مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا

ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي  / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين  / مدونة قيقي  / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي

9 مصاحف

 

الخميس، 17 مايو 2018

3.نواسخ القران قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ }


3.
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } (1) هذه الآية تتضمن الأمر بإثبات الدين في كتاب وإثبات الشهادة في البيع والدين، واختلف العلماء هل هذا أمر وجوب أم استحباب، فذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب واستحباب.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر، قال: أبنا أبو محمد الجوهري، قال: أبنا محمد بن المظفر، قال: أبنا علي بن إسماعيل، قال: أبنا أبو حفص عمر[و] (2) بن علي قال: بنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يقول: سألت الحسن عن الرجل يبيع ولا يشهد فقال: أليس ما قال الله - عز وجل - { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } (3).
قال أبو حفص: وحدثنا يزيد بن "زريع" (4) قال: بنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال: (إن شاء أشهد).
__________
(1) - الآية (282) من سورة البقرة.
(2) - الواو ساقطة من "هـ".
(3) - الآية (283) من البقرة، وقد أخرج الطبري هذا القول عن الحسن في جامع البيان 3/84.
(4) - في "م" دويغ، وفي "هـ" وريع كلاهما تحريف، والصواب ما أثبت عن إسناد الطبري وعن ترجمة يزيد بن زريغ، وهو بتقديم الزاي مصغرا البصري أبو معاوية ثقة ثبت من الثامنة، مات سنة 182هـ. انظر: التقريب 382.
(1/233)
وأخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحاق بن ميمون، قال: بنا موسى بن مسعود، قال: "بنا" (1) الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: إن شاء أشهد "وإن شاء لم يشهد" (2) ثم قرأ { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } (3) فعلى هذا القول "الآية محكمة وذهب آخرون" (4) إلى أن الكتابة والإشهاد واجبان وهو مروي عن ابن عمر وأبي موسى ومجاهد وعطاء وابن سيرين والضحاك وأبي قلابة (5) والحكم (6) وابن زيد في آخرين (7) ثم اختلف أرباب هذا القول هل نسخ أم لا فذهب قوم منهم عطاء وإبراهيم إلى أنه لم ينسخ [وذهب آخرون منهم أبو سعيد الخدري (8)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري عن مجاهد في جامع البيان 3/84.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - أما أبو قلابة فهو عبد الله بن زيد بن عمرو، أبو قلابة الجرمي البصري أحد أعلام هذه الأمة روى عن ثابت بن الضحاك وسمرة بن جندب وغيرهما من الصحابة والتابعين وهو ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة 104هـ بالشام هاربا من القضاء وقيل بعدها. انظر: التهذيب 5/226؛ والتقريب 174.
(6) - أما الحكم فهو ابن عتيبة بالمثناة ثم الموحدة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس، من الخامسة مات سنة 113هـ، أو بعدها، وله نيف وستون. انظر: التقريب (80).
(7) - ذكر المؤلف في زاد المسير 1/340 هذا القول عن هؤلاء جميعا، وذكره مكي بن أبي طالب عنهم وعن ابن عباس، إلا عن الحكم، ولكن المكي روى عن هؤلاء إحكام الآية في الإيضاح 165.
(8) - أما أبو سعيد الخدري فهو صحابي جليل مشهور راوي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا، اسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري استصغر في أحد وغزا بعد ذلك اثنتي عشرة غزوة مات بالمدينة سنة 63، وقيل 74 وقيل غير ذلك. انظر: التهذيب 3/476-481؛ والتقريب 119..
(1/234)
والشعبي وابن زيد إلى أنه نسخ] (1) بقوله: { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا }
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أبنا أبو محمد الجوهري، قال: أبنا محمد بن المظفر، قال: بنا علي بن إسماعيل بن حماد، قال: أبنا أبو حفص عمرو بن علي قال: بنا محمد بن مروان، قال: بنا عبد الملك بن أبي "نضرة" (2) عن أبيه عن أبي سعيد، أنه قرأ هذه الآية { إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } حتى بلغ { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } قال: هذه نسخت ما قبلها (3).
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عفان، قال بنا عبد الوارث.
وأخبرنا محمد بن أبي القاسم، قال: بنا أحمد بن أحمد، قال: بنا أبو نعيم الحافظ، قال: أبنا أحمد بن إسحاق، قال: بنا أبو يحيى الرازي، قال: بنا عبد الرحمن بن عمر، قال: بنا عبد الرحمن بن مهدي قال بنا محمد بن دينار كلاهما عن يونس عن الحسن { وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ } قال: نسختها { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } (4).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "م" و "هـ" أبي نصر، وهو تحريف والصواب ما أثبت عن إسناد الطبري، وهو عبد الملك بن أبي نضرة العبدي البصري، قال الحافظ بن حجر ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ ثم ذكر هذا الأثر الذي رواه المؤلف من طريقه، وقال الحافظ في التقريب صدوق ربما أخطأ من السابعة. انظر: التهذيب 6/428؛ والتقريب 221.
(3) - أخرجه الطبري عن أبي سعيد الخدري في جامع البيان 3/78.
(4) - أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 223 عن الحسن.
(1/235)
قلت: وهذا ليس بنسخ، لأن الناسخ "ينافي" (1) المنسوخ ولم يقل هاهنا فلا تكتبوا، ولا تشهدوا، وإنما بين التسهيل في ذلك ولو كان مثل هذا ناسخا لكان قوله { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } (2) ناسخا للوضوء بالماء، وقوله { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ } (3) ناسخا قوله { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } (4) والصحيح أنه ليس هاهنا نسخ وأنه أمر ندب.
وقد اشترى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفرس الذي شهد فيه خزيمة (5) "بلا" (6) إشهاد (7).
__________
(1) - في "هـ" يناسخ، وهو تحريف ظاهر.
(2) - الآية السادسة من سورة المائدة.
(3) - الآية (92) من النساء، وفي نقل الآية في "م" خطأ من الناسخ.
(4) - جزء من نفس الآية.
(5) - أما خزيمة فهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري أبو عمارة المدني ذو الشهادتين من كبار الصحابة شهد بدرا، وقتل مع علي رضي الله عنه بصفين سنة 37هـ. انظر: التقريب 92.
(6) - في "م" "بلى" وهو خطأ إملائي.
(7) - ولعل المؤلف يقصد بذلك، بلا إشهاد أحد آخر غير خزيمة. وقد روى الحديث عن خزيمة بن ثابت، أبو داود والحاكم، وقال الحاكم ورجاله ثقات باتفاق الشيخين، وقد جاء فيه (... فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين). انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 10/25-27؛ والمستدرك 2/18، في كتاب الشهادات. (1/236)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا محمد، قال: بنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي "بردة عن أبي موسى" (1) قال: ثلاثة يدعون (2) الله فلا يستجاب لهم... أحدهم: رجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه (3).
ذكر الآية السادسة والثلاثين:
قوله تعالى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } (4) أما إبداء ما في النفس فإنه العمل بما أضمره العبد أو نطق به وهذا مما يحاسب عليه العبد، ويؤاخذ به فأما ما يخفيه في نفسه فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على قولين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - في "هـ" إلى الله.
(3) - تمام الحديث: (ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم، رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل أتى سفيها ماله - وقد قال الله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) رواه الحاكم في المستدرك عن أبي موسى من طريق شعبة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. انظر: المستدرك 2/302. قلت: وممن قال بأن الإشهاد أمر ندب الإمام الشافعي في أحكام القرآن 2/126، حيث يقول: والذي يشبه -والله أعلم وإياه أسأل التوفيق- أن يكون أمره بالإشهاد في البيع دلالة لا حتما، وكذا قال ابن العربي في أحكام القرآن له 1/258، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح 164. أما المؤلف فقد عزا هذا الرأي في تفسيره إلى الجمهور كما عزا دعوى النسخ إلى الأكثرين، ولم يعد هذه الآية من المنسوخة أصلا في مختصر عمدة الراسخ. انظر: زاد المسير 340.
(4) - الآية (284) من سورة البقرة.
(1/237)
أحدهما: أنه عام في جميع المخفيات وهو قول الأكثرين ثم اختلفوا هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة أم (1) منسوخ؟ على قولين:
أحدهما: أنه منسوخ بقوله: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (2) هذا قول علي وابن مسعود في آخرين.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثني أبي، قال: بنا عبد العزيز يعني ابن أبان، قال: بنا إسرائيل عن السدي، عمن سمع عليا - رضي الله عنه - قال: نزلت { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } أحزنتنا وهمتنا (3) فقلنا يحدث أحدنا نفسه فيحاسب به فلم ندر ما يغفر منه وما لم يغفر، فنزلت بعدها فنسختها { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (4).
__________
(1) - في "هـ" أو بدل "أم".
(2) - الآية (286) من سورة البقرة.
(3) - في "م" حزنتنا وهمنا، وفي "هـ" حزبنا وهمنا، كلاهما تحريف عما أثبت عن رواية الترمذي.
(4) - رواه الترمذي في جامعه 5/220 عن علي رضي الله عنه من طريق السدي وذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب، وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في رواية. انظر: تفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة (226). (1/238)
أخبرنا المبارك بن [علي] (1) قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إسحاق البرمكي "قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن [العباس] (2) قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود" (3) قال: بنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، قال: بنا حجاج قال: بنا هشيم عن "سيار" (4) أبي الحكم عن الشعبي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، في قوله: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ [بِهِ ] (5) اللَّهُ } قال نسختها الآية التي تليها { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أل، ساقطة من "هـ".
(3) - مكررة في "هـ".
(4) - في "م" ساري، وفي "هـ" سفان، كلاهما تحريف، والصواب كما أثبت: وهو سيار أبو الحكم العنزي الواسطي ابن أبي مسار اسمه وردان، وقيل ورد، وقيل دينار، روي عن الشعبي وغيره، ثقة ليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب، من السادسة مات 122هـ. انظر: التقريب 142هـ.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - أخرجه الطبري من طريق سيار عن ابن مسعود، ومن طريق جويبير (الضعيف) عنه، وذكره السيوطي معزيا إلى الطبراني عن ابن مسعود. انظر: جامع البيان 3/96؛ والدر المنثور 1/374.
(1/239)
أخبرنا أبو بكر العامري، قال: أبنا أبو عبد الله الطوسي، قال: أبنا علي بن أحمد النيسابوري قال: أبنا عبد القاهر بن ظاهر، قال: أبنا محمد بن عبد الله بن "علي" (1) قال: أبنا محمد بن إبراهيم اليوشنجي، قال: أبنا (2) أمية بن بسطام، قال: بنا يزيد بن زريع، قال: بنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة =رضي الله عنه= قال: (لما أنزل الله - عز وجل - { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } اشتد ذلك على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: لو كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد، والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أتريدون" (3) أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم -أراه "قال" (4) سمعنا وعصينا- قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "فلما اقترأها" (5) القوم "ذلت" (6) بها ألسنتهم فأنزل الله - عز وجل - في إثرها { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ } (7) الآية كلها، ونسخها الله تعالى فأنزل [الله] (8) { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } الآية إلى آخرها (9).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - في "هـ" أبا، وهو خطأ.
(3) - في النسختين "أتدرون" وهو خطأ والصحيح ما سجلت عن لفظ مسلم.
(4) - في "هـ" قالوا، بالجمع وهو خطأ من الناسخ أيضا.
(5) - في "م" فلما قتربها، وفي "هـ" غير واضحة، والصواب ما أثبت عن لفظ مسلم.
(6) - في "م" فزلت، وفي "هـ" كما سجلت عن لفظ مسلم.
(7) - الآية (285) من سورة البقرة.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - رواه مسلم في حديث أمية بن بسطام في باب بيان تجاوز الله عن حديث النفس. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 2/144-145.
(1/240)
أخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم. قال: بنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما نزلت { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ [يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ] (1) } نسختها الآية التي بعدها { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } .
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا [عمر بن عبيد الله] (2) البقال قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن "أحمد بن حنبل" (3) قال: حدثني أبي، قال بنا علي بن حفص، قال بنا ورقاء عن عطاء بن السائب [عن ابن جبير] (4) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } قال نسخت هذه الآية { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } (5) قال أحمد: وحدثنا محمد بن حميد عن سفيان عن آدم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } شق ذلك على المسلمين، قال: فنزلت { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } فنسختها (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرج هذا الأثر والذي قبله الطبري في جامع البيان 3/96 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق سعيد بن جبير، كما ذكر دعوى النسخ عنهما في هذه الآية ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 260.
(6) - ذكر السيوطي نحوه، وقال: أخرجه البيهقي في الشعب. انظر: الدر المنثور 1/274.
(1/241)
أخبرنا ابن ناصر، قال: بنا علي ابن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن [محمد بن] (1) ثابت، قال: حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن "يزيد" (2) النحوي عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قال: نسخت فقال [الله] (3) { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا }
أخبرنا المبارك بن علي، قال: بنا أحمد بن الحسين، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر [بن] (4) أبي داود، قال: بنا علي بن سهل بن المغيرة، قال: بنا عفان، قال: بنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: نسختها الآية التي بعدها { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "م" مرثد، وهو تحريف من الناسخ.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 1/374، وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/242)
أخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا عاصم بن الحسن، قال: أبنا أبو عمر بن مهدي، قال: بنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال: بنا يعقوب الدورقي، قال: بنا يزيد بن هارون، قال: أبنا سفيان عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر =رضي الله عنهما= أنه تلا هذه الآية: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس =رضي الله عنهما= "فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن" (1) لقد صنع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم= حين نزلت فنسختها { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (2).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - أخرج نحوه الطبري من طريق الزهري عن سعيد بن مرجانة، وليس فيه ذكر النسخ. انظر: جامع البيان 3/6.
(1/243)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن المذهب، قال: أبنا أحمد بن جعفر، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: دخلت على ابن عباس، فقلت: "يا ابن (1) عباس كنت عند ابن عمر، فقرأ هذه الآية، فبكى قال: "أية آية"؟ (2) قلت: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قال ابن عباس إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غما شديدا، وغاظتهم (3) غيظا شديدا [يعني] (4) وقالوا: يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا به وبما نعمل به فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { قُولُوا سَمِعْنَا وَأََطَعْنَا } قالوا: سمعنا وأطعنا، قال: فنسختها هذه الآية { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ } إلى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال (5).
__________
(1) - في النسختين "يابا عباس" وهو تحريف ظاهر.
(2) - في "م" أين آية، وفي "هـ" أساسه، كلاهما خطأ وتحريف، والصواب ما أثبت عن رواية الإمام أحمد كما سيأتي.
(3) - في "م" أغاظتهم، وفي "هـ" ورواية أحمد غاطتهم.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأصله عند مسلم في باب الإيمان من طريق سعيد بن جبير دون قصة ابن عمر. انظر: مسند الإمام أحمد مع فتح الرباني 18/67.
(1/244)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن [أحمد] (1) الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي: قال بنا وكيع، قال: بنا سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، وعن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم، وعن جابر عن مجاهد، قال: ونسخت هذه الآية { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } نسخت { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } (2) قال أحمد: وحدثنا معاوية بن عمرو، قال: بنا زايدة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير، قال: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)، نسخت { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } (3) قال أحمد: وحدثنا يونس قال: بنا حماد يعني ابن سلمة عن حميد عن الحسن { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قال: نسختها { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [قال أحمد: وحدثنا] (4) عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال: نزلت هذه الآية فكبرت عليهم فأنزل الله تعالى بعدها آية فيها تيسير وعافية وتخفيف { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرجه الطبري بإسنادين في جامع البيان 3/97. الأول: عن موسى بن عبيدة عن سفيان عن جابر عن مجاهد. والثاني: وعن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد. وقد ثبت السماع لإبراهيم بن مهاجر من إبراهيم النخعي كما في سند المؤلف. وثبت له السماع أيضا من مجاهد. انظر: التهذيب 1/168؛ وتهذيب الكمال المخطوط للمزي 1 ورقة 67.
(3) - روى الطبري نحوه عن سعيد بن جبير في جامع البيان 3/97، كما ذكر دعوى النسخ عنه ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1/227.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكر نحوه ابن أبي حاتم عن قتادة في المصدر السابق.
(1/245)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي [قال: أبنا] (1) محمد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زياد بن أيوب، قال: بنا هشيم عن يسار عن الشعبي قال: لما نزلت: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } كان فيها شدة حتى نزلت الآية التي بعدها { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فنسخت ما قبلها. قال أبو بكر: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال بنا الأسود عن حماد عن يونس عن الحسن { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } [قال] (2) نسختها { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } وإلى هذا القول ذهبت عائشة رضي الله عنها، وعلي بن الحسين، وابن شيرين وعطاء الخراساني والسدي، وابن زيد، ومقاتل (3).
والقول الثاني: أنه لم تنسخ، ثم اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوال:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ذكر الطبري دعوى النسخ هنا عن عائشة وابن عباس -في رواية- وابن زيد أيضا علاوة على من سبق ذكرهم عنه، وأورد ابن أبي حاتم في تفسيره دعوى النسخ عن علي وابن عمر وابن عباس في رواية، وأما المؤلف فقد ذكر النسخ في تفسيره عمن ذكره هنا. انظر: جامع البيان 3/96-97؛ وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط 1 ورقة 127؛ وزاد المسير 1/242-243.
(1/246)
أحدها: [أنه ثابت] (1) في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء. وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وابن عمر، والحسن واختاره أبو سليمان الدمشقي (2) والقاضي أبو يعلى.
والثاني: أن المؤاخذة به واقعة، لكن معناها إطلاع العبد على فعله السيئ.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أما أبو سليمان الدمشقي فهو محمد بن عبد الله بن سليمان أبو سليمان السعدي مفسر كبير، له تصانيف في التفسير، منها: مجتبى التفسير، وكتاب "الجامع الصغير في مختصر التفسير، وكتاب المهذب في التفسير، سمع ببغداد أبا علي الصواف، وأبا بكر الشافعي، وغيرهما، وكان شافعيا أشعريا، كثير الاتباع للسنة حسن التكلم في التفسير. انظر: المنتظم -حوادث سنة (371)؛ وطبقات المفسرين للسيوطي 103؛ ورسالة منهج ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير 1/176-189، للدكتور عبد الرحيم طحان.
(1/247)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال: بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قال: هذه الآية "لم تنسخ" (1) ولكن الله - عز وجل - إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول لهم: إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما "لم يطلع" (2) عليه ملائكتي فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } يقول: يخبركم به الله. وفي رواية أخرى: وأما أهل الشرك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله: { فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } (3).
وقال أبو بكر: وحدثنا محمد بن أيوب، قال: بنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس، قال: هي محكمة لم ينسخها شيء "يقول" (4) { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } يقول: يعرفه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه (5).
__________
(1) - في "هـ" ما نسخ.
(2) - في "هـ" لا يطلع.
(3) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 3/97-98، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 227، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة، وفي رواية الطبري: (ولكن يواخذكم بما كسبت قلوبكم) من الشك والنفاق.
(4) - في "هـ" بقوله، وهو تحريف.
(5) - ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 227 عن الربيع بن أنس.
(1/248)
والثالث: أن محاسبة العبد [به] (1) نزول الغم والحزن والعقوبة والأذى [به] (2) في الدنيا، وهذ قول عائشة رضي الله عنها (3).
والقول الثاني: (4) أنه أمر به خاص في نوع من المخفيات ثم لأرباب هذا القول فيه قولان:
أحدهما: "أنه" (5) في الشهادة والمعنى إن تبدوا بها "الشهود" (6) ما في أنفسكم من كتمان الشهادة أو تخفوه.
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زياد بن أيوب.
وأخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا عاصم بن الحسن، قال: أبنا أبو عمر بن مهدي، قال: أبنا أبو عبد الله المحاملي، قال: بنا يعقوب الدورقي.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرج نحوه الإمام أحمد في مسنده 18/98، والترمذي في جامعه 5/221؛ والطبري في تفسيره 5/3-99، وابن أبي حاتم في المصدر السابق، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال الترمذي هذا حديث حسن.
(4) - يعني القول الثاني للمراد بالمخفيات في "هـ" والقول الثالث وهو خطأ من الناسخ.
(5) - في "هـ" لأن، وهو خطأ من الناسخ.
(6) - يعني: أن الخطاب للشهود.
(1/249)
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا [عبد الله] (1) بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا هشيم، قال: أبنا يزيد بن أبي زيادة، عن مقسم [عن ابن] (2) عباس =رضي الله عنهما= أنه قال: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } قال: نزلت في كتمان الشهادة، وإقامتها (3) قال أحمد: وحدثنا يونس، قال: بنا حماد عن حميد عن عكرمة، قال: هذه في الشهادة { وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وبهذا قال الشعبي (4).
والثاني: أنه الشك واليقين، أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال "أبنا" (5) عمر بن عبيد الله البقال، "قال: أبنا ابن بشران" (6) قال: بنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي.
وأخبرنا المبارك بن علي قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي [قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا المؤمل بن هشام "قال" (7) بنا] (8) إسماعيل بن علية.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق مقسم في جامع البيان 3/94.
(4) - أورد المؤلف هذا الرأي عن ابن عباس وعكرمة والشعبي في زاد المسير 1/344.
(5) - في "هـ" ابن، وهو خطأ من الناسخ.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - في "م" قالا، بالتثنية وهو خطأ.
(8) - ساقطة من "هـ".
(1/250)
وأخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: [بنا] (1) ورقاء كلاهما عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } من الشك واليقين (2) فعلى هذا الآية محكمة قال ابن الأنباري: والذي تختاره أن تكون الآية محكمة لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي (3) وقال أبو جعفر النحاس: لا يجوز أن يقع "في" (4) مثل هذه الآية نسخ؛ لأنها خبر، وإنما التأويل أنه لما أنزل الله تعالى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شيء عظيم، فنسخ ذلك قوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } أي: نسخ ما وقع بقلوبهم، أي أزاله ورفعه (5)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 3/98، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط 1 ورقة 226، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص 85 عن مجاهد.
(3) - قال المؤلف في زاد المسير 1/344: (قال ابن الأنباري: وقد ذهب قوم إلى أن المحاسبة هاهنا هي إطلاع الله العبد يوم القيامة على ما كان حدث به نفسه في الدنيا، ليعلم أنه لم يعزب عنه شيء، قال: والذي نختاره أن تكون الآية محكمة، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي. وقد روي عن عائشة أنها قالت: أما ما أعلنت فالله يحاسبك به، وأما ما أخفيت فما عجلت لك به العقوبة في الدنيا.
(4) - في "هـ" على، بدل، في.
(5) - انظر: نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 85-86. قلت: ذهب المؤلف إلى إحكام الآية في زاد المسير، وقال في مختصر عمدة الراسخ: ورقة (4) أن هذه الآية محكمة، لأنها خبر. ونسخ الخبر تكذيب للمخبر تعالى الله عن ذلك علو كبيرا.. وإلى الإحكام ذهب مكي بن أبي طالب أيضا في ناسخه ص 168، وروى ذلك ابن أبي حاتم في تفسيره 1 ورقة 227، عن عائشة وابن عمرو وابن عباس في رواية والحسن والضحاك والربيع بن أنس.
(1/251)
.
ذكر الآية السابعة والثلاثين:
قوله تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (1) اختلفوا في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة [على قولين] (2).
أحدهما: [أنها محكمة] (3) وأن الله تعالى إنما يكلف العباد قدر طاقتهم [فحسب] (4) وهذا مذهب "الأكثرين" (5).
والثاني: أنها اقتضت التكليف بمقدار الوسع [بحيث] (6) لا ينقص منه، فنزل قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } (7) وذلك ينقص [عن مقدار] (8) الوسع فنسختها (9) والقول الأول (10) أصح (11).
(2)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة آل عمران"
ذكر الآية الأولى:
__________
(1) - ?الآية (286) من سورة البقرة.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - الآية (185) من سورة البقرة.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ذكره ابن حزم الأنصاري في ناسخه 326، وهبة الله بن سلامة في ناسخه ص 28.
(10) - في "هـ" كلمة "الأول" مكررة.
(11) - قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد الميسر ولا في مختصر عمدة الراسخ، كما لم يتعرض لذلك النحاس ومكي بن أبي طالب في ناسخيهما.
(1/252)
قوله تعالى: { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ } (1) قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى الاقتصار على التبليغ دون القتال ثم نسخ بآية السيف (2) وقال بعضهم لما كان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على إيمانهم مزعجا نفسه في الاجتهاد في ذلك سكن جأشه بقوله: { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ } (3) و { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ } والمعنى: لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح فعلى هذا لا نسخ (4).
ذكر الآية الثانية:
__________
(1) - الآية (20) من سورة آل عمران.
(2) - ذكر دعوى النسخ في هذه الآية ابن حزم في معرفة الناسخ والمنسوخ 326 وهبة الله في الناسخ والمنسوخ ص 28 وابن هلال في الإيجاز لمعرفة الناسخ والمنسوخ، المخطوط ورقة 21.
(3) - الآية (12) من سورة هود.
(4) - قلت: عرض المؤلف دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ وتفسيره زاد المسير في هذه الآية بنفس الأسلوب الذي عرضه هنا، ولم يقم بالرد ولا بالترجيح. ولعل ذلك لضعف هذا القول الذي لم يستند على أي دليل نقلي صحيح. والذي يظهر من أسلوب الآية أنه إخبار من الله تعالى بأن الرسول إذا بلغ ما أنزل الله صار مؤديا واجبه سواء كان قبل وجوب القتال أو بعده فلا وجه للنسخ والله أعلم. وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية أبو جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب.
(1/253)
قوله تعالى: { إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } (1) قد ذهب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف (2) وليس هذا بشيء وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي لا يعتقده وهذا الحكم باق غير منسوخ، وهو المراد بقوله تعالى: { إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } (3)
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أبنا بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أبنا ابن شاذان قال: أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد بن سعد العوفي قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي، عن أبيه عن جده عن ابن عباس { إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } والتقية باللسان: من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله فتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره (4).
__________
(1) - الآية (28) من سورة آل عمران.
(2) - ذكر هبة الله هذه الآية من الآيات المنسوخة بآية السيف. انظر: الناسخ والمنسوخ ص 26.
(3) - الآية (106) من سورة النحل.
(4) - رواه الطبري عن ابن عباس بهذا الإسناد الذي هو مسلسل بالضعفاء كما أسلفنا. انظر: جامع البيان 3/152.
(1/254)
وأخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا [ورقاء] (1) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، { إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } قال: إلا مصانعة في الدين (2) وقد زعم إسماعيل السدي، أن قوله: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ } (3) منسوخة بقوله: { إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } ومثل هذا ينبغي تنزيه الكتب عن ذكره فضلا عن رده فإنه قول من لا يفهم ما يقول (4).
ذكر الآية الثالثة والرابعة والخامسة:
قوله تعالى: { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } إلى قوله: { يُنْظَرُونَ } (5) اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآيات على ثلاثة أقوال:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرجه الطبري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، انظر: جامع البيان 3/153.
(3) - جزء من الآية نفسها.
(4) - قلت: لم يتعرض المؤلف لدعوى النسخ في هذه الآية في زاد المسير أصلا، وإنما رد ذلك واختار النسخ في مختصر عمدة الراسخ المخطوط ورقة (4) وقد أعرض عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية أمهات كتب النسخ المتقدمة.
(5) - الآية (86-88) من سورة آل عمران.
(1/255)
أحدها: أنها نزلت في الحارث بن سويد (1) كان قد أسلم ثم ارتد ولحق بقومه. فنزلت فيه هذه الآيات فحملها [إليه رجل من قومه] (2) فقرأهن عليه فرجع وأسلم، قاله مجاهد (3).
والثاني: أنها نزلت في عشرة آمنوا ثم ارتدوا، ومنهم طعمة ووحوح والحارث بن سويد، فندم منهم الحارث وعاد إلى الإسلام، رواه أبو صالح عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (4).
__________
(1) - قال المؤلف في زاد المسير 1/418، ذكر مجاهد والسدي: أن اسم ذلك الرجل الحارث بن سويد. وقد جاء في تجريد أسماء الصحابة، أنه الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري أخو الجلاس، قيل: أنه ارتد عن الإسلام ثم رجع وحسن إسلامه، قال ابن الأثير: لا خلاف بين أهل الأثر أن هذا قتل بالمجذر بن زياد؛ لأنه قتل المجذر يوم أحد غيلة؛ لأنه قتل أباه سويدا في الجاهلية وكان الحارث شهد بدرا. قاله الواقدي. انظر: تجريد أسماء الصحابة 1/101.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري في جامع البيان 3/242 عن مجاهد، والواحدي في أسباب النزول ص 75 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) - أخرجه الطبري عن عكرمة وفيه: نزلت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام. انظر: جامع البيان 3/242.
(1/256)
والثالث: أنها نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث ثم كفروا به. رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الحسن (1) وقوله: { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا } استفهام في معنى الجحد، أي: لا يهديهم الله، وفيه طرف من التوبيخ، كما يقول الرجل لعبده: كيف أحسن إلى من لا يطيعني. أي: لست أفعل ذلك والمعنى: أنه "لا يهدي" (2) من عاند بعد أن بان له الصواب. وهذا [محكم] (3) لا وجه لدخول النسخ عليه وقد زعم قوم منهم السدي (4) أن هذه الآيات منسوخات بقوله: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ }
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن الحسين، قال: بنا أحمد بن المفضل، قال: بنا أسباط عن السدي، { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا } قال: نزلت في الحارث ثم أسلم فنسخها الله - عز وجل - فقال: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } (5).
__________
(1) - أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما أخرجه هو وابن أبي حاتم عن الحسن. انظر: المصدر السابق من جامع البيان.
(2) - في "هـ" لا يهدم، وهو تحريف.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في النسختين، هنا "إلى أن" ولعلها زيادة من النساخ.
(5) - الآية (81) من سورة آل عمران. أورد ابن حزم الأنصاري في ناسخه المطبوع على هامش تفسير ابن عباس 327، وابن سلامة في ناسخه ص 29 وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 21، هذه الآية وقالوا: (ثم استثنى الله تعالى بقوله إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا).
(1/257)
قلت: وقد بينا فيما تقدم أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو مبين، أن اللفظ الأول لم يرد به العموم وإنما المراد به من عاند ولم يرجع إلى الحق بعد وضوحه، ويؤكد هذا أن الآيات خبر، والنسخ لا يدخل على الأخبار بحال (1).
ذكر الآية السادسة:
قوله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } (2)
قال السدي: هذا الكلام تضمن وجوب الحج على جميع الخلق الغني والفقير والقادر والعاجز، ثم نسخ في حق عادم الاستطاعة بقوله: { مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا } قلت: وهذا قول قبيح، وإقدام بالرأي الذي لا يستند إلى معرفة اللغة العربية التي نزل بها القرآن على الحكم بنسخ القرآن، وإنما الصحيح ما قاله النحويون كافة في هذه الآية، فإنهم قالوا: "من بدل من" الناس" وهذا بدل البعض (3) كما يقول ضربت زيدا برأسه، فيصير تقدير الآية: ولله على من استطاع من الناس الحج أن يحج (4).
ذكر الآية السابعة:
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } (5) اختلف العلماء هل هذا محكم أو منسوخ على قولين:
أحدهما: أنه منسوخ.
__________
(1) - قلت: صرح المؤلف في زاد المسير 1/418، بأن هذه الآية ليست منسوخة، وأما في مختصر عمدة الراسخ فقد فقد من الميكروفيلم الذي جئت به من دار الكتب المصرية ورقة كاملة تتضمن جزءا كبيرا من سورتي آل عمران والنساء. وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا.
(2) - الآية (97) من سورة آل عمران.
(3) - انظر تفسير الكشاف للزمخشري 1/448.
(4) - قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ المؤلف في زاد المسير كما لم يذكره أصلا أمهات كتب النسخ، إنما نقل هذا القول الضعيف عن السدي، هبة الله بن سلامة في ناسخه ص 39، بقوله: ثم استثنى فصار ناسخا.
(5) - الآية (102) من سورة آل عمران.
(1/258)
أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري، قال: أبنا علي بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال: أبنا عبد الله بن حموية، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: بنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال ابن عباس: فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله - عز وجل - بعد ذلك { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1) قال عبد الحميد: وأبنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: نسختها { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (2)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق قال: بنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: أن يطاع فلا يعصى، ثم نسخها قوله: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (3).
__________
(1) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/59 وعزاه إلى عبد بن حميد عن عكرمة.
(2) - الآية (16) من سورة التغابن.
(3) - أخرج نحو هذا القول الطبري في جامع البيان 4/20 عن قتادة من طريق همام، كما أخرج نحوه عنه النحاس في ناسخه ص 88، وذكره السيوطي أيضا في الدر المنثور 2/59 معزيا إلى ابن أبي داود في ناسخه عن قتادة.
(1/259)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: "أبنا محمد" (1) بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا ابن بكير، قال: بنا ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } اشتد على القوم "العمل فقاموا" (2) حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا عن المسلمين { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فنسخت الآية الأولى (3) وعن ابن لهيعة عن أبي صخر عن محمد بن كعب { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: نسختها { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }
__________
(1) - في "هـ" هنا تقديم وتأخير ولعله من الناسخ.
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ذكره السيوطي في المصدر السابق وعزاه إلى ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير.
(1/260)
قال أبو بكر: وحدثنا محمد بن الحسين بن أبي حنيف، قال: أبنا أحمد بن المفضل، قال: أبنا أسباط عن السدي قال: أما حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر فلم "يطق" (1) الناس هذا فنسخها الله عنهم فقال: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وإلى هنا ذهب الربيع بن أنس، وابن زيد، ومقاتل بن سليمان (2). ومن نص هذا القول قال: حق تقاته: هو القيام له بجميع ما يستحقه من طاعة واجتناب معصية، قالوا: هذا أمر تعجز "الخلائق" (3) عنه، فكيف بالواحد منهم فوجب أن تكون منسوخة وأن تعلق الأمر بالاستطاعة [ويوضح] (4) هذا ما أخبرنا به يحيى بن علي المدير (5) قال: [أبنا أبو] (6) الحسين بن المنصور قال: أبنا [أحمد بن] (7) محمد الحرزي، قال: أبنا البغوي، قال: بنا محمد بن بكار، قال: بنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود =رضي الله عنه= { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر (8).
__________
(1) - في "هـ" يطلق وهو تحريف.
(2) - ذكر دعوى النسخ الطبري في هذه الآية عن الربيع بن أنس، وابن زيد وعن السدي من طريق أسباط كما ذكر المؤلف عنهم وعن مقاتل بن سليمان. انظر: جامع البيان 4/20، وزاد المسير 1/434.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - هو يحيى بن علي المدير ابن عمر بن علي الطراح أبو محمد المدير ولد سنة 459هـ من مشائخ ابن الجوزي، يقول عنه: سمع من أبي محمد الصرفيني وأبي الحسين ابن المهتدي وغيرهما وكان سماعه صحيحا وهو من أهل السنة شهد له بذلك شيخنا ابن ناصر، مات سنة 526هـ. انظر: المنتظم 10/101 ومشيخة ابن الجوزي ص 105.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - أخرجه الحاكم في المستدرك 2/294 موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه في كتاب التفسير وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وليس فيه (وأن يشكر فلا يكفر).
(1/261)
والقول الثاني: أنها محكمة.
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } قال: لم تنسخ. ولكن حق تقاته: أن تجاهدوا في الله حق جهاده. ولا تاخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم. وهذا مذهب طاؤس وهو الصحيح (1)؛ لأن التقوى: هو اجتناب ما نهى الله عنه، ولم ينه عن شيء ولا أمر به إلا وهو داخل تحت "الطاقة" (2) كما قال - عز وجل - { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } (3) فالآيتان متوافقتان، والتقدير: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، فقد فهم الأولون من الآية تكليف ما لا يستطاع فحكموا بالنسخ وقد رد عليهم ذلك قوله: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } وإنما قوله حق تقاته كقوله حق جهاده الحق هاهنا بمعنى الحقيقة ثم إن هفوة المذنب لا تنافي أن يكون مكلفا للتحفظ، وإنما شرع الاستغفار والتوبة بوقوع الهفوات. وقال أبو جعفر النحاس: (معنى قول الأولين نسخت هذه الآية أي أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد، وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ، لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه) (4)
__________
(1) - ذكر هذا القول عن ابن عباس وطاؤس الطبري في جامع البيان 4/20، وابن أبي حاتم في تفسيره المخطوط عند ذكر هذه الآية كما عزا إليه السيوطي في الدر المنثور 2/60 وذكره أيضا مكي بن أبي طالب في الإيضاح 122، والمؤلف في زاد المسير 1/432 عنهما.
(2) - في "م" الطاعة، وهو تحريف.
(3) - الآية (286) من سورة البقرة.
(4) - انظر نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص86..
(1/262)
وقال ابن عقيل: ليست منسوخة، لأن قوله: { مَا اسْتَطَعْتُمْ } بيان لحق تقاته "وأنه تحت" (1) الطاقة فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى: تفسير مجمل أو بيان مشكل، وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف "ما لا يطاق" (2) فأزال الله إشكالهم فلو قال: لا تتقوه حق تقاته كان نسخا وإنما بين (3) أني لم أرد بحق التقاة، ما ليس في الطاقة (4).
ذكر الآية الثامنة:
قوله تعالى: { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى } (5) قال جمهور المفسرين: معنى الكلام: لن يضروكم ضرا باقيا في جسد "أو مال" (6) إنما هو شيء يسير سريع الزوال، وتثابون عليه. وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم فالآية محكمة على هذا، ويؤكده أنها خبر، والأخبار =لا تنسخ. وقال السدي الإشارة إلى أهل الكتاب وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم فنسخت بقوله: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } (7) والأول أصح.
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - "هـ" ولا يطاق.
(3) - في "هـ" (لم) زائدة ولعلها من الناسخ.
(4) - قال المؤلف رحمه الله في تفسيره بعد إيراد دعوى النسخ والإحكام عن قائليهما: قال شيخنا علي بن عبيد الله: والاختلاف في نسخها وإحكامها يرجع إلى اختلاف المعنى المراد بها، فالمعتقد بنسخها يرى: أن حق تقاته الوقوف مع جميع ما يجب له ويستحقه، وقد يعجز الكل عن الوفاء فتحصيله من الواحد ممتنع والمعتقد إحكامها يرى أن حق تقاته أداء ما يلزم العبد على قدر طاقته فكان قوله تعالى "ما استطعتم" مفسرا لـ "حق تقاته" لا ناسخا ولا مخصصا. انظر: زاد المسير 1/432.
(5) - الآية (111) من سورة آل عمران.
(6) - في "هـ" أو قال، وهو تحريف.
(7) - الآية (26) من سورة التوبة. قلت ذكر دعوى النسخ في هذه الآية هبة الله بن سلامة في ناسخه ص29، ولم يتعرض له غيره من أصحاب أمهات كتب النسخ كما لم يذكر النسخ أحد من الطبري وابن الجوزي، وابن كثير في تفاسيرهم.
(1/263)
ذكر الآية التاسعة:
قوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } (1) جمهور العلماء [على] (2) أن هذا الكلام محكم واستدلوا عليه "بشيئين" (3)
أحدهما: أنه خبر والخبر لا يدخله "النسخ" (4).
والثاني: أنهم قالوا: ما أحد إلا وله من الدنيا نصيب مقدر، ولا يفوته ما قسم له فمن كانت همته ثواب الدنيا أعطاه الله منها ما قدر له وذلك هو الذي يشاؤه الله، وهو المراد بقوله: { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } (5) ولم يقل يؤته منها ما يشاء هو. ويمكن أن يكون المعنى: "لمن يريد" (6) أن يفتنه أو يعاقبه، وذهب السدي إلى أنه منسوخ بقوله: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ } وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ، فلا يعول عليه.
ذكر الآية العاشرة:
قوله تعالى: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } (7) الجمهور على إحكام هذه الآية، لأنها تضمنت الأمر بالصبر والتقوى ولا بد للمؤمن من ذلك. وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور هاهنا منسوخ بآية السيف (8).
(3)
__________
(1) - الآية (145) من سورة آل عمران.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" بسببين، وهو تصحيف.
(4) - آل، ساقطة من "هـ".
(5) - الآية (18) من سورة الإسراء.
(6) - في "م" لم يريد، وفي "هـ" لم يرد، كلاهما خطأ والصواب ما أثبت كما يظهر من السياق.
(7) - الآية (186) من سورة آل عمران.
(8) - قلت: عد هذه الآية من المنسوخ هبة الله في المصدر السابق وأما المؤلف فقد سلك في تفسيره عند ذكر هذه الآية مسلكه هنا، والذي يظهر أنه مع الجمهور، وسكوته يدل على أن مثل هذه الدعوى لا يحتاج إلى الرد لأن من المعلوم لدى الجميع أن كلا من الصبر والتقوى مطلوب من المسلمين في القتال وغير القتال فلا وجه للنسخ. انظر: زاد المسير 1/520.
(1/264)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة النساء
وهي ست" [وعشرون] (1)
ذكر الآية الأولى
قوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } (2) اتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وقالوا: معنى قوله: { فَلْيَسْتَعْفِفْ } أي: بمال نفسه عن مال اليتيم، فإن كان فقيرا فلهم في المراد بأكله بالمعروف أربعة أقوال:
أحدها: أنه الاستقراض منه، روى حارثة بن "مضرب" (3) قال: سمعت عمر يقول: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف ثم قضيت (4).
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل قال: أبنا محمد بن "سعد" (5) قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال: يستقرض منه فإذا وجد ميسرة فليقض ما يستقرض "فذلك" (6) أكله بالمعروف (7).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية السادسة من سورة النساء.
(3) - هو حارثة بن مضرب بتشديد الراء المكسورة قبلها معجمة العبدي الكوفي روى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم، ثقة من الثانية. انظر: تهذيب التهذيب 2/166-167؛ تقريب التهذيب 61.
(4) - أخرجه الطبري والنحاس من طريق حارثة بن مضرب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخرجه البيهقي عنه من طريق البراء في باب "الولي يأكل من مال اليتيم". انظر: جامع البيان 4/171؛ والناسخ والمنسوخ 93؛ والسنن الكبرى 6/4.
(5) - في "هـ" سعيد وهو تحريف.
(6) - في "م" ذلك، وفي "هـ" كما سجلت وكذا في لفظ الطبري.
(7) - ذكره الطبري عن ابن عباس موصولا من طريق محمد بن سعد العوفي وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل الضعفاء. انظر: جامع البيان 4/171.
(1/265)
أخبرنا عبد الوهاب، قال: أبنا أبو طاهر، قال: أبنا ابن شاذان قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: أبنا آدم قال: أبنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: يأكل بالمعروف، يعني: سلفا من مال يتيمه (1) وهذا القول مذهب عبيدة السلماني، وأبي وائل (2) وسعيد بن جبير (3) وأبي العالية ومقاتل. وقد حكى الطحاوي (4) عن أبي حنيفة مثله (5) وروى يعقوب بن حيان عن أحمد بن حنبل مثله.
القول الثاني: أن الأكل بالمعروف أن يأكل [من غير إسراف] (6).
__________
(1) - أخرج مثله الطبري عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. انظر: جامع البيان 4/172.
(2) - أبو وائل: هو شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة والتابعين قال ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله مات سنة (82)هـ. انظر: تهذيب التهذيب 4/361-363.
(3) - أخرج الطبري عن عبيدة السلماني، وأبي وائل وسعيد بن جبير نحوه. انظر: جامع البيان 4/171.
(4) - أما الطحاوي: فهو العلامة أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي أبو جعفر، فقيه انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ في "طحا" من صعيد مصر وتفقه على مذهب الشافعي ثم تحول حنفيا، وله عدة تصانيف، منها الآثار، ومشكل الآثار، وأحكام القرآن، توفي سنة 221هـ. انظر: البداية والنهاية 11/174؛ وتذكرة الحفاظ 3/88-811.
(5) - ذكر الجصاص قول الطحاوي هذا في أحكام القرآن 6/65 عن أبي حنيفة.
(6) - ساقطة من "هـ".
(1/266)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال [بنا إسحاق بن] (1) الحسن، قال أبنا موسى بن مسعود، قال بنا الثوري؛ قال: [بنا] (2) سفيان عن مغيرة عن إبراهيم { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال: ما سد الجوع "ويواري" (3) العورة (4) وقد روى عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= أنه قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يلبس عمامة (5).
وقال الحسن: وعطاء ومكحول (6) يأخذ ما يسد الجوع ويواري العورة ولا يقضي إذا وجد (7) قال عكرمة والسدي: يأكل بأطراف أصابعه ولا يسرف في الأكل ولا يكتسي منه، وهذا مذهب قتادة (8).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" ووارى العورة.
(4) - أخرجه الطبري عن إبراهيم النخعي في جامع البيان 4/173.
(5) - أخرجه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في باب "الولي يأكل من مال اليتيم". انظر: السنن الكبرى 6/4.
(6) - أما مكحول: فهو أبو عبد الله الفقيه الدمشقي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وعن أبي بن كعب وثوبان وعبادة بن الصامت وأبي هريرة مرسلا، ثقة فقيه كثير الإرسال، مات سنة عشرة ومائة هجرية. انظر: تهذيب التهذيب 10/291-293؛ وتقريب التهذيب 347.
(7) - ذكر الجصاص في أحكام القرآن له 2/64 هذا القول عن الحسن، وعطاء ومكحول. وذكره الطبري بإسناد عن عطاء بن أبي رباح، كما روى عن أبي سعيد، قال: سأل مكحولا عن والي اليتيم ما أكله بالمعروف إذا كان فقيرا، قال: يده مع يده، قيل له: فالكسوة، قال: يلبس من ثيابه فأما أن يتخذ ماله مالا لنفسه فلا. انظر: جامع البيان 4/170-171.
(8) - أخرج نحوه الطبري عن السدي عمن سمع ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 4/172، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/122، وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/267)
والقول الثالث: [أنه يقول] (1) مال اليتيم بمنزلة الميتة يتناول منه عند الضرورة فإذا أيسر قضاه وإن لم يوسر فهو في حل. قاله الشعبي (2) وأخبرنا عبد الوهاب، "قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، وقال: أبنا" (3) عبد الرحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يأكل والي اليتيم من مال اليتيم قوته ويلبس منه ما يستره ويشرب فضل اللبن ويركب فضل الظهر، فإن أيسر قضاه وإن أعسر كان في حل (4).
فهذه الأقوال الثلاثة تدل على جواز الأخذ عند الحاجة وإن اختلف أربابها في القضاء.
القول الرابع: أن الأكل بالمعروف [أن] (5) يأخذ الولي بقدر أجرته إذا عمل لليتيم عملا، وروى القاسم (6) بن محمد: أن رجلا أتى ابن عباس فقال: ليتيم لي إبل فما لي من إبله [قال] (7) إن كنت تلوظ حياضها "وتهنأ جرباها" (8) وتبغي ضالتها وتسعى عليها فاشرب غير ناهك بحلب [ولا ضار بنسل] (9).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرج نحوه الطبري عن الشعبي في جامع البيان 4/172.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - أخرج نحوه البيهقي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في السنن الكبرى 6/5.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم التيمي ثقة أحد فقهاء المدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة مات سنة 106هـ على الصحيح. انظر: تقريب التهذيب 279.
(7) - ما بين حاجزين ساقطة من "هـ".
(8) - هذه العبارة مصحفة في النسختين صححتهما حسب رواية ابن جرير والنحاس.
(9) - ما بين حاجزين ساقطة من "هـ" أخرج نحوه ابن جرير وأبي جعفر النحاس في ناسخه والبيهقي في سننه عن القاسم بن محمد موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: جامع البيان 4/174؛ والناسخ والمنسوخ ص 93-94؛ والسنن الكبرى 6/4.
(1/268)
أخبرنا عبد الوهاب قال: أبنا أبو طاهر، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد [الرحمن بنٍ] (1) الحسن قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء عن ابن نجيح (2) [عن عطاء بن أبي رباح قال: يضع يده مع أيديهم ويأكل معهم بقدر خدمته وقدر عمله وقد روى أبو طالب وابن منصور عن أحمد بن حنبل مثل هذا (3).
فصل: وعلى هذه الأقوال الآية محكمة، وقد ذهب قوم إلى نسخها: فقالوا: كان هذا في أول الأمر ثم نسخت بقوله تعالى: { لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } (4) وقد حكي هذا المعنى عن ابن عباس =رضي الله عنهما=.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } قال: نسخ من ذلك الظلم والاعتداء فنسخها: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } (5).
__________
(1) - ما بين حاجزين ساقطة من "هـ".
(2) - من هنا ورقة كاملة ساقطة في الفلم من النسخة الهندية.
(3) - وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/309-310، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/122، وعزاه إلى ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) - الآية (29) من سورة النساء.
(5) - أخرجه أبو جعفر النحاس عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في الناسخ والمنسوخ 92.
(1/269)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: بنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر [بن] (1) أبي داود، قال: محمد بن سعد، قال: حدثني أبي عن الحسين "بن الحسن بن عطية عن أبيه عن عطية" (2) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= في قوله: { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } نسختها الآية التي تليها { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } الآية (3) قال أبو بكر بن أبي داود: وبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عبد الله بن عثمان، قال: بنا عيسى بن عبيد الكندي، قال: بنا عبيد الله مولى عمر بن مسلم أن الضحاك بن مزاحم أخبره، قال: { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ } الآية نسخت فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } (4) الآية.
__________
(1) - ساقطة من "م".
(2) - في "م" في العبارة قلق، وقد جاء فيها "أن الحسن ابن عطية عن أبيه عن عطية" والصواب ما أثبت كما قدمنا في ترجمة آل العوفي عند ذكر آية (180) من البقرة.
(3) - الآية العاشرة من سورة النساء، وقد ذكر قول النسخ عن ابن عباس بهذا الإسناد الضعيف، الجصاص في أحكام القرآن 2/65 ويقول المؤلف في زاد المسير 2/17 بعد إيراد قول النسخ عن ابن عباس: (دعوى النسخ لم يصح عنه).
(4) - أخرج الجصاص أيضا في المصدر السابق عن الضحاك من طريق عيسى بن عبيد الكندي كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/123، معزيا إلى أبي داود في ناسخه عن الضحاك.
(1/270)
قلت: وهذا مقتضى قول أبي حنيفة، أعني النسخ، لأن المشهور عنه أنه لا يجوز للوصي الأخذ من مال اليتيم "عند" (1) الحاجة على وجه القرض، وإن أخذ ضمن (2) وقال قوم: لو أدركته ضرورة جاز له أكل الميتة ولا يأخذ من مال اليتيم شيئا.
ذكر الآية الثانية:
قوله تعالى: { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ } (3) قد زعم بعض من قل علمه وعزب فهمه من المتكلمين في الناسخ والمنسوخ، أن هذه الآية نزلت في إثبات نصيب النساء مطلقا من غير تحديد، لأنهم كانوا لا يؤرثون النساء ثم نسخ ذلك بآية المواريث (4) وهذا قول مردود في الغاية وإنما أثبتت هذه الآية ميراث النساء في الجملة وثبت آية المواريث مقداره ولا وجه للنسخ بحال.
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } (5) اختلف العلماء في هذه الآية على قولين:
__________
(1) - في "م" عن، وهو تحريف عما أثبت.
(2) - ذكر الجصاص مثل هذه الآراء في المصدر السابق عن إماميه أبي حنيفة ومحمد. قلت: مال المؤلف في زاد المسير 2/17، إلى إحكام هذه الآية، وقد رد ابن العربي دعوى النسخ هنا ردا عنيفا حيث قال: (أما من قال: أنه منسوخ فهو بعيد لا أرضاه، لأن الله تعالى يقول: (فليأكل بالمعروف) وهو الجائز الحسن، وقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) فكيف ينسخ الظلم المعروف بل هو تأكيد له في التجويز، لأنه خارج عنه مغاير له، وإذا كان المباح غير المحظور لم يصح دعوى النسخ فيه. انظر: أحكام القرآن 1/225.
(3) - الآية السابعة من سورة النساء.
(4) - لم يذكر هذه الدعوى الواهية في أمهات كتب النسخ إلا عند هبة الله بن سلامة فقد ذكرها بدون عزوها إلى أحد، وبدون ذكر دليل لها. انظر: الناسخ والمنسوخ ص31.
(5) - الآية الثامنة من سورة النساء.
(1/271)
أحدهما: أنها محكمة فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أن الناس يزعمون أن هذه الآية نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس به (1).
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا الأشجعي عن سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى } قال: هي محكمة وليست بمنسوخة (2) قال: وكان ابن عباس إذا ولي "رضخ" (3) وإذا كان المال فيه قلة اعتذر إليهم وذلك القول المعروف (4) قال أحمد: وبنا عبد الصمد، قال: بنا همام [قال] (5) بنا قتادة: قال الأشعري: ليست بمنسوخة (6) قال أحمد: وبنا عبد الوهاب عن سعيد عن مطر عن الحسن قال: والله ما هي بمنسوخة، وإنها لثابتة. ولكن الناس بخلوا وشحوا وكان الناس إذ قسم الميراث حضر الجار والفقير] (7) واليتيم "والمسكين" (8) فيعطونهم من ذلك (9).
__________
(1) - أثر صحيح رواه البخاري في باب الوصايا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(2) - رواه البخاري في كتاب التفسير عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهم=. انظر صحيح البخاري مع الفتح 9/310.
(3) - رضخ له: أي أعطاه عطاء غير كثير. انظر: المصباح المنير 1/345.
(4) - هذه الزيادة ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح وعزاها إلى الإسماعيلي من وجه آخر عن الأشجعي. انظر: المصدر السابق.
(5) - ساقطة من "م".
(6) - أخرج الطبري في جامع البيان 4/179، بأن أبا موسى الأشعري قضى بهذه الآية.
(7) - انتهى النقص من "هـ".
(8) - في "هـ" والمساكين.
(9) - أخرجه الطبري عن الحسن في جامع البيان 4/177.
(1/272)
قال أحمد: وبنا هشيم، قال: أبنا أبو "بشر" (1) عن سعيد بن جبير. قال: وأبنا مغيرة عن إبراهيم "قالا:) (2) هي محكمة وليست بمنسوخة (3) قال أحمد: وبنا يزيد، قال: أبنا سفيان بن حسين، قال: سمعت الحسن ومحمدا، يقولان في هذه الآية: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى } هي مثبتة لم تنسخ وكانت القسمة إذا حضرت حضر "هؤلاء" (4) فرضخ لهم منها، وأعطوا (5) قال أحمد: وبنا يحيى [بن] (6) آدم قال: بنا الأشجعي عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى } قالا: هي محكمة وليست بمنسوخة (7). قال أحمد: وبنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنها محكمة لم تنسخ (8) وممن ذهب إلى إحكامها عطاء وأبو العالية ويحيى بن يعمر (9) ثم اختلف [من] (10) قال بإحكامها في الأمر المذكور فيها.
__________
(1) - في "م" أبو بشرة، وفي "هـ" أبو البشرة، كلاهما خطأ، والصواب ما سجلت عن إسناد الطبري وعن كتب التراجم، وهو ابن إياس اليشكري أبو بشر الواسطي بصري الأصل ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد، من الخامسة، مات سنة خمس وقيل ست وعشرين ومائة. انظر: التهذيب 2/82-84؛ التقريب 55.
(2) - في "هـ" قال: بالإفراد، وهو خطأ.
(3) - أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي في جامع البيان 4/177.
(4) - محرفة في "هـ".
(5) - أخرجه الطبري عن محمد بن سيرين والحسن في جامع البيان 4/176.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - أخرجه الطبري عن إبراهيم والشعبي في جامع البيان 4/177.
(8) - أخرجه الطبري عن معمر عن الزهري في جامع البيان 4/177.
(9) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/123 وعزاه إلى سعيد بن منصور وابن المنذر عن يحيى بن يعمر. سوف تأتي ترجمة يحيى بن يعمر ص 320.
(10) - ساقطة من "هـ".
(1/273)
فذهب أكثرهم: إلى أنه على سبيل الاستحباب [والندب] (1) وهو الصحيح (2) وذهب بعضهم: إلى أنه على الوجوب.
القول الثاني: أنها منسوخة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: "بنا" (3) حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ } فنسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبا مما ترك مما قل منه أو كثر (4) قال أحمد: وبنا يحيى بن آدم قال: بنا الأشجعي عن سفيان عن السدي عن أبي مالك (5) { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } قال: نسختها آية الميراث (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - قلت: يظهر من تصحيحه هذا الرأي أنه مع القائلين بإحكام الآية، لأن الاختلاف المذكور إنما كان عند من يقول بإحكام الآية كما ذكره المؤلف نفسه آنفا وكما ذكره الحافظ في الفتح الباري 9/311، وهذا القول من اختيار أبي جعفر الطبري في المصدر السابق واختيار أبي جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ 6.
(3) - في "هـ" ثنا.
(4) - ذكره السيوطي معزيا إلى أبي داود في ناسخه وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور 2/123.
(5) - أما أبو مالك: فهو غزوان الغفاري الكوفي مشهور بكنيته، روى عن عمار بن ياسر وابن عباس وبراء بن عازب وغيرهم ثقة من الثالثة، تهذيب التهذيب 8/145، 246، وتقريب التهذيب 373.
(6) - أخرجه الطبري عن أبي مالك من طريق الأشجعي في جامع البيان 4/178.
(1/274)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل قال: أبنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [ وَالْمَسَاكِينُ ] (1) فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا } يعني عند قسمة الميراث، وذلك قبل أن ينزل الفرائض وأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى (2) كل ذي حق حقه (3) وروى مجاهد عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: نسختها { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } الآية (4).
__________
(1) - ما بين حاجزين ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" الله.
(3) - أخرجه الطبري عن ابن عباس من طريق سعد العوفي، في المصدر السابق.
(4) - الآية (11) من سورة النساء، وذكر هذا القول النحاس في ناسخه ص 95 عن ابن مجاهد رضي الله عنهما من طريق مجاهد.
(1/275)
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة، قال: قال سعيد بن المسيب: كانت هذه قبل الفرائض وقسمة الميراث، فلما جعل الله لأهل الميراث ميراثهم صارت منسوخة. قال أحمد: وبنا عبد الصمد، قال: بنا همام، قال: بنا قتادة، عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة، قال: كا[نت] (1) قبل الفرائض، وكان ما ترك من مال أعطي منه الفقراء، والمساكين، واليتامى، وذوي القربى إذا "حضروا" (2) القسمة، ثم نسخ ذلك بعد، نسخها المواريث فألحق الله لكل ذي حق حقه، فصارت وصية من ماله يوصي بها لذي قرابته، وحيث يشاء (3).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" حضر، بالإفراد، وهو خطأ.
(3) - أخرج هذا القول الطبري في جامع البيان 4/189، والنحاس في المصدر السابق والبيهقي في السنن الكبرى 6/267 عن سعيد بن المسيب.
(1/276)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل [بن العباس] (1) قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، قال: حدثني يحيى بن يمان عن سفيان عن السدي، عن أبي مالك { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ } قال: نسختها آية الميراث (2) قال أبو بكر: وبنا يعقوب [بن سفيان قال: بنا] (3) عبد الله بن عثمان "قال: أبنا عيسى بن عبيد الكندي، قال: بنا عبيد الله مولى عمر بن مسلم" (4) أن الضحاك بن مزاحم قال: في قوله: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى } قال: نسختها آية الميراث (5) وقال عكرمة: نسختها آية الفرائض (6) وممن ذهب إلى هذا القول قتادة، وأبو الشعثاء (7) وأبو صالح وعطاء في رواية (8)
__________
(1) - ساقطة من "م".
(2) - أخرجه الطبري من طريق يحيى بن يمان عن أبي مالك في جامع البيان 4/178.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - هذه العبارة مكررة في "هـ".
(5) - أخرجه الطبري في المصدر السابق وذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح 176، وأخرجه البيهقي في السنن 6/267، في كتاب الوصايا عن الضحاك.
(6) - ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق وأخرجه البيهقي في المصدر السابق عن عكرمة، قال الحافظ في فتح الباري 9/310 صح عن عكرمة ذلك.
(7) - أما أبو الشعثاء فهو جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي ثم الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء البصري مشهور بكنيته ثقة فقيه من الثالثة، مات سنة 93، ويقال ومائة. انظر: التقريب ص 52.
(8) - ذكر البيهقي دعوى النسخ هنا في المصدر السابق عن عطاء أيضا. كما ذكره المؤلف في زاد المسير 2/21 عن ابن عباس -في رواية- وسعيد بن المسيب وعكرمة، والضحاك، وقتادة، في آخرين. قلت: سبق تصحيح المؤلف القول بإحكام الآية.. ويقول الحافظ في الفتح وهو يناقش الآثار المروية عن ابن عباس في الباب -أن ما روى البخاري عن ابن عباس من طريق عكرمة وسعيد بن جبير- وهو إحكام الآية -وهو المعتمد عليه وبقية الروايات كلها وردت من أوجه لا يعتمد عليها والذي ثبت عن ابن عباس في الباب إحكام الآية لا نسخها). ويقول الطبري بعد عرض الرأيين عن قائليهما في الآية: (وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول من قال: هذه الآية منسوخة) ثم ذكر ما يؤيد مقالته. وأما ابن العربي فقد رد دعوى النسخ هنا بشدة، حيث قال: (أكثر أقوال المفسرين أضغاث وآثار ضعاف، والصحيح أنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له منهم). انظر: فتح الباري 9/210؛ وجامع البيان 4/178-179؛ وأحكام القرآن لابن العربي 1/329.
(1/277)
.
ذكر الآية الرابعة:
قوله تعالى: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا } (1) في المخاطبين بهذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه خطاب للحاضرين عند الموصي. ثم في معنى الكلام على هذا القول قولان:
أحدهما: أن المعنى { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا } وليخش الذين يحضرون موصيا يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله فيمن لا يرثه فيفرقه ويترك ورثته ولكن ليأمروه أن يبقي ماله لأولاده كما لو كانوا هم الذين يوصون لسرهم أن يحثهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد، وهذ المعنى مروي عن ابن عباس، والحسن ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة والضحاك، والسدي ومقاتل (2).
والثاني: على الضد، وهو أنه نهى لحاضري الموصي عند الموت أن يمنعوه عن الوصية لأقاربه، وأن يأمروه الاقتصار على ولده وهذا قول مقسم (3) وسليمان التميمي (4).
__________
(1) - الآية التاسعة من سورة النساء.
(2) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 4/181-184 عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وقتادة، كما روى البيهقي في السنن الكبرى 6/271 عن ابن عباس نحوه.
(3) - رواه الطبري في المصدر السابق بإسناده عن مقسم. أما مقسم: فهو بكسر أوله ابن بجرة ويقال ابن نجدة أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث ويقال له مولى عباس للزومه له، روى عن ابن عباس وعبد الله بن الحارث وعائشة، صدوق وكان يرسل من الرابعة، مات سنة 101هـ. انظر: تهذيب التهذيب 10/288؛ وتقريب التهذيب 346.
(4) - ذكره الطبري أيضا عن سليمان التميمي في المصدر نفسه وهو سليمان بن بلال التميمي القرشي من الثامنة ثقة مات بالمدينة سنة 177هـ. تقريب التهذيب 132.
(1/278)
القول الثاني: أنه خطاب لأولياء اليتامى، راجع إلى قوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا } (1) فقال تعالى: -يعني أولياء اليتامى- { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ } فيمن ولوه من اليتامى وليحسنوا إليهم في أنفسهم وأموالهم كما يحبون أن يحسن ولاة أولادهم لو ماتوا [هم] (2) إليهم، وهذا مروي عن ابن عباس =رضي الله عنهما= أيضا (3).
__________
(1) - الآية السادسة من سورة النساء.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 4/183 كما ذكره المؤلف في زاد المسير 2/22 عنه وعن ابن السائب.
(1/279)
والقول الثالث: أنه خطاب للأوصياء بإجراء الوصية على ما رسم الموصي وأن يكون الوجوه التي فيها مرعية بالمحافظة كرعي الذرية الضعاف من غير تبديل [ثم نسخ ذلك بقوله] (1) تعالى: { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } (2) [فأمر بهذه] (3) الآية إذا وجد الوصي من الموصي في الوصية جنفا أو ميلا "عن الحق فعليه" (4) الإصلاح في ذلك، واستعمال قضية الشرع ورفع الحال الواقع في الوصية، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله وغيره (5) وعلى هذا القول تكون الآية منسوخة، وعلى الأقوال قبلها هي محكمة (6). والنسخ منها بعيد؛ لأنه إذا أوصى بجور لم يجز أن يجري على ما أوصى (7).
ذكر الآية الخامسة:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (182) من سورة البقرة.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - قال المؤلف في المصدر السابق بعد إيراد هذا القول: ذكره شيخنا وغيره في الناسخ والمنسوخ.
(6) - انظر: مناقشة المؤلف هذه الآية في زاد المسير 2/22.
(7) - قلت: ساق المؤلف مناقشة هذه الآية في تفسيره بنفس الأسلوب الذي ساقه هاهنا، إلا أنه لم يقم هناك بالترجيح. وأما أصحاب أمهات كتب النسخ المتقدمة كابن حزم الأنصاري والنحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضوا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا، إنما ذكرها من المنسوخة، هبة الله في ناسخه 32، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 22 بدون استناد إلى دليل.
(1/280)
قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } (1) قد توهم قوم لم يرزقوا فهم التفسير "وفقهه" (2) أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } (3) وأثبتوا ذلك في كتب الناسخ والمنسوخ، ورووه عن ابن عباس =رضي الله عنهما= وإنما المنقول عن ابن عباس ما أخبرنا به المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا "عمرو بن علي بن بحر" (4) قال: بنا عمران بن عيينة، قال: بنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } قال: كان يكون في حجر الرجل اليتيم فيعزل طعامه وشرابه، فاشتد ذلك على المسلمين، فأنزل الله تعالى { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } (5) فأحل لهم طعامهم (6)
__________
(1) - الآية العاشرة من سورة النساء.
(2) - في "هـ" "وفهمه" وهو تحريف من الناسخ.
(3) - الآية (220) من سورة النساء.
(4) - هذه العبارة قلقة في "هـ" وقد جاء فيها "بنا علي بن عمرو بن علي بن بحر". والصواب ما أثبت عن "م" كما يظهر من ترجمته، وهو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز بنون وزاي، أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري ثقة حافظ من العاشرة، مات سنة 249هـ. انظر: التقريب 261.
(5) - الآية (230) من سورة البقرة.
(6) - روى نحوه أبو داود في سننه في باب "مخالطة اليتيم في الطعام" عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم. وقال المنذري: أخرجه النسائي وفي إسناده عطاء بن السائب وتكلم فيه غير واحد، فقال الإمام أحمد: من سمع منه قديما فهو صحيح، ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 8/73..
(1/281)
وقال سعيد بن جبير: لما نزلت { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } عزلوا أموالهم من أموال اليتامى، وتحرجوا من مخاطبتهم فنزل قوله [تعالى: { وَإِنْ تُخَا ](1) لِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } (2). وهذا ليس على سبيل النسخ؛ لأنه لا خلاف أن أكل أموال اليتامى ظلما حرام. وقال أبو جعفر النحاس: هذه الآية لا يجوز فيها ناسخ ولا منسوخ، لأنها خبر ووعيد، ونهي عن الظلم والتعدي، ومحال نسخ هذا، فإن صح ما ذكروا عن ابن عباس فتأويله من اللغة: أن هذه الآية على نسخة تلك الآية (3) وزعم بعضهم أن ناسخ هذه الآية قوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } (4) وهذا قبيح؛ لأن الأكل بالمعروف ليس بظلم فلا تنافي بين الآيتين (5).
ذكر الآية السادسة والسابعة:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ذكره السيوطي في الدر المنثور، وعزاه إلى عبد بن حميد عن سعيد بن جبير. انظر: الدر المنثور 1/255.
(3) - قلت: لم أجد كلام النحاس المنقول، عنه في كتابه الناسخ والمنسوخ المطبوع سنة 1323هـ بل ولم يعد فيه هذه الآية من المنسوخة أصلا، فليحرر.
(4) - الآية السادسة من سورة النساء.
(5) - قلت: ذكر نحو هذا القول هبة الله في ناسخه 32-33، وابن هلال في ناسخه المخطوط 22، ونقل مكي ابن أبي طالب في ناسخه 175 عن ابن عباس وزيد بن أسلم أن آية (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) ناسخة لقوله (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)، وأما المؤلف في زاد المسير 2/24، فيقول: عن دعوى النسخ هنا: (هذا غلط وإنما ارتفع عنهم الجرح بشرط قصد الإصلاح لا على إباحة الظلم).
(1/282)
قوله تعالى: { وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } وقوله: { وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا } (1) الآيتان أما الآية الأولى [فإنها] (2) دلت على [أن] (3) حد الزانية كان [أول] (4) الإسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلا، وهو عام في البكر والثيب، [والآية الثانية] (5) اقتضت أن حد الزانيين الأذى فظهر من الآيتين أن حد المرأة كان الحبس والأذى جميعا، وحد الرجل كان الأذى فقط، لأن الحبس ورد خاصا في النساء، والأذى ورد عاما في الرجل والمرأة، وإنما خص النساء في الآية الأولى بالذكر، لأنهن ينفردن بالحبس دون الرجال، وجمع بينهما في الآية الثانية، لأنهما يشتركان في الأذى، ولا يختلف العلماء في نسخ "هذين" (6) الحكمين عن الزانيين، أعني الحبس والأذى، وإنما اختلفوا بماذا نسخا؟ فقال قوم نسخا بقوله تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } (7)
__________
(1) - الآيتان (15-16) من سورة النساء.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - في "هـ" هذان، وهو خطأ من الناسخ.
(7) - الآية الثانية من سورة النور.
(1/283)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال: حدثني معاوية بن صالح "عن علي بن أبي طلحة" (1) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } (2) قال: كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت [حتى تموت، وكان الرجل] (3) إذا زنى أوذي بالتعيير، والضرب بالنعال، فنزلت: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } وإن كانا محصنين رجما بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) أبنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { فَآذُوهُمَا } يعني سبا ثم نسختها { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } (5).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - الآية (15) من سورة النساء.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 4/198، عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، كما ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/130، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وليس في قوله (كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت) وقد جاء ذلك في رواية الطبري.
(5) - أخرج نحوه البيهقي في سننه 8/210 عن مجاهد من طريق عبد الرحمن بن الحسن.
(1/284)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله، قال: بنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر عن قتادة { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ } (1) قال: نسختها الحدود (2). قال أحمد: وبنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة { وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ } [قال: كانت هذه الآية قبل الحدود ثم أنزلت: { وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ](3) فَآذُوهُمَا } قال: كانا يؤذيان بالقول والشتم وتحبس المرأة ثم إن الله تعالى نسخ ذلك فقال: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } (4) قال أحمد: وبنا علي بن حفص عن ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا } قال: نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض (5) وقال قوم: نسخ هذان الحكمان بحديث عبادة بن الصامت (6)
__________
(1) - الآية (15) من سورة النساء.
(2) - ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص180، عن قتادة، وفيه (نسخها الله بالحدود، والميراث) وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/129، وعزاه إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق والنحاس عن قتادة.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 4/198-199 عن قتادة، كما أخرج عنه النحاس في ناسخه (96) وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/129، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وأبي داود في ناسخه وابن المنذر عن قتادة.
(5) - أخرج نحوه البيهقي في سننه عن مجاهد 8/210.
(6) - أما عبادة بن الصامت بن قيس، فهو صحابي جليل أنصاري خزرجي بدري مشهور أحد النقباء، له مائة وإحدى وثمانون حديث مات بفلسطين بالرملة سنة 34هـ وله 72 سنة، وقيل عاش إلى خلافة معاوية. انظر: التقريب (164)..
(1/285)
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (خذوا عني خذوا عني [قد جعل الله لهن] (1) سبيلا، الثيب بالثيب (2) جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة [ونفي سنة] (3). قالوا فنسخت الآية بهذا الحديث وهؤلاء يجيزون نسخ القرآن "بالسنة" (4) وهذا قول مطرح، لأنه لو جاز نسخ القرآن بالسنة لكان ينبغي أن يشترط التواتر في ذلك الحديث، فأما أن ينسخ القرآن بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك وهو من أخبار الآحاد. وقال الآخرون: السبيل الذي جعل الله لهن هو الآية: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } (5) وقال آخرون: بل السبيل قرآن نزل ثم رفع رسمه وبقي حكمه (6) وظاهر حديث عبادة يدل على ذلك، "لأنه" (7) قال: قد جعل الله لهن سبيلا فأخبر أن الله تعالى جعل لهن السبيل والظاهر أنه بوحي بل تستقر تلاوته (8) وهذا يخرج على قول من لا يرى نسخ القرآن بالسنة (9) وقد اختلف العلماء بماذا ثبت الرجم على قولين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" بالجلد، وهو تحريف.
(3) - ساقطة من "هـ"، والحديث رواه مسلم في باب حد الزنى 11/190 والشافعي في الرسالة 247، وأحمد في مسنده 18/112 وأبو داود في سننه 4/202، في كتاب الحدود، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(4) - مكررة في "هـ". انظر: مثلا كلام الجصاص حيث يثبت هذا النسخ مستدلا على نسخ القرآن بالسنة، في أحكام القرآن 2/107، ويروي ذلك ابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (22) عن هبة الله المفسر.
(5) - يقول السيوطي في الدر المنثور 2/129: أخرج آدم وأبو داود في سننه والبيهقي عن مجاهد، قال: السبيل الحد.
(6) - وهو اختيار مكي بن أبي طالب في ناسخه (180).
(7) - في "هـ" الآية، وهو تحريف.
(8) - ذكر المؤلف هذا الرأي في تفسيره 2/26، ثم قال: صححه أبو يعلى.
(9) - تقدم الكلام عن هذا بالأدلة في مقدمة المؤلف في باب ذكر ما اختلف فيه هل هو شرط في النسخ أم لا.
(1/286)
أحدهما: أنه نزل به قرآن ثم نسخ لفظه، وانعقد الإجماع على بقاء حكمه.
والثاني: أنه ثبت بالسنة (1).
ذكر الآية الثامنة والتاسعة:
__________
(1) - قلت: هذا هو الموضع الثالث الذي صرح فيه المؤلف نسخ الآية، وبه قال في زاد المسير 2/36، وأما في مختصر عمدة الراسخ، فقد حرمنا ورقة من ميكروفيلم التي تضمن هذه الآية كما قدمنا. يقول النحاس في ناسخه 97-98 بعد أن أورد ثلاثة آراء للعلماء الذين اتفقوا على نسخ هاتين الآيتين: (إن أصح الأقوال بحجج بينة أن يكون الله قد نسخ الآيتين في كتابه وعلى لسان رسوله) ويقول ابن كثير في تفسير لهذه الآية 1/462 (فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك، قال ابن عباس رضي الله عنه: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور فنسخها بالجلد أو الرجم) ثم عزا ابن كثير دعوى النسخ إلى جماعة وقال: وهو أمر متفق عليه. انتهى وأما الإمام أبو سليمان الخطابي: فيقول عن حديث عبادة) (أنه ليس نسخا للآية بل هو مبين للحكم الموعود بيانه في الآية، فكأنه قال: عقوبتهن الحبس إلى أن يجعل الله لهن سبيلا، فوقع الأمر بحبسهن إلى غاية فلما انتهت مدة الحبس وحان وقت مجيء السبيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني تفسير السبيل وبيانه، ولم يكن ذلك ابتداء حكم منه، وإنما هو بيان أمر كان ذكر السبيل منطويا عليه، فأبان المبهم منه وفصل المجمل من لفظه فكان نسخ الكتاب بالكتاب لا بالسنة). انظر: معالم السنن 3/316.
(1/287)
قوله تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } وقوله: { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ } الآيتان(1) إنما سمى فاعل الذنب جاهلا، لأن فعله مع العلم بسوء مغبته (2) فأشبه من جهل "المغبة" (3) والتوبة من قريب: ما كان قبل معاينة الملك فإذا حضر الملك لسوق الروح لم تقبل توبة، لأن الإنسان حينئذ يصير كالمضطر إلى التوبة فمن "تاب" (4) قبل ذلك قبلت توبته، أو أسلم عن كفر قبل إسلامه، وهذا أمر ثابت محكم، وقد زعم بعض من لا فهم له: أن هذا الأمر أقر على هذا في حق أرباب المعاصي من المسلمين "ونسخ حكمه في حق الكفار بقوله: { وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } (5) وهذا ليس بشيء، فإن حكم الفريقين واحد (6).
ذكر الآية العاشرة:
__________
(1) - الآيتان (17-18) من سورة النساء.
(2) - في "هـ" مفيد، وهو تحريف ظاهر، والصواب المغبة: هي العاقبة وغب كل شيء عاقبته. انظر: مختار الصحاح 1/467.
(3) - في "هـ" المعبد، وهو تحريف.
(4) - في "م" "مات" والذي أثبت عن "هـ" أنسب.
(5) - الآية (18)من سورة النساء.
(6) - أورد المؤلف قول النسخ في حق المؤمنين بدون رد ولا ترجيح، وذكر النسخ أيضا هبة الله في ناسخه 34-35، ومكي بن أبي طالب: في ناسخه (183) ثم قال: (وهذا قول ينسب إلى ابن عباس وقد احتج من قال أنها محكمة عامة غير منسوخة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر)، فالغرغرة عند حضور الموت ومعاينة الرسل لقبض الروح فعند ذلك لا تقبل التوبة)، انتهى. هذا الذي استدلوا به على إحكام الآية صحيح رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من طريق عبد الرحمن البيلماني. قال الهيثمي في المجمع 10/197 عن هذا الحديث: رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن وهو ثقة.
(1/288)
قوله [تعالى] (1) { وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } (2) هذا كلام محكم عند عامة العلماء، ومعنى قوله: { إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } [أي بعدما قد سلف] (3) في الجاهلية، فإن ذلك معفو عنه. وزعم بعض من قل فهمه: أن الاستثناء نسخ ما قبله. وهذا تخليط لا حاصل له "ولا يجوز" (4) أن يلتفت إليه من جهتين:
أحدهما: أن الاستثناء ليس بنسخ.
والثاني: "أن الاستثناء" (5) عائد إلى مضمر تقديره: فإن فعلتم عوقبتم إلا ما قد سلف، فإنكم "لا تعاقبون" (6) عليه، فلا معنى للنسخ هاهنا (7).
ذكر الآية الحادية عشرة:
قوله تعالى: { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ } (8) وهذه حكمها حكم التي قبلها. وقد زعم الزاعم هناك: أن هذه كتلك في [أن] (9) الاستثناء ناسخ لما قبله، وقد بينا رذولة هذا القول (10).
ذكر الآية الثانية [عشرة] (11)
قوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } (12) وقد ذكر في هذه الآية موضعان منسوخان:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (22)من سورة النساء.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ذكر ابن حزم الأنصاري في ناسخه (330) وهبة الله بن سلامة في ناسخه (3) أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء.
(8) - الآية (23)من سورة النساء.
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - قلت: لم يتعرض المؤلف في تفسيره ولا النحاس ولا مكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية ولا في التي قبلها، إنما ذكر ذلك ابن حزم وابن سلامة في المصدرين السابقين، حيث قالا: (نسخت بالاستثناء).
(11) - ساقطة من "هـ".
(12) - الآية (24)من سورة النساء.
(1/289)
الأول: قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } (1) وهذا عند "عموم" (2) العلماء [لفظ] (3) عام دله التخصيص بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن تنكح المرأة على عمتها أو [على] (4) خالتها) (5) وليس هذا على سبيل النسخ. وقد ذهب قوم لا فقه لهم إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث، وهذا إنما يأتي من عدم فهم الناسخ والمنسوخ والجهل بشرائطه وقلة المعرفة بالفرق بين التخصيص والنسخ (6).
وأما الموضع الثاني: فقوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } (7) اختلف العلماء في المراد بهذا الاستمتاع على قولين:
أحدهما: أنه النكاح، والأجور المهور. وهذا مذهب ابن عباس ومجاهد والجمهور (8).
__________
(1) - الآية (24)من سورة النساء.
(2) - في "م" هموم، وهو تحريف.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - رواه البخاري عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما في كتاب النكاح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 11/64.
(6) - قلت أورد المؤلف في زاد المسير 2/52، نحو ما ذكره هنا نقلا عن شيخه علي بن عبيد الله. وذكر دعوى النسخ النحاس في ناسخه (100) بقوله (أنها أدخلت في الناسخ والمنسوخ) كما ذكر النسخ أيضا مكي بن أبي طالب في الإيضاح (184) معزيا ذلك إلى عطاء، ثم نقض هذا القول وأثبت إحكام الآية بقوله: (إنما هي مخصصة بالسنة مبينة بها في أن الآية غير عامة والسنة تبين القرآن ولا تنسخه).
(7) - جزء من الآية نفسها.
(8) - أخرجه الطبري 5/9، في جامع البيان، والنحاس 104-105 في ناسخه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما.
(1/290)
[والثاني: أنه] (1) المتعة التي كانت في أول الإسلام، كان الرجل ينكح المرأة إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، فإذا انقضت المدة ليس له عليها سبيل قاله قوم منهم السدي (2) ثم اختلفوا هل هي محكمة أو منسوخة، فقال (3) قوم: هي محكمة.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: حدثنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا محمد بن المثنى، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شعبة عن الحكم، قال: سألته عن هذه الآية: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } أمنسوخة هي قال: لا. قال الحكم: وقال علي - رضي الله عنه - لولا أن عمر [نهى] (4) عن المتعة -فذكر شيئا- (5) وقال آخرون: هي منسوخة، واختلفوا بماذا نسخت على قولين:
أحدهما: بإيجاب العدة.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرج نحوه الطبرى بطوله في جامع البيان 5/9 عن السدي.
(3) - في "هـ" "هي" ولعلها زيادة من الناسخ.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرجه الطبري في المصدر السابق من طريق محمد بن المثنى عن الحكم وفيه (وقال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي).
(1/291)
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا علي [بن] (1) أيوب، قال: أبنا "أبو علي بن شاذان" (2) قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا أحمد بن محمد، قال: أبنا هاشم بن مخلد، عن ابن المبارك، عن عثمان بن عطاء [عن عطاء] (3) عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } فنسختها { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } (4) { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ } (5) { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ } (6).
والثاني: أنها نسخت بنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المتعة (7) وهذا القول ليس بشيء لوجهين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" على ذان، بدل "شاذان" ولعلها خطأ من الناسخ.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية الأولى من سورة الطلاق.
(5) - الآية (228) من سورة البقرة.
(6) - الآية الرابعة من سورة الطلاق، والأثر ذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/14، وقال: (أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما) وذكر النحاس في ناسخه (103) قول النسخ عن ابن عباس من طريق عثمان بن عطاء. قلت وفي هذا الإسناد ضعف لأن فيه عثمان بن عطاء قال عنه بن حجر في التقريب (235) ضعيف.
(7) - قال ابن حزم الأنصاري في ناسخه 331، أن هذه الآية منسوخة بحديث مسلم عن سبرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت أحللت هذه المتعة، ألا وإن الله ورسوله قد حرماها، ألا فليبلغ الشاهد الغائب). وذكر ابن خزيمة في ناسخه (270) بأن هذه الآية منسوخة بالطلاق والعدة وبنهي المتعة.
(1/292)
أحدهما: أن الآية سيقت لبيان عقدة النكاح بقوله: { مُحْصِنِينَ } أي متزوجين، عاقدين النكاح، فكان معنى الآية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } على وجه النكاح الموصوف فآتوهن مهورهن، وليس في الآية ما يدل على أن المراد نكاح المتعة الذي نهي عنه، ولا حاجة إلى التكلف، وإنما [أ] (1) جاز المتعة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ثم] (2) منع منها.
والثاني: أنه لو كان ذلك [لم] (3) يجز نسخه بحديث واحد (4).
ذكر الآية الثالثة عشرة:
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } (5) هذه الآية عامة في أكل الإنسان مال نفسه، "وأكله مال غيره" (6) بالباطل. فاما أكله مال نفسه [بالباطل] (7) فهو إنفاقه في معاصي الله - عز وجل -. وأما أكل مال الغير بالباطل، فهو تناوله على الوجه المنهي عنه سواء كان غصبا من مالكه، أو كان برضاه، إلا أنه منهي عنه شرعا، مثل القمار [والربا] (8) وهذه الآية محكمة والعمل عليها.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - قلت: رد المؤلف في تفسيره 2/54 دعوى النسخ بنحو ما رد به هنا، وقال: (إن الآية لم تتضمن جواز المتعة، لأنه قال فيها (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) فدل ذلك على النكاح الصحيح، قال الزجاج: ومعنى قوله "فما استمتعتم به منهن" فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: "محصنين غير مسافحين" أي عاقدين التزويج "فآتوهن أجورهن" أي: مهورهن. ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة). انتهى، وقد ذكر قول الإحكام مكي بن أبي طالب في الإيضاح 186، عن ابن عباس، والحسن ومجاهد.
(5) - الآية (29) من سورة النساء.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(1/293)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا أسود بن عامر، قال: أبنا سفيان عن ربيع [عن] (1) الحسن { لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } (2) قال: ما نسخها شيء، قال أحمد: وحدثنا حسين بن محمد، قال: بنا عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو، أن مسروقا (3) قال في هذه الآية: { لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } قال: إنها لمحكمة ما نسخت (4).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (29) من سورة النساء.
(3) - أما مسروق: فهو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي، ثقة، فقيه، عابد مخضرم - من الثانية، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وستين. انظر: التقريب 334.
(4) - ذكر هذا القول السيوطي في الدر المنثور 2/143 وقال: أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه وفيه (ولا تنسخ إلى يوم القيامة).
(1/294)
وقد زعم بعض منتحلي التفسير، ومدعي علم الناسخ والمنسوخ: أن هذه الآية لما نزلت تحرجوا من أن يواكلوا الأعمى والأعرج والمريض، وقالوا إن الأعمى لا يبصر أطايب الطعام، والأعرج لا يتمكن من المجلس، والمريض لا يستوفي الأكل، فأنزل الله - عز وجل - { لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ } الآية(1) فنسخت هذه الآية (2) وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تنافي بين الآيتين، ولا يجوز أكل المال بالباطل بحال، "وعلى ما قد زعم" (3) هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل.
ذكر الآية الرابعة عشرة:
__________
(1) - الآية (61) من سورة النور.
(2) - ذكر هبة الله في ناسخه 36-37، ونسبه مكي بن أبي طالب في ناسخه (190) إلى ابن عباس رضي الله عنهما ثم قال: (وهذا لم يصح عنه) وأخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/20-21، عن عكرمة والحسن من طريق علي بن الحسين بن واقد المروزي الذي قال عنه المنذري: (قد ضعف) قلت: أسلوب المؤلف في تفنيد هذا القول يدل على عدم ثبوته عن هؤلاء، لذا لم يتعرض في زاد المسير لقول النسخ أصلا. وقد أنكر الطبري دعوى النسخ في المصدر السابق، كما أنكر ذلك مكي بن أبي طالب أيضا: حيث قال: بعد ذكر دعوى النسخ: (قلت: وهذا لا يجوز أن ينسخ، لأن أكل الأموال بالباطل لا ينسخ إلا إلى جواز ذلك، وجوازه لا يحسن ولا يحل فأما من أكلت ماله بطيب نفسه من صديق فهو جائز وليس ذلك من أكل الأموال بالباطل بشيء -والآية في النساء- وهي في النهي عن أكل مال غيرك من غير طيب نفسه، فهو من أكل المال بالباطل. والآية -في النور- هي في جواز أكل مال غيرك عن طيب نفسه، وذلك جائز. فالآيتان في حكمين مختلفين لا تنسخ إحداهما الأخرى، فلا مدخل لذكرهما في هذا الباب)، انتهى. انظر: كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص 190.
(3) - في "هـ" وعلى ما قدر زعم.
(1/295)
قوله تعالى: { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } (1) اختلف [المفسرون] (2) في المراد بهذه المعاقدة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها المحالفة التي كانت في الجاهلية، واختلف هؤلاء على ما كانوا يتعاقدون على ثلاثة أقوال:
أحدها: على أن يتوارثوا.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني [أبي] (3) قال: حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل فيقول: ترثني وأرثك، فنسختها هذه الآية { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } الآية (4).
__________
(1) - الآية (33) من سورة النساء. وفي النسختين (عاقدت) وفيها قراءتان فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: "عاقدت" بالألف، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي "عقدت" بلا ألف. قال أبو علي من قرأ بالألف، فالتقدير: والذين عاقدتهم أيمانكم، ومن حذف الألف، فالمعنى: عقدت حلفهم أيمانكم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. انظر: جامع البيان 5/20-21، وزاد المسير 1/71.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية (75) من سورة الأنفال. والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/150 وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/296)
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا أحمد بن محمد المروزي، قال: بنا علي [بن الحسين] (1) عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: كان [الرجل] (2) يحالف [الرجل] (3) ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك قوله: { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } (4) وقال الحسن: كان الرجل يعاقد الرجل، على أنهما إذا مات أحدهما ورثه الآخر، فنسختها آية المواريث (5).
والثاني: أنهم كانوا يتعاقدون على أن يتناصروا، ويتعاقلوا في الجناية.
والثالث: أنهم كانوا يتعاقدون على جميع ذلك.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس من طريق الحسين بن واقد، قال المنذري وفيه مقال، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى ابن مردويه. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 8/136، والدر المنثور 4/150.
(5) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/33 عن الحسن البصري من طريق علي بن الحسين بن واقد.
(1/297)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر عن قتادة في قوله: { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: كان [الرجل في الجاهلية] (1) يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك "وترثني" (2) وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث، فقال: { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } (3).
فصل: وهل أمروا في الشريعة أن يتوارثوا بذلك فيه قولان:
أحدهما: أنهم أمروا أن يتوارثوا بذلك فمنهم من كان يجعل لحليفه السدس من ماله، ومنهم من كان يجعل له سهما غير ذلك، فإن لم يكن له وارث فهو أحق بجميع ماله.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان 5/34 وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/150 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن قتادة، وذكر النحاس النسخ عن قتادة أيضا في ناسخه 106.
(1/298)
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: أبنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي عن أبيه، عن جده عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعه ليس له شيء، فأنزل الله تعالى: { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } وكان يعطى من ميراثه، فأنزل اله تعالى بعد ذلك، { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } (1) قلت: وهذا القول أعني: نسخ الآية بهذه الآية قول جمهور العلماء منهم الثوري، والأوزاعي (2) ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة: هذا الحكم ليس بمنسوخ، غير أنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة، فإذا فقد ذوي الأرحام ورثوا، وكانوا أحق به من بيت المال.
__________
(1) - أخرج الطبري هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق آل العوفي، وإسناده كإسناد المؤلف مسلسل بالضعفاء. انظر: جامع البيان 5/34؛ ومناقشة الآية (180) من سورة البقرة فيما سبق.
(2) - الأوزاعي: وهو الإمام عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي ثقة فقيه جليل مشهور اسمه يحمد الشامي، نزل ببيروت في آخر عمره، ومات بها مرابطا سنة سبع وخمسين ومائة. انظر: التهذيب 6/238-242؛ والتقريب ص 207.
(1/299)
والثاني: أنهم لم يؤمروا بالتوارث بذلك، بل أمروا بالتناصر، وهذا حكم باق لم ينسخ، وقد قال عليه السلام(لا حلف في [الإسلام وأيما حلف] (1) كان في الجاهلية فإن الإسلام "لم يزده إلا شدة") (2) وأراد بذلك [النصرة والعون] (3) وأراد بقوله: (لا حلف في الإسلام) أن الإسلام قد استغنى عن ذلك، بما أوجب الله تعالى على المسلمين بعضهم لبعض من التناصر (4) وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير، وقد روى عن مجاهد أنهم ينصرونهم ويعقلون عنهم.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا وكيع، قال: بنا سفيان عن منصور عن مجاهد { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: هم الحلفاء { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } من العقل والمشورة والنصرة، ولا ميراث (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" لم يرد الإشارة وهو غلط وتحريف، والصحيح ما أثبت عن "م" هذا الحديث رواه مسلم، والترمذي عن جبير بن مطعم. قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله والتناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، فهذا باق لم ينسخ وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث (وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لا حلف في الإسلام" فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه، والله أعلم). انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 16/81-82.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - قال المؤلف في تفسيره 2/73، بعد ذكر هذا القول: (وهذا قول سعيد بن جبير وهو يدل على أن الآية محكمة).
(5) - أخرجه الطبري والنحاس عن مجاهد. انظر: جامع البيان 5/35-36، والناسخ والمنسوخ 106-107.
(1/300)
والقول الثاني: أن المراد بالمعاقدة، المؤاخاة [التي] (1) عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه.
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا هارون بن عبد الله، قال: بنا أبو أسامة، قال: حدثني [إدريس] (2) بن يزيد، قال: [بنا طلحة] (3) بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورثون الأنصار دون ذوي رحمهم للأخوة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فلما نزلت: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } (4) نسخت، { فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } من النصر والنصيحة والرفادة.
ويوصي لهم وقد ذهب الميراث (5) وروى أصبغ (6) عن ابن زيد { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال: الذين عاقد بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فآتوهم نصيبهم إذا لم يأت ذو رحم يحول بينهم.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ" وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ثقة من السابعة. انظر: التقريب ص 25.
(3) - ساقطة من "هـ" وهو طلحة بن مصرف بن عمرو الكوفي، قارئ فاضل من الخامسة. انظر: التقريب 157.
(4) - الآية (33) من سورة النساء.
(5) - أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظ ابن جرير -كلفظ المؤلف- أوضح وأكمل مما في البخاري، كما قال الحافظ في الفتح. انظر: صحيح البخاري مع الفتح في كتاب التفسير 9/317، وتفسير الطبري 5/34.
(6) - أما أصبغ: فهو ابن الفرج الفقيه الحافظ أبو عبد الله، سمع عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحدث عنه البخاري وخلق كثير، ثقة من العاشرة مات سنة 225هـ. انظر: التقريب 38، وتذكرة الحفاظ 2/457.
(1/301)
"قال: وهذا" (1) لا يكون اليوم إنما كان هذا في نفر آخى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انقطع ذلك ولا يكون هذا لأحد إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم - (2).
القول الثالث: أنها نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية فأمروا أن يوصوا لهم عند الموت توصية ورد الميراث إلى "الرحم" (3) والعصبة. رواه الزهري عن [ابن المسيب] (4).
ذكر الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } (5) قال المفسرون: هذه الآية اقتضت [إباحة السكر في غير] (6) "أوقات" (7) الصلاة ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { فَاجْتَنِبُوهُ } (8)
__________
(1) - في "هـ" وقال هذا.
(2) - ذكره الطبري عن ابن وهب عن ابن زيد في جامع البيان 5/35.
(3) - في "هـ" الوهم، وهو تحريف.
(4) - ساقطة من "هـ" هذا القول أخرجه الطبري في جامع البيان 5/35 والنحاس في الناسخ والمنسوخ 106، عن سعيد بن المسيب من طريق الزهري، وذكر مكي بن أبي طالب أيضا في الإيضاح 193، عنه. قلت: ناقش المؤلف قضية النسخ في زاد المسير 2/72-73، في هذه الآية بنحو ما ناقشه هنا بدون ترجيح رأي دون آخر، وأورد دعوى النسخ معظم كتب النسخ، ولكن الإمامين الطبري والنحاس رجحا إحكام الآية مستدلين بما استدل به أصحاب القول الثاني هنا. انظر: جامع الببان 5/35-36، والناسخ والمنسوخ 106-107.
(5) - الآية (43) من سورة النساء.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - في "م" أقوات وهو تحريف من الناسخ.
(8) - الآية (91) من سورة المائدة.
(1/302)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد "إسماعيل" (1) بن العباس، قال: بنا "أبو" (2) بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن "قهزاذ" (3) قال: حدثني علي بن الحسين [بن] (4) واقد [قال: حدثني أبي عن يز] (5) يد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } قال: نسختها { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } (6) قال أبو بكر: وأبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عبد الله بن صالح، قال: بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } قال: كانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا [صلوا] (7) العشاء [شربوها] (8) فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر، فإذا صلوا الغداة شربوها، فأنزل الله - عز وجل - { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ } الآية(9) فحرم الله الخمر (10).
__________
(1) - مكررة في "هـ".
(2) - في "م" أبي، وهو خطأ.
(3) - غير واضحة من "هـ" و "م" والصواب كما أثبث عن كتب التراجم وهو محمد بن عبد الله بن قهزاذ بضم القاف وسكون الهاء المروزي ثقة من الحادية عشرة مات سنة 262هـ. انظر: التقريب (306).
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - أخرجه أبو داود في سننه 10/108 والنحاس في ناسخه 107، والبيهقي في سننه 8/285 عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال المنذري وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وقد ضعف.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "م".
(9) - الآية (91) من سورة المائدة.
(10) - أخرج نحوه الطبري في حديث طويل عن محمد بن قيس، عند ذكر آية (إنما يريد الشيطان) من سورة المائدة في جامع البيان.
(1/303)
قال أبو بكر: وبنا محمد بن سعد، قال: حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية عن أبيه، عن عطية عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } قال: نسختها الآية التي في المائدة { فَاجْتَنِبُوهُ } (1) قال أبو بكر: وبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا عبد الله بن عثمان، قال: أبنا عيسى بن عبيد، قال: بنا [عبيد الله] (2) مولى عمر بن مسلم، أن الضحاك بن مزاحم أخبره في قوله: { لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ [وَأَنْتُمْ](3) سُكَارَى } قال: نسختها { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ } الآية (4).
ذكر الآية السادسة عشرة:
__________
(1) - أخرج نحوه الطبري عن ابن عباس من طريق محمد بن عبد العوفي، وفيه أن هذه الآية كانت قبل أن تحرم الخمر. انظر: جامع البيان 5/61، وذكر قول النسخ السيوطي في الدر المنثور 2/125، ونسب إلى عبد بن حميد وأبي داود، والنسائي، والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - قلت: روى الطبري في تفسيره 5/62، والنحاس في ناسخه 108، وذكر المؤلف في زاد المسير 2/89 عن الضحاك أن معنى (وأنتم سكارى) أي: من النوم، على أن الآية محكمة، ولكن النحاس والمؤلف ردا هذا الرأي واختار المعنى الأول على أن الآية منسوخة وأما مكي بن أبي طالب فيقول بعد عزو معنى "النوم" إلى الضحاك وزيد بن أسلم: (ويجوز أن يكون ذلك بيانا وتفسيرا لآية النساء وليس بنسخ المفهوم). وأما القرطبي فيورد معنى "النوم" عن الضحاك وعبيدة، ئم يقول: (وهذا معنى صحيح، وعلى هذا فالآية محكمة). انظر: الإيضاح 192، والجامع لأحكام القرآن 5/201.
(1/304)
قوله تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ } (1) قال المفسرون في هذه الآية تقديم وتأخير. تقديره: فعظهم فإن امتنعوا عن الإجابة فأعرض. وهذا كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك بآية السيف (2).
ذكر الآية السابعة عشرة:
__________
(1) - الآية (63) من سورة النساء.
(2) - قلت: ذكر دعوى النسخ هنا ابن حزم في ناسخه (332) وابن سلامة في ناسخه (37) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (23) ولم يتعرض له النحاس أو مكي بن أبي طالب أصلا. أما المؤلف فكما اكتفى بعزو هذا القول إلى المفسرين هنا فقد اكتفى بعزوه إلى قوم في زاد المسير، ولم يبد رأيه فيه. انظر: زاد المسير 2/122.
(1/305)
قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } (1) قال المفسرون: اختصم يهودي ومنافق، وقيل: بل مؤمن ومنافق، فأراد اليهودي، وقيل: المؤمن، أن تكون الحكومة بين يدي الرسول =صلى الله عليه وسلم= فأبى المنافق. فنزل قوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } (2) إلى هذه الآية، وكان معنى هذه الآية: ولو أن المنافقين جاءوك فاستغفروا من "صنيعهم" (3) واستغـ[فر لهم] (4) الرسول (5) وقد زعم بعض منتحلي التفسير: أن هذه الآية نسخت بقوله: { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } (6)
__________
(1) - الآية (64) من سورة النساء.
(2) - الآية (60) من سورة النساء.
(3) - في "هـ" ضيعتهم، وهو تصحيف.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - قلت: هذا السبب الذي أورده المؤلف في نزول الآية هو مكون من سببين مستقلين رويا من طريقين مختلفين: فالأول: أنها نزلت في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة إلى آخر ما قاله المؤلف. رواه الواحدي في أسباب النزول (92) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. والثاني: أن رجلا من بني النضير قتل رجلا من بني قريظة فاختصموا، فقال المنافقون منهم انطلقوا إلى أبي بردة الكاهن، وقال المسلمون من الفريقين بل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى المنافقون، فنزلت هذه الآية. ذكره المؤلف في زاد المسير 2/118-119.
(6) - الآية (80) من سورة التوبة..
(1/306)
وهذا قول مرذول، لأنه إنما قيل { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } لإصرارهم على النفاق، فأما إذا جاءوا فاستغفروا واستغفر لهم الرسول، فقد ارتفع الإصرار فلا وجه للنسخ (1).
ذكر الآية الثامنة عشرة:
قوله تعالى: { خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } (2) وهذه الآية تتضمن الأمر بأخذ الحذر، والندب إلى أن يكونوا عُصَبًا وقت نفيرهم، ذوي أسلحة عند بروزهم إلى عدوهم ولا ينفروا منفردين (3) لأن الثبات الجماعات المتفرقة (4). وقد ذهب قوم: إلى أن هذه الآية منسوخة.
__________
(1) - قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية أصحاب أمهات كتب النسخ ولا المفسرين لضعف ذلك، وإنما ذكره ابن سلامة في ناسخه 37-38 بدون نسبته إلى أحد.
(2) - الآية (71) من سورة النساء.
(3) - أخر الطبري في جامع البيان 5/105 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق علي بن أبي طلحة في قوله: (فانفروا ثبات) قال: عصبا يعني سرايا متفرقين، أو انفروا جميعا يعني كلكم. وذكره المؤلف في زاد المسير 2/129، كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/183، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) - نقل هذا القول المؤلف في المصدر السابق عن الزجاج.
(1/307)
أخبرنا [ابن] (1) ناصر قال: أبنا علي بن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الحسن بن محمد، قال: بنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } (2) وقال: { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا } (3)وقال: { إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } (4) ثم نسخ هذه الآيات، فقال: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } الآية (5).
قلت: وهذه الرواية فيها مغمز (6) وهذا المذهب لا يعمل عليه، وأحوال المجاهدين تختلف، والأمر في ذلك على حسب ما يراه الإمام وليس في هذه الآيات شيء "منسوخ بل كلها" (7) محكمات. وقد ذهب إلى ما قد ذهبت إليه، أبو سليمان الدمشقي (8).
ذكر الآية التاسعة عشرة:
__________
(1) - ساقطة من "م" والصواب ما أثبت كما قدمنا في ترجمته عند أول ذكر له ص 87.
(2) - الآية (71) من سورة النساء.
(3) - الآية (41) من سورة التوبة.
(4) - الآية (39) من سورة التوبة.
(5) - الآية (122) من التوبة، وروى قول النسخ البيهقي في سننه 9/47، من طريق عطاء عن ابن عباس وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/183 وزاد نسبته إلى أبي داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(6) - المغمز: عيب يقال، ليس فيه غميزة ولا مغمز، أي: عيب. انظر: المصباح المنير 2/107.
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير 2/130 عن أبي سليمان الدمشقي، قلت: لم يذكر النحاس ومكي بن أبي طالب هذه الآية من المنسوخة أصلا.
(1/308)
قوله تعالى: { وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } (1) روى أبو صالح عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال معناه: فما أرسلناك عليهم "رقيبا تؤخذ بهم" (2) وقال السدي وابن "قتيبة" (3) حفيظا أي: محاسبا لهم (4) وقد ذهب قوم منهم عبد الرحمن بن زيد، إلى أن هذه الآية نزلت في بداية الأمر ثم نسخت بآية السيف (5) وفيه بعد، لأنه إذا كان تفسيرها ما ذكرنا فأي وجه للنسخ (6).
ذكر الآية العشرين:
قوله تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } (7) قال المفسرون معنى الكلام: أعرض عن عقوبتهم، ثم نسخ هذا الإعراض عنهم بآية السيف (8).
ذكر الآية الحادية والعشرين:
__________
(1) - الآية (80) من سورة النساء.
(2) - غير واضحة من "هـ"، وذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير 2/142، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) - مصحفة في "هـ".
(4) - ذكره المؤلف في المصدر السابق عن السدي وابن قتيبة.
(5) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/112 عن ابن زيد.
(6) - قلت: لم يعد النحاس ومكي بن أبي طالب هذه الآية من المنسوخة أصلا. أما المؤلف فقد عزا قول النسخ هنا إلى المفسرين في زاد المسير.
(7) - الآية (81) من سورة النساء.
(8) - قلت: ذكر النسخ هنا ابن حزم في ناسخه 333، وابن سلامة في ناسخه 38، وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة 22، كما ذكره المؤلف في زاد المسير 2/143، وعزاه إلى ابن عباس، ولم يبد رأيه. وأما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا هنا لدعوى النسخ أصلا.
(1/309)
قوله تعالى: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ } (1) قال المفسرون: معنا[ه] (2) لا تكلف إلا المجاهدة بنفسك، ولا تلزم فعل غيرك، وهذا محكم. وقد زعم بعض منتحلي التفسير أنه منسوخ بآية السيف (3) "فكأنه" (4) استشعر أن معنى الكلام لا تكلف أن تقاتل أحدا، وليس كذلك، إنما المعنى لا تكلف في الجهاد إلا فعل نفسك (5).
ذكر الآية الثانية والعشرين:
__________
(1) - الآية (84) من سورة االنساء.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ذكر النسخ هنا ابن سلامة في ناسخه (38).
(4) - في "هـ" فكأن.
(5) - فسر المؤلف بذلك في زاد المسير 2/149، ولم يذكر النسخ وأعرض عنه النحاس ومكي بن أبي طالب أيضا.
(1/310)
قوله تعالى: { إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ [ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } (1) قوله تعالى] (2) يصلون: يدخلون في عهد بينكم وبينهم ميثاق والمعنى: ينتسبون بالعهد (3) أو يصلون إلى قوم جاءوكم، حصرت صدورهم أي: ضاقت عن قتالكم (4).
__________
(1) - الآية (90) من سورة النساء.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أوضح المؤلف في تفسيره معنى الآية حيث قال: (وفي "يصلون" قولان: أحدهما: أنه بمعنى يتصلون ويلجأون)، قلت: عزا ابن كثير هذا القول إلى السدي وابن زيد وابن جرير. والثاني: أنه بمعنى ينتسبون، قاله ابن قتيبة، وأنشد: إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم يريد: إذا نسبت) قلت: قد أنكر النحاس هذا القول وتعقبها بقوله: (قال أبو جعفر: وهذا غلط عظيم؛ لأنه يذهب إلى أن الله تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين السابقين أنساب. وأشد من هذا الجهل الاحتجاج بأن ذلك كان، ثم نسخ، لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له (براءة) وإنما نزلت (براءة) بعد الفتح وبعد أن انقطعت الحروب، وإنما يؤتي هذا من الجهل بقول أهل التفسير، والاجتراء على كتاب الله تعالى وحمله على المعقول من غير علم بأقاويل المتقدمين. والتقدير على قول أهل التأويل: فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أولئك خزاعة صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم لا يقاتلون، وأعطاهم الذمام والأمان، ومن وصل إليهم فدخل في الصلح معهم، كان حكمه كحكمهم (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أي: وإلا الذين جاءوكم حصرت صدورهم وهم بنو مدلج وبنو خزيمة ضاقت صدورهم أن يقاتلوا المسلمين، أو يقاتلوا قومهم بني مدلج. "وحصرت" خبر بعد خبر). انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 109.
(4) - ذكر الطبري نحوه في جامع البيان 5/135 عن السدي.
(1/311)
لموضع العهد الذي بينكم وبينهم، فأمر (1) المسلمون في هذه الآية بترك قتال من "له" (2) معهم عهد، أو ميثاق، أو ما يتعلق بعهد، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وبما أمروا به من نبذ العهد إلى أربابه في سورة براءة وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وقتادة.
أخبرنا ابن ناصر، قال: "ابنا ابن أيوب" (3) قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الحسن بن محمد، قال: بنا حجاج، قال: قال ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } (4) وقال: { إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } (5) وقال: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } (6) نسخ هذا { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (7) { فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (8).
__________
(1) - في "هـ" فأمرو، ولعل الواو زيادة من الناسخ.
(2) - في "هـ" لهم، وهو خطأ.
(3) - هذه العبارة غير سليمة في "هـ" وقد جاء فيها، (قال: أبنا قال ابن بنا ابن أيوب).
(4) - الآية (90) من سورة النساء.
(5) - الآية (10) من سورة الممتحنة.
(6) - الآية الثامنة من الممتحنة.
(7) - الآية الأولى من التوبة.
(8) - الآية الخامسة من التوبة. أخرج النحاس قول النسخ عن ابن عباس رضي الله عنهما هنا بآية السيف، من طريق عطاء الخراساني، كما أخرج الطبري الأثر المذكور بطوله عن عكرمة والحسن، وفيه ذكر الآية التاسعة من الممتحنة بدل العاشرة، وذكر النسخ أيضا مكي بن أبي طالب عن ابن عباس بدون إسناد. انظر: الناسخ والمنسوخ 109؛ وجامع البيان 5/123؛ والإيضاح (195).
(1/312)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: "أبنا عمر" بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا أحمد بن إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد عن قتادة { إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } الآية. قال: نسخ ذلك في براءة، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمر الله نبيه [أن يقاتلهم] (1) حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقال: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } الآية (2).
ذكر الآية الثالثة والعشرين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 5/123، من طريقين عن قتادة، كما أخرجه النحاس في ناسخه (190) عنه وعن مجاهد، وذكره مكي بن أبي طالب في ناسخه 195، عن قتادة بدون إسناد. قلت: رأينا المؤلف هنا يورد أدلة القائلين بالنسخ بدون أدنى اعتراض على ذلك، وقال في تفسيره: 2/150 (قال جماعة من المفسرين: معاهدة المشركين وموادعتهم المذكورة في هذه الآية منسوخة بآية السيف) انتهى. واختار الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب النسخ، إلا أن عبد القاهر البغدادي ذكر عن جماعة أن هذه الآية محكمة وإنما نزلت في قوم مخصوصين، وهم بنو خزيمة وبنو مدلج، عاقدوا حلفاء المسلمين فنهى عن قتلهم، ونزلت آية السيف بعد إسلام الذين ذكرناهم. انظر: جامع البيان 5/128، والناسخ والمنسوخ ص109، والإيضاح 195؛ والناسخ المخطوط لعبد القاهر ورقة من الفلم 61.
(1/313)
قوله تعالى: { سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ " يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ "(1) وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ } (2) والمعنى: أنهم يظهرون الموافقة للفريقين "ليأمنوهما" (3) فأمر الله تعالى بالكف عنهم، إذا اعتزلوا وألقوا إلينا السلم، وهو الصلح كما أمر بالكف عن الذين يصلون إلى قوم بيننا وبينهم ميثاق، ثم نسخ ذلك بقوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (4).
ذكر الآية الرابعة والعشرين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - الآية (91) من النساء.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - الآية الخامسة من سورة التوبة. قلت: يظهر من أسلوب المؤلف أن دعوى النسخ هنا أمر مسلم لديه حيث لم ينسبه إلى أحد، وأما في تفسيره 2/161، فقد عزاه إلى أهل التفسير. ويقول الأستاذ مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم 2/785 عن هذه الآية والتي قبلها (أن كلتيهما في المنافقين وكان الإسلام يأبى أن يقتلهم حتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه) ولم يتعرض النحاس ومكي بن أبي طالب لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا، وقد ذكره ابن حزم في ناسخه 333، وابن سلامة في ناسخه 39 وابن هلال في ناسخه المخطوط 23، بدون أن ينسبوه إلى أحد.
(1/314)
[قوله تعالى] (1) { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } (2) جمهور أهل العلم على أن الإشارة بهذا إلى الذي يقتل خطأ "فعلى" (3) قاتله الدية والكفارة وهذا قول ابن عباس والشعبي، وقتادة، والزهري، وأبي حنيفة، والشافعي، وهو قول أصحابنا (4) فالآية على هذا محكمة. وقد ذهب "بعض" (5) مفسري القرآن إلى أن المراد به من كان من المشركين بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد "وهدنة" (6) إلى أجل، ثم نسخ ذلك بقوله: { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (7) [و] (8) بقوله: { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } (9).
ذكر الآية الخامسة والعشرين:
قوله [تعالى] (10) { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } الآية (11) اختلف العلماء هل هذه محكمة أم منسوخة على قولين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية (92) من النساء.
(3) - في "هـ" فلا، وهو خطأ وتحريف.
(4) - يقصد بذلك أصحاب أحمد بن حنبل، وقد روى هذا القول الإمام أبو جعفر الطبري عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 1/131-132.
(5) - في "هـ" في بعض. والفاء زيادة من الناسخ.
(6) - في "م" هدية، وهو تصحيف.
(7) - الآية الأولى من التوبة.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - الآية (85) من الأنفال، ذكر مكي بن أبي طالب هنا في الإيضاح (60) قول النسخ وعزاه إلى أبي أويس، أما النحاس في ناسخه والطبري في جامع البيان والمؤلف في زاد المسير فلم يتعرضوا هنا لدعوى النسخ أصلا.
(10) - ساقطة من "هـ".
(11) - الآية (93) من النساء.
(1/315)
أحدهما: "أنها" (1) منسوخة وهو قول جماعة من العلماء قالوا: بأنها حكمت بخلود القاتل في النار، وذلك منسوخ بقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [ لِمَنْ يَشَاءُ ] (2) } وقال بعضهم: نسخها قوله تعالى: { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } إلى قوله: { إِلا [ مَنْ ] (3) تَابَ } (4) وحكى أبو جعفر النحاس: أن بعض العلماء قال: معنى نسختها آية "الفرقان" (5) أي: نزلت بنسختها (6).
والقول الثاني: أنها محكمة. واختلف هؤلاء في طريق إحكامها على قولين:
أحدهما: أن قاتل المؤمن مخلد في النار، وأكدوا هذا بأنها خبر، والأخبار لا تنسخ.
__________
(1) - في "هـ" أنه بالتذكير وهو خطأ.
(2) - الآية (48) من سورة النساء، وما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الأيات (68-70) من سورة الفرقان.
(5) - في "هـ" القرآن، وهو تحريف.
(6) - انظر نص ما ذكره النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 112.
(1/316)
أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار (1) قال: أبنا أبي، قال: أبنا أبو بكر البرقاني قال: أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، قال: أخبرني البغوي، قال: بنا علي بن الجعد، قال: أبنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، قال: سمعت سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة في هذه الآية { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } قال: "فرحلت فيها إلى ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شيء" (2) وعن شعبة عن منصور قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قول الله - عز وجل - { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } قال: لا توبة له (3).
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحاق بن الحسن، قال: أبنا ابن حذيفة النهدي، قال: بنا سفيان الثوري، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } قال: ليس لقاتل مؤمن توبة، ما نسختها آية منذ نزلت (4).
__________
(1) - يحيى بن ثابت بن بندار بن إبراهيم الدينوري، من مشائخ ابن الجوزي سمع منه -كما قال في مشيخته- صحيح الإسماعيلي وغيره، مات سنة 565هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 174.
(2) - ما بين قوسين مكررة في "هـ" وقد روى هذا الأثر الإمام البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير، كما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير، عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/326 من كتاب التفسير.
(3) - رواه الطبري في جامع البيان 5/137 عن سعيد بن جبير.
(4) - أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 5/138.
(1/317)
أخبرنا سعيد بن أحمد (1) قال: أبنا ابن اليسرى، قال: أبنا المخلص، قال: بنا البغوي، قال: بنا عثمان بن أبي شيبة، قال: بنا أبو خالد الأحمر، عن عمر بن قيس الملاي، عن يحيى الجابر، عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس =رضي الله عنهما= أنه تلا هذه الآية: { "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا"(2) فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } حتى فرغ منها، فقيل له: وإن تاب وآمن عمل "صالحا ثم" (3) اهتدى قال ابن عباس: وأنى له التوبة قد سمعت نبيكم [صلى الله عليه وسلم] (4) يقول: (ثكلته أمه، قاتل المؤمن إذا جاء يوم القيامة [واضعا رأسه] (5) على إحدى يديه آخذا [بالأخرى] (6) القاتل "تشخب (7) أوداجه قبل عرش الرحمن - عز وجل - فيقول: رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: وما نزلت في كتاب الله - عز وجل - آية نسختها (8).
__________
(1) - أما سعيد بن أحمد فهو أبو القاسم بن الحسن بن البناء سمع منه المؤلف ابن الجوزي رحمه الله، ولد سنة 467 هـ وسمع الكثير وكان خيرا، وتوفي في ذي الحجة سنة 505هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 125-126؛ والمنتظم 10/126؛ والنجوم الزاهرة 5/321.
(2) - هذا الجزء من الآية غير واضحة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - تشخب: أي: تجري، يقال: شخبت أوداج القتيل دما من بابي قتل، ونفع. انظر: المصباح المنير 1/328.
(8) - أخرج نحوه الطبري والنحاس عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: جامع البيان 5/137-138؛ والناسخ والمنسوخ ص111. وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور 2/196 إلى أحمد، وسعيد بن منصور، والنسائي وابن ماجه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، من طريق سالم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(1/318)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: بنا مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة في هذه الآية { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } فرحلت إلى ابن أبي عباس =رضي الله عنهما= فقال: إنها من آخر ما نزل، وما نسخها شيء (1). قال أحمد: وبنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: حدثني القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: [لا] (2) فتلوت هذه الآية التي في الفرقان { إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ } (3) فقال: هذه الآية مكية نسختها آية مدنية { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } (4) قال أحمد: وبنا حسين بن "محمد قال" (5) بنا سفيان، عن أبي الزياد، قال: سمعت شيخنا يحدث خارجة [بن] (6) زيد بن ثابت، قال: سمعت أباك، "قال" (7) نزلت الشديدة بعد الهينة "بستة أشهر" (8) قوله: { وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ } (9)
__________
(1) - تقدم تخريجه عن الشيخين وغيرهما، وزاد السيوطي أيضا نسبته إلى عبد بن حميد والطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: الدر المنثور 2/196.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - الآية (70) من سورة التوبة.
(4) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 5/138، والنحاس في ناسخه (111) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - في "هـ" يقول.
(8) - غير واضحة من "هـ".
(9) - الآية (68) من الفرقان..
(1/319)
وقوله { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } (1) وقد روي عن ابن عباس ما يدل على أنه قصد [التشديد] (2) بهذا القول فأخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين [بن] (3) قريش قال: بنا إبراهيم بن "عمر قال" (4) أبنا محمد بن إسماعيل قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن عبد الملك، قال: أبنا يزيد بن هارون، قال: أبنا أبو مالك، قال: بنا سعد بن عبيدة، أن ابن عباس =رضي الله عنهما= كان يقول: لمن قتل المؤمن توبة، فجاءه رجل فسأله، ألمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: [لا] (5) إلا النار، فلما قام قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا أنه لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة مقبولة، فما شأن هذا اليوم؟ قال: إني أظنه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا، فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك (6). قال أبو بكر بن أبي داود: وقد روى عن ابن عباس =رضي الله عنهما= أن "للقاتل" توبة (7) وقد روى سعيد بن "ميناء" (8)
__________
(1) - الآية (93) من النساء والأثر أخرجه الطبري في تفسيره 5/135 والنحاس في ناسخه 110-111، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وزاد السيوطي نسبته إلى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت. انظر: الدر المنثور 2/196.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - أخرجه النحاس من طريق سعد بن عبيدة عن ابن عباس رضي الله عنهما في الناسخ والمنسوخ ص 112، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/198 وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، عن ابن عباس، ولفظ النحاس (قال جلساؤه: هكذا كنت تفتينا...) ولفظ السيوطي: قال له جلساؤه (ما كنت هكذا تفتينا، كنت تفتينا...).
(7) - في "هـ" المقاتل، وهو تحريف، وقد ذكر السيوطي نحو هذا القول في الدر المنثور 2/197، معزيا إلى ابن المنذر عن ابن عباس.
(8) - غير واضحة من "هـ" وهو: سعيد بن ميناء ابن أبي البختري ابن أبي ذباب الحجازي أبو الوليد، ثقة من الثالثة.. انظر: التقريب (126).
(1/320)
عن عبد الله بن عمر، قال: "سأله" (1) رجل، قال: إني قتلت رجلا فهل لي من توبة؟ قال: تزود من الماء البارد، فإنك لا تدخلها أبدا. وقد روى عن ابن عمر =رضي الله عنهما= ضد هذا، فإنه قال للقاتل "تب إلى إله يتب عليك، وروى سعيد بن مينا" (2) عن أبي هريرة =رضي الله عنه= قال: جاءه رجل فقال: يا أبا هريرة، ما تقول في قاتل المؤمن، هل له من توبة؟ قال: والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (3).
والقول الثاني: أنها عامة دخلها التخصيص، بدليل (4) أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر سقطت عنه العقوبة في الدنيا والآخرة، فإذا ثبت كونها من العام المخصص، فأي دليل صلح للتخصيص وجب العمل به، ومن أسباب التخصيص أن يكون قد قتله مستحلا لأجل إيمانه فيستحق التخليد لاستحلاله.
__________
(1) - في "هـ" بناله، وهو تحريف من الناسخ.
(2) - في "هـ" في العبارة تقديم وتأخير.
(3) - ذكره ائسيوطي في الدر المنثور 2/197، وعزاه إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن ميناء يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) - في "هـ" كلمة "إلا" زيادة، ولعلها من الناسخ.
(1/321)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا الحسن بن عطاء، وأحمد بن محمد الحسين، قالا: بنا خلاد بن يحيى، قال بنا أنس بن مالك الصيرفي أبو رؤبة عن أنس بن مالك، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية وعليها أمير فلما انتهى إلى أهل ماء خرج إليه رجل من أهل الماء فخرج إليه رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى الإسلام، قال: وما الإسلام؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن تقر بجميع الطاعة، قال: هذا؟ قال: نعم. فحمل عليه فقتله لا يقتله إلا على الإسلام، فنزلت: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا } لا يقتل إلا على إيمانه الآية كلها. قال سعيد بن جبير: نزلت في "مقيس بن ضبابة" قتل مسلما عمدا وارتد كافرا (1) وقد ضعف هذا الوجه أبو جعفر النحاس فقال: "ومن" لفظ عام لا يخص "إلا" (2) "بتوقيف" (3) أو دليل قاطع (4) وقد ذهب قوم إلى أنها مخصوصة في حق من لم يتب، بدليل قوله تعالى: { إِلا مَنْ تَابَ } (5) والصحيح أن الآيتين محكمتان، فإن كانت التي في النساء أنزلت أولا فإنها محكمة نزلت على حكم الوعيد "غير مستوفاة" (6) الحكم، ثم بين حكمها في الآية التي في الفرقان، وكثير من المفسرين منهم ابن عباس [وأبو] (7)
__________
(1) - رواه الطبري في جامع البيان 5/137 عن عكرمة من طريق ابن جريج ورواه الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في أسباب النزول 114، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/195 وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(2) - مكررة في "هـ".
(3) - في "هـ" توقف، وهو تحريف.
(4) - انظر: نص ما ذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ، ص 112.
(5) - الآية (70) من الفرقان.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ"..
(1/322)
مجلز (1) وأبو صالح. يقولون: فجزاؤه جهنم إن جازاه، وقد روى لنا مرفوعا [إلا أنه] (2) لا يثبت رفعه (3) والمعنى "يستحق" (4) الخلود غير أنه لا يقطع له به.
__________
(1) - أما أبو مجلز: فهو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مجلز بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي، مشهور بكنيته ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ست أو سبع أو مائة وقيل غير ذلك. انظر: التقريب (372).
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ذكر نحو هذا المعنى السيوطي في الدر المنثور 2/197، وعزاه إلى ابن أبي حاتم والطبراني وأبي القاسم بن بشران عن أبي هريرة رضي الله عنه بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) قال: هو جزاءه إن جازاه. ونسب النحاس هذا القول إلى مشاجع ثم رده بقوله (ولم يقل بذلك أحد، وهو خطأ في العربية). انظر: الناسخ والمنسوخ (112).
(4) - غير واضحة من "هـ".
(1/323)
وفي هذا الوجه [بعد] (1) لقوله: { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ } فأخبر بوقوع عذابه كذلك، وقال أبو عبيد: وإن كانت التي في الفرقان الأولى فقد استغنى بما فيها عن إعادته في سورة النساء فلا وجه للنسخ بحال (2).
ذكر الآية السادسة والعشرين:
قوله تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ } (3) زعم بعض من قل فهمه أنها نسخت بالاستثناء بعد[ها] (4) وهو قوله: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا } (5) وقد بيّنا في مواضع أن الاستثناء ليس بنسخ (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - قلت: ناقش المؤلف قضية النسخ في هذه الآية، في كتابيه، التفسير 2/168، ومختصر عمدة الراسخ ورقة (5) بشبه ما ناقش به هنا بالاختصار، لكنه لم يقم بترجيح رأي دون رأي آخر. وأما أبو جعفر النحاس فقد اختار إحكام الآية في ناسخه 110-112. يقول الشوكاني في فتح القدير 1/461 بعد أن أورد الآثار الواردة عن سعيد بن جبير وزيد بن ثابت بعدم النسخ: (ومن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف أبو هريرة وعبد الله بن عمرو، وأبو سلمة، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة، واستدلوا بمثل قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات) وقوله: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) وقوله (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قالوا أيضا: والجميع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما: فجزاءه جهنم إلا من تاب، لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل الموجب والتوعد بالعقاب) ثم سرد الشوكاني أدلة الجمهور.
(3) - الآية (145) من النساء.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - الآية (146) من الآية نفسها.
(6) - قلت لم يتعرض المؤلف للنسخ هنا في تفسيره ومختصر عمدة الراسخ كما لم يتعرض له أصحاب أمهات كتب النسخ، إلا أن هبة الله قال في هذه الآية: (ثم استثنى بآية "إلا الذين تابوا") ولم يذكر النسخ. انظر: الناسخ والمنسوخ له (40).
(1/324)
(4)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ، في سورة المائدة"
قد زعم "قوم" (1) أنه ليس في المائدة منسوخ، فأخبرنا محمد بن أبي منصور، قال: أبنا علي بن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا عبد الرحمن (2) قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عامر بن شراحيل، قال: المائدة ليس فيها منسوخ (3) قال ابن بشار: وبنا ابن أبي عدي، قال: بنا ابن عون، قال: قلت للحسن: نسخ من المائدة شيء؟ قال: لا (4). وقد ذهب الأكثرون إلى أن في المائدة منسوخا ونحن نذكر ذلك.
ذكر [الآية] (5) الأولى:
قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } الآية (6).
اختلف المفسرون في هذه الآية، هل هي محكمة أم منسوخة؟ على قولين:
__________
(1) - في "هـ" قال، بدل قوم، وهو تحريف.
(2) - في "هـ" (ما) زيادة ولعلها من الناسخ.
(3) - ذكره النحاس في ناسخه 114 عن عامر بن شرحبيل (الشعبي) وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/252، وعزاه إلى أبي داود في ناسخه عن الشعبي.
(4) - ذكره السيوطي في المصدر نفسه وعزاه إلى عبد بن حميد وأبي داود وابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية الثالثة من سورة المائدة.
(1/325)
أحدهما: أنها محكمة ولا يجوز استحلال الشعائر ولا الهدي قبل أوان ذبحه (1) ثم اختلفوا في القلائد فقال بعضهم: يحرم رفع "القلادة" (2) عن الهدي حتى "ينحر" (3) وقال آخرون منهم: كانت الجاهلية تقلد من شجر [الحرم] (4) فقيل لهم "لا تستحلوا" (5) أخذ القلائد من الحرم ولا تصدوا القاصدين إلى البيت (6).
والقول الثاني: أنها منسوخة، ثم في المنسوخ منها ثلاثة أقوال:
أحدهما: قوله: { وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } فإ"ن هذا" (7) اقتضى جواز إقرار [المشركين على] (8) قصدهم البيت، وإظهار[هم] (9) شعائر الحج ثم نسخ هذا بقوله: { فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (10) وبقوله { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (11) وهذا المعنى مروي عن ابن عباس =رضي الله عنهما=.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن "أحمد" (12) قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد عن قتادة، قال: نسخ منها { آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } نسخها قوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (13).
__________
(1) - ذكر المؤلف في زاد المسير 2/277 هذا الرأي عن الحسن وأبو ميسرة في آخرين.
(2) - في "هـ" القلائد.
(3) - مصحفة في "هـ".
(4) - (أل) ساقطة من "هـ".
(5) - مصحفة في "م".
(6) - ذكر المؤلف هذه الآراء بنصها في زاد المسير 2/278 ولم ينسبها إلى أحد.
(7) - في "هـ" فإنها، وهو تحريف.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - الآية (28) من سورة التوبة.
(11) - الآية الخامسة من سورة التوبة.
(12) - في "هـ" بشر، بدل أحمد ولعله تحريف من الناسخ.
(13) - الآية الخامسة من التوبة.
(1/326)
وقال: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } (1).
وقال: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } (2).
والثاني: أن المنسوخ منها تحريم الشهر الحرام، وتحريم الآمين للبيت إذا كانوا مشركين، وهدي المشركين، إذا لم يكن لهم من المسلمين أمان، قاله أبو سليمان الدمشقي (3).
والثالث: أن جميعها منسوخ.
__________
(1) - الآية (17) من سورة التوبة.
(2) - الآية (28) من التوبة. أخرجه الطبري عن قتادة في جامع البيان 6/40، وذكره المؤلف 2/278، عن ابن عباس وقتادة.
(3) - ذكره المؤلف في المصدر نفسه عن أبي سليمان الدمشقي.
(1/327)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } (1) قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام، ويهدون الهدايا ويحرمون "حرمة" (2) المشاعر، وينحرون في حجهم، فأنزل الله - عز وجل - { لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } أي لا تستحلوا قتالا فيه، { وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } يقول: من توجه قبل البيت، ثم أنزل الله، فقال: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (3).
__________

1) - الآية الثانية من سورة المائدة.
(2) - في "هـ" حرمت، بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي.

(3) - الآية الخامسة من التوبة، والأثر أخرجه الطبري عن مجاهد والضحاك في جامع البيان 6/40، وعزاه المؤلف في زاد المسير 2/278 إلى الشعبي. وأخرج النحاس نحوه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه ثم أنزل الله بعد ذلك (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا).
 
---------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق