لفظ خبر ومعناه: الأمر بالرحمة لهم والعفو عنهم، وهذا منسوخ بآية السيف (4).
ذكر الآية التاسعة عشرة:
__________
(1) - كذا في التفسير المنسوب إلى ابن عباس رضي الله عنهما وبه فسر الطبري مستدلا بقول مجاهد المروي عنه بسند صحيح. انظر: تنوير المقياس من تفسير ابن عباس ص 21؛ وجامع البيان 2/112، وقال ابن العربي في إحكام القرآن 1/108: (فإن انتهوا) يعني انتهوا بالإيمان فإن الله يغفر لهم جميع ما تقدم.
(2) - ذكره المؤلف في زاد المسير 1/200 وقال الحافظ ابن كثير (فإن انتهوا) أي: تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوية، وهكذا فسر الشوكاني أيضا. انظر: تفسير القرآن العظيم 1/227؛ وفتح القدير 1/191.
(3) - ذكره المؤلف في زاد المسير 1/200 وقال الحافظ ابن كثير (فإن انتهوا) أي: تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوية، وهكذا فسر الشوكاني أيضا. انظر: تفسير القرآن العظيم 1/227؛ وفتح القدير 1/191.
(4) - قلت: وقد سلك المؤلف في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وفي تفسيره 1/201 مسلكه هنا حيث عرض الآراء بدون ترجيح وأما أبو جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب وابن خزيمة الفارسي فلم يتعرضوا لدعوى النسخ هنا أصلا، وكذلك ابن جرير وابن كثير لم يذكرا النسخ، بل فسرا الآية بما يؤكد إحكامها. انظر: جامع البيان 2-112؛ وتفسير القرآن 1/227.
(1/186)
قوله تعالى: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } (1) اختلف العلماء هل في هذه الآية منسوخ أم لا على قولين:
أحدهما: أن فيها منسوخا، واختلف أرباب هذا القول فيه على قولين:
أحدهما: أنه قوله: { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ } قالوا: وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في ذي القعدة فصده المشركون عن أداء عمرته فقضاها في السنة الثانية في ذي القعدة فاقتضى هذا، أن من فاته أداء ما وجب عليه بالإحرام الذي عقده في الأشهر الحرم أن يجب عليه قضاؤه في مثل ذلك الشهر الحرام، ثم نسخ ذلك وجعل له قضاؤه أي وقت شاء، أما في مثل ذلك الشهر أو غيره، قال شيخنا علي بن عبيد الله: وممن حكى ذلك عنه عطاء.
قلت: وهذا القول لا يعرف عن عطاء ولا يشترط أحد من الفقهاء المشهورين على من منع من عمرته أو أفسدها أن يقضيها في مثل ذلك الشهر.
والثاني: أنه قوله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } (2)
ثم اختلف أرباب هذا القول في معنى الكلام ووجه نسخه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن هذا نزل بمكة، والمسلمون قليل ليس لهم سلطان يقهرون به المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله تعالى المسلمون أن يأتوا إليهم مثل ما أتوا إليهم أو يعفوا ويصبروا فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وأعز الله سلطانه نسخ ما كان تقدم من ذلك، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (3).
__________
(1) - الآية (194) من سورة البقرة..
(2) - جزء من الآية نفسها.
(3) - أخرجه الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 2/116 وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/207، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي داود في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/187)
والثاني: أنه كان في أول الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتص لنفسه بنفسه من غير مرافعة إلى سلطان المسلمين ثم نسخ ذلك بوجوب الرجوع إلى السلطان في إقامة الحدود والقصاص، قال شيخنا (1) وممن حكي ذلك عنه ابن عباس =رضي الله عنهما= قلت: وهذا لا يثبت عن ابن عباس (2) ولا يعرف له صحة، فإن الناس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم، وسلاطينهم في الجاهلية والإسلام إلا أنه لو أن إنسانا استوفى حق نفسه من خصيمه من غير سلطان أجزأ ذلك (3) وهل يجوز له ذلك؟ فيه روايتان عن أحمد:
__________
(1) - يقصد "علي بن عبيد الله" كما سبق آنفا.
(2) - قال مكي بن أبي طالب بعد إيراد دعوى النسخ هنا عن ابن عباس: (وهذا القول إنما يجوز على مذهب من أجاز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخها قوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) الإسراء 33. قال: يأتي السلطان حتى ينتصف منه له، ثم قال له أبو محمد مكي بن أبي طالب: وهذا لا يصح عن ابن عباس، لأن السلطان هاهنا الحجة، ولأن سورة سبحان مكية، والبقرة مدنية فلا ينسخ المكي المدني، لأنه نزل قبل المدنية ولأن الرجوع إلى السلطان في القصاص إنما أخذ بالإجماع والإجماع لا ينسخ القرآن لكنه يبينه). انظر: الإيضاح (133).
(3) - قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية (فمن هتك حرمة عليكم أن تهتكوا حرمته قصاصا، قيل: هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال، وقيل: إنه ثابت بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم ينسخ. يجوز لمن تعدي عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثله، وبهذا قال الشافعي وبه قال ابن المنذر، واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك، ويؤيده إذنه صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها وهو الصحيح. انتهى كلام الشوكاني من تفسيره فتح القدير عند ذكر هذه الآية 1/192.
(1/188)
والثالث: أن معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثم نسخ ذلك، وهذا مذكور عن مجاهد، ولا يثبت (1) ولو ثبت كان مردودا، بأن دفع الاعتداء جائز في جميع الأزمنة عند جميع العلماء، وهذا حكم غير منسوخ، والصحيح في هذه الآية أنها محكمة غير منسوخة (2) فأما أولها فإن المشركين لما منعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة في شهر حرام اقتص لنبيه عليه السلام بإدخاله مكة في شهر حرام.
__________
(1) - أخرجه الطبري عن مجاهد في جامع البيان 2/116، وليس فيه ذكر النسخ.
(2) - أورد مكي بن أبي طالب عن مجاهد: أن الآية غير منسوخة، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، أي: من قاتلكم فقاتلوه. انظر: الإيضاح (133).
(1/189)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل القاضي، قال: أبنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي الحسين بن حسن بن عطية، قال: حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: كان المشركون حبسوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم (1) فأما قوله: { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فقال سعيد بن جبير: كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيام، فلما جاء العام الذي كان الشرط بينهما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه محرمين بعمرة فخافوا، أن لا "يوف" (2) لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام، وكره المسلمون القتال في شهر حرام وبلد حرام فنزلت { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } أي: من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه (3) فإن قال قائل: فكيف يسمى الجزاء اعتداء؟ فالجواب: أن صورة الفعلين واحدة وإن اختلف حكماهما، قال الزجاج: والعرب تقول: ظلمني فلا]ن (4) فظلمته: أي: جازيته بظلمه، وجهل علي فجهلت عليه، أي جازيته بجهله.
__________
(1) - أخرجه الطبري عن ابن عباس وأبي العالية وعن مجاهد وقتادة وغيرهم. انظر: جامع البيان 2/114-115.
(2) - في "م" يأفوا، وهو خطأ ولعله من الناسخ، وفي رواية الواحدي (أن لا تفي).
(3) - ذكر نحوه الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: أسباب النزول ص 33.
(4) - انتهى النقص من النسخة الهندية.
(1/190)
قلت: فقد بان بما ذكرنا أن الآية محكمة ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا (1).
ذكر الآية العشرين:
قوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } (2) اختلف المفسرون في المرا[د بإتمامها] (3) على خمسة أقوال:
"أحدها": (4) أن يحرم بهما من دويرة (5) أهله، قاله علي وسعيد بن جبير وطاؤس (6).
والثاني: الإتيان بما أمر الله به فيهما. قاله مجاهد (7).
والثالث: إفراد كل واحد عن الآخر. قاله الحسن وعطاء (8).
والرابع: أن لا يفسخهما بعد الشروع فيهما، رواه عطاء عن ابن عباس (9).
__________
(1) - قلت: ذكر المؤلف قول النسخ في تفسيره وفي مختصر عمدة الراسخ ولم يناقش كما أورد دعوى النسخ معظم كتب النسخ، إلا أن أبا جعفر النحاس مال إلى قول مجاهد وهو إحكام الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 28.
(2) - الآية (196) من سورة البقرة.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" أحدهما، وهو خطأ من الناسخ.
(5) - الدويرة تصغير دار، كل موضع حل فيه القوم فهو دارهم.
(6) - أخرجه الطبري عن علي وسعيد بن جبير وطاؤس في جامع البيان 2/120-121، وأخرجه النحاس في ناسخه 32، عن علي رضي الله عنه.
(7) - أخرجه الطبري عن مجاهد في المصدر السابق، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/208، وعزاه إلى عبد بن حميد عن مجاهد.
(8) - أورده المؤلف في زاد المسير 1/204 عن عمر بن الخطاب، والحسن، وعطاء.
(9) - أخرجه النحاس في ناسخه 32 عن عمر بن الخطاب، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/208، وقال: أخرجه عبد الرازق عن طريق الزهري عن عمر بن الخطاب، وذكر السيوطي نحوه أيضا معزيا الى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج نحوه الطبري في جامع البيان 2/121 عن طاؤس، وابن زيد.
(1/191)
والخامس: أن يخرج قاصدا لهما "لا يقصد شيئا آخر من تجارة" (1) أو غيرها (2) وهذا القول فيه بعد. وقد ادعى بعض العلماء على قائله أنه يزعم أن الآية نسخت بقوله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ } (3)
والصحيح في تفسير الآية ما قاله ابن عباس، وهو محمول على النهي عن فسخهما لغير عذر أو قصد صحيح، وليست هذه الآية بداخلة في المنسوخ أصلا (4).
ذكر الآية الحادية والعشرين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ذكره الطبري في جامع البيان 2/121، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 1/230 والشوكاني في فتح القدير 1/194، عن سفيان الثوري.
(3) - الآية (198) من سورة البقرة.
(4) - قلت: لم يشر المؤلف في زاد المسير إلى النسخ في هذه الآية كما لم يتعرض له في مختصر عمدة الراسخ أصلا، وكذا لم يعد هذه الآية من المنسوخة معظم كتب النسخ.
(1/192)
[ قوله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا] (1) رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } (2) [ذكر بعض المفسرين] (3) أن هذا الكلام اقتضى تحريم "حلق" (4) الشعر، سواء وجد به أذى أو لم يوجد ولم يزل الأمر على ذلك حتى رأى رسول "الله - صلى الله عليه وسلم - "كعب بن عجرة" (5) والقمل يتناثر" (6) على وجهه، فقال: "أتجد" (7) شاة فقال: لا. فنزلت: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [ مَرِيضًا ] (8) أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } (9) والمعنى: فحلق ففدية. فاقتضى هذا الكلام إباحة حلق الشعر عند الأذى مع الفدية وصار ناسخا لتحريمه المتقدم.
قلت: وفي هذا بعد من وجهين:
أحدهما: أنه يحتاج أن يثبت أن نزول قوله: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [مَرِيضًا } تأخر] (10) عن نزول أول الآية ولا يثبت هذا. والظاهر نزول الآية "في مرة، بدليل قول" (11) النبي - صلى الله عليه وسلم - (أتجد شاة) (12) والشاة هي النسك المذكور في قوله: { أَوْ نُسُكٍ } .
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (196) من سورة البقرة، وهذا هو الموضع الثاني من الآية السابق ذكرها، ولا داعي لذكر رقم مستقل لها كما هو ظاهر.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في النسختين "حلاق"، وهو تحريف.
(5) - أما كعب بن عجرة: هو أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، وقيل أبو إسحاق الأنصاري المدني، صحابي مشهور مات بعد الخمسين، قال الحافظ بن حجر: وهو الذي نزلت في شأنه الرخصة في الحديبية في حلق الشعر. انظر: التهذيب 8/435-436؛ والتقريب 286.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - في "هـ" اتخذ، وهو تصحيف.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - رواه الشيخان في صحيحيهما، عن كعب بن عجرة. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/252، من كتاب التفسير، وصحيح مسلم بشرح النووي 8/118 في باب حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى.
(10) - ساقطة من "هـ".
(11) - غير واضحة من "هـ".
(12) - في "هـ" اتخذ، وهو تصحيف.
(1/193)
والثاني: إنا لو قدرنا نزوله متأخرا فلا يكون نسخا، [لأنه قد بان بذكر العذر أن الكلام] (1) الأول لمن لا عذر له، فصار التقدير: ولا تحلقوا رءوسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامه فلا ناسخ ولا منسوخ (2).
ذكر الآية الثانية والعشرين:
قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } (3) اختلفوا: هل هذه منسوخة أم محكمة؟ روى السدي عن أشياخه أنه يوم نزلت هذه لم تكن زكاة، وإنما هي نفقة الرجل على أهله، والصدقة يتصدقون بها فنسختها الزكاة (4) وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: نسخت هذه بآية الصدقات في براءة (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ"، وفي "م" لأن الكلام، ولعل اللام زيادة من الناسخ.
(2) - قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ النحاس، ومكي بن أبي طالب، ولا المؤلف في مختصر عمدة الراسخ في هذه الآية، إنما أورد ذلك ابن حزم الأنصاري وابن هلال في ناسخيهما، بأنه منسوخ بالاستثناء، بقوله (فمن كان منكم مريضا) وحكى المؤلف دعوى النسخ عن شيخه علي بن عبيد الله، في زاد المسير. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ ص 322؛ والإيجاز في الناسخ والمنسوخ المخطوطة ورقة (19).
(3) - الآية (215) من سورة البقرة.
(4) - أخرجه الطبري عن السدي عن أشياخه، في جامع البيان 2/200.
(5) - أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة في جامع البيان 2/215.
(1/194)
وروى أبو صالح عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: نسخ منها الصدقة على الوالدين وصارت الصدقة لغيرهم الذين لا يرثون من الفقراء والمساكين والأقربين [وقد] (1) قال الحسن البصري، والمراد بها التطوع على من لا يجوز إعطاؤه الزكاة، كالوالدين والمولودين وهي غير منسوخة، وقال ابن زيد هي [في النوافل وهم أحق] (2) بفضلك (3).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري عن السدي، وروى عن ابن جريج أنه قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت: (يسألونك ماذا ينفقون) الآية، فذلك النفقة في التطوع، والزكاة سوى ذلك كله، قال: وقال مجاهد: سألوا فأفتاهم في ذلك (ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين) وما ذكر معهما. انظر: جامع البيان 2/200.
(1/195)
قلت: "من قال بنسخها" (1) ادعى أنه وجب عليهم أن ينفقوا فسألوا عن وجوه الإنفاق "فدلوا على ذلك" (2) وهذا يحتاج إلى نقل، والتحقيق "أن الآية عامة" (3) في الفرض والتطوع فحكمها ثابت غير منسوخ، لأن ما يجب من النفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا فقراء لم ينسخ بالزكاة، وما يتطوع به لم ينسخ بالزكاة وقد قامت الدلالة على أن الزكاة لا تصرف إلى الوالدين والولد، وهذه الآية بالتطوع أشبه، لأن ظاهرها أنهم طلبوا بيان الفضل في [إخراج] (4) الفضل "فبينت" (5) لهم وجوه الفضل (6).
ذكر الآية [الثالثة] (7) والعشرين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - في "هـ" فيثبت.
(6) - قلت: لم يتعرض النحاس ومكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا إنما ذكر ذلك بقية كتب النسخ بدون أن يسند إلى أدلة ثابتة، وأما المؤلف فيقول في تفسير هذه الآية في زاد المسير 1/234 (قال ابن زيد: هي في النوافل وهذا الظاهر من الآية، لأن ظاهرها يقتضي الندب، ولا يصح أن يقال إنها منسوخة إلا أن يقال: إنها اقتضت وجوب النفقة على المذكورين فيها)، وأما في مختصر عمدة الراسخ فاكتفى بإيراد أقوال الفريقين بدون ترجيح. انظر: الورقة الرابعة منه.
(7) - ساقطة من "هـ".
(1/196)
قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } (1) اختلفوا في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة؟ فقال قوم: هي منسوخة لأنها تقتضي وجوب القتال على الكل؛ لأن الكل خوطبوا بها، وكتب بمعنى فرض (2) قال ابن جريج سألت عطاء، أواجب الغزو على الناس من أجل هذه الآية؟ فقال: [لا] (3) إنما كتب على أولئك حينئذ (4) وقال ابن أبي نجيح سألت "مجاهدا هل الغزو واجب على الناس" (5) ؟ فقال: لا. إنما كتب عليهم يومئذ (6) وقد اختلف أرباب هذا القول في ناسخها على قولين:
أحدهما: أنه قوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (7) قاله عكرمة (8).
والثاني: قوله: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } (9)
__________
(1) - الآية (216) من سورة البقرة.
(2) - فسر الطبري الآية بذلك، وجاء في تفسير ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير "كتب عليكم القتال" يعني فرض عليكم. وعن ابن شهاب قال: الجهاد مكتوب على كل أحد. انظر: جامع البيان 2/200 وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 148.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 2/200، وابن أبي حاتم في المصدر السابق عن ابن جريج.
(5) - في النسختين "هل الغزو أواجب، ولعل الاستفهام الثاني زيادة من الناسخ.
(6) - أخرج الطبري نحوه في المصدر السابق عن الأوزاعي.
(7) - الآية (286) من سورة النساء.
(8) - ذكره الطبري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: هذا قول لا معنى له لأن نسخ الأحكام من الله لا من العباد، وهذا القول خبر لا نسخ منه، وذكر نحوه أيضا عن عكرمة ابن أبي حاتم في المصدر السابق.
(9) - الآية (122) من سورة التوبة.
قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص139، وقد قيل أنها منسوخة بآية: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة).
(1/197)
وقد [زعم] (1) بعضهم أنها ناسخة من وجه، ومنسوخة من وجه، وذلك أن الجهاد كان "على ثلاث" (2) طبقات:
الأولى: المنع من القتال، وذلك مفهوم من قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } (3) فنسخت بهذ الآية ووجب بها التعين على الكل، وساعدها قوله تعالى: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } (4) ثم استقر الأمر على أنه إذا قام بالجهاد قوم سقط على الباقين بقوله تعالى: { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } (5) والصحيح أن قوله: (كتب عليكم القتال) محكم، وأن فرض الجهاد لازم للكل، إلا أنه من فروض الكفايات، إذا قام به قوم سقط عن الباقين فلا وجه للنسخ (6).
ذكر الآية الرابعة والعشرين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - الآية (77) من سورة النساء.
(4) - الآية (41) من سورة التوبة، وهي الطبقة الثانية، أي: الأمر بالقتال.
(5) - الآية (122) من التوبة، وهي الطبقة الثالثة.
(6) - قال أبو جعفر النحاس في هذه الآية (وأما قول من قال: إن الجهاد فرض بالآية فقول صحيح، وهذا قول حذيفة، وعبد الله بن عمرو، وقول الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا، إلا أنه فرض يحمله بعض الناس عن بعض، فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضا واجبا، لأن نظير كتب عليكم القتال كتب عليكم الصيام). وقال مكي بن أبي طالب والأمر لا يحمل على الندب إلا بقرينة ودليل. انظر: الناسخ والمنسوخ 29؛ والإيضاح 139. قلت: ذكر النحاس في المصدر السابق ومكي بن أبي طالب في المصدر السابق والمؤلف في زاد المسير 1/235 عن العلماء أن هذه الآية ناسخة لكل رخصة في القرآن في ترك القتال، واختار النحاس إحكام الآية. وأما المؤلف فلم يرجح رأيا دون آخر في تفسيره، وأورد النسخ في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة.
(1/198)
قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } (1) سبب سؤالهم عن هذا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية فقتلوا عمرو بن الحضرمي في أول ليلة من رجل [فعيرهم] (2) المشركون بذلك فنزلت هذه الآية (3) وهي تقتضي تحريم القتال في الشهر الحرام، لقوله: { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } قال ابن مسعود وابن عباس =رضي الله عنهما= لا يحل (4) وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس =رضي الله عنهما= عظم العقوبة (5) وهذا إقرار لهم على ما كانوا عليه في الجاهلية فإنهم كانوا يحرمون القتال في الأشهر الحرم.
__________
(1) - الآية (217) من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - رواه الطبري في جامع البيان 2/205 من طرق عديدة.
(4) - أخرجه الطبري في المصدر السابق عن مجاهد عن عطاء نحوه.
(5) - أخرجه النحاس عن ابن عباس من طريق جويبير - الضعيف -. انظر: الناسخ والمنسوخ (30).
(1/199)
أخبرنا أبو الحسن الأنصاري (1) قال: أبنا عبد الله بن علي الأبنوسي، قال أخبرني عبد الملك بن عمر الرزاز، قال: أبنا ابن شاهين، قال: بنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: بنا محمد بن توبة العنبري، قال: أبنا أزهر بن سعد، قال: بنا ابن عون، قال: قال: أبو رجاء العطاردي (2) كان إذا دخل شهر رجب قالوا: قد جاء منصل الأسنة فيعمد أحدهم إلى سنان رمحه فيخلعه ويدفعه إلى النساء، فيقول: أشددن هذا في عكومكن فلو مر أحدنا على قاتل أبيه لم يوقظه (3).
__________
(1) - أما أبو الحسن الأنصاري: فهو سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري المغربي الأندلسي نزيل بغداد، كان من مشائخ ابن الجوزي، تفقه على الإمام أبي حامد الغزالي، وكان ثقة صحيح السماع، توفي 541هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 157-159؛ والمنتظم 10/121.
(2) - أما أبو رجاء العطاري: فهو عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة، ويقال: ابن تيم أبو رجاء العطاردي مشهور بكنيته وقيل غير ذلك في اسم أبيه، مخضرم ثقة، معمر، مات سنة 105هـ وله 120 سنة. انظر: التقريب (265).
(3) - ذكر ما في معناه الحافظ ابن حجر في كتابه "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب" ص 14، فقال: (رواه عيسى غنجار عن أبين بن سفيان عن غالب بن عبيد الله عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها، ثم قال: وأبين وغالب معروفان بوضع الحديث، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح).
(1/200)
قلت: واختلف العلماء هل هذا التحريم باق أم نسخ وأخبرنا [إسماعيل بن] (1) أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال بنا [الكاذي] (2) قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي [قال] (3) "بنا" (4) حجاج عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } ما لهم إذ ذاك لا يحل لهم أن يغزو أهل الشرك في الشهر الحرام ثم غزوهم فيه بعد فحلف لي بالله، ما يحل للناس الآن أن يغزو في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه "أو يغزو" (5) وما نسخت (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" حدثنا.
(5) - في "هـ" ويعزو، بدون ألف.
(6) - أخرج الطبري نحوه عن ابن جريج عن مجاهد، ويقول المحقق في الهامش أن قوله: عن مجاهد زائد من قلم الناسخ. فإن القائل: قلت لعطاء إلخ هو ابن جريج كما يؤخذ من الفخر، فتأمل. وفي تفسير الطبري تحريف آخر وهو قوله: وما تستحب، بدل وما نسخت، ولعل الصواب ما أثبت عن النسختين وتفسير المؤلف والله أعلم. انظر: جامع البيان 2/206؛ وزاد المسير 1/237.
(1/201)
وروى "عبد خير" (1) عن علي عليه السلام في قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } (2) قال: نسختها { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (3) وقال سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار (4) وسائر "علماء" (5) الأمصار أن القتال في الشهر الحرام جائز فإن هذه الآية منسوخة بقوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (6) وقوله: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } (7)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ" وهو عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم ثقة سمع عليا رضي الله عنه، وهو من الثانية، ولم يثبت له صحبة. انظر: التهذيب 6/124؛ والتقريب 197.
(2) - الآية (217) من سورة البقرة.
(3) - الآية الخامسة من التوبة.
(4) - سليمان بن يسار الهلالي مولى ميمونة رضي الله عنها روى عن الصحابة والتابعين أحد فقهاء السبعة كان ثقة رفيعا كثير الحديث، ولد سنة (24) وقيل (27) وتوفي سنة (106)هـ، وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 4/228-230.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - ذكر هذا القول النحاس في ناسخه (30) عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار.
(7) - الآية (29) من سورة التوبة.
(1/202)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: قال: "حدثني أبي" (1) قال: بنا عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري: كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل [له] (2) بعد (3).
ذكر الآية الخامسة والعشرين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - قلت: اكتفى المؤلف بعرض الآراء في زاد المسير 1/237 عند ذكر هذه الآية، وقال: في نهاية المناقشة (وهذا قول فقهاء الأمصار) يعني القول بالنسخ، وأما عمدة الراسخ الورقة الرابعة فقد نص على نسخها، وسوف يأتي التصريح بنسخ هذه الآية عند مناقشة الآية الثالثة من سورة المائدة إن شاء الله. وقد عد هذه الآية من المنسوخة معظم كتب النسخ، ويقول النحاس: أجمع العلماء على نسخ هذه الآية إلا عطاء، وقال مكي بن أبي طالب: أكثر العلماء على أنها منسوخة إلا عطاء ومجاهد. انظر: الناسخ والمنسوخ 30-32؛ والإيضاح 134؛ واختار النسخ الطبري في جامع البيان 2/206.
(1/203)
قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } (1) اختلف العلماء في هذه الآية: فقال قوم: إنها تضمنت ذم الخمر "لا تحريمها" (2) وهو مذهب ابن عباس وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة (3) وقال آخرون: بل تضمنت تحريمها، وهو مذهب الحسن وعطاء (4) فأما قوله تعالى: { وَإِثْمُهُمَا [أَكْبَرُ ](5) مِنْ نَفْعِهِمَا } (6) فيتجاذبه أرباب القولين، فأما أصحاب القول الأول [فإنهم] (7) قالوا إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبله (8) وقال أصحاب القول الثاني: إثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما حينئذ أيضا (9)
__________
(1) - الآية (219) من سورة البقرة.
(2) - في "م" لا لتحريمها، والذي أثبت عن "هـ" أصح.
(3) - ذكر المؤلف في زاد المسير 1/241 هذا القول عن السدي عن أشياخه وعن سعيد بن جبير ومجاهد، وقتادة، ومقاتل.
(4) - أورد المؤلف في المصدر السابق هذا القول وعزاه إلى جماعة من العلماء وإلى الزجاج والقاضي أبي يعلى.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - جزء من الآية نفسها .
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/241 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان، في تفسيره المخطوط 1/153، وجاء في تفسير ابن عباس (المنسوب إليه) (24) (قل) يا محمد (فيهما إثم كبير) بعد التحريم (ومنافع للناس) قبل التحريم بالتجارة بهما (وإثمهما) بعد التحريم (أكبر من نفعهما) قبل التحريم، ثم حرم بعد ذلك في كليهما. وذكر المؤلف هذا القول في زاد المسير 1/241 ونسبه إلى سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل.
(9) - ذكره المؤلف في المصدر نفسه وعزاه إلى ابن جبير أيضا. قلت: ويبدو كأن هنا تقديما وتأخيرا في ربط القولين الأخيرين مع القولين السابقين، لأن أصحاب القول الأول لا يقولون بالتحريم، وإنما بالذم فلا يتفق هذا مع قوله: قالوا: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبله. والله أعلم.. وقد روى النحاس عن الضحاك بأن المنافع التي فيها إنما كانت قبل التحريم ثم نسخت وأزيلت. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 39.
(1/204)
لأن الإثم الحادث عن شربها من ترك الصلاة والإفساد الواقع عن السكر لا يوازي [منفعتها الحاصلة من لذة أو بيع] (1) ولما كان الأمر محتملا "للتأويل"، قال عمر بن الخطاب بعد نزول هذه الآية: اللهم بين (2) لنا في الخمر بيانا شافيا، وعلى القول الأول [يتوجه النسخ بقوله] (3) تعالى: { فَا [جْتَنِبُوهُ] } (4).
ذكر الآية السادسة والعشرين:
قوله تعالى: { [وَيَسْأَلُونَكَ] (5) مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } (6) فالمراد بهذا الإنفاق ثلاثة [أقوال:
أحدها: أنه] (7) الصدقة والعفو ما يفضل عن الإنسان.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية (90) من المائدة، وهي ساقطة من "هـ". قلت: أورد المؤلف في زاد المسير أقوال العلماء ونسب دعوى النسخ إلى جماعة من المفسرين فيه وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (4) بدون ترجيح، وأما أبو جعفر النحاس في المصدر السابق ومكي ابن أبي طالب في الإيضاح 139، فقد ذكرا عن أكثر العلماء أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، واختار النحاس هذا القول مؤيدا رأيه بقول جماعة من الفقهاء، يقولون بتحريم الخمر بآيتين من القرآن، فالأولى آية (قل فيهما إثم كبير) والثانية (قل إنما حرم ربي الفواحش) الأعراف (33).
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (219) من البقرة، هذه الآية جزء من الآية السابقة، فهو إذًا الموضع الثاني مما دعى فيها النسخ منها.
(7) - ساقطة من "هـ".
(1/205)
أخبرنا عبد الوهاب [الحافظ، قال: أبنا أبو] (1) الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا "أحمد بن كامل" (2) قال: أبنا محمد بن "إسماعيل بن" (3) سعد قال حدثني أبي، قال حدثني عمي، قال: حدثني أبي عن جدي، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { قُلِ الْعَفْوَ } (4) قال ما أتوك به من شيء قليل أو [كثير] (5) فاقبله منهم لم يفرض فيه فريضة معلومة، ثم نزلت بعد [ذلك] (6) الفرائض مسماة (7) وقد قيل: إن المراد بهذه الصدقة الزكاة.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن حموية، قال: أبنا إبراهيم بن خريم ، قال: أبنا عبد الحميد، قال: بنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: العفو الصدقة المفروضة (8).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - مكررة في "هـ".
(3) - هكذا في "م" وهي غير واضحة من "هـ" ولعلها زيادة من الناسخ، لأنه قد تقدم في ترجمته أن اسمه محمد بن سعد العوفي، ولم يذكر المؤلف "إسماعيل" في هذا السند قط. انظر: ترجمته في لسان الميزان 3/19؛ وتاريخ بغداد 5/322-323.
(4) - في "م" قال العفو، وهو خطأ من الناسخ.
(5) - ساقطة من "م.
(6) - ساقطة من "م.
(7) - أخرجه الطبري عن ابن عباس في جامع البيان 2/213، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء.
(8) - أخرجه الطبري في جامع البيان عن مجاهد 2/214، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/253 وعزاه إلى عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن طاؤس، وفيه قال: العفو أيسر من كل شيء، قال: وكان مجاهد يقول: العفو الصدقة المفروضة.
(1/206)
والقول الثاني: [ (1) أنه كان فرض عليهم قبل الزكاة أن ينفقوا ما يفضل عنهم، فكان أهل "الحرث" (2) يأخذون قدر ما يكفيهم من نصيبهم، ويتصدقون بالباقي، وأهل الذهب والفضة يأخذون قدر ما يكفيهم في تجار=تهم ويتصدقون= (3) بالباقي، ذكره بعض المفسرين.
__________
(1) - من هنا ورقة كاملة مفقودة في "م" في الميكروفيلم الذي جئت به من معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بمصر، وهي موجودة في "هـ".
(2) - في "هـ" الكتاب، وهو خطأ، ولعل ما أثبت أنسب للمقام لمقابلتها، أهل الذهب والفضة الآتي ذكره.
(3) - ساقطة من "هـ" كملتها نظرا للسياق.
(1/207)
والثالث: أنها نفقة التطوع، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حثهم على الصدقة "ورغبهم بها قالوا: ماذا ننفق؟ وعلى من ننفق؟ فنزلت هذه الآية" (1) قال مقاتل بن حيان (2) في قوله: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } قال: هي النفقة في التطوع، فكان الرجل يمسك من ماله ما يكفيه سنة ويتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيديه أمسك ما يكفيه يوما ويتصدق بسائره وإن كان من أصحاب الحقل والزرع أمسك ما يكفيه سنة ويتصدق "بسائره" (3) فاشتد ذلك على المسلمين فنسختها آية الزكاة، قلت فعلى هذا القول، معنى قوله: اشتد ذلك على المسلمين، أي: صعب ما ألزموا نفوسهم به، فإن قلنا هذه النفقة نافلة أو هي الزكاة فالآية محكمة، وإن قلنا إنها نفقة فرضت قبل الزكاة فهي منسوخة بآية الزكاة والأظهر في أنها الإنفاق في المندوب إليه (4)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ" أخرج نحو هذا المعنى ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/153 إلى 154، عن ابن عباس، ومن طريق أبان عن يحيى فيما بلغه عن معاذ وثعلبة.
(2) - مقاتل بن حيان النبطي بفتح النون والموحدة أبو بسطام البلخي الخزاز بزائين منقوطتين صدوق فاضل أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعا كذبه، وإنما كذب الذي بعده، وهو من السادسة مات قبل 150هـ بأرض الهند. انظر: التقريب 346.
(3) - في "هـ" وبسائره.
(4) - ذكر المؤلف في زاد المسير 1/219 خمسة أقوال في معنى العفو: أحدها: أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله، رواه مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما. والثاني: ما تطيب به أنفسهم من قليل أو كثير، رواه عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما. والثالث: أنه الصدقة بين الإسراف والإقتار، قاله الحسن وعطاء وسعيد بن جبير. والرابع: أنه الصدقة المفروضة قاله مجاهد. والخامس: أنه ما لا يتبين عليهم مقداره من قولهم: عفى الأثر، إذا أخفى ودرس، حكاه شيخنا عن طائفة من المفسرين.. انتهى كلام المؤلف، لكنه لم يرجح هناك رأيا في النسخ في هذه الآية، ومال إلى الإحكام في مختصر عمدة الراسخ الورقة الرابعة، وقد أورد معظم كتب النسخ دعوى النسخ في هذه الآية، واختار الإمام الطبري في جامع البيان 2/215، والإمام أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ 54-55 إحكام هذه الآية.
(1/208)
.
ذكر الآية السابعة والعشرين:
قوله تعالى: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } (1) اختلف المفسرون في المراد بالمشركات هاهنا على قولين:
أحدهما: أنهن الوثنيات، أخبرنا أبو بكر بن حبيب "العامري" (2) قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا محمد بن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا قبيصة عن سفيان عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية، قال: لا بأس به فقلت: أليس الله تعالى يقول: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قال: إنما ذلك المجوسيات وأهل الأوثان (3) قال عبد الحميد: حدثنا يونس عن سفيان عن قتادة { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } قال: [المشركات العرب] (4) اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه (5) قال سعيد بن جبير: هن المجوسيات وعابدات الأوثان (6).
والثاني: أنه عام في الكتابيات وغيرهن من الكافرات، فالكل مشركات، وافترق أرباب هذا القول على قولين:
__________
(1) - الآية (221) من سورة البقرة.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 1/256، وعزاه إلى عبد بن حميد عن حماد عن إبراهيم.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان 2/221.
(6) - أخرجه الطبري في المصدر السابق عن سعيد بن جبير، وفيه -وأهل الأوثان- وأخرجه البيهقي في سننه 7/171 عن سعيد بن جبير في كتاب النكاح. قال الإمام الشافعي في هذه الآية: (قيل إنها نزلت في جماعة مشركي العرب الذين هم أهل الأوثان يحرم نكاح نسائهم كما يحرم أن ينكح رجالهم المؤمنات، فإن كان هذا هكذا فهذه الآية ثابتة ليس فيها منسوخ). انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/186.
(1/209)
[أحدهما] (1) "إن هذا القدر من الآية نسخ بقوله تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } (2) فأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: أبنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: بنا ابن مبارك عن يونس عن الزهري { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ثم أحل نكاح المحصنات من أهل الكتاب لم ينسخ من هذه الآية غير ذلك فنكاح كل مشرك سوى نساء أهل الكتاب حرام (3).
__________
(1) - انتهى النقص من النسخة المدنية، ومن هنا تسعة أسطر تقريبا في "هـ" كتابة رديئة لا تقرأ منها إلا كلمات قليلة.
(2) - الآية الخامسة من سورة المائدة.
(3) - أخرج نحوه الطبري عن عكرمة والحسن البصري في جامع البيان 2/221، كما أخرج نحوه البيهقي في السنن الكبرى 7/171، في كتاب النكاح بسند ضعيف عن ابن عباس.
(1/210)
والثاني: أن قوله: ولا تنكحوا المشركات لفظ عام خص منه الكتابيات بآية المائدة وهذا تخصيص لا نسخ (1) وعلى هذا الفقهاء وهو الصحيح، وقد زعم قوم أن أهل الكتاب ليسوا مشركين، وهذا فاسد، لأنهم قالوا عزير ابن الله" (2) والمسيح ابن الله فهم بذلك مشركون (3).
ذكر الآية الثامنة والعشرين:
__________
(1) - أخرجه الطبري والبيهقي في المصدرين السابقين والنحاس في ناسخه (56) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره أيضا مكي بن أبي طالب عن قتادة وابن جبير، ورجحه في الإيضاح 77، و143، كما أورد المؤلف هذا المعنى في زاد المسير 1/247 عن عثمان وحذيفة وطلحة، وجابر وابن عباس رضي الله عنهم.
(2) - انتهى عدم الوضوح من "هـ".
(3) - أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 11/337 في باب قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات) قلت: أورد المؤلف في زاد المسير 1/246، نحو هذه المناقشة بدون ترجيح، وأما في مختصر عمدة الراسخ الورقة (4) فقال: بعد ذكر هذه الآية: هذا لفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ، وقد سماه من لا يعلم نسخا وذلك خطأ. وقد ناقش قضية النسخ في هذه الآية معظم كتب النسخ إلا أن النحاس مال إلى نسخها في كتابه الناسخ والمنسوخ 57، بينما مكي بن أبي طالب مال إلى إحكامها في الإيضاح 142.
(1/211)
قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } (1) توهم قوم قل علمهم أن هذه الآية منسوخة، فقالوا: هي تقتضي مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود، ثم نسخت بالسنة، وهو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أباح الاستمتاع بالحائض إلا النكاح، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - "يستمتع (2) من الحائض بما دون الإزار (3) وهذ ظن منهم فاسد لأنه لا خلاف بين الآية والأحاديث، قال أحمد بن حنبل: المحيض موضع الدم (4) ويوضح هذا التعليل للنهي بأنه أذى فخص المنع مكان الأذى [ثم لو] (5) كانت الأحاديث تضاد الآية قدمت الآية، لما بينا في أول الكتاب من أن الناسخ ينبغي من أن يشابه المنسوخ في قوته والقرآن أقوى من السنة (6).
ذكر الآية التاسعة والعشرين:
قوله تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } (7) قد ذهب جماعة من القدماء إلى أن في هذه الآية منسوخًا ثم اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
__________
(1) - الآية (222) من سورة البقرة.
(2) - في "هـ" يسمع، وهو تصحيف.
(3) - رواه البخاري في باب "مباشرة الحائض" عن عائشة رضي الله عنها، ورواه مسلم عنها في كتاب الحيض، وأبي داود في باب "الرجل يصيب منها ما دون الجماع" عن عائشة. انظر: صحيح البخاري بالفتح 1/419-420؛ وصحيح مسلم بشرح النووي 3/203؛ وسنن أبي داود مع عون المعبود 1/450.
(4) - روى الطبري في جامع البيان 2/225 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة قوله: (فاعتزلوا النساء في المحيض) يقول: اعتزلوا نكاح فرجهن.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - قلت: أعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية كما أعرض عن ذلك ابن هلال في ناسخه، وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فقد أوردا قول النسخ ومالا إلى إحكام الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ 60؛ والإيضاح 144.
(7) - الآية (228) من سورة البقرة.
(1/212)
أحدهما: أنه قوله: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ }
قالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد ثلاثة قروء فنسخ من ذلك [حكم الحامل] (1) بقوله: { وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (2) ونسخ حكم "الآيسة (3) والصغيرة من ذلك بقوله: { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ } (4) [ونسخ] (5) حكم المطلقة قبل الدخول بقوله: { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } (6) وهذا مروي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وقتادة إلا أن ابن عباس استثنى ولفظ قتادة [نسخ] (7).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية الرابعة من سورة الطلاق.
(3) - في "هـ" الآية، وهو تحريف من الناسخ.
(4) الآية الرابعة من سورة الطلاق.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (49) من سورة الأحزاب.
(7) - ساقطة من "هـ"، قلت: هذا القول الذي ذكره المؤلف فقد روى نحوه أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه نسخ واستثنى، وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد، قال المنذري عنه: (قد ضعف) وقال الحافظ في التقريب (345) صدوق بهم، وقد ذكر نحو هذا الأثر السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى النسائي وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 6/377 في كتاب الطلاق؛ والدر المنثور 1/274.
(1/213)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة، { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } قال: فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض، ثم نسخ منها التي لم يدخل بها فقال: { إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } فهذه ليس لها عدة، وقد نسخ من الثلاثة قروء، امرأتان، فقال: { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ } فهذه العجوز التي لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر، ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال: { وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (1).
والقول الثاني: أن أول الآية محكم، وإنما المنسوخ منها قوله: { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } (2) قالوا: فكان الرجل إذا طلق ارتجع، سواء كان الطلاق ثلاثا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } (3)
__________
(1) - أخرج نحوه الطبري بالاختصار، عن قتادة في جامع البيان 2/264، وذكر نحوه مطولا السيوطي في الدر المنثور 1/274، وعزاه إلى عبد بن حميد عن قتادة، وفي روايتهما (نسخ) كما أشار إليه المؤلف.
(2) - الآية (228) من سورة البقرة.
(3) - الآية (230) من سورة البقرة.
(1/214)
واعلم: أن القول الصحيح المعتمد عليه أن هذه الآية كلها محكمة، لأن أولها عام في المطلقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصغيرة فهو مخصوص من جملة العموم وليس علي سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: { وَبُعُولَتُهُنَّ } ثم بين الطلاق الذي يجوز منه الرجعة، فقال: { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ } (1) إلى قوله: { فَإِنْ طَلَّقَهَا } يعني الثلاثة { فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } (2).
ذكر الآية الثلاثين:
قوله تعالى { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ } (3) قد زعم قوم: أن هذه الآية نسخت ما كانوا عليه، من أن أحدهم كان يطلق ما شاء.
__________
(1) - الآية (229) من سورة البقرة.
(2) - قلت: أثبت المؤلف في هذه الآية في كتابيه زاد المسير 1/228 ومختصر عمدة الراسخ ورقة (4) الإحكام، بنفس الأسلوب المذكور هنا، وحكى دعوى النسخ أصحاب أمهات كتب النسخ في هذه القضية، فأورد النحاس قول النسخ عن الضحاك عن ابن عباس وقتادة، وأشار النحاس إلى أن ابن عباس قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ، وأورد النحاس الإحكام عن العلماء أيضا، أما مكي بن أبي طالب فقال بعد إيراد قول النسخ (والأحسن الأولى أن تكون آيتا الأحزاب والطلاق مخصصتين لآية البقرة مبينتين لها، فلا يكون في الآية نسخ وتكون آية البقرة مخصوصة في المدخول بهن من المطلقات ذوات الحيض من وقت الطلاق بين ذلك آية الأحزاب وآية الطلاق). انظر: الناسخ والمنسوخ 62؛ والإيضاح 148.
(3) - الآية (229) من سورة البقرة.
(1/215)
أخبرنا ابن ناصر، قال: بنا علي بن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا علي بن الحسين عن أبيه عن "يزيد" (1) النحوي عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: كان الرجل إذا طلق امرأته، فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ الله ذلك، فقال: { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ } الآية (2) وروى سعيد عن قتادة في قوله تعالى: { الطَّلاقُ مَرَّتَانِ } قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل الله حد الطلاق ثلاثا (3) قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة وزعم آخرون: أن هذه الآية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين زمان نزل قوله: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (4) أي: من قبل عدتهن وذلك أن تطلق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض (5) وهذا قول من لا يفهم الناسخ والمنسوخ وإنما أطلق الطلاق في هذه الآية وبين في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع.
__________
(1) - في "هـ" غير منقوطة.
(2) - رواه أبو داود والنسائي من طريق علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهما، سبق أن قلنا عن المنذري أن علي بن الحسين قد ضعف. انظر: سنن أبي داود 6/264-266؛ وسنن النسائي 6/176 من كتاب الطلاق.
(3) - أخرجه الطبري عن سعيد عن قتادة وفيه (فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات، وليس فيه ذكر النسخ. انظر: جامع البيان 2/276.
(4) - الآية الأولى من سورة الطلاق.
(5) - قال مكي بن أبي طالب: في الإيضاح 149-150، (وقد قيل إنها منسوخة بقوله: (فطلقوهن لعدتهن) وهذا قول بعيد، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين لا ينسخ أحدهما الآخر، فآية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطلاق وآية الطلاق ذكر الله فيها بيان وقت الطلاق فهما حكمان مختلفان معمول بهما لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما).
(1/216)
ثم إن الطلاق واقع، وإن طلقها في زمان الحيض، فعلم أنه تعليم أدب والصحيح أن الآية محكمة (1).
ذكر الآية الحادية والثلاثين:
__________
(1) - قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ولا في زاد المسير لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا. كما لم يذكرها من المنسوخة أحد من ابن حزم الأنصاري وهبة الله بن سلامة، وابن هلال في نواسخهم، بل إنما ذكروا بأنها ناسخة لقوله: (وبعولتهن أحق بردهن) وأما الإمام أبو جعفر النحاس فقد أورد في هذه الآية ثلاثة آراء: الأول: أنها ناسخة. والثاني: أنها منسوخة. والثالث: أنها محكمة. انظر: معرفة الناسخ والمنسوخ 324؛ والناسخ والمنسوخ لهبة الله 25؛ والإيجاز في الناسخ والمنسوخ المخطوط ورقة 20 والناسخ والمنسوخ للنحاس 67-68.
(1/217)
قوله تعالى: { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } (1) هذه الآية مبينة لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزوجين إلا بعد فساد الحال، ولذلك علق القرآن جوازه مخالفة تركهما القيام بالحدود، وهذا أمر ثابت والآية محكمة عند عامة العلماء. إلا أنه قد أخبرنا إسماعيل ابن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا حماد [بن] (2) خالد الخياط، قال: بنا عقبة بن أبي الصهباء (3) "قال: سألت بكر بن عبد الله" (4) عن رجل سألته "امرأته" (5)
__________
(1) - الآية (229) من سورة البقرة، وهي جزء من الآية السابقة، فهو إذًا موضع آخر من نفس الآية فلا داعي لترقيمها برقم مستقل.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" الصبا، وهو تحريف، والصواب ما أثبت عن "م" وهو عقبة بن أبي الصهباء الباهلي مولاهم البصري روى له مسلم في باب الطلاق، وثقه ابن معين، مات سنة 166هـ انظر: ميزان الاعتدال 3/86؛ والجرح والتعديل 6/312.
(4) - في النسختين قلق في العبارة وقد جاء فيهما (عن بكر بن عبد الله قال: سألته عن رجل) ولعل الصواب ما سجلت عن رواية الطبري والنحاس كما سيأتي. وأما بكر بن عبد الله فهو أبو عبد الله البصري المزني ثقة ثبت جليل، من الثالثة مات سنة 106هـ. انظر: تقريب التهذيب (47).
(5) - في "هـ" امرأة..
(1/218)
الخلع؟ فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا، قلت له: يقول الله - عز وجل - { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } الآية؟ قال: نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال: في سورة النساء { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } (1).
قلت: وهذا قول "بعيد" (2) من وجهين:
أحدهما: أن المفسرين قالوا في قوله تعالى { وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ } نزلت في الرجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من المهر فلا يزال يتبعها بالأذى حتى ترد عليه ما أعطاها لتخلص منه. فنهى الله تعالى عن ذلك، فأما آية الخلع فلا تعلق لها بشيء من ذلك.
والثاني: أن قوله: { فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } إذا كان النشوز من قبله، وأراد استبدال غيرها، وقوله { فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } إذا كان النشوز من قبلها (3) فلا وجه للنسخ.
__________
(1) - الآية (21) من النساء، والأثر أخرجه الطبري عن عقبة ابن أبي الصهباء وذكره النحاس عنه. انظر: جامع البيان 2/288، عند ذكر آية (لا يحل لكم أن تأخذوا) و 4/216، عند ذكر آية (وإن أردتم استبدال زوج) والناسخ والمنسوخ (68).
(2) - في "هـ" سعيد، وهو تصحيف.
(3) - أخرجه الطبري هذا الوجه عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 2/288.
(1/219)
وقد ذكر السدي في هذه الآية نسخا من وجه آخر فقال: قوله: { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } منسوخ بالاستثناء وهو قوله: { إِلا أَنْ يَخَافَا } (1) قلت: وهذا من أرذل الأقوال، لأن [الاستثناء إخراج بعض ما] (2) شمله اللفظ وليس بنسخ (3).
ذكر الآية الثانية والثلاثين:
__________
(1) - ذكر ابن حزم الأنصاري في ناسخه 325، وهبة الله في ناسخه 25 وابن هلال في ناسخه المخطوط (20) أن هذه الآية استثنى بقوله (إن لا أن يخافا).
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - قلت: لم يتعرض ابن الجوزي في كتابيه زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ أصلا، وأما أبو جعفر النحاس فيقول بعد إيراد كلام عقبة ابن أبي الصهباء السابق، (قال أبو جعفر: وهذا قول شاذ خارج عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعة للأخرى ...). وأما مكي بن أبي طالب، فأورد النسخ هنا، عن أبي عبيد وغيره، ثم اختار الإحكام. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 68؛ والإيضاح 150.
(1/220)
قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } (1) عامة أهل العلم على أن هذا الكلام محكم، والمقصود منه بيان "مدة" (2) الرضاع، ويتعلق بهذه "المدة" (3) أحكام الرضاع (4) وذهب قوم من القراء إلى أنه منسوخ بقوله تعالى: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا } (5) قالوا فنسخ تمام الحولين باتفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشيء، لأن الله تعالى قال: { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فلما قال: { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا } خير بين الإرادتين "فلا تعارض" (6).
وفي الآية موضع آخر: وهو قوله تعالى: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } (7) اختلفوا في الوارث:
__________
(1) - الآية (233) من سورة البقرة.
(2) - في "هـ" بيد، وهو تحريف.
(3) - في "هـ" المرة، وهو تحريف أيضا.
(4) - ذكر هذا الرأي الطبري في جامع البيان 2/301، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم 1/283.
(5) - جزء من الآية السابقة.
(6) - في "م" فلا يعارض. قلت: قال المؤلف في زاد المسير 1/271، وهو يفسر هذه الآية - (ونقل عن قتادة والربيع بن أنس في آخرين أنه منسوخ بقوله تعالى: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما) قال شيخنا علي بن عبيد الله: وهذا قول بعيد، لأن الله تعالى قال في أولها: (لمن أراد أن يتم الرضاعة) فلما قال: في الثاني (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما خير بين الإرادتين وذلك لا يعارض المدة المقدرة في التمام) انتهى. وقد رد مكي بن أبي طالب في ناسخه 151، دعوى النسخ، بنحو هذا وأما النحاس في ناسخه والمؤلف في مختصر عمدة الراسخ، فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا.
(7) - جزء من الآية نفسها.
(1/221)
فقال بعضهم: هو وارث المولود (1).
وقال بعضهم: [هو] (2) وارث الوالد (3).
وقال بعضهم: المراد بالوارث، الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر (4).
وقيل: المراد بالوارث الصبي نفسه عليه لأمه مثل ما كان على أبيه لها من "الكسوة" (5) والنفقة (6).
وقيل: بل على الوارث أن لا يضار (7).
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 2/308 عن قتادة، وذكره المؤلف في زاد المسير 1/273، عن عطاء ومجاهد، وسعيد بن جبير، وابن أبي ليلى وقتادة، والسدي، والحسن بن صالح، ومقاتل في آخرين، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/288 وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي، وإلى سفيان بن عيينة عن مجاهد.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه النحاس عن عمر بن الخطاب والحسين بن أبي الحسن في الناسخ والمنسوخ (71) وذكره المؤلف في المصدر السابق عن الحسن والسدي.
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 1/310، والمؤلف في المصدر السابق عن سفيان.
(5) - في "هـ" الكرة، وهو تحريف.
(6) - أخرجه الطبري وذكره المؤلف في المصدرين السابقين عن الضحاك وقبيصة بن ذؤيب، كما أخرجه النحاس عن قبيصة أيضا في المصدر السابق.
(7) - أخرجه الطبري عن مجاهد والشعبي والضحاك في المصدر نفسه، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1/289 وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد والشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/222)
واعلم: أن قول من قال: الوارث الصبي والنفقة عليه لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصبي لأن النفقة إنما تجب على الوراث إذا ثبت إعسار المنفق عليه (1) وقال مالك بن أنس: لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة، ولا ذي رحم منه، "قال" (2) وقول الله - عز وجل - { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } منسوخ ولم يبين مالك ما الناسخ (3) قال أبو جعفر النحاس "ويشبه" (4) أن يكون الناسخ [عنده أنه لما] (5) أوجب الله - عز وجل - للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول [والسكنى ثم نسخ] (6)
__________
(1) - أورد المؤلف في المصدر السابق هذا القول عن شيخه علي بن عبيد الله.
(2) - في "هـ" وقال.
(3) - ذكر مكي بن أبي طالب في الإيضاح (152) هذا القول عن ابن القاسم عن مالك رضي الله عنهما، ثم أول كلام مالك فقال: أنه كان الحكم في الآية على وارث المولود نفقته، إذا لم يكن له مال ولا أب وهو مذهب جماعة من العلماء ممن لم ير في الآية نسخا، فنسخ ذلك بالإجماع، على أن من مات وترك حملا ولا مال للميت أنه لا نفقة للحامل على وارث الحمل وقد كانت النفقة تلزم الزوج لو كان حيا، فكأنه كانت الإشارة بذلك إلى النفقة فصارت إلى ترك المضارة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، أن الإشارة في قوله: "وعلى الوارث مثل ذلك" إلى ترك المضارة، وقد رواه عن مالك ابن وهب وأشهب، والنسخ بالإجماع لا يقول به مالك). انتهى من الإيضاح.
(4) - في "م" غير منقوطة.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ"..
(1/223)
ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث (1).
ذكر الآية الثالثة والثلاثين:
قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } (2)
__________
(1) - قلت لم يتعرض المؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ في هذا الجزء من الآية أصلا وأما أبو جعفر النحاس فقد اختار إحكامهما، وأما مكي بن أبي طالب فقال عن جماعة: أن المراد بذلك النفقة فلا نسخ، وأما ابن العربي فقال بعد حكاية كلام مالك عن ابن القاسم: (وهذا كلام تشمئز منه قلوب العاقلين ولكن وجهه أن المتقدمين كانوا يرون التخصيص نسخا). انظر: الناسخ والمنسوخ (71)؛ والإيضاح (152)؛ وأحكام القرآن 1/205.
(2) - الآية (240) من سورة البقرة.
(1/224)
قال المفسرون: كان أهل الجاهلية إذا مات أحدهم مكثت زوجته في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه فإذا تم الحول خرجت إلى باب بيتها ومعها بعرة فرمت بها كلبا، وخرجت بذلك من عدتها وكان معنى رميها بالبعرة: أنها تقول مكثي بعد وفاة زوجي أهون عندي من هذه البعرة (1). ثم جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية وهي قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } (2) ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثه (3)
__________
(1) - روى نحوه الستة، ولفظ البخاري (عن نافع بن حميد عن زينب ابنة أبي سلمة قالت: سمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال رسول الله عليه وسلم: لا. مرتين وثلاثا. كل ذلك يقول: لا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي أربعة أشهر وعشرا، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول. وقال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة، حمار أو شاة أو طائر، فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات. ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعدها ما شاءت من طيب أو غيره. سئل مالك رحمه الله، ما تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها). انظر: صحيح البخاري بالفتح في باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا 11/414-416، وقال أبو داود في سننه: الحفش بيت صغير. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 6/403-404.
(2) - الآية (234) من سورة البقرة.
(3) - إلى هنا ذكر المؤلف بنصه عند ذكر هذه الآية في زاد المسير 1/286-287..
(1/225)
وهذا مجموع "قول" (1) الجماعة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال: قال، أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثني أبي: قال: بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني "عن ابن عباس" (2) =رضي الله عنهما= { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } فكان للمتوفى زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة فنسخها آية الميراث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج (3).
وقال أحمد: وحدثنا عبد الصمد عن همام عن قتادة { مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } فنسختها { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ[ وَعَشْرًا] (4) } فنسخت ما كان قبلها من أمر النفقة في الحول ونسخت الفريضة والثمن والربع [ما كان] (5) قبلها من نفقة "في الحول" (6).
__________
(1) - في "هـ" قال، وهو تحريف.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما عند ذكر الآية في تفسير المخطوط 1/176 من طريق عثمان بن عطاء.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ"، أخرجه مطولا، ابن جرير الطبري عن قتادة في جامع البيان 2/360.
(1/226)
قال أحمد: وحدثنا محمد بن [جعفر] (1) الوركاني، قال [بنا أ] (2) بو الأحوص عن سماك عن عكرمة [ { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } (3) قال: نسختها] (4) { وَالَّذِينَ ُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ [بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا] } (5) قال أحمد وحدثنا وكيع] (6) عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء [ { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ } قال: كانت المرأة في الجاهلية] (7) تعطى سكنى سنة من يوم توفي زوجها [فنسختها أربعة أشهر وعشرا] (8).
__________
(1) - ساقطة من "هـ"، وهو محمد بن جعفر بن زياد الوركاني، نزيل بغداد ثقة من العاشرة مات سنة 228هـ. انظر: التقريب 292.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرجه النسائي عن عكرمة من طريق سماك بن حرب في باب نسخ متاع المتوفى عنها، وهو إسناد مضطرب، كما قال الحافظ بن حجر. انظر: سنن النسائي 5/172. والتقريب ص132.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - أخرجه الطبري عن عطاء في جامع البيان 2/361 وما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(1/227)
وعن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت إبراهيم قال: هي منسوخة (1) [قال أحمد: وحدثنا عبد ا] (2) لوهاب عن سعيد عن قتادة { وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ } قال: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها [كان لها السكنى والنفقة حولا من ماله ما لم تخرج] (3) من بيته ثم نسخ ذلك بقوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } (4).
ذكر الآية الرابعة والثلاثين:
قوله تعالى: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (5) اختلف العلماء هل هذا القدر من الآية محكم أو منسوخ.
فذهب قوم إلى أنه محكم، ثم اختلفوا في وجه إحكامه على قولين:
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 1/361 عن سفيان عن حبيب عن إبراهيم.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/309، ونسبه إلى ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم عن قتادة. قلت: سكت المؤلف هنا عن إبداء رأيه في نسخ الآية، ولكن عدم اعتراضه إيراد أدنى دليل لإحكام الآية - مع ما جاء عند البخاري ذلك عن مجاهد- يدل على أنه مع القائلين بالنسخ، ويؤيد ذلك سكوته أيضا في زاد المسير ومختصر عمدة الراسخ. وقد روى البخاري من طريق عبد الله بن الزبير عن عثمان بن عفان أنها منسوخة، وقال الحافظ بن حجر في الفتح هذا الموضع مما وقع فيه الناسخ مقدما في ترتيب التلاوة على المنسوخ. وبه قال مكي بن أبي طالب في الإيضاح. وقد ذهب بعض السلف إلى أنها محكمة فقال: (إنما خص من الحول بعضه وبقي البعض وصية لها، إن شاءت أقامت وإن شاءت خرجت، والعدة كما هي واجب عليها)، وقد روى ذلك الإمام البخاري عن مجاهد، وقال الحافظ في الفتح: والجمهور على خلافه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/259؛ والإيضاح 154.
(5) - الآية (256) من سورة البقرة.
(1/228)
أحدهما: أنه من العام المخصوص وأنه خص منه أهل الكتاب فإنهم لا يكرهون على الإسلام بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة وكان السبب في نزول هذه الآية ما أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا [علي بن] (1) عاصم قال: بنا داود بن أبي هند عن عامر، قال: كانت المرأة في الأنصار إذا كانت لا يعيش لها ولد تدعى المقلاة، فكانت المرأة إذا كانت كذلك نذرت إن هي أعاشت ولدا تصبغه يهوديا، فأدرك الإسلام طوائف من أولاد الأنصار - وهم كذلك - فقالوا إنما صبغناهم يهودا ونحن نرى أن اليهود خير "عباد" (2) الأوثان [فإما إ] (3) ذ جاء الله بالإسلام فإنا نكرههم على الإسلام، فأنزل الله تعالى: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } قال أحمد، وحدثنا حسن، قال: بنا أبو هلال، قال بنا داود، قال: قال "عامر" (4) { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } كانت تكون المرأة مقلاة في الجاهلية لا يعيش لها ولد فكانت تنذر الله عليها، إن عاش لها ولد لتسلمنه في خير دين تعلمه، ولم يكن في الجاهلية دين أفضل من اليهودية فتسلمه في اليهودية، فلما جاء الله بالإسلام قالوا: يا نبي الله كنا لا نعلم أو لا نرى دينا أفضل من اليهودية، فلما جاء الله بالإسلام نرتجعهم، فأنزل الله - عز وجل - { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } لا تكرهوهم ولا ترجعوهم) (5)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "م" عبادة، وهو خطأ من الناسخ.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" عاصم عمر، وهو تحريف من الناسخ.
(5) - أخرج نحوهما أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال أبو داود: المقلاة التي لا يعيش لها ولد، وأخرج نحوهما الطبري أيضا عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعن عامر. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 7/344؛ وجامع البيان 3/10..
(1/229)
قال أحمد: "وبنا" (1) وكيع، قال: بنا سفيان، عن خصيف عن مجاهد، قال: كان ناس مسترضعون في بني قريظة فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت: { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } (2).
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا ابن جبرون، وأبو ظاهر الباقلاوي، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا ابن كامل "قال" (3) بنا محمد بن "سعد" (4) قال: أخبرني أبي، قال: حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام واعطى أهل الكتاب الجزية (5).
والثاني: "أن المراد به" (6) ليس الدين ما يدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ولم يشهد به القلب وينطوي عليه الضمائر، إنما الدين هو المعتقد بالقلب، وهذا قول أبي بكر بن الأنباري (7).
والقول الثاني: أنه منسوخ، "لأن هذه الآية" (8) نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف، وهذا قول الضحاك والسدي وابن زيد.
__________
(1) - مكررة في "هـ".
(2) - أخرج نحوه ابن جرير عن الحسن وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. انظر: جامع البيان 3/11.
(3) - في "هـ" كلمة "لك" زائدة ولعلها من الناسخ.
(4) - في "هـ" سعيد وهو تصحيف.
(5) - أخرج الطبري نحوه في جامع البيان 3/12، وابن أبي حاتم في تفسيره عند ذكر هذه الآية 1/194 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق آل العوفي وهو مسلسل بالضعفاء كما قدمنا في مناقشة الآية (180) من سورة البقرة.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ذكره المؤلف في زاد المسير 1/36 عن ابن الأنباري.
(8) - في "هـ" (قال الآية هذه الآية) وهو تحريف من الناسخ.
(1/230)
أخبرنا ابن ناصر، قال: [أبنا ابن] (1) أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا [أبو داود] (2) قال: بنا جعفر بن محمد [قال بنا] (3) عمرو بن طلحة "القناد" (4) قال: بنا أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي فأسنده إلى من فوقه { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } قال نسخ وأمر بقتال أهل الكتا [ب في براءة] (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في النسختين محرفة والصواب ما سجلت، وهو عمرو بن حماد بن طلحة القناد أبو محمد الكوفي وقد ينسب إلى جده صدوق رمي بالرفض من العاشرة مات سنة 222هـ. انظر: التقريب 258.
(5) - ساقطة من "هـ".
(1/231)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسن بن قريش، قال: أبنا أبو [إسحاق البرمكي] (1) قال: أبنا "محمد بن إسماعيل" (2) بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: [بنا حمر بن نوح، قال بنا أبو معاذ] (3) قال: بنا أبو مصلح، عن الضحاك { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } قال: نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر بالقتال (4) قال أبو بكر: وذكر المسيب [بن واضح عن بقية] (5) ابن الوليد عن عتبة بن أبي حكيم عن سليمان بن موسى (6) قال: هذه الآية منسوخة { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } نسختها: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } (7)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ذكر نحوه الجصاص في أحكام القرآن عن الضحاك 1/452.
(5) - ساقطة من "هـ" وبقية مصحفة في "م" أيضا والصواب ما أثبت، وهو بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلائي صدوق كثير التدليس عن الضعفاء من الثامنة مات سنة (197)هـ. انظر: التهذيب 1/473؛ والتقريب 46.
(6) - سليمان بن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق صدوق فقيه في حديثه بعض اللين وخولط قبل وفاته بقليل -من الخامسة- انظر: التقريب ص136.
(7) - الآية (73) من التوبة و (6) من التحريم، والأثر ذكره ابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى عند ذكر هذه الآية من تفسيره المخطوط 1/194، كما ذكره النحاس عنه في الناسخ والمنسوخ 79. قلت: اكتفى المؤلف رحمه الله هنا بنقل الآراء والأدلة من جهتين دون ترجيح كما فعل ذلك في مختصر عمدة الراسخ وفي زاد المسير أيضا. ولكننا نرى الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله يرجح رأي من قال بأنه من العام المخصوص فإنه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام. بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية. وقد ذكر المؤلف في زاد المسير هذا الرأي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وأما عن الآثار المؤيدة لنسخ الآية فقال ابن جرير: أنها لم تصح.. ويروي النحاس أثرا صحيحا عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: (كانت المرأة تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، قالت الأنصار: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله (لا إكراه في الدين) ثم قال: هذا أولى الأقوال لصحة الإسناد، ومثله لا يؤخذ بالرأي، فلما أخبر: أن الآية نزلت في كذا وجب أن يكون أقوى الأقوال وأن تكون الآية مخصوصة نزلت في هذا ورجح الإحكام أيضا مكي بن أبي طالب وابن العربي. انظر: زاد المسير 1/305؛ وجامع البيان 3/12؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس 80؛ والإيضاح 162؛ وأحكام القرآن لابن العربي 1/333.
(1/232)
.
ذكر الآية الخامسة والثلاثين:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق