مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا

ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي  / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين  / مدونة قيقي  / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي

9 مصاحف

 

الخميس، 17 مايو 2018

4.نواسخ القران الاية(لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ) و(وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)


4.
(1) - الآية الثانية من سورة المائدة.
(2) - في "هـ" حرمت، بالتاء المفتوحة، وهو خطأ إملائي.
(3) - الآية الخامسة من التوبة، والأثر أخرجه الطبري عن مجاهد والضحاك في جامع البيان 6/40، وعزاه المؤلف في زاد المسير 2/278 إلى الشعبي. وأخرج النحاس نحوه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه ثم أنزل الله بعد ذلك (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا).
(1/328)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: [أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد قال:] (1) بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا يزيد، قال: أبنا سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد، قال: نسخت هذه الآية { لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ } نسختها { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا معمر عن قتادة، { لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ } قال: هي منسوخة، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من "السمر" (3) فلم يعرض له أحد، فإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، ولا عند البيت الحرام، فنسخها { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (4).
__________
(1) - ما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(2) - ذكره مكي بن أبي طالب في ناسخه 218 عن مجاهد، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/254، وعزاه الى ابن المنذر عن مجاهد.
(3) - في "هـ" السمو، وهو تحريف والسمر بفتح السين وضم الميم من الشجر صغار الورق قصار الشوك، وله برمة صفراء يأكلها الناس. وليس في العناة شيء أجود خشبا منه، ينقل إلى القرى فتغمي به البيوت، وقوله: تقلد من السمر، يريد قشره. انظر: تاج العروس المجلد الثالث 278 في مادة (سمر).
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 6/40 والنحاس في ناسخه (115) عن قتادة وذكره مكي بن أبي طالب في ناسخه 219 عنه، كما ذكره السيوطي في المصدر السابق معزيا إلى عبد الرزاق وابن أبي حميد عن قتادة أيضا. (1/329)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحاق بن الحسن، قال: أبنا أبو حذيفة النهدي، قال: بنا سفيان الثوري عن بيان عن الشعبي، قال: لم ينسخ من المائدة غير آية واحدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ } "نسختها" (1) { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) وفصل الخطاب في هذا أنه لا يمكن القول بنسخ جميع الآية فإن شعائر الله أعلام متعبداته (3) ولا يجوز القول بنسخ هذا "إلا أن يعني" (4) به: لا تستحلوا نقض ما شرع فيه المشركون من ذلك، فعلى هذا يكون منسوخا. وكذلك الهدي والقلائد، وكذلك الآمون للبيب فإنه لا يجوز صدهم إلا أن يكونوا مشركين، وأما الشهر الحرام فمنسوخ الحكم على ما بينا في قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } (5)
__________
(1) - في "هـ" ونسختها ولعل الواو زيادة من الناسخ.
(2) - ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح 220 عن الشعبي.
(3) - اختار النحاس هذا الاتجاه، وذكر ذلك عن عطاء، وقال مكي بن أبي طالب -وهو يناقش هذه الآية- (وأكثر العلماء على أن قوله لا تحلوا شعائر الله محكم غير منسوخ، ومعناه: لا تستحلوا حدوده ومعالمه وحرماته، وهذا لا يجوز. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (116) والإيضاح في الصفحة السابقة.
(4) - في "هـ" لأن يعني، وهو خطأ.
(5) - الآية (217) من سورة البقرة.
(1/330)
فأما قوله: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } (1) فلا وجه لنسخه، وأما قوله: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } فمنسوخ بقوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) وباقي الآية محكم "بلا" (3) شك.
ذكر الآية الثانية:
قوله تعالى: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } (4) [اختلف] (5) المفسرون في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
__________
(1) - جزء من الآية الثانية من المائدة.
(2) - الآية الخامسة من التوبة، قلت: دعوى النسخ في هذا الجزء من الآية مروية عن ابن زيد، وذهب مجاهد إلى إحكامها مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله من قتل بذحل في الجاهلية) فهي مخصوصة نزلت في مطالبة المسلمين المشركين بدخول الجاهلية، لأجل أن صدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية، أن تطالبوهم بما مضى في الجاهلية من قتل أو غيره فما هم عليه من الكفر أعظم من ذلك، وهذا هو القول المختار عند النحاس، ومكي بن أبي طالب، وقال: مكي عن بقية الآية: وأكثر الناس على أن المائدة نزلت بعد براءة، فلا يجوز أن ينسخ ما في براءة ما في المائدة. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 116، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (221) قلت: ناقش موضوع النسخ المؤلف في زاد المسير، وبين اختلاف المفسرين ولكنه لم يبد رأيه فيه، وقد رأيناه هنا ينص على نسخ جزئين من الآية، وأما في مختصر عمدة الراسخ ورقة (5) فيقول بعد ذكر آراء العلماء: (هكذا أطلق القول جماعة، وليس بصحيح فإن قوله (وإذا حللتم فاصطادوا) وقوله (وتعاونوا على البر والتقوى إلى آخرها، لا وجه فيهما للنسخ).
(3) - في "م" بلى، وهو خطأ إملائي.
(4) - الآية الخامسة من سورة المائدة.
(5) - ساقطة من "هـ". (1/331)
أحدهما: أنها اقتضت [إباحة] (1) ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق، وأن علمنا أنهم قد أهلوا [عليها بغير] (2) اسم الله، أو أشركوا معه غيره. وهذا مروي عن الشعبي، وربيعة، [والقاسم بن] (3) مخيمرة (4) في آخرين، وهؤلاء زعموا أنها ناسخة لقوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } (5)
قال أبو بكر: وبنا حرمي بن يونس (6) قال: أبنا أبي، يونس بن محمد، قال: بنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن، قال: قيل له: إنهم يذكرون المسيح على ذبائحهم، قال: قد علم الله ما هم قائلون، وقد "أحل" (7) ذبائحهم قال أبو بكر: وبنا زياد بن أيوب، قال: "بنا مروان، قال بنا أيوب" (8) بن يحيى الكندي، قال: سألت الشعبي عن نصارى نجران فقلت: منهم من [يذكروا الله] (9) ومنهم من يذكر المسيح، قال: كل، وأطعمني: قال أبو بكر: وبنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب، قال: بنا يحيى عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: "كلوا" (10) وإن ذبح للشيطان، قال أبو بكر: وبنا محمود بن خالد، قال: بنا الوليد، قال: أبنا ابن جابر، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة يقول: لا بأس بأكل ما ذبحت النصارى لأعياد كنائسها، ولو سمعته يقول: على اسم جرجيس وبولس (11).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - القاسم بن مخيمر بالعجمة مصغرا وهو أبو عروة الهمداني الكوفي نزيل الشام ثقة فاضل من الثالثة، مات سنة (100)هـ انظر: التقريب (280).
(5) - الآية (121) من سورة الأنعام.
(6) - في "هـ" جرمي، وهي غير واضحة في "م" أيضا، والصواب ما أثبت عن ترجمته وهو إبراهيم بن يونس بن محمد البغدادي نزيل طرسوس المعروف بحرمي بلفط النسب بمهملتين صدوق من الحادية عشرة. انظر: التقريب (24).
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - غير واضحة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - في "هـ" كل.
(11) - ذكره النحاس عن القاسم بن مخيمرة في الناسخ والمنسوخ ص (117).(1/332)
أخبرنا المبارك بن علي قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } (1) ما ذبح اليهود والنصارى أحل لكم ذبائحهم على كل حال (2). قال أبو بكر: وبنا [محمد] (3) بن بشار، قال: بنا يحيى، قال: بنا عبد الملك، عن عطاء، قال: إذا ذبح النصراني باسم المسيح فكل (4). قال أبو بكر: وبنا عبد الله بن سعيد، قال: بنا ابن أبي غنيمة، قال: بنا أبي، عن الحكم، قال: لو ذبح النصراني وسمعته يقول: باسمك اللهم المسيح لأكلت منه، لأن الله قد أحل لنا ذبائحهم، وهو يعلم أنهم يقولون ذلك.
والقول الثاني: أن ذلك [كان] (5) مباحا في أول الأمر، ثم نسخ بقوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } (6).
__________
(1) - جزء من الآية الثالثة من المائدة.
(2) - أخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم): فإنه أحل لنا طعامهم ونساءهم ويذكر النحاس عن ابن عباس جواز نكاح المحصنات من نصارى تغلب وأكل ذبائحهم، كما يذكر ذلك عنه مكي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم بسنة أهل الكتاب). انظر: جامع البيان 6/66؛ والناسخ والمنسوخ (117)؛ والإيضاح (226).
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ذكره النحاس عن عطاء في المصدر السابق.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (121) من سورة الأنعام، وقد ذكر هذا القول المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (5) ولم ينسبه إلى أحد، ولم يتعرض لقول النسخ في تفسيره.
(1/333)
والقول الثالث: [أنه] (1) إنما "أبيحت" (2) ذبيحة أهل الكتاب، لأن الأصل أنهم يذكرون اسم الله عليها "فمتى علم" (3) أنهم قد ذكروا غير اسمه لم يؤكل وهذا هو الصحيح عندي (4) وممن قال: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعائشة، وطاؤس والحسن (5) وعن عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء (6) "كهذا القول" (7)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - في "هـ" أبيجة، وهو تحريف.
(3) - في "هـ" فمتى علتم.
(4) - قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم 2/196، أحل الله طعام أهل الكتاب، وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم، وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم، فإن كانت ذبائحهم يسمونها الله تعالى فهو حلال، وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله تعالى، مثل اسم المسيح، أو يذبحونه باسم دون الله تعالى لم يحل هذا من ذبائحهم.
(5) - ذكر النحاس هذا القول عن هؤلاء، ثم قال عن مالك أنه قال أكره ذلك. ولا أرى تحريمه. انظر: الناسخ والمنسوخ (117).
(6) - أبو الدرداء: هو عويمير بن زيد بن قيس الأنصاري، مختلف في اسم أبيه، وقيل اسمه عامر، وعويمير لقبه، صحابي جليل أول مشاهده أحد، وكان عابدا، مات في آخر خلافة عثمان. انظر: التقريب (267). وقد ذكر الطبري القول الأول عن أبي الدرداء في جامع البيان 6/66، وذكره النحاس وابن العربي ومكي بن أبي طالب عنه وعن عبادة بن الصامت. انظر: الناسخ والمنسوخ 117، و 145؛ وأحكام القرآن 2/555؛ والإيضاح 224-226.
(7) - في "هـ" هكذا القول، وهو تحريف من الناسخ..
(1/334)
وكالقول الأول، فعلى هذا القول الآية محكمة، ولا وجه للنسخ (1).
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } (2) اختلف العلماء فيها على قولين:
أحدهما: أن في "الكلام" (3) إضمارا تقديره: إذا قمتم إلى الصلاة محدثين، وهذا قول سعد بن أبي وقاص، وأبي موسى، وابن عباس، والفقهاء (4).
__________
(1) - قلت: تجد معالجة هذه القضية بالاختصار في زاد المسير 2/292 ومختصر عمدة الراسخ الورقة الخامسة، وسيأتي ذكرها مرة أخرى في سورة الأنعام، حيث ادعي هناك أن هذه الآية ناسخة لآية الأنعام رقم (121) وقد أنكر المؤلف ذلك كما أنكره الطبري والمكي وغيرهم، وقال المكي: (إن الأنعام مخصوص حكمها فيما ذبح للأصنام من ذبائح أهل الكتاب، وآية المائدة في إباحة أكل ذبائح أهل الكتاب، فالآيتان على هذا في حكمين مختلفين محكمين لا نسخ في واحد منهما. انظر: جامع البيان 8/13؛ والإيضاح في المصدر السابق.
(2) - الآية السادسة من سورة المائدة.
(3) - في "هـ" لكال، وهو تحريف.
(4) - ذكر هذا الرأي مكي بن أبي طالب عن زيد بن أسلم وجماعة من الفقهاء في الإيضاح 228.
(1/335)
والثاني: أنه على إطلاقه، وأنه يوجب على كل من أراد الصلاة أن يتوضأ سواء كان محدثا أو غير محدث، وهذا مروي عن جماعة منهم علي، وعكرمة، وابن سيرين (1) ثم اختلفوا: هل هذا الحكم باق أم نسخ فذهب أكثرهم إلى أنه باق، وقال بعضهم: بل هو منسوخ [بالسنة وهو حديث] (2) بريدة (3) (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفتح بوضوء [واحد، فقال] (4) له عمر: صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال: عمدا فعلته يا عمر) (5) [وهذا قول] (6) بعيد لما سبق بيانه من أن أخبار الآحاد لا تجوز أن تنسخ القرآن (7) وإنما يحمل فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا على تبين معنى الآية، وأن المراد: إذا قمتم وأنتم محدثون.
__________
(1) - في "هـ" شيرين، وهو تصحيف، وقد روى الطبري القول المذكور عن علي رضي الله عنه من طريق عكرمة وعن ابن سيرين من طريق ابن عون، في جامع البيان 6/72.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أما بريدة: فهو ابن الخصيب بمهملتين مصغرا، أبو سهل الأسلمي صحابي أسلم قبل بدر، مات سنة 63هـ. انظر: التقريب ص 43.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - رواه مسلم وأصحاب السنن عن بريدة في كتاب الطهارة، وقد جاء في البخاري عن سويد بن النعمان، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما صلى دعى بالأطعمة فلم يؤت إلا السويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب فتمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي 1/232؛ وصحيح البخاري بالفتح 1/323-324 من كتاب الوضوء.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - انظر في مقدمة المؤلف "باب ذكر ما اختلف فيه".
(1/336)
وإنما كان يتوضأ لكل صلاة لطلب الفضيلة، وقد حكى أبو جعفر النحاس عن الشافعي أنه قال: لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم إلى الصلاة الطهارة، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الصلوات" (1) بطهور واحد، بينها فيكون المعنى: إذا قمتم وقد أحدثتم فاغسلوا) (2) وقد قال بعضهم: يجوز أن يكون ذلك قد نسخ بوحي لم تستقر تلاوته، فإنه قد روى أبو جعفر ابن جرير الطبري، بإسناده عن عبد الله بن حنظلة الفضيل (3) =رضي الله عنهما= (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه، فرفع عند الوضوء إلا من حدث) (4).
ذكر الآية الرابعة:
قوله [تعالى] (5) { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } (6) اختلف العلماء هل هذا منسوخ أم محكم [على قولين]
أحدهما: أنه منسوخ، قاله الأكثرون، ولهم في ناسخه ثلاثة أقوال:
أحدهما: آية السيف.
__________
(1) - في "هـ" الصلاة.
(2) - تجد نص كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 120.
(3) - عبد الله بن حنظلة الغسيل ابن عامر الراهب الأنصاري الصحابي وأبوه غسيل الملائكة قتل يوم أحد، وأم عبد الله جميلة بنت عبد الله بن أبي، استشهد عبد الله يوم الحرة في ذي الحجة سنة 62هـ. وكان أمير الأنصار بها يومئذ. انظر: التقريب (131).
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 6/73 عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنهما، وذكره السيوطي في الدر المنثور 2/262، وزاد نسبته إلى أحمد وأبي داود، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، والبيهقي، عن عبد الله بن حنظلة. قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ هنا، ونقل إحكام الآية في زاد المسير 2/299 عن علي وعكرمة وابن سيرين كما نقل دعوى النسخ عن جماعة، ولم يبد رأيه. وأما الطبري فقد فسر الآية بما يؤيد إحكامها، وهو اختيار مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 228.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (13) من سورة المائدة.
(1/337)
أخبرنا ابن ناصر قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: حدثت عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { فَاعْفُ عَنْهُمْ } (1) { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا } (2) ونحو هذا من القرآن نسخ "كله" (3) بقوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (4).
والثاني: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (5)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال عبد الرزاق، قال: بنا معمر عن قتادة { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } قال: نسختها قوله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ } (6).
والثالث: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } (7).
__________
(1) - الآية (159) من سورة آل عمران.
(2) - الآية (14) من سورة التغابن.
(3) - في "هـ" قوله، وهو تحريف.
(4) - الآية الخامسة من التوبة، وقد ذكر هذا القول بإسناده أبو جعفر الطبري في جامع البيان 6/101 كما ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح 232 عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) - الآية (29) من سورة التوبة.
(6) - أخرجه الطبري في المصدر السابق عن قتادة.
(7) - الآية (58) من سورة الأنفال. ذكر هذا القول مكي ابن أبي طالب في الإيضاح 6/101 ولم ينسبه إلى أحد.
(1/338)
والقول الثاني: أنه محكم، قال بعض المفسرين: نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد، فغدروا وأرادوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأظهره الله عليهم، ثم أنزل هذه الآية، ولم تنسخ (1). قال ابن جرير: يجوز أن يعفي عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربا، ولم يمتنعوا من أداء الجزية، والإقرار بالصغار فلا يتوجه النسخ (2)
__________
(1) - يقول مكي في المصدر نفسه (فأما من قال: المائدة نزلت بعد براءة، فالآية عنده محكمة غير منسوخة، لكنها مخصوصة نزلت في قوم من اليهود، أرادوا الغدرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فنجاه الله منهم، وأمره بالعفو عنهم ما داموا على الذمة وهو الصواب إن شاء الله لأن القصة من أول العشر إلى آخره وما بعده كله نزلت في أهل الكتاب والإخبار عن حالهم عهدهم وخيانتهم وغير ذلك).
(2) - ونص كلام ابن جرير: (قال أبو جعفر: والذي قال قتادة =وهو أن الآية منسوخة بقوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)= غير مدفوع إمكانه غير أن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر هو ما كان نافيا كل معاني خلافه الذي كان قبله، فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله عز وجل أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في قوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) دلالة على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو عن اليهود، وإذا كان ذلك كذلك وكان جائزا بالصغار وأداء الجزية بعد القتال -الأمر بالعفو عنهم غدرة هموا بها أو نكثة غرموا عليها ما لم ينصبوا حربا دون أداء الجزية ويمتنعوا من الأحكام اللازمة منهم- لم يكن واجبا أن يحكم لقوله (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر بأنه ناسخ قوله: (فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) انتهى من جامع البيان 6/101 قلت: أورد المؤلف رأي ابن جرير هذا في مختصر عمدة الراسخ الورقة (5) وفي زاد المسير 2/314، ثم قال: فلا يتوجه النسخ.. وأما النحاس في ناسخه 123، فقد أورد النسخ بإسناده عن قتادة كما أورد الإحكام على ضوء ما قاله الطبري، ثم قال: (وهذا لا يمتنع أن يكون أمر بالصفح عنهم بعد أن لحقتهم الذلة والصغار فصفح عنهم في شيء بعينه).
(1/339)
.
ذكر الآية الخامسة:
قوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا } (1) هذه الآية محكمة عند الفقهاء. واختلفوا هل هذه العقوبة على الترتيب أم على التخيير، فمذهب أحمد بن حنبل في جماعة أنها على الترتيب، وأنهم إذا قتلوا وأخذوا المال، أو قتلوا ولم يأخذوا قتلوا وصلبوا وإن أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يأخذوا المال نفوا (2) وقال مالك: الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء سواء قتلوا أم لم يقتلوا، أخذوا المال أو لم يأخذوا (3)
__________
(1) - الآية (23) من سورة المائدة.
(2) - أورد المؤلف هذا القول بنصه في زاد المسير 2/345 عن الإمام أحمد، ويقول النحاس: (إن الذين قالوا بالترتيب اضطربوا في آرائهم... فذكر قول ابن عباس (إذا خرج وقتل، قتل. وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله ونفي، وإن أخذ المال وقتل، قتل) وقال عن أحمد بن حنبل (إن قتل قتل، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله) انتهى من الناسخ والمنسوخ (127). وجاء في المغني روايتان عن الإمام أحمد، فيمن قتل ولم يأخذ المال، أنه يقتل ويصلب، والرواية الثانية أنه يقتل فقط، وقال ابن قدامة والأولى أصح؛ لأن الخبر المروي فيهم قال فيه "ومن قتل ولم يأخذ المال" ولم يذكر صلبا. انظر: المغني 10/309-310.
(3) - ذكر المؤلف هذا القول بنصه عن مالك في المصدر السابق، وأورده مكي ابن أبي طالب في الإيضاح ص233، كما أورده ابن العربي عن سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء وإبراهيم في أحكام القرآن 2/599، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله (إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال، ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا، نفوا من الأرض.. انظر: أحكام القرآن للشافعي 1/314.
(1/340)
. وقد ذهب بعض مفسري القرآن ممن لا فهم له، أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها، وقد بينا [فساد] (1) هذا القول في مواضع (2).
ذكر الآية السادسة:
قوله تعالى: { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } (3) اختلفوا في هذه الآية على قولين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - قلت: لم يتعرض المؤلف في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ لدعوى النسخ في هذه الآية كما لم يتعرض له أصحاب أمهات كتب النسخ وإنما ذكر النحاس ومكي بن أبي طالب عن ابن سيرين أن هذه الآية ناسخة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، وقد ذكر النسخ بالاستثناء هبة الله ابن سلامة. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس 122؛ والإيضاح 233؛ والناسخ لهبة الله 41.
(3) - الآية (42) من سورة المائدة.
(1/341)
أحدهما: أنها منسوخة وذلك أن أهل الكتاب كانوا "إذا ترافعوا" (1) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخيرا "إن شاء حكم" (2) بينهم وإن شاء أعرض عنهم ثم نسخ ذلك، بقوله: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } (3) فلزمه الحكم "وزال" (4) التخيير، روى هذا المعنى أبو سليمان الدمشقي بأسانيده عن ابن عباس، وعطاء ومجاهد، وعكرمة، والسدي، وقد روى أيضا عن الزهري "وعمر بن عبد العزيز" (5) وقد أخبرنا أبن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: بنا يحيى بن آدم عن الأشجعي، عن سفيان عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } (6) قال: نسختها { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } (7).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - في "هـ" إنشا حكم، وهو خطأ من الناسخ.
(3) - الآية (49) من المائدة.
(4) - في "هـ" وزوال، وهو خطأ من الناسخ.
(5) - أما عمر بن عبد العزيز، فهو: ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان الوزير وولي الخلافة بعده فعد مع الخلفاء الراشدين، من الرابعة مات في رجب سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف. انظر: التقريب التهذيب ص 255، وقد ذكر عنه قوله هذا أبو جعفر. النحاس، في الناسخ والمنسوخ ص 128 ومكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 325.
(6) - الآية (42) من سورة المائدة.
(7) - الآية (49) من السورة نفسها، وقد روى هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما النحاس في ناسخه 129 والحاكم 2/312، وصححه وفيه: آيتان نسحتا من هذه السورة ثم ذكر آية القلائد، وهذه الآية.
(1/342)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال بنا عمر بن] (1) عبيد الله [البقال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا] (2) إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله [بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال] (3) بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس =رضي الله عنهما= في قوله: { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } قال: نسختها { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } (4) قال أحمد: وبنا هشيم قال: بنا أصحابنا منهم منصور وغيره عن الحكم عن مجاهد في قوله: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قال: نسخت ما قبلها، قوله: { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ [ عَنْهُمْ ] } (5).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/284، وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5) - أخرجه الطبري 6/158، والنحاس في المصدر السابق عن مجاهد. وما بين معقوفين من الآية ساقطة من "هـ".
(1/343)
قال أحمد: وبنا وكيع، قال: بنا سفيان عن السدي، عن عكرمة، قال: نسخ قوله: { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ } قوله { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } (1) قال أحمد: وبنا حسين عن شيبان عن قتادة { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } قال: أمر الله نبيه أن يحكم بينهم بعدما كان رخص له أن يعرض عنهم إن شاء، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها (2) وحكى أبو جعفر النحاس عن "أبي حنيفة" (3) وأصحابه قالوا: إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الإمام فليس له يعرض عنهم، غير أن أبا حنيفة قال: إذا جاءت المرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل، وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم. وقال أصحابه: بل يحكم. قال: وقال الشافعي: لا خيار للإمام إذا تحاكموا إليه قال النحاس: وقد ثبت أن قول أكثر العلماء أن الآية منسوخة (4).
والقول الثاني: أنها محكمة وأن الإمام ونوابه في الحكم "مخيرون" (5) وإذا ترافعوا إليهم إن شاءوا حكموا بينهم وإن شاءوا أعرضوا عنهم.
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 6/158، عن السدي عن عكرمة كما ذكره النحاس في ناسخه 129، ومكي بن أبي طالب في ناسخه 235 عنه.
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 6/159 عن قتادة كما ذكر عنه قول النسخ النحاس ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين.
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - تجد كلام النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ (129)، كما تجد آراء الأحناف في الحكم بين أهل الكتاب مفصلة في أحكام القرآن 2/437 للجصاص، وقد أورد قول النسخ النحاس عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والزهري، وعمر بن عبد العزيز والسدي، والشافعي في هذه الآية كما ذكر مكي بن أبي طالب في ناسخه (235) عن هؤلاء وعن قتادة، وعطاء الخراساني والكوفيين.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(1/344)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن [أحمد] (1) قال: حدثني أبي، قال: بنا هشيم، قال: أبنا مغيرة عن إبراهيم، والشعبي في قوله { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ، قالا: إذا ارتفع أهل الكتاب إلى حاكم المسلمين فإن شاء أن يحكم بينهم، وإن شاء أن يعرض عنهم، وإن حكم، حكم [بما] (2) في كتاب الله (3). قال أحمد: وبنا وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء، قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم (4).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - أخرجه الطبري في جامع البيان 6/158، والنحاس في ناسخه 128-129 عن الشعبي، وذكره عنه مكي بن أبي طالب بدون إسناد في الإيضاح 235.
(4) - أخرجه الطبري وذكره النحاس ومكي بن أبي طالب في المصادر السابقة عن عطاء بن أبي رباح.
(1/345)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا المثنى بن أحمد، قال: بنا [عمرو بن] (1) خالد، عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير { [فَإِنْ جَاءُوكَ ] (2) فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } جعله الله في ذلك على "الخيرة" (3) إما أن يحكم "و" (4) إما أن يتركهم فلا يحكم بينهم (5) قال أبو بكر: وبنا عبد الله بن محمد بن [خلاد] (6) قال: بنا يزيد قال: بنا مبارك عن الحسن، قال: إذا ارتفع أهل الذمة إلى [حاكم] (7) من حكام المسلمين، فإن شاء حكم بينهم، وإن شاء رفعهم إلى حكامهم، فإن حكم بينهم حكم بالعدل، وبما أنزل الله. وهذا مروي عن الزهري. وبه قال أحمد بن حنبل وهو الصحيح؛ لأنه [لا] (8) "تنافي" (9) بين الآيتين من جهة أن أحدهما خيرت بين الحكم وتركه، والأخرى ثبتت كيفية الحكم إذا كان (10).
ذكر الآية السابعة:
قوله تعالى: { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ } (11) اختلف المفسرون فيها على قولين:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" التخيير.
(4) - في "م" الفاء بدل الواو.
(5) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2/285، من طريق عبد بن حميد عن سعيد بن جبير.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - في "م" ينافي بالتحتانية.
(10) - قلت: ناقش المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وتفسيره هذه القضية بنحو ما ناقش به هنا، ورجح الإحكام في تفسيره بعد عزوه إلى الحسن والشعبي والنخعي والزهري وأحمد بن حنبل، وهو اختيار أبي جعفر الطبري، ومكي بن أبي طالب. انظر: مختصر عمدة الراسخ الورقة الخامسة وزاد المسير 2/361-362؛ وجامع البيان 6/159-160؛ والإيضاح ص 235.
(11) - الآية (29) من سورة المائدة.
(1/346)
أحدهما: أنها محكمة وأنها تدل على أن الواجب على الرسول التبليغ وليس عليه الهدي.
والثاني: أنها "تتضمن" (1) الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف (2) والأول [أصح] (3).
ذكر الآية الثامنة:
قوله تعالى: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (4) للعلماء فيها قولان:
أحدهما: أنها منسوخة: قال أرباب هذا القول هي تتضمن كف الأيدي عن قتال "الضالين" (5) فنسخت. ولهم في ناسخها قولان:
أحدهما: آية السيف.
والثاني: أن آخرها نسخ أولها. قال أبو عبيد القاسم بن سلام ليس في القرآن آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه وموضع المنسوخ منها إلى قوله:
{ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ } والناسخ قوله: { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } والهدى هاهنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (6).
قلت: وهذا الكلام إذا حقق لم يثبت.
والقول الثاني: أنها محكمة، قال الزجاج: معناها إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم لا يؤاخذكم بذنوب غيركم. قال: وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف؛ لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له، فهو ضال وليس بمهتد (7).
قلت: وهذا القول هو الصحيح وأنها محكمة ويدل على إحكامها أربعة أشياء:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ذكره ابن حزم في ناسخه (337) وابن سلامة في ناسخه 42.
(3) - ساقطة من "هـ" قلت: لم يتعرض النحاس والمكي لدعوى النسخ هنا، وقد ذكره المؤلف في زاد المسير 2/432، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) عن بعضهم، ورجح فيه إحكام الآية.
(4) - الآية (105) من سورة المائدة.
(5) - في "م" بلا نقاط.
(6) - ذكر ذلك هبة الله في كتابه الناسخ والمنسوخ ص 42، كما ذكر نحوه ابن العربي في أحكام القرآن 2/79 عن بعض العلماء.
(7) - ذكر هذا القول المؤلف في زاد المسير 2/106 عن الزجاج.
(1/347)
أحدها: أن قوله: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } يقتضي "إغراء" (1) الإنسان بمصالح نفسه، ويتضمن الأخبار بأنه لا يعاقب بضلال غيره وليس من مقتضى ذلك أن لا ينكر على غيره وإنما غاية الأمر أن يكون ذلك مسكوتا عنه فيقف على الدليل.
والثاني: أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف؛ لأن قوله { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } أمر بإصلاحها وأداء ما عليها، وقد ثبت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار من جملة ما على الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. وقد دل على ما قلنا قوله: { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنما يكون الإنسان مهتديا إذا امتثل أمر الشرع، ومما أمر الشرع به الأمر بالمعروف. وقد روى عن ابن مسعود والحسن وأبي العالية: أنهم قالوا في هذه الآية: قولوا ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم (2).
__________
(1) - في "م" "اعر" وهو خطأ إملائي.
(2) - أخرج الطبري في جامع البيان 7/61 بإسناده عن الحسن قال: إن هذه الآية قرئت على ابن مسعود رضي الله عنه، فقال: ليس هذا بزماننا قولوا ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم، فعليكم أنفسكم. وقد ذكر مكي بن أبي طالب عن ابن مسعود أنها محكمة. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 237.
(1/348)
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن المذهب، قال: أبنا أحمد بن جعفر، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال: بنا زهير يعني: ابن معاوية، قال: بنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: بنا قيس [قال:] (1) قام "أبو بكر" (2) =رضي الله عنه= فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس [إنكم تقرأون هذه الآية] (3) { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ [مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] } إلى آخر الآية وأنكم] (4) تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر، ولا [يغيرونه أوشك] (5) الله - عز وجل - أن يعمهم بعقابه) (6).
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هو عبد الله بن أبي قحافة. عثمان بن عامر القرشي أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن من الرجال وأحد أعاظم العرب، ولد بمكة سنة (51) قبل الهجرة شهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الأموال، وبويع بالخلافة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة (11)هـ. توفي سنة 13هـ. انظر: تاريخ الطبري 4/46.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - رواه الإمام أحمد في مسنده والطبري في تفسيره نحوه عن قيس بن أبي حازم. وقال الحافظ بن كثير في تفسيره: وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه، وغيرهم من طرق متعددة عن جماعة كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد به متصلا مرفوعا، ومنهم من روى به موقوفا على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني. انظر: جامع البيان 7/64، وتفسير القرآن العظيم 2/109.
(1/349)
والثالث: أن الآية "قد حملها قوم" (1) على أهل الكتاب إذا أدوا الجزية "فحينئذ لا يلزمون" (2) بغيرها. فروى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هجر، وعليهم منذر بن "ساوي" (3) يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا فليؤدوا الجزية فلما أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب، واليهود والنصارى والمجوس فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فأقبل منهم الجزية) فلما قرأوا الكتاب أسلمت العرب "وأعطى" (4) أهل الكتاب والمجوس الجزية. فقال المنافقون: عجبا لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا، وقد قبل من مجوس هجر، وأهل الكتاب، الجزية، فهلا أكرههم على الإسلام وقد ردها على إخواننا من العرب. فشق ذلك على المسلمين فنزلت هذه الآية (5).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - في" هـ" ساري، بالراء، وهو تصحيف والصواب منذر بن ساوي: هو ابن عبد الله بن زيد التميمي الدارمي صحابي جليل كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين. وقيل هو من عبد القيس ذكره ابن قانع وجماعة، وجاء ذكر كتابة الرسول إليه في ترجمة نافع بن أبي سليمان. انظر: أسد الغابة 4/417؛ وتجريد أسماء الصحابة 2/95.
(4) - كلمة أعطى مكررة في "هـ".
(5) - رواه الواحدي في أسباب النزول ص 142، من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وفيه (عجبا من محمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا ولا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب فلا نراه إلا قبل من مشركي أهل هجر ما رد على مشركي العرب، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يعني: من ضل من أهل الكتاب) انتهى. وعن مقاتل قال: أنه لما طعن المنافقون في قبول الرسول الجزية من مجوس هجر نزلت هذه الآية. ذكره المؤلف في زاد المسير 2/441.
(1/350)
والرابع: أنه "لما عابهم" (1) في تقليد آبائهم بالآية المتقدمة أعلمهم بهذه الآية أن المكلف إنما يلزمه [حكم نفسه] (2) وأنه لا يضره ضلال من "ضل" (3) إذا كان [مهتديا] (4) حتى يعلموا أنه لا يلزمهم "من ضلال" آبائهم شيء من الذم والعقاب (5) وإذا تلمحت هذه المناسبة بين الآيتين لم يكن الأمر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هاهنا مدخل وهذا أحسن الوجوه في الآية (6).
ذكر الآية التاسعة:
قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ (7) [أَ] وْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } الإشارة بهذا إلى الشاهدين الذين يشهدان على الموصي في السفر. والناس "في قوله" (8) { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } قائلان:
أحدهما: من أهل دينكم وملتكم.
__________
(1) - في "هـ" لها عالهم وهو تحريف ظاهر.
(2) - ما بين معقوفين ساقطة من "هـ".
(3) - في "هـ" "ضل" بالمهملة وهو تصحيف.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكر نحو هذا المعنى عن ابن زيد، بالإسناد، الطبري في تفسيره 7/64.
(6) - أورد المؤلف هذه القضية في مختصر عمدة الراسخ ورقة 6 ورجح الإحكام وأما في تفسيره 2/443 فسكت عن الترجيح أما النحاس فلم يتعرض لها البتة، وحكى مكي بن أبي طالب عن الأكثرين أنها محكمة. انظر: الإيضاح 237.
(7) - ما بين معقوفين من الآية الشريفة ساقطة في "هـ".
(8) - في "هـ" قواله: وهو خطأ من الناسخ .
(1/351)
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أبنا ابن شاذان قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، عن أبيه عن جده، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } أي: من أهل الإسلام (1) وهذا قول ابن مسعود وشريح (2) وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وابن "سيرين" (3) والشعبي، والنخعي، وقتادة، وأبي مخلد، (4) ويحيى بن يعمر (5) والثوري وهو قول أصحابنا (6).
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 7/66-67 عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد العوفي وهو إسناد ضعيف كما قدمنا في مناقشة آية (180) من البقرة.
(2) - أما شريح، فهو ابن الحارث بن قيس الكوفي النخعي أبو أمية مخضرم ثقة، وقيل: له صحبة مات قبل الثمانين أو بعدها وله مائة وثمان سنين أو أكثر. انظر: التقريب (145).
(3) - في "هـ" بالشين المعجمة وهو تصحيف.
(4) - يقول الحافظ في التهذيب 12/227 أبو مخلد عن ابن عباس صوابه أبو مجلز وهو لاحق. تقدمت ترجمته ص 295.
(5) - أما يحيى بن يعمر -بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة، فهو بصري نزيل مرو، وقاضيها ثقة فصيح، وكان يرسل، من الثالثة، مات قبل المائة وقيل بعدها. انظر: التقريب (380).
(6) - يقصد به علماء الحنابلة، وفد أخرج الطبري هذا القول عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة وابن زيد، ومجاهد، ويحيى بن يعمر في جامع البيان 7/66-67.
(1/352)
والثاني: أن معنى قوله { مِنْكُمْ } أي: من عشيرتكم، وقبيلتكم، وهم مسملون أيضا. قاله الحسن، وعكرمة والزهري والسدي وعن عبيدة كالقولين (1) فأما قوله: { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } فقال ابن عباس ليست "أو" للتخير إنما المعنى: أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم (2) وفي قوله: من غيركم قولان:
أحدهما: من غير ملتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول.
والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضا، قاله أرباب القول [الثاني] (3) والقائل بأن المراد شهادة "المسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة لا يشك" (4) في إحكام هذه الآية. فأما القائل "بأن المراد بقوله: { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أهل الكتاب إذا (5) "شهدوا على الوصية" في السفر فلهم فيها قولان" (6)
أحدهما: أنها محكمة [والعمل] (7) على هذا عندهم باق. وهو قول ابن عباس وابن المسيب وابن جبير، وابن سيرين، [وقتادة] (8) والشعبي [والثوري] (9) وأحمد بن حنبل (10).
__________
(1) - ذكر المعنى الثاني: ابن العربي في أحكام القرآن 2/722 عن الحسن وسعيد بن المسيب كما ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح (38) عن الحسن وعكرمة.
(2) - قاله ابن العربي في المصدر السابق عن ابن المسيب، ويحيى بن يعمر، وأبو مجلز، وذكره المؤلف في زاد المسير 2/446 عن ابن عباس وابن جبير.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - ذكر هذا القول مكي بن أبي طالب في الإيضاح 238، عن ابن عباس، وعائشة وأبي موسى الأشعري والشعبي، وابن سيرين، ومحمد، وابن جبير، وابن المسيب، وشريح، والنخعي، والأوزاعي كلهم قالوا: هم أهل الكتاب شهادتهم على الوصية خاصة في السفر جائزة عند فقد المسلمين للضرورة.
(1/353)
والثاني: أنها منسوخة [بقوله تعالى:] (1) { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ [عَدْلٍ مِنْكُمْ] (2) } وهو قول زيد بن أسلم (3) وإليه [يميل أبو حنيفة] (4) ومالك والشافعي، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول (5). والأول أصح، لأن هذا موضع ضرورة فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض، والنفاس، والاستهلال (6).
(5)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة الأنعام"
ذكر الآية الأولى: (7)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - الآية الثانية من الطلاق، وما بين معقوفين منها ساقطة من "هـ".
(3) - زيد بن أسلم العدوي مولى عمر أبو عبد الله أو أبو أسامة المدني ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومائة. انظر: التقريب 112.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكر ذلك مكي بن أبي طالب عن زيد بن أسلم، ومالك والشافعي وأبي حنيفة، ثم قال: (وأضاف بعض الناس قول الإحكام إلى مالك والشافعي). انظر: الإيضاح ص 241.
(6) - قلت: ناقش المؤلف موضوع النسخ في هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) وزاد المسير 2/747، وصحح فيهما قول إمامه، وهو إحكام الآية لوجهة النظر المذكور هنا. وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآية نزلت في قصة عدي وتميم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك، كما رواه الترمذي وأبو داود والنحاس وجاء أيضا فيما رواه أبو داود عن الشعبي، أن أبا موسى الأشعري قضى بذلك فبناء على ذلك فقد اختار النحاس إحكام الآية، وقال صاحب العون المعبود شرح سنن أبي داود الآية محكمة وهو الحق، لعدم وجود دليل صحيح على النسخ وأما قوله تعالى: (ممن ترضون) الآية وقوله (وأشهدوا ذوا عدل منكم) فهما عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال، وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض، وبالوصية، وبحالة عدم شهود المسلمين ولا تعارض بين خاص وعام. والله أعلم. انظر: سنن أبي داود مع عون المعبود 10/13-24.
(7) - ساقطة من "م".
(1/354)
قوله تعالى: { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } (1) زعم بعض ناقلي التفسير أنه كان يجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخاف عاقبة الذنوب، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } (2) قلت: فالظاهر من هذه المعاصي أن المراد بها الشرك؛ لأنها جاءت في عقيب قوله: { وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (3) فإذا قدرنا العفو عن ذنب - إذا كان - لم تقدر المسامحة في شرك - لو تصور - إلا أنه لما لم يجز في حقه، "بقي" (4) ذكره على سبيل التهديد والتخويف من عاقبته كقوله: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ [لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ] (5) } فعلى هذا الآية محكمة، يؤكده أنها خبر، والأخبار "لا تنسخ" (6).
ذكر الآية الثانية:
قوله تعالى: { قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } (7) للمفسرين فيه قولان:
أحدهما: أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة ثم نسخ بآية السيف وهذا المعنى في رواية الضحاك عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (8).
__________
(1) - الآية (15) من سورة الأنعام.
(2) - الآية الثانية من سورة الفتح.
(3) - الآية (14) من سورة الأنعام.
(4) - في "م" نفي، وهو تصحيف.
(5) - ما بين معقوفين من الآية ساقطة من "هـ" وهي الآية (66) من الزمر.
(6) - كلمة "لا تنسخ" مكررة "هـ". قلت: اختار المؤلف إحكام هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) وفي زاد المسير 3/12، وأعرض عن ذكرها النحاس ومكي بن أبي طالب ضمن الآيات المدعى عليها النسخ.
(7) - الآية (66) من سورة الأنعام.
(8) - ذكره مكي بن أبي طالب عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: والرواية عن ابن عباس بذلك ضعيفة. انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص 242.
(1/355)
والثاني: أن معناه لست حفيظا عليكم إنما أطلبكم بالظواهر من الإقرار والعمل، لا "بالأسرار" (1) فعلى هذا هو محكم، وهذا هو الصحيح يؤكد أنه خبر والأخبار لا تنسخ. وهذا اختيار جماعة منهم أبو جعفر النحاس (2).
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } (3) المراد بهذا الخوض: الخوض بالتكذيب، ويشبه أن يكون الإعراض [المذكور] (4) هاهنا منسوخة بآية السيف (5).
ذكر الآية الرابعة:
قوله تعالى: { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } (6) أي من كفر الخائضين وإثمهم، وقد زعم قوم منهم سعيد بن جبير: أن هذه الآية منسوخة بقوله: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ } (7).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - انظر كلام النحاس في كتابه "الناسخ والمنسوخ " 136-137، وهو اختيار مكي بن أبي طالب في المصدر السابق، حيث قال: (لا يحسن نسخ هذا، لأنه خبر والمعنى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس حفيظا على من أرسل إليه بحفظ أعماله إنما هو داع ومنذر ومبلغ -ومثله في الاختلاف (وما جعلناك عليهم حفيظا) (وما أنت عليهم بوكيل) كله محكم غير منسوخ) وللمؤلف كلام شبيه لما ذكره هنا في تفسيره 3/61 وفي مختصر عمدة الراسخ الورقة السادسة.
(3) - الآية (68) من سورة الأنعام.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - قلت: لم يتعرض لدعوى النسخ في هذه الآية المؤلف في تفسيره ولا في مختصر عمدة الراسخ، كما لم تتعرض له أمهات كتب النسخ المعتبرة، ولا كتب التفسير كجامع البيان وتفسير القرآن العظيم.
(6) - الآية (69) من سورة الأنعام.
(7) - الآية (140) من سورة النساء.
(1/356)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن السدي، عن سعيد بن جبير، وأبي مالك في قوله: { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } قالا: نسخها { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا } (1) الآية. قلت: ولو قال: "هؤلاء" (2) أنها منسوخة بآية السيف كان أصلح (3) وكان "معناها" (4) عندهم [إباحة] (5) مجالستهم وترك الاعتراض عليهم، والصحيح [أنها محكمة] (6)؛ لأنها خبر وقد بينا أن المعنى: ما عليكم شيء من آثامهم إنما يلزمكم [إنذارهم] (7).
ذكر الآية الخامسة:
قوله تعالى: { [ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا ] وَلَهْوًا } (8) للمفسرين فيه قولان:
__________
(1) - أخرجه الطبري في جامع البيان 7/149 عن السدي وابن جريج، وأخرجه النحاس في ناسخه (137) بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره مكي بن أبي طالب عنه بدون إسناد في الإيضاح (243).
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - قلت: ليس هذا اعتراف منه إنما ذكره على طريق الإلزام بدليل قوله فيما بعد (والصحيح أنها محكمة).
(4) - في "هـ" معناه بالتذكير.
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ": قلت: أعرض المؤلف عن ذكر هذه الآية في مختصر عمدة الراسخ، وأورد دعوى النسخ في تفسيره 3/63 ثم علق على ذلك بقوله: (والصحيح أنها محكمة؛ لأنها دلت على أن كل عبد يختص بحساب نفسه، ولا يلزمه حساب غيره) وهكذا فند الطبري والنحاس ومكي بن أبي طالب دعوى النسخ هنا وأثبت الإحكام لكونها خبر. انظر: المصادر الثلاثة السابقة.
(8) - الآية (70) من سورة الأنعام.
(1/357)
أحدهما: أنه اقتضى المسامحة لهم [والإعراض] (1) عنهم ثم نسخ بآية السيف، وهذا مذهب قتادة والسدي.
[أخبرنا ابن] (2) ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد [قال: أبنا] (3) أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا عبد الله بن رجاء عن همام عن قتادة { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا } (4) ثم أنزل الله في براءة، وأمرهم بقتالهم (5).
والثاني: أنه خرج [مخرج] (6) التهديد: كقوله تعالى: { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } (7) فعلى هذا هو محكم، وهذا مذهب مجاهد (8) وهو الصحيح (9).
ذكر الآية السادسة:
قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } (10) فيه قولان:
[أحدهما] (11) أنه أمر له بالإعراض عنهم، ثم نسخ بآية السيف (12).
والثاني: أنه تهديد، فهو محكم، وهذا أصح (13).
ذكر الآية السابعة:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "م" وذروا، بالجمع وهو خطأ من الناسخ.
(5) - أخرجه الطبري في جامع البيان 7/150، والناسخ في الناسخ والمنسوخ (127) عن قتادة.
(6) - ساقطة من "م".
(7) - الآية (11) من سورة المدثر.
(8) - أخرجه الطبري في المصدر السابق عن مجاهد.
(9) - قلت عرض المؤلف قضية النسخ هنا، في زاد المسير 6/62 بدون ترجيح. واختار في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) الإحكام، وهو اختيار النحاس في ناسخه 137-138، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (254).
(10) - الآية (92) من سورة الأنعام.
(11) - ساقطة من "هـ".
(12) - ذكره ابن حزم في ناسخه 337، وابن سلامة في ناسخه (46) وابن هلال في ناسخه المخطوط ورقة (25) ولم يستندوا -كعادتهم- إلى دليل.
(13) - أورد هذه القضية المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) مثل ما أوردها هنا توجيها واختيارا وذكر قول النسخ في زاد المسير 3/84 بدون تعليق.
(1/358)
قوله تعالى: { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } (1) فيه قولان:
أحدهما: أن هذه الآية تتضمن ترك قتال الكفار ثم نسخت بآية السيف (2).
والثاني: أن المعنى لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم فهي على هذا محكمة (3)
ذكر الآية الثامنة:
قوله تعالى: { وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } (4) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: هذا "ونحوه" (5) [مما] (6) أمر الله المؤمنين بالعفو عن المشركين فإنه نسخ بقوله: { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (7).
ذكر الآية [التاسعة] (8)
__________
(1) - الآية (104) من سورة الأنعام.
(2) - ذكره ابن حزم وابن هلال في المصدرين السابقين.
(3) - قلت: فسر بذلك الطبري في جامع البيان 7/204، والمؤلف في زاد المسير 3/100، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) وهو اختيار مكي بن أبي طالب في الإيضاح (242).
(4) - قلت: فسر بذلك الطبري في جامع البيان 7/204، والمؤلف في زاد المسير 3/100، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (6) وهو اختيار مكي بن أبي طالب في الإيضاح (242).
(5) - الآية (106) من سورة الأنعام.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - الآية الخامسة من التوبة. قلت: سكت المؤلف عن الترجيح في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ، كما فعل هنا، وأعرض عن ذكرها النحاس وأما مكي بن أبي طالب فيقول: بعد عزو دعوى النسخ إلى ابن عباس بدون إسناد (وأكثر الناس على أنها محكمة وأن المعنى لا ينبسط إلى المشركين، من قولهم: أوليته عرض وجهي، وهذا المعنى لا يجوز أن ينسخ؛ لأنه لو نسخ لصار المعنى أبسط إليهم وخالطهم، وهذا لا يؤثر به ولا يجوز. انظر: الإيضاح 247.
(8) - ساقطة من "هـ".
(1/359)
قوله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } (1). قال ابن عباس =رضي الله عنهما نسخ= بآية السيف، وعلى ما ذكرنا في نظائرها تكون محكمة (2).
ذكر الآية العاشرة:
قوله تعالى: { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } (3) قال المفسرون: هذه نسخت بتنبيه الخطاب في آية السيف؛ لأنها تضمنت الأمر بقتلهم، والقتل أشنع من السب (4) ولا أرى هذه الآية منسوخة، بل يكره للإنسان أن يتعرض بما يوجب ذكر معبوده "بسوء أو بنبيه" (5) - صلى الله عليه وسلم - (6).
ذكر الآية الحادية عشرة:
قوله تعالى: { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (7) إن قلنا أن هذا تهديد كما سبق في الآية السادسة فهو محكم، وإن قلنا أنه بترك قتالهم فهو منسوخ بآية السيف (8).
ذكر الآية الثانية عشرة:
__________
(1) - الآية (107) من الأنعام، وفي النسختين "وما أرسلناك" وهو خطأ من الناسخ.
(2) - يعني: لست حفيظا ورقيبا عليهم إنما أنت مبلغ. انظر: فيما سبق الآية (104) من الأنعام. ويقول الطبري في تفسيره مؤيدا إحكام الآية (لست عليهم بقيم تقوم بأرزاقهم وأقواتهم ولا بحفظهم فيما لم يجعل إليك حفظه من أمرهم). انظر: جامع البيان 7/27.
(3) - الآية (108) من سورة الأنعام.
(4) - ذكره ابن حزم في ناسخه 237، وهبة الله في ناسخه 45-46.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - قلت دعوى النسخ هنا لم يتعرض له المؤلف في كتابيه التفسير والمختصر، كما لم يتعرض له النحاس والمكي لما فيه من ضعف لعدم الدليل، ولأن وجوب القتال لا يتنافى مع حكم هذه الآية والله أعلم.
(7) - الآية (112) من سورة الأنعام.
(8) - قلت: يظهر من تشبيه المؤلف للآية السادسة أن المشبه والمشبه به متفقان في الحكم وقد سبق في الآية السادسة ترجيح إحكام الآية.
(1/360)
قوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } (1) قد روي عن جماعة منهم الحسن، وعكرمة، أنهم قالوا: نسخت بقوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } (2) وهذا "غلط" (3)؛ لأنهم إن "أرادوا" (4) النسخ حقيقة وليس هذا بنسخ، وإن أرادوا التخصيص "وأنه خص" (5) بآية المائدة طعام أهل الكتاب فليس بصحيح؛ لأن أهل الكتاب يذكرون الله على الذبيحة فيحمل أمرهم على ذلك فإن تيقنا أنهم تركوا ذكره جاز أن يكون عن نسيان، والنسيان لا يمنع الحل، فإن تركوا لا عن نسيان، لم يجز الأكل فلا وجه للنسخ أصلا. ومن قال من المفسرين أن المراد بها لم يذكر اسم الله على الميتة (6) فقد خص عاما، والقول بالعموم أصح وعلى قول الشافعي هذه الآية محكمة؛ لأنه إما أن يراد بها عنده الميتة أو يكون نهي كراهة (7).
ذكر الآية الثالثة عشرة:
[قوله تعالى: { قُلْ يَا قَوْمِ ] اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } (8) للمفسرين فيها قولان:
__________
(1) - الآية (121) من سورة الأنعام.
(2) - الآية الخامسة من المائدة، ذكر النسخ الطبري بإسناد في جامع البيان 8/106-107 عن عكرمة والحسن من طريق الحسين بن رافد -وفيه مقال- وقد جاء فيه نسخ ثم استثني.
(3) - في "هـ" بالظاء المعجمة وهو خطأ من الناسخ.
(4) - في "هـ" أراد بالإفراد وهو خطأ من الناسخ.
(5) - في "هـ" وإن خص، ولعل هاء الضمير سقط من الناسخ.
(6) - روى ذلك ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/42.
(7) - قلت: للمؤلف كلام شبيه بهذا في كتابيه التفسير والمختصر، وممن اختار إحكام الآية الطبري في المصدر السابق والنحاس 114، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (248).
(8) - ساقطة من "هـ".
(1/361)
[أحدهما] (1) أن المراد بها [ترك] (2) قتال الكفار، فهي منسوخة "بآية السيف" (3).
[والثاني: أن] (4) المراد بها التهديد فعلى هذا هي محكمة وهذا هو الأصح (5).
ذكر الآية الرابعة عشرة:
قوله تعالى: { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (6) فيه [قولان] (7)
أحدهما: أنه اقتضى ترك قتال المشركين، فهو منسوخ بآية السيف.
والثاني: أنه تهديد ووعيد فهو محكم (8).
ذكر الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } (9) اختلف العلماء في المراد بهذا الحق على قولين:
أحدهما: أنه الزكاة.
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ" ذكر دعوى النسخ هنا هبة الله في ناسخه 46.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكر هذه المناقشة بنصها المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وأثبت فيه إحكام الآية في ورقة (7).
(6) - الآية (137) من سورة الأنعام.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - سبق مثل هذه الآية وترجيح الإحكام فيها. انظر: مناقشة الآية السادسة من السورة، وقد رجح النحاس الإحكام في أشباه هذه الآية في الناسخ والمنسوخ 137-138.
(9) - الآية (141) من سورة الأنعام.
(1/362)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز (1) قال: بنا أبو محمد الجوهري، قال: أبنا محمد المظفر، قال: أبنا علي بن إسماعيل بن حماد، قال: بنا أبو حفص عمرو بن علي، قال: بنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: بنا "يزيد بن درهم" (2) قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال: الزكاة المفروضة (3) قال أبو حفص: وبنا معلى بن أسد [قال] (4) بنا عبد الواحد بن زياد، قال: بنا الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال: العشر ونصف العشر (5) قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا إبراهيم بن نافع، عن ابن طاؤس عن أبيه، { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال الزكاة (6) قال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن، قال: بنا أبو هلال، عن حيان الأعرج، عن جابر بن زيد { وَآتُوا حَقَّهُ [يَوْمَ حَصَادِهِ] } (7) قال: الزكاة (8)
__________
(1) - أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد من مشائخ المؤلف ولد سنة 448هـ، عرف بقاضي مارستان، كان فقيها حنبليا محدثا ثقة متقنا في علوم كثيرة سمع منه ابن الجوزي، توفي سنة 535هـ. انظر: مشيخة ابن الجوزي 61-65؛ والأعلام 7/54؛ والمقدمة ص 39.
(2) - في "هـ" بريدان درهم، وهو تحريف عما أثبت.
(3) - ذكره النحاس بإسنادهما من طريق يزيد بن درهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كما ذكره مكي بن أبي طالب عنه. انظر: جامع البيان 8/29؛ والناسخ والمنسوخ 128؛ والإيضاح 245.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - أخرجه الطبري والنحاس عن ابن عباس في المصدرين السابقين.
(6) - أخرجه الطبري في جامع البيان 8/40 عن طاؤس. وفي الطبعة الأولى من جامع البيان في هذه الرواية (عن ابن عباس عن أبيه) وهو خطأ والصواب عن ابن طاؤس عن أبيه.
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - أخرجه الطبري في جامع البيان 8/40 عن جابر بن زيد، وذكره عنه النحاس في ناسخه 138 ومكي بن أبي طالب في الإيضاح 245..
(1/363)
قال أبو حفص: وبنا محمد بن جعفر، قال: بنا "شعبة" (1) عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن عن قوله: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال الزكاة (2) وهذا قول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وابن الحنفية (3) وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم في آخرين (4) فعلى هذا الآية محكمة وينبغي على قول هؤلاء أن تكون هذه الآية مدنية لأن السورة مكية، والزكاة إنما أنزلت بالمدينة.
والثاني: أنه حق غير الزكاة أمر به يوم الحصاد، وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الزرع، والتمر.
__________
(1) - في "م" غير منقوطة.
(2) - أخرجه الطبري والنحاس، وذكره مكي بن أبي طالب عن الحسن في المصادر الثلاثة السابقة.
(3) - ابن الحنفية: وهو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو القاسم بن الحنفية المدني، ثقة عالم، من الثانية، مات بعد الثمانين. انظر: التقريب 312.
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 8/39-41، عنهم ما عدا عطاء كما ذكره النحاس في ناسخه 138-139، عنهم والسدي، وذكره أيضا مكي بن أبي طالب عنهم في الإيضاح 244-245، ثم قال: وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي.
(1/364)
أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أبنا الجوهري، قال: أبنا الظفر، قال: أبنا علي بن إسماعيل، قال: أنبا أبو حفص، قال: أبنا يحيى بن سعيد، قال: بنا عبد الملك عن عطاء { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال: "القبضة" (1) من الطعام (2) وقال يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن مجاهد: { وَآتُوا حَقَّهُ } قال: شيء سوى الزكاة في الحصاد "والجذاذ" (3) إذا حصدوا، و "إذا جذوا" (4) وقال أبو حفص: وبنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن مجاهد، قال: إذا حصدوا ألقى إليهم من السنبل، وإذا "جذوا" (5) النخل ألقى لهم من "الشماريخ" (6) فإذا كاله زكاه (7) قال أبو حفص: وبنا معمر بن سليمان، قال: بنا عاصم عن أبي العالية { وَآتُوا حَقَّهُ } قال: كانوا يعطون شيئا سوى =الزكاة= (8).
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثنا [أبي] (9) قال: بنا هشيم، قال: أبنا مغيرة عن شباك، عن إبراهيم، قال: كانوا يعطون حتى نسختها، الصدقة العشر أو نصف العشر (10).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 8/39 عن عطاء.
(3) - في النسختين غير منقوطة.
(4) - في "م" جدر، وفي "هـ" وجدوا، كلاهما خطأ والصواب جذوا، بالذال، يقال: جذذت الشيء جذا، إذا قطعته، فاتجذ: اي انقطع من باب قتل. انظر: المصباح المنير 1/102.
(5) - غير واضحة في "هـ".
(6) - الشماريخ: جمع شمراخ، ما يكون فيه الرطب. انظر: المصباح المنير 1/345.
(7) - أخرجه الطبري عن مجاهد في جامع البيان 8/41-42.
(8) - هذه الكلمة ساقطة من النسختين، أضفتها حسبما جاء في الرواية السابقة عن مجاهد آنفا.
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - أخرجه الطبري من طريق مغيرة عن شباك عن إبراهيم في جامع البيان 8/43.
(1/365)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا عبد الله بن سعيد، قال: أبنا ابن إدريس "عن أبيه عن عطية" (1) [وآتوا حقه] (2) يوم [حصاده قال] (3) كانوا إذا حصدوا، "وإذا دبس وإذا غربل أعطوا" منه شيئا، [فنسخ ذلك] (4) العشر ونصف العشر (5) قال أبو بكر: وبنا محمد بن "بشار" (6) قال: بنا يزيد، قال: أبنا عبد الملك عن عطاء { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال: [ليس] (7) بالزكاة، ولكنه إذا كيل قبض منه "قبضات من شهد رضخ له منه" (8).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ذكره المؤلف في مختصر عمدة الراسخ ورقة (7) عن عطية كما ذكره السيوطي في الدر المنثور 8/43 معزيا إلى ابن أبي حاتم عن عطية العوفي.
(6) - في النسختين غير واضحة، والصواب ما أثبت عن كتب التراجم، وهو محمد بن بشار بن عثمان العبدي، ثقة، من العاشرة مات سنة 252 التقريب (291).
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - غير واضحة من "هـ"، وقد أخرج الطبري هذا القول 8/41 عن عطاء من طريق عبد الملك.
(1/366)
واختلف العلماء: هل نسخ أم لا؟ "إن قلنا أنه أمر وجوب فهو منسوخ" (1) بالزكاة، وإن قلنا أنه أمر استحباب، فهو باقي الحكم (2).
ذكر الآية السادسة عشرة:
قوله تعالى: { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } (3) الآية. اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين:
أحدهما: أن المعنى لا أجد محرما مما كنتم تستحلون في الجاهلية إلا هذا، قاله طاؤس ومجاهد (4).
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - قلت: نهج المؤلف في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره نفس المنهج حيث سكت عن ترجيح رأي دون آخر، ولكن الطبري والنحاس رجحا نسخ الآية، وأما مكي بن أبي طالب فذهب إلى الإحكام حيث يقول: في نهاية مناقشة هذه القضية (إنها محكمة نزلت في فرض الزكاة مجملة، وبينها النبي صلى الله عليه وسلم ويعارض كونها في الزكاة قول أكثر الناس، أن الزكاة فرضت بالمدينة والأنعام مكية، فيصير فرض الزكاة نزل بمكة، والله أعلم بذلك. انظر: جامع البيان 8/44؛ والناسخ والمنسوخ للنحاس 138؛ والإيضاح 245-247.
(3) - الآية (145) من سورة الأنعام.
(4) - أخرجه الطبري في جامع البيان 8/52، عن طاؤس.
(1/367)
والثاني: أنها حصرت المحرم، فليس في الحيوانات محرم إلا ما ذكر فيها. ثم اختلف أرباب هذا القول. فذهب بعضهم إلى أنها محكمة، وأن العمل على ما ذكر فيها، فكان ابن عباس لا يرى بلحوم الحمر الأهلية بأسا، ويقرأ هذه الآية ويقول: ليس بشيء "حراما" (1) إلا ما حرمه الله في كتابه (2). وهذا مذهب عائشة، والشعبي، وذهب آخرون إلى أنها نسخت بما ذكر في المائدة من المنخنقة، والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع (3) وقد رد قوم هذا القول، بأن قالوا: كل هذا داخل في الميتة، وقد ذكرت الميتة هاهنا فلا وجه للنسخ، وزعم قوم: أنها نسخت بآية المائدة، وبالسنة من تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من [السباع] (4) ومخلب (5) من الطير، وهذا ليس بصحيح، أما آية المائدة فقد ذكرنا أنها داخلة في هذه الآية.
__________
(1) - في النسختين حرام بالرفع وهو خطأ ولعله من النساخ.
(2) - روى البخاري من طريق عمرو بن دينار، قال: قلت لجابر بن زيد، يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية، فقال: قد كان يقول ذاك، الحكم بن عمرو الغفاري عندنا ولكن أبى ذاك البحر ابن عباس، وقرأ- (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما). انظر: صحيح البخاري مع الفتح 12/76.
(3) - كما جاء ذلك في الآية الثالثة من المائدة.
(4) - ساقطة من "هـ"، روى هذا الحديث البخاري في صحيحه 12/78 عن أبي ثعلبة.
(5) - المخلب بكسر الميم وهو للطائر والسبع كالظفر للإنسان، لأن الطائر يخلب بمخلبه الجلد أي يقطعه ويمزقه. انظر: المصباح المنير 1/100 وقد جاء النهي عن مخلب الطير في حديث مسلم من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر: صحيح مسلم مع شرح النووي 13/83.
(1/368)
وأما ما ورد في السنة فلا يجوز أن يكون ناسخا، لأن مرتبة القرآن لا يقاومها أخبار الآحاد ولو قيل: إن السنة خصت ذلك الإطلاق أو ابتدأت حكما، كان أصلح. وإنما الصواب عندنا أن يقال: هذه الآية نزلت بمكة، ولم تكن الفرائض قد تكا"ملت" (1) ولا المحرمات اليوم قد تتامت، ولهذا قال: { فِي مَا أُوحِيَ } على لفظ الماضي وقد كان حينئذ من قال: لا إله إلا الله ثم مات، دخل الجنة، فلما جاءت الفرائض والحدود، وقعت المطالبة بها، فكذلك هذه الآية إنما أخبرت بما كان في الشرع من التحريم يومئذ، فلا ناسخ إذن ولا منسوخ. ثم كيف يدعى نسخها وهي خبر، والخبر لا يدخله النسخ (2).
ذكر الآية السابعة عشرة:
قوله تعالى: { انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ } (3) للمفسرين فيها قولان:
أحدهما: أنها اقتضت الأمر بالكف عن قتالهم، وذلك منسوخ بآية السيف (4).
__________
(1) - في "م" تكامل، ولعل التاء سقط من الناسخ.
(2) - قلت اختار المؤلف في مختصر عمدة الراسخ إحكام الآية وهو اختيار أبي جعفر النحاس ومكي بن أبي طالب، ويقول المؤلف في تفسيره 3/140 بعد ذكر دعوى الإحكام: ولأرباب هذا القول في سبب إحكامها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها خبر والخبر لا يدخله النسخ. والثاني:أنها جاءت جوابا عن سؤال سألوه، فكان الجواب بقدر السؤال، ثم حرم بعد ذلك ما حرم. والثالث: أنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذكر فيها. انظر: مختصر عمدة الراسخ ورقة (7)، والناسخ (142) والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 249-250.
(3) - الآية (158) من سورة الأنعام.
(4) - ذكر النسخ هنا، هبة الله في ناسخه ص 46.
(1/369)
والثاني: أن المراد بها التهديد، فهي محكمة وهي الصحيح (1).
ذكر الآية الثامنة عشرة:
قوله تعالى: { لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } (2) للمفسرين في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها: لست من قتالهم في شيء، ثم نسخ بآية السيف، قاله السدي (3).
والثاني: ليس إليك شيء من أمرهم، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أنت بريء منهم [وهم] (4) منك براء إنما أمرهم إلى الله سبحانه في الجزاء فعلى هذين القولين الآية محكمة (5).
(6)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة الأعراف"
ذكر الآية الأولى:
قوله تعالى: { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } (6)
قال ابن زيد: نسخها الأمر بالقتال (7) وقال غيره هذا تهديد لهم وهذا لا ينسخ (8).
ذكر الآية الثانية:
__________
(1) - قلت: ذكر دعوى النسخ المؤلف في تفسيره ولم يرجح، وذكره في مختصر عمدة الراسخ ثم أحال إلى أمثال هذه الآية السابقة التي رجح المؤلف إحكامها، أما النحاس ومكي بن أبي طالب فلم يتعرضا لدعوى النسخ في هذه الآية أصلا. انظر زاد المسير 3/158، ومختصر عمدة الراسخ (7).
(2) - الآية (159) من سورة الأنعام.
(3) - أخرجه النحاس بسند ضعيف في الناسخ والمنسوخ 146.
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - قلت أورد المؤلف في تفسيره 3/158، ومختصر عمدة الراسخ الورقة (7) القول الأول والثالث ثم قال: فعلى هذا تكون محكمة، وأما الطبري فيروي القول الثالث في تفسيره 8/78 عن أبي الأحوص، وعن مالك بن مغول بالإسناد ثم رجح إحكام الآية واستبعد النسخ لعدم ثبوته بسند صحيح ولإمكان الجمع بين الآيتين، وأما النحاس فيقول في ناسخه 144، أن هذه الآية عن الناسخ والمنسوخ بمعزل.
(6) - الآية (180) من سورة الأعراف.
(7) - ذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح 353 عن ابن زيد.
(8) - ذكر المؤلف في مختصر عمدة الراسخ نفس ما ذكره هنا، وعزا قول الإحكام في تفسيره 2/293-294 إلى الجمهور.
(1/370)
قوله تعالى: { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } (1) قال المفسرون: المراد بكيده مجازاة أهل الكيد، والمكر، وهذه خبر، فهي محكمة (2) وقد ذهب من قل علمه من منتحلي التفسير إلى أن معنى الآية [الأمر للنبي صلى الله] (3) عليه وسلم بمتاركتهم، "قال ونسخ" معناها بآية السيف، وهذا قول [لا يلتفت] (4) إليه (5).
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ] } (6) العفو "الميسور" (7) وفي الذي أمر بأخذ العفو [ثلاثة] (8) أقوال:
__________
(1) - الآية (183) من سورة الأعراف.
(2) - ذكر المؤلف في زاد المسير 1/36 عن محمد بن قاسم الأنباري والمفسرين.
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - قلت: أعرض المؤلف في كتابيه التفسير ومختصر عمدة الراسخ عن ذكر دعوى النسخ في هذه الآية كما أعرض عنه معظم كتب النسخ المتقدمة إلا أن هبة الله قد عدها من المنسوخة في ناسخه ص 47.
(6) - الآية (199) من سورة الأعراف، ما بين معقوفين منها ساقطة من "هـ".
(7) - في النسختين المنسوب، ولعله تصحيف عما أثبت عن زاد المسير 3/307.
(8) - ساقطة من "هـ".
(1/371)
أحدها: أخلاق الناس، قاله ابن عمر، وابن الزبير (1) والحسن "ومجاهد" (2) [فعلى] (3) هذا يكون المعنى: اقبل الميسور من أخلاق الناس" ولا تستقص عليهم فتظهر منهم" (4) البغضاء، فعلى هذا هو محكم (5).
والقول الثاني: أنه المال، ثم فيه قولان:
أحدهما: أن المراد "بعفو المال" (6) الزكاة، قاله مجاهد في رواية الضحاك (7).
والثاني: أنها صدقة كانت تؤخذ قبل فرض الزكاة، ثم نسخت بالزكاة روى عن ابن عباس =رضي الله عنهما (8) قال القاسم وسالم (9) العفو شيء "في" (10) المال سوى الزكاة، وهو فضل المال ما كان عن ظهر غنى (11).
__________
(1) - أخرجه الطبري في صحيحه في كتاب التفسير وابن جرير في تفسيره، والنحاس في ناسخه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 9/375. أما عبد الله بن الزبير: فهو صحابي جليل، القرشي الأسدي أبو بكر وأبو حبيب بالمعجمة مصغرا كان أول مولود في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين قتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين. انظر: التقريب (173).
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - وهو اختيار النحاس في ناسخه 147، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح 253.
(6) - في "هـ" بالعفو المال، و"ال" زيادة من الناسخ.
(7) - ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق عن الضحاك، في "هـ" والضحاك.
(8) - ذكره النحاس ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين.
(9) - أما القاسم فقد سبق ترجمته في ص 250، وأما سالم فهو ابن عبد الله بن عمر ابن الخطاب القرشي أحد فقهاء السبعة كان ثبتا عابدا فاضلا من كبار الثالثة مات آخر سنة ست التقريب (115).
(10) - في "هـ" "من" بدل "في".
(11) - ذكره النحاس في ناسخه 147، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح (253) عن قاسم وسالم، وذكره المؤلف في زاد المسير 1/36، عن ابن عباس من طريق مقسم.
(1/372)
والثالث: أن المراد به "مساهلة" (1) المشركين والعفو عنهم، ثم نسخ بآية السيف، قاله ابن زيد (2) وقوله: { وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (3) فيهم قولان:
أحدهما: أنهم المشركون أمر بالإعراض عنهم، ثم نسخ ذلك بآية السيف (4).
والثاني: أنه عام فيمن "جهل" (5) أمر بصيانة النفس عن "مقابلتهم على" (6) سفههم، وأن واجب الإنكار عليهم، وعلى هذا تكون الآية محكمة وهو الصحيح (7).
(7)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة الأنفال" (8)
ذكر الآية الأولى (9)
قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } (10) اختلف العلماء في هذه الآية، فقال بعضهم هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين، فنسخ الله ذلك بهذه الآية وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } (11)
__________
(1) - في "هـ" متاهلة، وهو تصحيف.
(2) - ذكره مكي بن أبي طالب في المصدر السابق عن ابن زيد وأورد المؤلف هذه الآراء في تفسيره 3/308، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) بدون ترجيح.
(3) - عَجُز الآية نفسها.
(4) - ذكره مكي بن أبي طالب أيضا في المصدر السابق.
(5) - غير واضحة من "هـ".
(6) - في "هـ" ماتلهم عن، وهو تحريف ظاهر.
(7) - يقول المؤلف في زاد المسير: (هذه الآية عند الأكثرين كلها محكمة، وعند بعضهم أن وسطها محكم، وطرفيها منسوخان على ما بينا) ونص مكي بن أبي طالب على إحكامها بقوله: أن معناها: أعرض عن مجالستهم، وهذا لا ينسخ إلا بالأمر بالمجالسة، وهذا لا يجوز. انظر: المصدر السابق.
(8) - ساقطة من "هـ".
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - الآية الأولى سورة الأنفال.
(11) - الآية (41) سورة الأنفال.
(1/373)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: أبنا وكيع، قال: بنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة، قالا: كانت الأنفال لله فنسخها { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } هذا قول السدي (1) وقال آخرون المراد بالأنفال شيئان:
أحدهما: ما يجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لطائفة من شجعان العسكر ومقدميه، يستخرج به نصحهم ويحرضهم على القتال.
__________
(1) - ذكر النحاس في ناسخه عن ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة وعن مجاهد وعكرمة والضحاك والسدي، كما ذكره أبو محمد مكي بن أبي طالب عن ابن عباس ومجاهد في رواية عنهما، وعن عكرمة.
(1/374)
والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها، كما روي عن ابن عمر =رضي الله عنهما= قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فغنمنا إبلا، فأصاب كل واحد اثنى عشر بعيرا، ونفلنا بعيرا بعيرا (1) فعلى هذا هي محكمة (2)؛ لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا، والعجب ممن يدعي أنها منسوخة، فإن عامة ما تضمنت أن الأنفال لله والرسول، والمعنى: أنهما يحكمان فيها وقد وقع الحكم فيها بما تضمنته آية الخمس، وإن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أراد، فهذا حكم باق، فلا يتوجه النسخ بحال، ولا يجوز أن يقال عن آية أنها منسوخة إلا أن يرفع حكمها وحكم هذه ما رفع فكيف يدعي النسخ؟ وقد ذهب إلى نحو ما ذكرته أبو جعفر ابن جرير الطبري (3).
ذكر الآية الثانية:
قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ } (4)
وقد ذهب قوم، منهم ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، والحسن وابن جبير، وقتادة والضحاك إلى أنها في أهل بدر خاصة.
__________
(1) - رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولفظ البخاري: (عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهامهم اثني عشر بعيرا ونقلوا بعير بعيرا). انظر: صحيح البخاري مع الفتح 7/47 في كتاب فرض الخمس.
(2) - ذكر المؤلف العبارة نفسها في زاد المسير 3/319 وسكت عن دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ لضعفها.
(3) - انظر: نص ما قاله الطبري في جامع البيان 9/118-119.
(4) - الآية (15-16) من سورة الأنفال.
(1/375)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا أبن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا محمد بن جعفر، قال: بنا شعبة عن داود، قال: سمعت الشعبي، يحدث عن أبي سعيد الخدري: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } قال: نزلت في يوم بدر (1).
قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا حبيب [بن] (2) الشهيد عن الحسن، { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } قال: نزلت في أهل بدر (3) قال أحمد: وبنا روح، قال: بنا شعبة عن الحسن، قال (4) إنما شدد على أهل بدر، قال أحمد: وبنا حسين، قال: بنا (5) حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } قال: يوم بدر (6).
قلت: لفظ الآية عام، وإن كانت نزلت في قوم بأعيانهم، وقد روي عن ابن عباس =رضي الله عنه= وغيره أنها عامة، ثم لهؤلاء فيه قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } (7) فليس للمؤمنين أن يفروا عن مثليهم (8).
__________
(1) - أخرجه أبو داود في سننه 7/303، والطبري في تفسيره 9/134، والنحاس في ناسخه 152، والحاكم في المستدرك 2/327 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) - في "م" ساقطة كلمة (ابن)، وهو حبيب بن الشهيد الأزدي أبو محمد البصري، ثقة ثبت من الخامسة، مات سنة 145 وهو ابن ست وستين. انظر: التقريب (63).
(3) - ذكره النحاس في المصدر السابق بإسناده عن الحسن، كما ذكره عنه مكي بن أبي طالب في الإيضاح ص 256.
(4) - كلمة "قال" مكررة في "هـ".
(5) - في "هـ" (الحمد) زيادة.
(6) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/173 وعزاه إلى ابن المنذر وأبي الشيخ عن عكرمة.
(7) - الآية (66) سورة الأنفال.
(8) - دعوى النسخ هنا مروية عن عطاء بن أبي رباح، في جامع البيان 9/135، والناسخ والمنسوخ للنحاس 153، وذكره مكي بن أبي طالب أيضا عنه في الإيضاح 256.
(1/376)
قال آخرون: هي محكمة، وهذا هو الصحيح؛ لأنها محكمة [في النهي] (1) عن الفرار (2) فيحمل النهي على ما إذا كان العدو أعلى =من= (3) عدد المسلمين وقد ذهب إلى نحو هذا ابن جرير (4).
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } (5)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - روى الطبري والنحاس في المصدرين السابقين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال).
(3) - غير موجودة في النسختين، أضفتها كي يستقيم المعنى.
(4) - تجد نص كلام الطبري في جامع البيان 9/135، وذهب إلى ما ذهب إليه الطبري من إحكام الآية النحاس، ومكي بن أبي طالب في المصدرين السابقين، وقالا: أنها خبر ووعيد ولا ينسخ الوعيد.
(5) - الآية (33) سورة الأنفال..
(1/377)
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا "علي بن" (1) الحسين. عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } نسختها الآية التي بعدها { وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ } (2) وقد روى مثله عن الحسن وعكرمة (3) وهذا [القول] (4) ليس بصحيح، لأن النسخ لا يدخل على الأخبار، وهذه الآية بينت أن كون الرسول فيهم منع نزول العذاب بهم، وكون المؤمنين يستغفرون بينهم منع أيضا والآية التي "تليها" (5) بينت استحقاقهم العذاب لصدهم عن سبيل الله، غير "أن كون" (6) الرسول والمؤمنين بينهم منع من تعجيل ذلك، أو عمومه، فالعجب من مدعي النسخ (7).
ذكر الآية الرابعة:
قوله تعالى: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } (8) اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية على قولين:
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - الآية (34) من سورة الأنفال.
(3) - أخرج الطبري قول النسخ عن الحسن وعكرمة في جامع البيان 9/156، وذكره مكي بن أبي طالب في الإيضاح 257 عن الحسن، إلا أن الطبري رد على ذلك وأثبت الإحكام.
(4) - (أل) ساقطة من "هـ".
(5) - في "هـ" أن يكون، ولعلها تحريف من الناسخ.
(6) - غير واضحة في "هـ".
(7) - قلت: أنكر المؤلف في زاد المسير 3/350، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) وقوع النسخ في هذه الآية. ويقول النحاس في هذه الآية (والنسخ هنا محال، لأنه خبر، خبر الله به ولا نعلم أحدا روى عنه إلا الحسن وسائر العلماء على أنها محكمة) وبه قال مكي بن أبي طالب. انظر: الناسخ والمنسوخ 153؛ والإيضاح 258.
(8) - الآية (61) من سورة الأنفال..
(1/378)
أحدهما: أنهم المشركون، وأنها نسخت بآية السيف، وبعضهم يقول: بقوله: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (1) وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وقتادة في آخرين (2).
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال أبنا إسحاق بن أحمد، قال: أبنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا حجاج عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } فنسختها { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } الآية (3).
__________
(1) - الآية (29) من سورة التوبة.
(2) - ذكر النسخ النحاس هنا عن ابن عباس بآية (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) وذكره هو والطبري والمكي بآية السيف عن قتادة. انظر: الناسخ والمنسوخ 155؛ وجامع البيان 10/24؛ والإيضاح 259.
(3) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/199، عن ابن عباس رضي الله عنهما وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(1/379)
وأخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: "أبنا" (1) أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا أحمد بن محمد، قال: بنا علي بن [الحسين] (2) عن أبيه عن يزيد [النحوي] (3) عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } (4) نسختها { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } (5) [قال] (6) أحمد بن محمد، وبنا موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي "نجيح" (7) عن مجاهد { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } [نسختها { فَاقْتُلُوا] الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (8).
والثاني: أنهم أهل الكتاب. وقال [مجاهد] (9) بنو قريظة.
__________
(1) - في "هـ" أخبرنا.
(2) - "ال" ساقطة من"م".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - الآية (61) من سورة الأنفال.
(5) - الآية (29) من سورة التوبة.
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - غير واضحة من "هـ".
(8) - الآية الخامسة من التوبة.
(9) - ساقطة من "هـ".
(1/380)
أخبرنا عبد الوهاب، قال: بنا أبو ظاهر قال: بنا شاذان قال: أبنا عبد الرحيم قال: أبنا إبراهيم قال: بنا "آدم [قال: بنا ورقاء عن ابن أبي] (1) نجيح عن مجاهد: { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ } "يعني: قريظة فعلى هذا القول إن قلنا" (2) أنها نزلت في ترك حرب أهل [الكتاب] (3) إذا بذلوا الجزية "وقاموا بشرط" (4) الذمة فهي محكمة، وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير جزية توجه النسخ لها بآية الجزية وهي قوله [تعالى] (5) { قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } الآية (6)
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ" أورد ابن كثير هذا القول عن مجاهد ثم قال: وهذا فيه نظر، لأن السياق كله في وقعة بدر وذكرها مكتنف لهذا كله . انظر: تفسير القرآن العظيم 2/320.
(4) - غير واضحة من "هـ".
(5) - ساقطة من "هـ".
(6) - الآية (29) من سورة التوبة. قلت: أورد المؤلف الرأيين في مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) وفي تفسيره 3/376 بالاختصار دون ترجيح. أما الإمام ابن جرير فأورد قول النسخ ثم نفى وقوعه هنا وقال لأن المقصود بنو قريظة وهم كانوا يهودا وقد أذن الله للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم، وأما قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فإنما عنى به المشركون العرب الذين لا يجوز قبول الجزية منهم فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه. انتهى كلام ابن جرير من جامع البيان 10/23. وأما ابن كثير، فيقول بعد عزو دعوى النسخ إلى قائليه: وفيه نظر لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك فإما إن كان العدو كثيفا فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فلا منافاة ولا نسخ.. انتهى من تفسير القرآن العظيم 2/322 - 323، وهكذا رد دعوى النسخ ابن العربي لعدم وجود الشروط لوقوعه في إحكام القرآن 21/876، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح 259.
(1/381)
.
ذكر الآية الخامسة:
قوله تعالى: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } (1) قال المفسرون: لفظ هذا الكلام لفظ الخبر، [و] (2) معناه الأمر والمراد: يقاتلوا مائتين، وكان هذا فرضا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } (3) ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين "فإن زاد" (4) جاز له الفرار.
أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار، قال: أبنا أبي، قال: أبنا أبو بكر البرقاني، قال: أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، قال: أخبرني الحسن، قال: بنا حيان، قال: أبنا عبد الله، قال: أبنا جرير بن حازم، قال: سمعت الزبير بن "الخريت" (5) عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= في قوله - عز وجل - { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } قال: فرض عليهم أن لا يفر رجل [من عشرة ولا] (6) قوم من عشرة أمثالهم، قال: فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت [الآية الأخرى] (7) { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ } الآية(8) (فرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم ونقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد) (9).
__________
(1) - الآية (65) من سورة الأنفال.
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - الآية (66) من سورة الأنفال.
(4) - في "هـ" فإن زادوا بصيغة الجمع.
(5) - غير واضحة من "هـ" وهو الزبير بن الخريت بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ساكنة ثم فوقانية، البصري، ثقة من الخامسة. انظر: التقريب (106).
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - الآية (66) من سورة الأنفال.
(9) - أخرج نحوه البخاري وابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق جرير بن أبي حازم. انظر: صحيح البخاري بالفتح 9/382 من كتاب التفسير، وجامع البيان 10/29.
(1/382)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: بنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } (1) فنسختها { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } (2).
أخبرنا ابن ناصر، قال: أبنا ابن أيوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: أبنا أبو داود السجستاني، قال: أبنا أحمد بن محمد، قال: بنا علي بن [الحسين] (3) عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة، عن ابن عباس { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } نسخ فقال: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } (4).
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا ابن غيلان (5) قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحاق بن الحسن، قال: بنا أبو حذيفة قال: بنا سفيان الثوري عن "ليث" (6) عن عطاء: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } قال: كان لا "ينبغي" (7) لواحد أن يفر من عشرة فخفف الله عنهم.
__________
(1) - الآية (65) من سورة الأنفال.
(2) - الآية (66) من الأنفال وهذا القول أخرجه الطبري في أثر طويل عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في جامع البيان 10/97.
(3) - ال، ساقطة من "هـ".
(4) - أخرجه الطبري عن عكرمة والحسن في المصدر السابق.
(5) - في "هـ" ابن "بي" وهي زيادة من الناسخ.
(6) - غير واضحة من "هـ".
(7) - ما بين حاجزين غير واضحة من "هـ".
(1/383)
أخبرنا [عبد الوهاب] (1) الحافظ قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي، قال أبنا أبو علي بن "شاذان" (2) قال: أبنا عبد الرحمن بن "الحسن" قال: بنا إبراهيم بن الحسين قال: بنا آدم قال: بنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: كان قد جعل على أصحاب محمد يوم بدر على كل [رجل] (3) منهم قتال عشرة من الكفار "فضجوا" (4) من ذلك فجعل على كل رجل قتال رجلين فنزل التخفيف من الله - عز وجل - فقال: { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ } (5) قال أبو جعفر النحاس:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - غير واضحة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "هـ" صبحوا، وهو تصحيف.
(5) - أخرجه الطبري في جامع البيان 10/28 عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح.
(1/384)
وهذا تخفيف لا نسخ؛ لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول [لأنه لم] (1) يقل فيه لا يقاتل الرجل عشرة بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له. ونظير هذا إفطار الصائم في السفر، لا يقال [إنه] (2) نسخ الصوم وإنما [هو تخفيف] (3) ورخصة "والصيام" (4) له أفضل (5).
ذكر الآية السادسة:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - هاء الضمير ساقطة من "هـ".
(3) - ساقطة من "هـ".
(4) - في "م" والسيام، بالسين وهو تحريف.
(5) - تجد كلام النحاس المذكور في كتابه الناسخ والمنسوخ ص156، قلت: قد نص المؤلف في تفسيره 3/378، وفي مختصر عمدة الراسخ ورقة (8) بنسخ هذه الآية. يقول الإمام الشافعي رحمه الله بعد ذكر دعوى النسخ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (هذا كما قال ابن عباس -إن شاء الله- مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله أن لا يفسر العشرون من المائتين فكان هكذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى أن لا يفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين) انتهى من رسالة الشافعي فقرة 372 - 374) ومن أحكام القرآن له 2/40. قلت: وقد تبع النحاس في إنكار وقوع النسخ هنا، ابن حزم الظاهري حيث قال: (وهذا خطأ، لأنه ليس إجماعا، ولا فيه بيان نسخ ولا نسخ عندنا في هذه الآيات أصلا، وإنما هي في فرض البراز إلى المشركين، وأما بعد اللقاء فلا يحل لواحد منا أن يولي دبره جميع من على وجه الأرض من المشركين إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة) انتهى من كتابه الإحكام في أصول الأحكام 4/462.
(1/385)
قوله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } (1) روى عن ابن عباس ومجاهد في آخرين أن هذه الآية منسوخة بقوله: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } (2) وليس للنسخ وجه لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزلت الآية الأخرى، ويبين هذا قوله: { حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } قال أبو جعفر النحاس: ليس هاهنا ناسخ ولا منسوخ، لأنه قال - عز وجل - { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ } فلما أثخن في الأرض كان له أسرى (3).
ذكر الآية السابعة:
__________
(1) - الآية (67) من سورة الأنفال.
(2) - الآية الرابعة من سورة محمد. روى هذا القول النحاس بإسناده عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وذكره مكي بن أبي طالب بدون إسناد، عنه. انظر: الناسخ والمنسوخ 156؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (260).
(3) - انظر: نص كلام النحاس في المصدر السابق، ويقول مكي بن أبي طالب (والذي يوجبه النظر وعليه جماعة من العلماء أن الآية غير منسوخة، لأنه خبر والخبر لا ينسخ). وأما المؤلف فقد رد دعوى النسخ في تفسيره بمثل ما رد به هنا، ولم يتعرض له في مختصر عمدة الراسخ أصلا. انظر: زاد المسير 3/381.
(1/386)
قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } (1) قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة، وكان المؤمن الذي لا يهاجر "لا يرث" (2) قريبه المهاجر وذلك معنى قوله { مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } (3)
__________
(1) - الآية (72) من سورة الأنفال.
(2) - في "هـ" لم يرث.
(3) - جزء من الآية (72) من سورة الأنفال.
(1/387)
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهر الباقلاوي، قالا: أبنا أبو علي بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كامل، قال: حدثني محمد بن سعد العوفي، قال: بنا أبي، قال: حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس =رضي الله عنهما= قال: كان المؤمنون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة منازل: منهم المؤمن المهاجر "المرافق" (1) لقومه في الهجرة خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم =وفي قوله: والذين آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد= (2) فهذان مؤمنان، وكانوا يتوارثون إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر، ثم ألحق كل ذي رحم برحمه (3).
__________
(1) - في رواية ابن أبي حاتم "المباين" مكان "المرافق".
(2) - ما بين خطين مزدوجين لا يوجد في النسختين، ولعله سقط من المؤلف - رحمه الله - سهوا، بدليل أن المؤلف - ولو روى هذا الأثر بمعناه بالإيجاز - يذكر بعد هذا ضمير التثنية، فلو لم يذكر المنزل الثاني للمؤمن، لا نجد ما يعود الضمير إليه، لذا أكملت الأثر من رواية الطبري في جامع البيان 10/37، ومن الدر المنثور 3/205.
(3) - أخرج نحوه مطولا الطبري في جامع البيان 10/37، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق محمد بن سعد العوفي، وهو إسناد ضعيف كما كررنا. وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 3/205 معزيا إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(1/388)
أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن قهزاذ (1) قال: بنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس =رضي الله عنهما= { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } قال: وكان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر، فنسخها، فقال: { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } الآية (2).
__________
(1) - في "م" مهراد، وهو تحريف، والصواب قهزاذ، وهو محمد بن عبد الله بن قهزاذ كما تقدم ص350.
(2) - الآية (75) من الأنفال، و(6) من الأحزاب والأثر، رواه ابن جرير بإسناده عن عكرمة، وفي إسناده كإسناد المؤلف علي بن الحسين، قال المنذري، عنه وقد ضعف، وقال الحافظ في التقريب 245، صدوق له أوهام. انظر: جامع البيان 10/38.
(1/389)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد الله، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي قال بنا أبو سعيد مولى بني هاشم، قال: بنا عمر بن فروخ، قال: بنا حبيب بن الزبير عن عكرمة: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا } قال: لبث الناس برهة، والأعرابي لا يرث المهاجر، والمهاجر لا يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين فأنزل الله { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّه } (1).
__________
(1) - ذكره النحاس بالاختصار وعزاه إلى العلماء كما روى دعوى النسخ عن عكرمة، وذكر هذا الأثر مكي بن أبي طالب عن عكرمة أيضا وابن أبي حاتم في إسناده عنه، في تفسيره. انظر: الناسخ والمنسوخ 157- 158؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 264 وتفسير ابن أبي حاتم المخطوط عند ذكر هذه الآية من سورة الأنفال وهي تقع في المجلد الخامس، ج (4) تقسيم (1).
(1/390)
وقال الحسن: كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر، فنسخها { وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } (1) وقد ذهب قوم إلى أن المراد بقوله: { مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } "ولاية" (2) النصرة والمودة. قالوا ثم نسخ هذا بقوله: { [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ] بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (3) وأما قوله { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ } فقال المفسرون: إن استنصروكم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأهل العهد (4).
__________
(1) - أخرجه الطبري بإسناده عن الحسن في المصدر السابق.
(2) - في النسختين "ولاة" وهو تحريف عما أثبت.
(3) - الآية (71) من التوبة، وما بين معقوفين منها ساقطة من "هـ".
(4) - أخرج نحوه الطبري في جامع البيان 10/38 عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وبه فسر المؤلف الآية في زاد المسير 3/385 وذكره ابن كثير أيضا عن ابن عباس في تفسيره عند ذكر هذه الآية.
(1/391)
وذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى أحياء من كفار العرب كان بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موادعة، فكان إن احتاج إليهم عاونوه، وإن احتاجوا عاونهم فنسخ ذلك بآية السيف (1).
(8)
"باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة التوبة" (2)
ذكر الآية الأولى:
قوله تعالى: { فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } (3) زعم بعض ناقلي التفسير ممن لا يدري ما ينقل: أن التأجيل منسوخ بآية السيف (4) وقال بعضهم منسوخ بقوله: { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } (5) وهذا سوء فهم، وخلاف لما عليه المفسرون، فإن المفسرين اختلفوا فيمن جعلت له هذه الأشهر على أربعة أقوال:
__________
(1) - ذكر هذا القول هبة الله بن سلامة، في الجزء الأخير من هذه الآية. انظر: الناسخ والمنسوخ له ص50. قلت: عرض المؤلف دعوى النسخ في موضعين من الآية، ففي الجزء الأول نراه يسرد آراء العلماء ولا يبدي رأيه كما فعل ذلك في مختصر عمدة الراسخ وفي تفسيره، وأما في الجزء الأخير فلم يتعرض لدعوى النسخ في كتابيه أصلا بل فسر الآية بما يؤيد إحكامها. وأما ابن جرير، رحمه الله، يسوق الآثار الصحيحة عن ابن عباس وقتادة على نسخ الآية، ثم يناقشها وأثبت إحكام جميع الآية فيقول: (لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ)، وكذلك استبعد الإمام فخر الرازي جميع التفاسير المؤيدة للنسخ ورجح إحكامها. انظر: زاد المسير 3/385؛ وجامع البيان 10/40، والتفسير الكبير 4/580.
(2) - يقول النحاس: عن هذه السورة أنه لا يكاد يوجد فيها منسوخ. انظر: الناسخ والمنسوخ (160).
(3) - الآية الثانية من سورة التوبة.
(4) - ذكره هبة الله في ناسخه (51) وابن حزم أنصاري في معرفة الناسخ والمنسوخ 240.
(5) - الآية (58) من سورة الأنفال.
(1/392)
أحدها: أنها أمان لأصحاب العهد، فمن كان عهده أكثر منها حط إليها، ومن كان عهده أقل منها رفع إليها، ومن لم يكن له عهد فأجله انسلاخ المحرم خمسون ليلة. وهذا قول ابن عباس، وقتادة والضحاك (1) وإنما كان هذا الأجل خمسين ليلة؛ لأن هذه الآيات نودي بها يوم عرفة، وقيل يوم النحر.
والثاني: أنها للمشركين كافة من له عهد ومن ليس له عهد، قاله مجاهد والقرظي والزهري (2).
والثالث: أنها أجل من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمنه أقل من أربعة أشهر، وكان أمانه غير محدود، فأما من لا أمان له فهو حرب، قاله ابن إسحاق (3).
__________
(1) - أورد هذا القول عن هؤلاء بنصه المؤلف في زاد المسير 3/394. وقد أخرج الطبري نحوه عن ابن عباس من طريقين في جامع البيان 10/9: أحدهما: من طريق علي بن أبي طلحة. والثاني: من طريق آل العوفية وهو إسناد مسلسل بالضعفاء، ورواه عن قتادة والضحاك، كما روى نحوه النحاس عن الضحاك بسند ضعيف، في ناسخه (162) لأن فيه جوبير، يقول الحافظ عنه في التقريب (58): ضعيف جدا.
(2) - أخرجه الطبري في جامع البيان 10/44 - 45 بسند صحيح عن الزهري.
(3) - ذكره المؤلف في زاد المسير 3/394 عن ابن إسحاق. أما ابن إسحاق فهو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس، رمى بالتشيع والقدر وهو من صغار الخامسة، مات سنة 150هـ ويقال بعدها، وقد عده ابن تيمية رحمه الله ممن يروي الإسرائيليات فلا يقبل منه إلا بحجة. انظر: التقريب (390) ومقدمة أصول التفسير لابن تيمية 56 - 57.
(1/393)
والرابع: أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهود، فأما أرباب العهد فهم على عهودهم قاله ابن السائب (1). ويؤكده أن عليا عليه السلام نادى يومئذ (ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد، فعهده إلى مدته) (2) وقوله: { فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ } (3) قال الحسن: يعني الأشهر التي قيل لهم فيها { فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } (4) وعلى هذا البيان فلا نسخ أصلا. وقد قال بعض المفسرين: المراد بالأشهر الحرم: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم (5)
__________
(1) - ذكر نحوه النحاس في ناسخه ص 162، وقال: هذا أحسن ما قيل في الآية. وذكره المؤلف في زاد المسير 3/394 فعزاه إلى ابن السائب.
(2) - أخرجه النحاس في ناسخه 162، عن علي رضي الله عنه، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور 2/309 وعزاه إلى ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وإلى أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية عنه (فأجله أربعة أشهر).
(3) - الآية الخامسة من سورة التوبة.
(4) - ذكره المؤلف في زاد المسير 3/398 عن الحسن. وذكره السيوطي في الدر المنثور 3/213 وعزاه إلى أبي الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه.
(5) - ذكره المؤلف في المصدر السابق وعزاه إلى الأكثرين..
(1/394)
وهذا كلام غير محقق؛ لأن المشركين إنما قيل لهم { فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ } في ذي الحجة، فمن ليس له عهد يجوز قتله بعد المحرم، ومن له عهد فمدته آخر عهده فليس لذكر رجب هاهنا معنى (1).
ذكر الآية الثانية:
قوله تعالى: { فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } (2) قد ذكروا في هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن حكم الأسارى كان وجوب قتلهم ثم نسخ بقوله: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } (3) قاله الحسن، وعطاء والضحاك "في آخرين" (4) وهذا يرده قوله: { وَخُذُوهُمْ } (5) والمعنى ائسروهم.
__________
(1) - قلت: لم يتعرض المؤلف إلى دعوى النسخ في مختصر عمدة الراسخ ولا في تفسيره عند ذكر هذه الآية، إنما عرض الآراء لي تفسيره كما عرضها هنا، وقد سبقه في رد دعوى النسخ هنا، أبو جعفر النحاس في ناسخه 160، ومكي بن أبي طالب في الإيضاح 266، ويقول المكي في نهاية المناقشة: (وكان حق هذا أن لا يدخل في الناسخ والمنسوخ لأنه لم ينسخ قرآنا متلوا إنما نسخ أمرا رآه النبي صلى الله عليه وسلم، وأشياء كانوا عليها مما لا يرضاه الله، والقرآن كله ناسخ لما كانوا عليه إلا ما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه) انتهى.
(2) - الآية الخامسة من سورة التوبة.
(3) - الآية الرابعة من سورة محمد.
(4) - غير واضحة من "هـ" ذكر هذا القول النحاس وأبو محمد مكي بن أبي طالب عن الضحاك وعطاء والسدي. انظر: الناسخ والمنسوخ (164)؛ والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه (267).
(5) - جزء من الآية الخامسة من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
(1/395)
والثاني: بالعكس فإنه كان الحكم في الأساري، أنه لا يجوز قتلهم صبرا، وإنما يجوز المن أو الفداء، بقوله: { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } (1) ثم نسخ ذلك بقوله { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } (2) قاله مجاهد وقتادة (3).
__________
(1) - الآية الرابعة من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
(2) - الآية الخامسة من سورة التوبة.
(3) - ذكر المؤلف في زاد المسير 3/399 هذا القول عن مجاهد، وقتادة. وأما مكي بن أبي طالب، فحكى عن قتادة أن هذه الآية محكمة ناسخة لقوله: (فإما منا بعد وإما فداء) ثم قال: نقلا عن ابن زيد: (الآيتان محكمتان غير منسوختين، ومعنى آية براءة أنه -تعالى ذكره أمر بقتل المشركين حيث وجدوا، ثم قال: "وخذوهم" يعني أسارى القتل أو المن أو الفداء). انظر: الإيضاح ص 367.
(1/396)
والثالث: أن الآيتين محكمتان، لأن قوله { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } أمر بالقتل وقوله: { وخذوهم } أي: أئسروهم، فإذا حصل الأسير في "يد الإمام" (1) فهو مخير [إن شاء من عليه وإن شاء فاداه، وإن] (2) شاء قتله صبرا، أي ذلك "رأي فيه المصلحة" (3) [للمسلمين فعلى، هذا قول جابر] (4) بن زيد، وعليه عامة الفقهاء (5) وقد ذكر بعض من لا [فهم له من ناقلي التفسير] (6) أن هذه الآية وهي آية السيف نسخت من القرآن مائة [وأربعا وعشرين آية] (7) ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهو قوله: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } (8) وهذا [سوء فهم] (9) لأن المعنى: اقتلوهم وأسروهم [إلا] (10)
__________
(1) - غير واضحة من "هـ".
(2) - ساقطة من "هـ".
(3) - غير واضحة من "هـ".
(4) - ساقطة من "هـ".
(5) - ناقش المؤلف هذه القضية في تفسيره 3/399 بنص هذه العبارة، وزاد فيه (وهو قول الإمام أحمد).
(6) - ساقطة من "هـ".
(7) - ساقطة من "هـ".
(8) - الآية الخامسة من التوبة. وهذا القول ذكره ابن حزم في ناسخه 340، وهبة الله في ناسخه (51) ويذكر السيوطي في الدر المنثور 2/213 (أن الجزء الأخيرة من الآية نسخ واستثنى من الجزء الأول) وعزا هذا القول إلى أبي داود في ناسخه: وأورد مكي بن أبي طالب في ناسخه (269) مثل هذا القول عن ابن حبيب، ثم رد عليه بقوله: (لا يجوز في هذا نسخ، لأنها أحكام الأصناف من الكفار، حكم الله على قوم بالقتل إذا أقاموا على كفرهم، وحكم لقوم بأنهم إذا آمنوا وتابوا أن لا يعرض لهم، وأخبرنا بالرحمة والمغفرة لهم، وحكم لمن استجار بالنبي -عليه السلام- وأتاه، أن يجيره ويبلغه إلى موضع يأمن فيه، فلا استثناء في هذا إذ لا حرف فيه للاستثناء ولا نسخ فيه إنما كل آية في حكم منفرد، وفي صنف غير الصنف الآخر، فذكر النسخ في هذا وهم وغلط ظاهر وعلينا أن نتبين الحق والصواب).
(9) - ساقطة من "هـ".
(10) - ساقطة من "هـ"..
(1/397)
أن يتوبوا من شركهم، ويقروا [بالصلاة] (1) والزكاة فخلوا سبيلهم ولا تقتلوهم (2).
ذكر الآية الثالثة:
قوله تعالى: { إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } (3) في المشار إليهم بهذه المعاهدة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم بنو ضمرة (4).
والثاني: قريش. روى القولان عن ابن عباس =رضي الله عنهما= (5) وقال قتادة: هم مشركوا قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية فنكثوا وظاهروا المشركين (6).
والثالث: أنهم خزاعة دخلوا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عاهد المشركين يوم الحديبية. وهذا قول مجاهد (7) وقوله: { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ } أي: ما أقاموا على الوفاء بعهدهم { فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ } قال بعض االمفسرين: ثم نسخ هذا بآية السيف (8).
ذكر الآية الرابعة:
__________
(1) - ساقطة من "هـ".
(2) - قلت: لم يتعرض المؤلف في مختصر عمدة الراسخ لذكر هذه الآية أصلا لشدة ضعف قول النسخ فيها.
(3) - الآية السابعة من سورة التوبة.
(4) - ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/214 وعزاه إلى أبي الشيخ وابن أبي حاتم عن مقاتل.
(5) - أخرجه الطبري في جامع البيان 10/58 - 59 عن ابن عباس رضي الله عنهما، ذكره المؤلف عنه في زاد المسير 3/400.
(6) - أورد المؤلف بنصه عن قتادة في المصدر السابق.
(7) - أخرجه الطبري عن مجاهد وقتادة في المصدر السابق.
(8) - قلت: عد هذه الآية هبة الله في ناسخه (51) من المنسوخة، وأعرض عنه ابن حزم والنحاس ومكي بن أبي طالب، أما المؤلف فأورد قول النسخ في زاد المسير 3/401، ومختصر عمدة الراسخ الورقة الثامنة، بقوله (زعم بعض المفسرين) وهذا يدل على عدم قبوله لدعوى النسخ والله أعلم.
(1/398)
قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } (1) اختلف المفسرون في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها عامة في أهل الكتاب والمسلمين، قاله "أبو ذر" (2) والضحاك.
والثاني: أنها خاصة في أهل الكتاب، قاله معاوية بن أبي سفيان (3).
والثالث: أنها في المسلمين، قاله ابن عباس (4) والسدي، وفي المراد بالإنفاق هاهنا قولان:
أحدهما: إخراج الزكاة، وهذا مذهب الجمهور، والآية على هذا محكمة.
__________
(1) - الآية (34) من سورة التوبة.
(2) - في "م" ذز، وهو تصحيف، أما أبو ذر، فهو الصحابي الجليل المشهور بأبي ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة على الصحيح، أسلم قديما، وهاجر متأخرا فلم يشهد بدرا، وكان يوازي ابن مسعود في العلم مات سنة 32هـ في خلافة عثمان. انظر: تهذيب التهذيب 12/90 - 91؛ والتقريب (405)، وقد أخرج الطبري بإسناده، قول أبي ذر الغفاري رضي الله عنه هذا في جامع البيان 10/86.
(3) - أما معاوية بن أبي سفيان، فهو صخر بن أمية الأموي القرشي، أسلم يوم الفتح، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامهما وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه أبو بكر على الشام، توفي سنة 60هـ، وهو ابن ثمانين. انظر: أسد الغابة 4/385 - 388 وقد أخرج الطبري قوله هذا من طريق زيد بن وهب في جامع البيان المصدر السابق.
(4) - أخرج الطبري في المصدر نفسه هذا القول عن ابن عباس من طريقين.
(1/399)
أخبرنا عبد الأول بن عيسى (1) قال: أبنا محمد بن عبد العزيز الفارسي (2) قال: أبنا عبد الرحمن بن أبي شريح، قال: أبنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: بنا العلاء بن موسى الباهلي، قال: "أبنا الليث بن سعد، عن نافع أن عبد الله بن عمر، قال: "ما كان من مال تؤدي زكاته، فإنه ليس بكنز" وإن "كان مدفونا وما ليس مدفونا لا تؤدي زكاته، فإنه الكنز الذي ذكره الله - عز وجل - في كتابه" (3).
والثاني: أن المراد بالإنفاق إخراج ما فضل عن الحاجة، وقد زعم بعض "نقلة" (4) التفسير: أنه كان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام، ثم نسخ بالزكاة، وفي "هذا" (5) القول "بعد" (6).
__________
(1) - أما عبد الأول: فهو أبو الوقت عبد الأول عيسى ابن شعيب، من مشائخ ابن الجوزي، ولد سنة 458هـ، وسمع خلقا كثيرا، هو مسند الدنيا في وقته الصوفي الزاهد قدم إلى بغداد سنة (552)هـ يريد الحج فسمع الناس بها عليه صحيح البخاري لعلوا إسناده وتوفي سنة 553هـ. انظر: ترجمته في مشيخة ابن الجوزي 74 - 76؛ والنجوم الزاهرة 5/328 - 329.
(2) - في "هـ" هنا، كلمة (أنها) زيادة من الناسخ.
(3) - رواه الإمام مالك في موطئة 2/333 بشرح الزرقاني، والطبري في جامع البيان 10/83 بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(4) - في "هـ" نقله، وهو تصحيف.
(5) - في "م" في هذه، بالتأنيث وهو خطأ من الناسخ.
(6) - في "هـ" بعدر، وهو تحريف ذكر. دعوى النسخ هنا ابن سلامة في ناسخه ص51.
(1/400)
وقد أخبرنا المبارك بن علي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن "قريش" (1) قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود قال: بنا عبد الله بن سعيد قال أبنا أبو أسامة عن عمر بن راشد، أو غيره أن عمر بن عبد العزيز "وعراك" (2) بن مالك قالا في هذه الآية { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ } نسختها الآية الأخرى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } (3).
ذكر الآية الخامسة:
قوله تعالى: { إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } (4)
---------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق