[ ص: 165 ] الباب العاشر في الوقف والابتداء
اعلم أن علماءنا اختلفوا في أقسام الوقف، والمختار منه بيان أربعة أقسام: تام مختار، وكاف جائز، وحسن مفهوم، وقبيح متروك. وقد صنف العلماء في ذلك كتبا مدونة، وذكروا فيها أصولا مجملة، وفروعا من الآي مفصلة، فمنها ما آثروه عن أئمة القراءات في كل عصر، ومنها ما آثروه عن أئمة العربية في كل مصر، ومنها ما استنبطوه وفاق الأثر وخلافه، ومنها ما اقتدوا فيه [ ص: 166 ] بالأثر فقط، كالوقف على رؤوس الآي، وهو وقف النبي صلى الله عليه وسلم. وذهب القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، رحمهما الله تعالى، إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والكافي والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة، ومسميه بذلك ومتعمد الوقف عند نحوه مبتدع. قال: لأن القرآن معجز، وهو كله كالقطعة الواحدة، وبعضه قرآن معجز، وكله تام حسن، وبعضه تام حسن. قال المحققون: وليس الأمر كما زعم أبو يوسف، لأن الكلمة الواحدة ليست من الإعجاز في شيء، وإنما المعجز الوصف العجيب والنظم الغريب، وليس ذلك في بعض الكلمات. وقوله: إن بعضه تام حسن كما أن كله تام حسن، فيقال له: إذا قال القارئ: (إذا جاء) ووقف، أهذا تام وقرآن؟ فإن قال: نعم، قيل: إنما يحتمل أن يكون أراد القائل: إذا جاء الشتاء، وكذلك كلما أفردت من كلمات القرآن وهو موجود في كلام البشر، فإذا اجتمع وانتظم وانحاز عن غيره وامتاز ظهر ما فيه من الإعجاز. ففي معرفة الوقف والابتداء، الذي دونه العلماء، تبيين معاني القرآن العظيم وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده، فإن كان هذا بدعة فنعمت البدعة هذه. [ ص: 167 ] واعلم أنه يجب على القارئ أن يصل المنعوت بنعته، والفعل بفاعله، والفاعل بمفعوله، والمؤكد بمؤكده، والبدل بالمبدل منه، والمستثنى بالمستثنى منه، والمعطوف بالمعطوف عليه، والمضاف بالمضاف إليه، والمبتدآت بأخبارها، والأحوال بأصحابها، والأجوبة بطالبها، والمميزات بمميزاتها، وجميع المعمولات بعواملها، ولا يفصل شيئا من هذه الجمل إلا في بعض أجزائها. 2-فَصْلٌ: فِي اَلْوَقْفِ اَلتَّامِّ وَهُوَ اَلَّذِي اِنْفَصَلَ مِمَّا بَعْدَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ اَللَّبَّانِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي اَلشَّيْخَةُ اَلصَّالِحَةُ زَيْنُ اَلدَّارِ أُمُّ مُحَمَّدٍ اَلْوَجِيهِيَّةُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَلِيٍّ اَلصَّعِيدِيِّ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ وَثِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَرْقُونٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلْخَوْلَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِي ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو اَلْفَتْحِ فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: [ ص: 168 ] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْقَاضِيَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى اَلْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى اَلنَّبِيَّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اِقْرَأِ اَلْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ اِسْتَزِدْهُ، [فَقَالَ: اِقْرَأْ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقَالَ مِيكَائِيلُ: اِسْتَزِدْهُ] ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تُخْتَتَمْ آيَةُ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ، أَوْ آيَةُ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ تُخْتَتَمْ آيَةُ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، أَوْ آيَةُ عَذَابٍ بِمَغْفِرَةٍ. فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: هَذَا تَعْلِيمُ اَلْوَقْفِ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ، إِذْ ظَاهِرُ ذَلِكَ أَنْ يُقْطَعَ عَلَى اَلْآيَةِ اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اَلْجَنَّةِ أَوِ اَلثَّوَابِ، وَتُفْصَلَ مِمَّا بَعْدَهَا إِذَا كَانَ ذِكْرُ اَلْعِقَابِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ عَلَى اَلْآيَةِ اَلَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اَلنَّارِ أَوِ اَلْعُقَابِ، وَتُفْصَلَ مِمَّا بَعْدَهَا إِذَا كَانَ ذِكْرُ اَلْجَنَّةِ أَوِ اَلثَّوَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا اَلْقِسْمَ مِنَ اَلْوَقْفِ، وَهُوَ اَلتَّامُّ، لَا يُوجَدُ إِلَّا عِنْدَ تَمَامِ اَلْقَصَصِ وَانْقِضَائِهِنَّ، وَيَكْثُرُ أَيْضًا وُجُودُهُ فِي اَلْفَوَاصِلِ، كَقَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ} [اَلْبَقَرَةِ: 5]، ثُمَّ اَلِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا} [اَلْبَقَرَةِ: 6] وَ {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [اَلْبَقَرَةِ: 46] ثُمَّ اَلِابْتِدَاءُ بِقَوْلِهِ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [اَلْبَقَرَةِ: 47]. [ ص: 169 ] وَقَدْ يُوجَدُ اَلتَّامُّ قَبْلَ اِنْقِضَاءِ اَلْفَاصِلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} هَذَا آخِرُ قَوْلِ اَلظَّالِمِ، وَتَمَامُ اَلْفَاصِلَةِ مِنْ قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خذولًا} [اَلْفُرْقَانِ: 29]. وَقَدْ يُوجَدُ اَلتَّامُّ بَعْدَ اِنْقِضَاءِ اَلْفَاصِلَةِ بِكَلِمَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ} [اَلْكَهْفِ: 90، 91]، آخِرُ اَلْفَاصِلَةِ (سِتْرًا) ، وَالتَّمَامُ (كَذَلِكَ) . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ} [اَلصَّافَّاتِ: 137، 138] آخِرُ اَلْآيَةِ (مُصْبِحِينَ) ، وَالتَّمَامُ (وَبِاللَّيْلِ) ، لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى اَلْمَعْنَى، تَقْدِيرُهُ مُصْبِحِينَ وَمُلَيِّلِينَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا} [اَلزُّخْرُفِ: 34، 35].وَقَدْ يُوجَدُ اَلتَّامُّ أَيْضًا فِي دَرَجَةِ اَلْكَافِي مِنْ طَرِيقِ اَلْمَعْنَى لَا مِنْ طَرِيقِ اَللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} اَلْوَقْفُ هُنَا، وَيُبْتَدَأُ بِقَوْلِهِ: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [اَلْفَتْحِ: 9]، لِأَنَّ اَلضَّمِيرَ فِي {وَتُوَقِّرُوهُ} لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي {وَتُسَبِّحُوهُ} لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَحَصَلَ اَلْفَرْقُ بِالْوَقْفِ.وَكَذَا {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولدًا} وَقْفٌ تَامٌّ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمِ} . وَكَذَا اَلْقَطْعُ عَلَى {وَلَا لِآبَائِهِمْ} وَيُبْتَدَأُ {كَبُرَتْ كَلِمَةً} وَمَا [ ص: 170 ] أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِمَّا يَتِمُّ اَلْقَطْعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ اَلتَّأْوِيلِ. وَقَدْ يَكُونُ اَلْوَقْفُ تَامًّا عَلَى قِرَاءَةٍ وَحَسَنًا عَلَى غَيْرِهَا، نَحْوُ {إِلَى صِرَاطٍ اَلْعَزِيز اَلْحَمِيدِ} هَذَا تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ اَلْجَلَالَةَ بَعْدَهُ، وَهُوَ {اَللَّه اَلَّذِي} [إِبْرَاهِيمَ، 1، 2] وَعَلَى اَلنَّعْتِ حَسَنٌ. وَكَذَا مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَقْفٌ تَامٌّ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ كَسَرَ اَلْخَاءَ فِي {وَاِتَّخَذُوا} [اَلْبَقَرَةِ: 125]، كَافٍ عَلَى اَلْقِرَاءَةِ اَلْأُخْرَى. وَقَدْ يُوجَدُ اَلتَّامُّ عَلَى تَأْوِيلٍ، وَغَيْرُ تَامٍّ عَلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اَللَّه} [آلِ عِمْرَانَ: 7] وَقْفٌ تَامٌّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مُسْتَأْنَفٌ، وَإِلَى هَذَا اَلْوَقْفِ ذَهَبَ نَافِعٌ، وَالْكَسَائِيُّ، وَيَعْقُوبُ، وَالْفَرَّاءُ، وَالْأَخْفَشُ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَابْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، وَالطَّبَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُوسَى اَللُّؤْلُؤِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ اَلْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى اَلْأَصْبَهَانِيُّ، وَابْنُ اَلْأَنْبَارِيِّ، وَأَبُو اَلْقَاسِمِ عَبَّاسُ بْنُ اَلْفَضْلِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ "مُقَاتِلٍ"، وَإِلَى مَعْنَاهُ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ. وَمَعْنَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} أَيْ: يُسَلِّمُونَ وَيَصَّدِّقُونَ بِهِ، فِي قَوْلِ اِبْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ اَلزُّبَيْرِ: اَلرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ اَلتَّأْوِيلَ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ اَلْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يُوقَفُ عَلَى قَوْلِهِ {إِلَّا [ ص: 171 ] اَللَّه} لِأَنَّ {وَالرَّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ} مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اَلْقَوْلُ اِخْتَارَهُ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ اَلْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ "اَلْمُتَشَابِهُ" يَحْتَمِلُ اَلتَّأْوِيلَ، وَذَكَرَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ اَلْمَدِينِيُّ أَنَّ أَقْوَالَ هَذِهِ اَلْفِرْقَةِ تَزِيدُ عَلَى اَلثَّلَاثِينَ.. 3-فَصْلٌ: فِي اَلْوَقْفِ اَلْكَافِي وَهُوَ اَلَّذِي اِنْفَصَلَ مِمَّا بَعْدَهُ فِي اَللَّفْظِ، وَلَهُ بِهِ تَعَلَّقٌ فِي اَلْمَعْنَى بِوَجْهٍ. وَبِالْإِسْنَادِ إِلَى اَلدَّانِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ اَلْإِمَامُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اَلْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحُسَيْنِ اَلْبَلْخِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ - يَعْنِي اَلْأَعْمَشَ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: (قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اِقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي. قَالَ: فَافْتَتَحْتُ سُورَةَ اَلنِّسَاءِ، فَلَمَّا بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شهيدًا} [اَلنِّسَاءِ: 41] قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ دُمُوعًا، فَقَالَ لِي: حَسْبُكَ) قَالَ اَلدَّانِي : فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اَلْقَطْعِ عَلَى اَلْوَقْفِ اَلْكَافِي، لِأَنَّ [ ص: 172 ] (شَهِيدًا) لَيْسَ مِنَ اَلتَّامِّ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ مَعْنًى، لِأَنَّ اَلْمَعْنَى: فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ إِذَا كَانَ هَذَا، {يَوْمئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [اَلنِّسَاءِ: 42] فَمَا بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَالتَّمَامُ (حَدِيثًا)، لِأَنَّهُ اِنْقِضَاءُ اَلْقِصَّةِ، وَهُوَ آخِرُ اَلْآيَةِ اَلثَّانِيَةِ، وَقَدْ أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ عَلَيْهِ دُونَهُ، مَعَ تَقَارُبِ مَا بَيْنَهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى جَوَازِ اَلْقَطْعِ عَلَى اَلْكَافِي. مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك} [اَلْبَقَرَةِ: 4] هَذَا كَلَامٌ مَفْهُومٌ كَافٍ، وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ مُسْتَغْنٍ عَمَّا قَبْلَهُ فِي اَللَّفْظِ، وَإِنِ اِتَّصَلَ بِهِ فِي اَلْمَعْنَى. وَالْكَافِي يَتَفَاضَلُ أَيْضًا فِي اَلْكِفَايَةِ كَتَفَاضُلِ اَلتَّامِّ، فَمِنَ اَلْمَقَاطِعِ اَلَّتِي بَعْضُهَا أَكَفَى مِنْ بَعْضٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَشْرَبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 93] اَلْقُطْعُ عَلَى {بِكُفْرِهِمْ} كَافٍ، وَ {إِنَّ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَكْفَى مِنْهُ، وَكَذَا اَلْقَطْعُ عَلَى: {رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} كَافٍ، {إِنَّك أَنْتَ اَلسَّمِيعُ اَلْعَلِيم} [اَلْبَقَرَةِ: 127] أَكْفَى مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ اَلْقَطْعُ كَافِيًا عَلَى قِرَاءَةٍ، وَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ اَلْقَطْعِ مَوْصُولًا عَلَى أُخْرَى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} مَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ قَطَعَ عَلَى قَوْلِهِ: {فَهُوَ خَيْر [ ص: 173 ] لَكُمْ} وَمَنْ جَزَمَ لَمْ يَقْطَعْ. وَكَذَا قَوْلُهُ: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْل} مَنْ كَسَرَ اَلْهَمْزَةَ مِنْ قَوْلِهِ: {وَأَنَّ اَللَّهَ} قَطَعَ، وَابْتَدَأَ بِهِ، وَمَنْ فَتَحَهَا وَصَلَهُمَا. وَقَدْ يُوجَدُ اَلْكَافِي عَلَى تَأْوِيلٍ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ اَلْقَطْعِ غَيْرَ كَافٍ عَلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْلَمُونَ النَّاسَ اَلسِّحْر} مَنْ جَعَلَ {وَمَا أَنْزَلَ} [اَلْبَقَرَةِ: 102]. نَفْيًا قَطَعَ عَلَى (اَلسِّحْرِ) ، وَمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى اَلَّذِي وَصَلَ، وَبِالنَّفْيِ أَقُولُ. وَكَقَوْلِهِ: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} إِذَا جَعَلْتَ اَلْهَاءَ لِلصَّدِيقِ قُطِعَ عَلَيْهَا وَكَانَ كَافِيًا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لِأَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَزَلِ اَلسَّكِينَةُ مَعَهُ، وَمَنْ جَعَلَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنِ اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ كَافِيًا، وَوَجَبَ اَلْوَصْلُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {حَرِيص عَلَيْكُمْ} اَلْقَطْعُ عَلَيْهِ كَافٍ، عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ اِبْتَدَأَ {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} وَالْأَوْجَهُ اَلْوَصْلُ. 4-[ ص: 174 ] فَصْلٌ فِي اَلْوَقْفِ اَلْحَسَنِ: وَهُوَ اَلَّذِي يَحْسُنُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ حَسَنٌ مُفِيدٌ، وَلَا يَحْسُنُ اَلِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، لِتَعَلُّقِهِ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى. أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ اَلْجَلِيلُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ حَسَنِ بْنِ أَمِيلَةَ اَلْمِزِّيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ اَلْبُخَارِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ طَبْرَزْدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو اَلْفَتْحِ عَبْدُ اَلْمَلِكِ بْنُ أَبِي اَلْقَاسِمِ اَلْكَرْخِيُّ، قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ اَلْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلتِّرْيَاقِيُّ، وَأَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ اَلْقَاسِمِ اَلْأَزْدِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اَلصَّمَدِ اَلْفُورَخِيُّ، قَالُوا: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اَلْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْجِرَاحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْمَحْبُوبِيُّ، عَنْ أَبِي عِيسَى اَلتِّرْمِذِيِّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ اَلْأُمَوِيُّ، عَنِ اِبْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: (كَانَ اَلنَّبِيُّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ، يَقُولُ {اَلْحَمْد لِلَّهِ رَبّ اَلْعَالَمِينَ} ثُمَّ يَقِفُ، {اَلرَّحْمَن اَلرَّحِيم} . ثُمَّ يَقِفُ. قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اَلْقَطْعِ اَلْحَسَنِ فِي اَلْفَوَاصِلِ، لِأَنَّ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَهَذَا اَلْقِسْمُ يَحْسُنُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْسُنُ اَلِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، إِلَّا فِي رُؤُوسِ اَلْآيِ، قَالَ: ذَلِكَ سُنَّةٌ. وَحَكَى اَلْيَزِيدِيُّ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ اَلْعَلَاءِ، أَنَّهُ [ ص: 175 ] كَانَ يَسْكُتُ عَلَى رُؤُوسِ اَلْآيِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. مِثَالُ اَلْحَسَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ آيَةٍ: {اَلْحَمْد لِلَّهِ} هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُفِيدٌ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ {رَبّ اَلْعَالَمِينَ} غَيْرُ مُسْتَغْنٍ عَنِ اَلْأَوَّلِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ اَلْمَوْضِعُ اَلْوَاحِدُ أَنْ يَكُونَ اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ تَامًّا عَلَى مَعْنًى، وَكَافِيًا عَلَى غَيْرِهِ، وَحَسَنًا عَلَى غَيْرِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هدىً لِلْمُتَّقِينَ} يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَامًّا إِذَا كَانَ {اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ {أُولَئِكَ عَلَى هُدَى مِنْ رَبِّهِمْ} . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا إِذَا جَعَلْتَ {اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} عَلَى مَعْنَى (هُمُ اَلَّذِينَ)، أَوْ مَنْصُوبًا بِتَقْدِيرِ (أَعْنِي اَلَّذِينَ). وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا إِذَا جَعَلْتَ {اَلَّذِينَ} نَعْتًا {لِلْمُتَّقِينَ} . فَصْلٌ فِي اَلْوَقْفِ اَلْقَبِيحِ: وَهُوَ اَلَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ اَلْوَقْفِ عَلَيْهِ إِذَا غَيَّرَ اَلْمَعْنَى أَوْ نَقَصَهُ، كَقَوْلِهِ: (بِاسْمِ) هَذَا لَا يُفِيدُ مَعْنًى، وَكَقَوْلِهِ: {فَوَيْل لِلْمُصَلِّينَ} ، وَ {إِنَّ اَللَّهَ لَا يَهْدِي} ، [ ص: 176 ] وَ {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي} ، وَ {إِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا اَلنِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ} ،وَ {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى} وَ {مَا مِنْ إِلَهِ} وَ {لَا إِلَهَ} ، وَ {أَصْحَاب اَلنَّارِ * اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ اَلْعَرْش} ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْذَرَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ اِنْقِطَاعِ اَلنَّفَسِ، عَلَى مَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ بَشِعًا لَا يُبْتَدَأُ بِهِ، مِثْلُ اَلْوَقْفِ عِنْدَ اِنْقِطَاعِ اَلنَّفَسِ عَلَى {عُزَيْر اِبْن} ، فَلَا يُبْتَدَأُ بِـ (عُزَيْرٌ) وَلَا بِـ (اِبْنُ)، بَلْ يُبْتَدَأُ بِـ {وَقَالَتِ اَلْيَهُود} فَقِسْ عَلَى هَذِهِ اَلْأَمْثِلَةِ مَا شَاكَلَهَا. أَخْبَرَنَا اَلشَّيْخُ عُمَرُ بْنُ أَمِيلَةَ، قَالَ أَنْبَأَنَا اِبْنُ اَلْبُخَارِيِّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا اِبْنُ طَبْرَزْدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو اَلْوَلِيدِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلْكَرْخِيُّ، أَنْبَأَنَا اَلْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْبَغْدَادِيُّ، أَنْبَأَنَا اَلْقَاضِي أَبُو عُمَرَ اَلْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اَللُّؤْلُؤِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ اَلْأَشْعَثِ، قَالَ أَنْبَأَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اَلْعَزِيزِ [ ص: 177 ] بْنُ رَفِيعٍ، عَنْ تَمِيمٍ اَلطَّائِيِّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: (جَاءَ رَجُلَانِ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، وَوَقَفَ، فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ أَوِ اِذْهَبْ، بِئْسَ اَلْخَطِيبُ) قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اَلْقَطْعُ عَلَى اَلْقَبِيحِ، لِأَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى اَلْمُسْتَبْشَعِ، لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَالَيْ مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ عَصَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى رَشَدَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. قُلْتُ: وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى هَذَا اَلْحَدِيثِ، وَكَيْفَ رُوِيَ، فِي كِتَابِي اَلْمُسَمَّى بِـ (اَلتَّوْجِيهَاتِ فِي أُصُولِ اَلْقِرَاءَاتِ) فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا، فَاطْلُبْهُ تَجِدْهُ. اَلْقَوْلُ فِي كَلَّا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مَوْضِعًا، فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سُورَةً، لَمْ تَقَعْ فِي سُورَةٍ إِلَّا [ ص: 178 ] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، وَقَدِ اُخْتُلِفَ فِي اَلْوَقْفِ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءِ بِهَا، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اِعْتِقَادِ أَهْلِ اَلْعَرَبِيَّةِ. فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا، وَرَدْعٌ لَهُ وَزَجْرٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ اَلْخَلِيلِ، وَسِيبَوَيْهِ ، وَالْأَخْفَشِ، وَالْمُبَرِّدِ، وَالزَّجَّاجِ، وَأَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى (حَقًّا). وَعَلَى هَذَا اَلْمَذْهَبِ تَكُونُ اِسْمًا، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى اَلْمَصْدَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَحُقُّ ذَلِكَ حَقًّا، وَهَذَا مَذْهَبُ اَلْكَسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ اِبْنُ اَلْأَنْبَارِيِّ: قَالَ اَلْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهَا حَقًّا. وَقَالَ اَلزَّجَّاجُ: "حَقًّا" تَوْكِيدٌ، وَالتَّوْكِيدُ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى (أَلَا) اَلَّتِي لِاسْتِفْتَاحِ اَلْكَلَامِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ اَلْفَرَّاءُ: (كَلَّا) بِمَنْزِلَةِ (سَوْفَ) لِأَنَّهَا صِلَةٌ، وَهِيَ حَرْفُ رَدٍّ، فَكَأَنَّهَا (نَعَمْ) وَ (لَا) فِي اَلِاكْتِفَاءِ، قَالَ: فَإِنْ جَعَلْتَهَا صِلَةً لِمَا بَعْدَهَا لَمْ تَقِفْ عَلَيْهَا، كَقَوْلِكَ: كَلَّا وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ. قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: {كُلًّا وَالْقَمَرَ} [اَلْمُدَّثِّرِ: 32] فَالْوَقْفُ عَلَى كَلَّا قَبِيحٌ، لِأَنَّهَا صِلَةٌ لِلْيَمِينِ. وَتَابَعَ اَلْفَرَّاءَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدَانَ اَلضَّرِيرُ، وَأَبُو عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ ابْنُ اَلْيَزِيدِيِّ. [ ص: 179 ] وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، فِيمَا ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ ، إِنَّ أَصْلَ كَلَّا (لَا) اَلَّتِي لِلنَّفْيِ، دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَافُ اَلتَّشْبِيهِ، فَجَعَلَتْهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَشُدِّدَتِ اَللَّامُ لِتَخْرُجَ اَلْكَافُ عَنْ مَعْنَى اَلتَّشْبِيهِ، فَهِيَ عِنْدَهُ رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا. ثُمَّ إِنَّ عُلَمَاءَنَا اِخْتَلَفُوا فِي اَلْوَقْفِ عَلَيْهَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُجِيزُ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى شَيْخِنَا أَمِينِ اَلدِّينِ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ اَلشَّهِيرِ بِابْنِ اَلسَّلَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ اِخْتِيَارُ شَيْخِنَا سَيْفِ اَلدِّينِ اِبْنِ اَلْجُنْدِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ، فَوَقَفَ عَلَى بَعْضِهَا لِمَعْنًى، وَمَنَعَ اَلْوَقْفَ عَلَى بَعْضِهَا لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ اِخْتِيَارُ عَامَّةِ أَهْلِ اَلْأَدَاءِ كَمَكِّيٍّ، وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى شُيُوخِي. فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَعْنَى اَلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، أَيْ، لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَهُوَ رَدٌّ لِلْأَوَّلِ، وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ اَلْعَجَّاجِ اِسْتِشْهَادًا: قَدْ طَلَبَتْ شَيْبَانُ أَنْ نَنْسَاكُمُ كَلَّا وَلَمَّا تَصْطَفِقْ مَآتِمُ هَكَذَا أَنْشَدَهُ أَبُو عَمْرٍو اَلدَّانِي فِي كِتَابِهِ "اَلِاكْتِفَاءِ فِي اَلْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ"، وَالَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا فِي أَرَاجِيزِ اَلْعَجَّاجِ: صَدَّتْ بَنُو شَيْبَانَ أَنْ يُصَادِمُوا مُقَاعِسًا وَحَادَتِ اَللَّهَازِمُ وَاسْتَسْلَمُوا كُرْهًا وَلَمْ يُسَالِمُوا [ ص: 180 ] وَمَا لَهُمْ مِنَّا أَيَادٍ دَاهِمُ كَالسِّتْرِ لَا يَعْسِمُ فِيهِ عَاسِمُ دُونَ بَنِي قَيْسٍ وَفِيهِمْ عَاصِمُ كَلَّا، وَلَمَّا يَصْطَفِقْ مَآتِمُ وَالْمَعْنَى: لَا يَكُونُ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنُّوا مِنْ صَدِّهِمْ أَنْ يُصَادِمُوا مُقَاعِسًا، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا حَتَّى تَصْطَفِقَ اَلْمَآتِمُ، وَالْمَأْتِمُ: اَلنِّسَاءُ اَلْمُجْتَمِعَاتُ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. [ ص: 181 ] وَمَنْ مَنَعَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا وَاخْتَارَ اَلِابْتِدَاءَ بِهَا مُطْلَقًا كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَعْنَى أَلَا اَلَّتِي لِلتَّنْبِيهِ، يُفْتَتَحُ بِهَا اَلْكَلَامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَّا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} ، وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ اَلْأَعْشَى بْنِ قَيْسٍ اِسْتِشْهَادًا: كَلَّا زَعَمْتُمْ بِأَنَّا لَا نُقَاتِلُكُمْ إِنَّا لِأَمْثَالِكُمْ يَا قَوْمَنَا قَتَلُ وَاجْتَمَعُوا أَيْضًا بِقَوْلِ اَلْعَرَبِ: (كَلَّا زَعَمْتُمْ أَنَّ اَلْعِيرَ لَا يُقَاتِلُ) وَهُوَ مَثَلٌ لِلْعَرَبِ، قَالَ اِبْنُ اَلْأَنْبَارِيِّ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، قُلْتُ: وَمَا قَالَ اِبْنُ اَلْأَنْبَارِيِّ ظَاهِرٌ. وَمَنْ فَصَلَ كَانَتْ عِنْدَهُ فِي مَكَانٍ بِمَعْنَى (أَلَا) وَفِي مَكَانٍ بِمَعْنَى (حَقًّا) وَفِي مَكَانٍ لِلرَّدِّ وَالزَّجْرِ. وَسَأُبَيِّنُ ذَلِكَ مَوْضِعًا مَوْضِعًا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى. فَأَوَّلُ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مَوْضِعَانِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا اَلسَّلَامُ [ ص: 182 ] {عِنْدَ اَلرَّحْمَنِ عَهْدًا كُلًّا} ، {لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كُلًّا} [81، 82] . قَالَ اَلدَّانِي : اَلْوَقْفُ عَلَيْهِمَا تَامٌّ عِنْدَ اَلْقُرَّاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَافٍ، لِأَنَّهُمَا بِمَعْنَى: لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَهُوَ رَدٌّ لِلْكَلَامِ اَلْمُتَقَدِّمِ قَبْلَهُمَا. وَقَدْ يُبْتَدَأُ بِهِمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى حَقًّا أَوْ أَلَا. وَفِي سُورَةِ اَلْمُؤْمِنُونَ [100] فِيمَا تَرَكْتُ كَلا اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ، وَقِيلَ كَافٍ، وَيُبْتَدَأُ بِهَا بِمَعْنَى أَلَا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا بِمَعْنَى حَقًّا فَقَدْ أَجَازَهُ بَعْضُ اَلْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ وَهْمٌ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى حَقًّا لَفَتَحْتَ (إِنَّهَا) بَعْدَهَا، وَكَذَا كُلُّ مَا يُقَالُ فِيهَا إِنَّهَا بِمَعْنَى حَقًّا، فَإِنَّهَا تُفْتَحُ بَعْدَ (حَقًّا) وَبَعْدَ مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا، وَأَنْشَدُوا: أَحَقًّا أَنَّ جِيرَتَنَا اِسْتَقَلُّوا فَنِيَّتُنَا وَنِيَّتُهُمْ فَرِيقُ قَالَ سِيبَوَيْهِ : إِذَا قُلْتَ: أَمَا إِنَّكَ مُنْطَلَقٌ، إِذَا جَعَلْتَ أَمَا بِمَعْنَى (حَقًّا) فَتَحْتَ أَنَّ، وَإِنْ جَعَلْتَهَا بِمَعْنَى (أَلَا) كَسَرْتَ. [ ص: 183 ] وَهَكَذَا اَلْكَلَامُ فِي اَلثَّانِي مِنَ اَلشُّعَرَاءِ، وَمَوْضِعَيِ اَلْمَعَارِجِ، وَالْأَوَّلَانِ فِي اَلْمُدَّثِّرِ، وَالْأَوَّلِ فِي عَبَسَ، وَالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فِي اَلْمُطَفِّفِينَ، وَالْأَوَّلِ فِي اَلْعَلَقِ، لِأَنَّ (إِنَّ) مَكْسُورَةٌ فِي كُلِّ هَذِهِ اَلْمَوَاضِعِ بَعْدَ كَلَّا، فَلَا تَكُونُ بِمَعْنَى حَقًّا، وَيُبْتَدَأُ (بِكَلَّا) فِيهِنَّ بِمَعْنَى (أَلَا) . وَفِي اَلشُّعَرَاءِ مَوْضِعَانِ {فَأَخَافَ أَنْ يَقْتُلُونَ قَالَ كُلًّا} [14، 15] اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا عَلَى مَذْهَبِ اَلْخَلِيلِ وَمُوَافَقِيهِ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ اَلْقُرَّاءِ مِنْهُمْ نَافِعٌ وَنُصَيْرٌ، أَيْ: لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَا يَصِلُونَ إِلَى قَتْلِكَ، فَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونَ، وَلَا يُبْتَدَأُ بِكَلَّا فِي هَذِهِ اَلْمَوَاضِعِ، لِأَنَّهَا مَحْكِيَّةٌ فِي قَوْلٍ سَابِقٍ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى، وَلَكِنْ يَجُوزُ اَلْوَقْفُ عَلَى (يَقْتُلُونَ) وَيُبْتَدَأُ (قَالَ كَلَّا) عَلَى مَعْنَى "أَلَا" أَوْ "حَقًّا". {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كُلًّا} [61، 62] اَلْوَقْفُ عَلَى كَلَّا، وَهُوَ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، أَيْ: لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَمَا تَظُنُّونَ مِنْ إِدْرَاكِكُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ بِـ (قَالَ كَلَّا) عَلَى مَعْنَى "أَلَا" فَقَطْ. قَالَ اَلدَّانِي : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى (قَالَ) وَلَا يُبْتَدَأَ بِـ [ ص: 184 ] كَلَّا، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَفِي سَبَأٍ مَوْضِعُ {شُرَكَاء كُلًّا} [27] اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ، وَالِابْتِدَاءُ بِهَا جَائِزٌ. وَفِي اَلْمَعَارِجِ مَوْضِعَانِ {يُنْجِيه كُلًّا} [14، 15] ، {جَنَّة نَعِيمٍ كُلًّا} [38، 39] اَلْوَقْفُ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِابْتِدَاءُ بِهِمَا جَائِزٌ. وَفِي اَلْمُدَّثِّرِ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ {أَنَّ أَزْيَدَ * كُلًّا} [15، 16]، {صُحُفًا مُنَشَّرَةً كُلًّا} [52، 53] اَلْوَقْفُ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِابْتِدَاءُ بِهِمَا حَسَنٌ. {ذِكْرَى لِلْبَشَرِ كُلًّا} [31، 32] لَا يَحْسُنُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا صِلَةٌ لِلْيَمِينِ، وَالِابْتِدَاءُ بِهَا حَسَنٌ بِالْمَعْنَيَيْنِ. {بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ كُلًّا} [53، 54] لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، وَيُبْتَدَأُ بِهَا. وَفِي اَلْقِيَامَةِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ {أَيْنَ الْمَفَرُّ كُلًّا} [10، 11] [ ص: 185 ] ، {فَاقِرَة كُلًّا} [25، 26]، لَا يُوقَفُ عَلَيْهِنَّ. وَيُبْتَدَأُ بِهِنَّ عَلَى اَلْمَعْنَيَيْنِ. وَفِي اَلنَّبَأِ مَوْضِعَانِ {هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا} [3، 4، 5] لَا يُوقَفُ عَلَيْهِمَا، وَيُبْتَدَأُ بِهِمَا. وَفِي عَبَسَ مَوْضِعَانِ {تَلَهَّى كُلًّا} [10،11] اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا كَافٍ، وَهُوَ رَدٌّ وَزَجْرٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَيُبْتَدَأُ بِهَا بِمَعْنَى أَلَا. {أَنْشُرُهُ كُلًّا} [22، 23] لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا، وَالِابْتِدَاءُ بِهَا جَائِزٌ. وَفِي اَلِانْفِطَارِ مَوْضِعٌ {رَكَّبَك كُلًّا} [8، 9] لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا. [ ص: 186 ] وَفِي اَلْمُطَفِّفِينَ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ {لِرَبِّ اَلْعَالَمِينَ كُلًّا} [6، 7]، {تَكْذِبُونَ كُلًّا} [17، 18]، {يَكْسِبُونَ كُلًّا} [14، 15] لَا يُوقَفُ عَلَيْهِنَّ، وَيُبْتَدَأُ بِهِنَّ. {أَسَاطِير اَلْأَوَّلِينَ كُلًّا} [13، 14] اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا كَافٍ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِمَا قَبْلَهَا، وَيُبْتَدَأُ بِهَا. وَفِي اَلْفَجْرِ مَوْضِعَانِ {أَهَانَنِ كُلًّا} [16، 17]، {جَمًّا كُلًّا} [20، 21] اَلْوَقْفُ عَلَيْهِمَا كَافٍ، وَالِابْتِدَاءُ بِهِمَا حَسَنٌ. وَفِي اَلْعَلَقِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ كُلًّا} [5، 6]، {يَرَى كُلًّا} [14، 15]، {اَلزَّبَانِيَة كُلًّا} [18، 19] لَا يُوقَفُ عَلَيْهِنَّ، وَيُبْتَدَأُ بِهِنَّ، بِمَعْنَى "أَلَا" وَ "حَقًّا"، إِلَّا اَلْأَوَّلَ فَبِالْأَوَّلِ فَقَطْ. وَفِي اَلتَّكَاثُرِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ {اَلْمَقَابِر كُلًّا} [2، 3] {تَعْلَمُونَ * ثُمَّ [ ص: 187 ] كُلًّا} [3، 4] {تَعْلَمُونَ كُلًّا} [4، 5] لَا يُوقَفُ عَلَيْهِنَّ، وَيُبْتَدَأُ بِهِنَّ. وَفِي اَلْهُمَزَةِ {أُخَلِّدُهُ كُلًّا} [3، 4] اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ، وَقِيلَ: كَافٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَهُوَ رَدٌّ، أَيْ: لَمْ يُخْلِدْهُ مَالُهُ، وَيُبْتَدَأُ بِهَا عَلَى اَلْمَعْنَيَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 7- اَلْقَوْلُ فِي "بَلَى" قَالَ اَلْكُوفِيُّونَ: أَصْلُ بَلَى: بَلْ زِيدَتْ عَلَيْهَا اَلْأَلِفُ، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ اَلسُّكُوتَ عَلَيْهَا مُمْكِنٌ، وَأَنَّهَا لَا تَعْطِفُ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، كَمَا تَعْطِفُ "بَلْ"، فَبَلْ دَالَّةٌ عَلَى رَدِّ اَلْجَحْدِ، وَالْأَلِفُ اَلْمَزِيدَةُ اَلَّتِي تُكْتَبُ يَاءً دَالَّةٌ عَلَى اَلْإِيجَابِ لِمَا بَعْدَهَا، وَهِيَ أَلِفُ تَأْنِيثٍ، وَلِذَلِكَ أَمَالَتْهَا اَلْعَرَبُ وَالْقُرَّاءُ، كَمَا أَمَالُوا سَكْرَى وَذِكْرَى. 8-[ ص: 188 ] فَصْلٌ: اَلْفَرْقُ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ: اِعْلَمْ أَنَّ "بَلَى" جَوَابٌ لِكَلَامٍ فِيهِ جَحْدٌ، وَيَكُونُ قَبْلَهَا اِسْتِفْهَامٌ، وَقَدْ لَا يَكُونُ قَبْلَهَا اِسْتِفْهَامٌ، فَإِذَا جَاوَبْتَ بِـ "بَلَى" بَعْدَ اَلْجَحْدِ نَفَيْتَ اَلْجَحْدَ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَأْتِيَ بِـ "نَعَمْ" فِي مَكَانِهَا، وَلَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ مُحَقِّقًا لِلْجَحْدِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلِسِتٍّ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [اَلْأَعْرَافِ: 172] ، وَ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالوا بلى [اَلْمُلْكِ: 8، 9] وَنَحْوِهِ، فَـ (أَلَسْتُ) وَ (أَلَمْ) مِنْ حُرُوفِ اَلْجَحْدِ، فَلَوْ جِئْتَ بِنَعَمْ كُنْتَ مُحَقِّقًا لِلْجَحْدِ، وَ [بَلَى] نَافِيَةٌ لَهُ. وَنَعَمْ تَكُونُ تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهَا. وَلَا تَدْخُلُ هُنَا "بَلَى"، لِأَنَّهُ لَا نَفْيَ فِيهَا، فَنَعَمْ مُخَالِفَةٌ لِـ "بَلَى"، إِنْ كَانَتْ رَدًّا لِمَا قَبْلَهَا، كَانَتْ "نَعَمْ" إِذَا وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا تَصْدِيقًا لِمَا قَبْلَهَا ، تَقُولُ: مَا أَكَلْتَ شَيْئًا. فَيَقُولُ اَلرَّادُّ: بَلَى، فَيُزِيلُ نَفْيَهُ، وَالْمَعْنَى بَلَى، أَكَلْتُ، فَإِنْ قَالَ اَلرَّادُّ: نَعَمْ، فَقَدْ صَدَّقَهُ فِي نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ اَلْأَكْلَ، وَيَصِيرُ اَلْمَعْنَى: نَعَمْ لَمْ آكُلْ شَيْئًا. وَقَدِ اِخْتَلَفَ اَلنَّحْوِيُّونَ وَالْقُرَّاءُ فِي اَلْوَقْفِ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا يُخْتَارُ مَعَ ذِكْرِي جُمْلَةَ مَا وَرَدَ مِنْهَا فِي اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ مَوْضِعًا مَوْضِعًا. اِعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ مَا فِي اَلْقُرْآنِ مِنْ لَفْظِ بَلَى اِثْنَانِ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا، فِي سِتَّ عَشْرَةَ سُورَةً . فَمِنَ اَلْقُرَّاءِ مَنْ يَمْنَعُ اَلِابْتِدَاءَ بِهَا مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ اَلِابْتِدَاءَ بِهَا مُطْلَقًا، [ ص: 189 ] وَهَذَا غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اَلِاسْتِفْهَامَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا هُوَ جَوَابٌ لَهُ كَجَوَابِ اَلشَّرْطِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا وَلَا يَبْتَدِئُ بِهَا، بَلْ يَصِلُ. فَأَوَّلُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ اَلْبَقَرَةِ: ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ كَسَبَ سيئة} [80، 81]، جَوَّزَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا اَلدَّانِي فِي كِتَابِهِ اَلْمُسَمَّى بِـ "الِاكْتِفَاءِ"، وَقَالَ: لِأَنَّهَا رَدٌّ لِقَوْلِ اَلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَكِّيٌّ . وَمَنَعَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا اَلْعَمَّانِيُّ، وَغَلَّطَ مَنْ قَالَ بِهِ. اَلثَّالِثُ: { أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} [260] قَالَ اَلدَّانِي : اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا هُنَا كَافٍ، وَقِيلَ تَامٌّ لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلْجَحْدِ، اِنْتَهَى. قُلْتُ: وَالْوَقْفُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ اَلدِّينَوَرِيِّ وَابْنِ اَلْأَنْبَارِيِّ [ ص: 190 ] وَغَيْرِهِمَا، وَمَنَعَهُ اَلْعَمَّانِيُّ وَخَطَّأَ مَنْ أَجَازَهُ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ، لَكِنَّ اَلِاخْتِيَارَ اَلْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: {قَلْبِي} . وَفِي "آلِ عِمْرَانَ" مَوْضِعَانِ" {وَهُمْ يَعْلَمُونَ بَلَى} [75، 76] وَقْفٌ تَامٌّ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ اَلسَّرِيِّ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلْمَعْنَى اَلَّذِي تَقَدَّمَهَا، وَمَا بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفٌ. وَأَجَازَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا مَكِّيٌّ وَالدَّانِي. {مَنْزِلَيْنِ بَلَى} [124، 125] وَقْفٌ تَامٌّ عِنْدَ نَافِعٍ، كَذَا قَالَ اَلدَّانِي ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلْجَحْدِ، وَهِيَ عِنْدَ اَلدَّانِي وَمَكِّيٍّ وَقْفٌ حَسَنٌ. وَفِي "اَلْأَنْعَامِ" مَوْضِعٌ: {قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا} [30] اَلْوَقْفُ عَلَى (وَرَبِّنَا) وَلَا يُوقَفُ عَلَى (بَلَى) هُنَا، وَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا، لِأَنَّهَا وَالْقَسَمَ بَعْدَهَا جَوَابُ اَلِاسْتِفْهَامِ اَلدَّاخِلِ عَلَى اَلنَّفْيِ فِي {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحُقِّ} [30]. وَفِي "اَلْأَعْرَافِ" مَوْضِعٌ: {أَلِسِتٍّ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [172] وَقْفٌ تَامٌّ أَوْ كَافٍ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلنَّفْيِ اَلَّذِي تَقَدَّمَهَا، وَكَلَامُ بَنِي آدَمَ مُنْقَطِعٌ عِنْدَهَا، وَقَوْلُهُ: (شَهِدْنَا) مِنْ كَلَامِ اَلْمَلَائِكَةِ، كَذَا قَالَ أَكْثَرُ اَلْمُفَسِّرِينَ كَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ، لِأَنَّ بَنِي آدَمَ أَقَرُّوا بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ بِقَوْلِهِمْ (بَلَى)، قَالَ اَللَّهُ [ ص: 191 ] تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: اِشْهَدُوا، فَقَالَتِ اَلْمَلَائِكَةُ: (شَهِدْنَا) . وَقَالَ قَوْمٌ: اَلْوَقْفُ عَلَى (شَهْدِنَا) عَلَى مَعْنَى: بَلَى شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ (أَنْ) لَا تَنْفِي، لَا نَاصِبَ لَهَا، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (شَهِدْنَا) أَوْ بِـ (أَشْهَدَهُمْ) . وَفِي "اَلنَّحْلِ" مَوْضِعَانِ {مِنْ سُوءٍ بَلَى} [28] وَقْفٌ حَسَنٌ عِنْدَ اَلدَّانِي وَمَكِّيٍّ، قَالَ مَكِّيٌّ : وَهُوَ قَوْلُ نَافِعٍ، لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِلنَّفْيِ اَلَّذِي قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءِ} أَيْ: مَا كُنَّا نَعْصِي اَللَّهَ فِي اَلدُّنْيَا. {لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى} [38] أَجَازَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا نَافِعٌ وَمَكِّيٌّ وَالدَّانِي، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلنَّفْيِ اَلَّذِي قَبْلَهَا، ثُمَّ تَبْتَدِئُ {وعدًا عَلَيْهِ حقًا} بِمَعْنَى: وَعَدَهُمُ اَللَّهُ ذَلِكَ وَعْدًا حَقًّا، قَالَ مَكِّيٌّ : وَلَا يَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِـ (بَلَى) لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِمَا قَبْلَهَا. وَفِي "سَبَأٍ" مَوْضِعٌ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لِتَأْتِينَكُمْ} [36] قَدْ أَوْضَحْتُ اَلْكَلَامَ عَلَى هَذَا اَلْمَوْضِعِ وَبَسَطْتُهُ فِي كِتَابِ (اَلتَّوْجِيهَاتِ) ، لَكِنْ نَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ شَيْءٍ فَنَقُولُ: قَالَ نَافِعٌ: اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ، وَهُوَ كَافٍ عَلَى قِرَاءَتِهِ، لِأَنَّهُ يَرْفَعُ (عَالِمُ) وَكَذَا اِبْنُ عَامِرٍ، فَمَنْ قَرَأَ بِالرَّفْعِ وَقَفَ عَلَى (لَتَأْتِيَنَّكُمْ)، وَبِالْخَفْضِ وَقَفَ عَلَى (بَلَى) لِأَنَّهَا نَفْيٌ لِرَدِّ اَلسَّاعَةِ، [ ص: 192 ] وَيُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ قَسَمٌ عَلَى إِتْيَانِهَا، وَلَا يُبْتَدَأُ بِـ (بَلَى) هُنَا لِأَنَّهَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ. وَفِي "يس" مَوْضِعٌ: {أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} [81] قَالَ اَلدَّانِي : وَقْفٌ تَامٌّ عِنْدَ نَافِعٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، وَابْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي كَافٍ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلنَّفْيِ اَلَّذِي قَبْلَهَا، وَالْمَعْنَى: وَهُوَ يَخْلُقُ مِثْلَهُمُ، اِنْتَهَى. وَلَا يَحْسُنُ اَلِابْتِدَاءُ بِـ (بَلَى)، وَأَجَازَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَفِي "اَلزُّمَرِ" مَوْضِعَانِ {فَأَكُونُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى} [58، 59] يَجُوزُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: اَلتَّمَامُ (مِنَ اَلْمُحَسِّنِينَ) وَ (بَلَى) فِي هَذَا اَلْمَوْضِعِ مِنَ اَلْمُشْكِلَاتِ، لِأَنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بَعْدَ نَفْيٍ ظَاهِرٍ، وَلَا نَفْيَ هُنَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ اَلْمَعْنَى، إِذْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [57]: مَا هَدَانِي، فَقَالَ: بَلَى، أَيْ: بَلَى قَدْ هَدَاكَ اَللَّهُ. اَلثَّانِي: {وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [71] اَلْوَقْفُ [ ص: 193 ] عَلَيْهَا عِنْدَ اَلدَّانِي ، وَعِنْدَ مَكِّيٍّ حَسَنٌ. وَقِيلَ: وَقْفٌ تَامٌّ، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِلْجَحْدِ اَلَّذِي قَبْلَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اَلْوَقْفُ عَلَى (اَلْكَافِرِينَ) لِأَنَّ (بَلَى) وَمَا بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِ اَلْكُفَّارِ، فَلَا يُفْرَقُ بَيْنَ بَعْضِ اَلْقَوْلِ وَبَعْضٍ، وَمَنْ جَعَلَ {وَلَكِنْ حَقَّتْ} مِنْ قَوْلِ اَلْمَلَائِكَةِ جَازَ لَهُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا. وَفِي "اَلْمُؤْمِنِ" مَوْضِعٌ: {بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [50] قِيلَ اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا تَامٌّ، وَقَالَ مَكِّيٌّ : حَسَنٌ، وَقَالَ اَلدَّانِي : كَافٍ، لِأَنَّهُ رَدٌّ لِلْجَحْدِ قَبْلَهُ. وَفِي "اَلزُّخْرُفِ" مَوْضِعٌ: {وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [80] وَقْفٌ كَافٍ، لِأَنَّهَا رَدٌّ، وَالْمَعْنَى: بَلْ نَسْمَعُ ذَلِكَ. وَفِي "اَلْأَحْقَافِ" مَوْضِعَانِ: {أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى} [33] وَقْفٌ كَافٍ، وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ. {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا} [34] اَلْوَقْفُ عَلَى (وَرَبِّنَا) . [ ص: 194 ] وَفِي "اَلْحَدِيدِ" مَوْضِعٌ: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} [14] وَقْفٌ كَافٍ، لِأَنَّهَا رَدٌّ. وَفِي "اَلتَّغَابُنِ" مَوْضِعٌ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لِتَبْعَثْنَ} [7] اَلْوَقْفُ هُنَا، وَحَكَى اَلدَّانِي عَنْ نَافِعٍ أَنَّ اَلْوَقْفَ عَلَى (بَلَى) تَامٌّ. وَاخْتَارَ اَلسَّخَاوِيُّ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَالِابْتِدَاءَ بِمَا بَعْدَهَا، لِأَنَّهَا رَدٌّ لِنَفْيِ اَلْبَعْثِ، وَمَا بَعْدَهَا قَسَمٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي "سَبَأٍ". وَفِي "اَلْمُلْكِ" مَوْضِعٌ: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى} [3، 4] مَنَعَ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا مَكِّيٌّ ، وَأَجَازَهُ اَلدَّانِي ، وَقَالَ: إِنَّهَا رَدٌّ لِلْجَحْدِ اَلَّذِي قَبْلَهَا. وَفِي "اَلْقِيَامَةِ" مَوْضِعٌ: {عِظَامه بَلَى} [3، 4] مَنَعَ مَكِّيٌّ اَلْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَأَجَازَهُ اَلدَّانِي ، وَقَالَ: اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا كَافٍ، وَقِيلَ تَامٌّ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ (قَادِرِينَ) عَلَى اَلْحَالِ، وَفِي تَعْلِيلِ أَبِي عَمْرٍو نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ (قَادِرِينَ) مَنْصُوبًا عَلَى اَلْحَالِ كَيْفَ يَحْسُنُ اَلْوَقْفُ عَلَى (بَلَى)؟ وَفِي "اِنْشَقَّتْ" مَوْضِعٌ: {أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى} [14، 15] [ ص: 195 ] أَجَازَ اَلْوَقْفَ عَلَى (بَلَى) مَكِّيٌّ ، وَكَذَا اَلدَّانِي ، قَالَ: اَلْوَقْفُ عَلَيْهَا كَافٍ، وَالْمَعْنَى: بَلَى لَيَرْجِعَنَّ إِلَى رَبِّهِ حَيًّا كَمَا كَانَ قَبْلَ مَمَاتِهِ، وَقِيلَ تَامٌّ. 9-اَلْقَوْلُ فِي "لَا" اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا جَرَمَ} [هُودٍ: 22]، فَقَالَ اَلزَّجَّاجُ: إِنَّهَا نَفْيٌ لِمَا ظَنُّوهُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ، فَكَأَنَّ اَلْمَعْنَى: لَا يَنْفَعُهُمْ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ، أَيْ كَسَبَ ذَلِكَ اَلْفِعْلُ لَهُمُ اَلْخُسْرَانَ. وَأَنَّ عِنْدَهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، فَعَلَى قَوْلِهِ هَذَا يُوقَفُ عَلَى (لَا) وَيُبْتَدَأُ بِـ جَرَمَ. وَ (جَرَمَ) عِنْدَ اَلْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ بِمَعْنَى "حَقٍّ" دُونَ "لَا". وَلِأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ مُصَنَّفٌ فِي اَلرَّدِّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ اَلْوَقْفَ عَلَى (لَا) دُونَ (جَرَمَ) وَأَلْزَمَهُ بِأَشْيَاءَ مَنِ اِعْتَقَدَهَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ اَلْقِيَامَةِ} [اَلْقِيَامَةِ: 1]، وَ {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا اَلْبَلَدِ} [اَلْبَلَدِ: 1] وَنَحْوِهِ، فَقَالَ اَلْبَصْرِيُّونَ وَالْكَسَائِيُّ مَعْنَاهُ أُقْسِمُ بِكَذَا. وَقَالَ اَلزَّجَّاجُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ أُقْسِمُ، وَإِنَّمَا اَلْخِلَافُ فِي (لَا) فَهِيَ عِنْدَ اَلْبَصْرِيِّينَ وَالْكَسَائِيِّ وَعَامَّةِ اَلْمُفَسِّرِينَ زَائِدَةٌ، وَقَالَ اَلْفَرَّاءُ: هِيَ رَدٌّ لِكَلَامٍ تَقَدَّمَ مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ، كَأَنَّهُمْ جَحَدُوا اَلْبَعْثَ فَقِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ اَلْأَمْرُ كَذَلِكَ، [ ص: 196 ] ثُمَّ أَقْسَمَ لَتُبْعَثُنَّ، فَعَلَى هَذَا يَحْسُنُ اَلْوَقْفُ عَلَى (لَا) . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فاسقًا} [اَلسَّجْدَةِ: 18] اَلْوَقْفُ هُنَا كَافٍ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُفِيدٌ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ اَلْمَعْنَى. وَكَانَ أَبُو اَلْقَاسِمِ اَلشَّاطِبِيُّ يَخْتَارُ اَلْوَقْفَ عَلَيْهِ، وَكَذَا حَكَاهُ اَلسَّخَاوِيُّ. قَالَ اَلْعَمَّانِيُّ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اَلْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ: (فَاسِقًا) ، قَالَ: وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَوِي اَلْمُؤْمِنُ وَالْفَاسِقُ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا اَلْوَقْفُ عِنْدِي بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْنَى اَلَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا اَلزَّاعِمُ هُوَ اَلَّذِي يُوجِبُ اَلْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: (لَا يَسْتَوُونَ) ، اِنْتَهَى. قُلْتُ: وَهَذَا اَلَّذِي قَالَهُ اَلْعَمَّانِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالصَّوَابُ اَلَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اَلَّذِي فِي "بَرَاءَةَ" [19] {وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللَّهِ} ، وَقَدْ أَجَازَ اَلْعَمَّانِيُّ اَلْوَقْفَ عَلَى (فِي سَبِيلِ اَللَّهِ) ، فَإِذَا جَازَ اَلِابْتِدَاءُ هُنَاكَ بِقَوْلِهِ: (لَا يَسْتَوُونَ) جَازَ هُنَا، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. وَأَظُنُّهُ نَسِيَ مَا قَالَهُ فِي "اَلتَّوْبَةِ". وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي "اَلْقَصَصِ" [9]: {قُرَّة عَيْنٍ لِي وَلَك} قَالَ اَلسَّخَاوِيُّ: وَقْفٌ تَامٌّ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمُ اَلدِّينَوَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، وَنَافِعٌ اَلْقَارِئُ ، وَابْنُ قُتَيْبَةَ، وَ لا تَقْتُلُوهُ نَهْيٌ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ اَلْوَقْفَ عَلَى (لَا) أَيْ هُوَ قُرَّةُ عَيْنٍ [ ص: 197 ] لِي، وَلَكَ لَا، أَيْ دُونَكَ، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ اَلْفِعْلَ اَلَّذِي هُوَ (تَقْتُلُوهُ) مَجْزُومٌ، فَأَيْنَ هُوَ جَازِمُهُ إِذَا كَانَتْ (لَا) لِلنَّفْيِ لَا لِلنَّهْيِ؟ قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ اَلسَّخَاوِيُّ ظَاهِرٌ. وَإِنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ اَلشُّيُوخِ يَقِفُ عَلَيْهِ. 10-اَلْقَوْلُ فِي "ثُمَّ" كَانَ بَعْضُ اَلشُّيُوخِ يَقِفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي جَمِيعِ اَلْقُرْآنِ، وَيَقُولُ: إِنَّهَا لِلْمُهْلَةِ وَالتَّرَاخِي. قُلْتُ: وَلَا تَطَّرِدُ هَذِهِ اَلْقَاعِدَةُ، وَإِنَّمَا تَتَّجِهُ فِي بَعْضِ اَلْأَحْوَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا} [اَلْأَعْرَافِ: 11]، وَكَقَوْلِهِ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 12-14]، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي "اَلْأَنْعَامِ" [159]: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ} ،وَ [164] {وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزْر أُخْرَى، ثُمَّ} ، وَ [154] {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى} وَكَذَا فِي "آلِ عِمْرَانَ" [111] {يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ} هَذَا كُلُّهُ وَقْفٌ كَافٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ جِهَةِ اَلْمَعْنَى فَقَطْ، وَالْبَدْأَةُ بِـ (ثُمَّ). وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي "بَرَاءَةَ" [126]: {أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ} وَفِي اَلْإِسْرَاءِ [ ص: 198 ] [18] {لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ} ، وَ [69] {بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ} وَ [75] {ضِعْف اَلْمَمَاتِ ثُمَّ} ، وَ [86] {بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ} كُلُّ هَذَا لَا يُتَعَمَّدُ اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ اَلْمَعْنَى إِلَّا بِهِ، وَلَا يَقَعُ اَلْمُرَادُ بِدُونِهِ. اَلْقَوْلُ فِي "أَمْ" وَهِيَ تَكُونُ لِلْمُعَادَلَةِ، وَهِيَ فِي اَلْمُعَادَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعَادِلَةً لِهَمْزَةِ اَلِاسْتِفْهَامِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُعَادِلَةً لِهَمْزَةِ اَلتَّسْوِيَةِ. وَمَعْنَى اَلْمُعَادَلَةِ أَحَدُ اَلِاسْمَيْنِ اَلْمَسْؤُولِ عَنْهُمَا جُعِلَ مَعَهُ اَلْهَمْزَةُ وَمَعَ اَلْآخَرِ (أَمْ)، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ اَلسُّؤَالُ عَنِ اَلْفِعْلِ. مِثَالُ اَلْأَوَّلِ مَعَ اَلِاسْمِ قَوْلُكَ: أَشَرِبَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو؟ وَمَعْنَاهُ أَيُّهُمَا شَرِبَ؟ وَمَعَ اَلْفِعْلِ قَوْلُكَ: أَصَرَفْتَ زَيْدًا أَمْ حَبَسْتَهُ؟ جُعِلَتِ اَلْهَمْزَةُ مَعَ أَحَدِهِمَا وَ (أَمْ) مَعَ اَلْآخَرِ. وَمِثَالُ اَلثَّانِي مَعَ اَلتَّسْوِيَةِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ (أَمْ) مُسَاوِيَةً لِهَمْزَةِ اَلِاسْتِفْهَامِ، نَحْوُ: سَوَاءٌ عَلَيَّ أَزَيْدٌ فِي اَلدَّارِ أَمْ عَمْرٌو. وَاعْلَمْ أَنَّ اَلتَّسْوِيَةَ لَفْظُهَا لَفْظُ اَلِاسْتِفْهَامِ وَهِيَ خَبَرٌ، كَمَا جَاءَ اَلِاخْتِصَاصُ عَلَى طَرِيقَةِ اَلنِّدَاءِ وَلَيْسَ بِنِدَاءٍ. وَمَعْنَى اَلتَّسْوِيَةِ: أَنَّكَ تُخْبِرُ بِاسْتِوَاءِ اَلْأَمْرَيْنِ عِنْدَكَ، كَأَنَّكَ تَقُولُ: سَوَاءٌ عَلَيَّ أَيُّهُمَا قَامَ، وَاسْتَوَى عِنْدِي عَدَمُ اَلْعِلْمِ بِأَيِّهِمَا فِي اَلدَّارِ. قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} ، [اَلْبَقَرَةِ: 6]، {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبْرنَا} [إِبْرَاهِيمَ: 21]. وَاعْلَمْ أَنَّهَا تَكُونُ فِي قِسْمَيِ اَلْمُعَادَلَةِ عَاطِفَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُنْقَطِعَةً بِمَعْنَى "بَلْ". وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُنْقَطِعَةً لِانْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا، لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ [ ص: 199 ] كَانَ مَا قَبْلَهَا اِسْتِفْهَامًا أَوْ خَبَرًا، وَلَيْسَتْ فِي هَذَا اَلْوَجْهِ بِمَعْنَى "بَلْ"، قَالَ اَلْأَخْطَلُ: كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِوَاسِطٍ غَلَسَ اَلظَّلَامِ مِنَ اَلرَّبَابِ خَيَالًا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَمْ يَسْتَفْهِمْ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ أَنَّهُ رَأَى. وَفِي كَوْنِهَا عَاطِفَةً أَمْ غَيْرَ عَاطِفَةٍ خِلَافٌ، فَالْمَغَارِبَةُ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ عَاطِفَةً، لَا فِي جُمْلَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ اِبْنُ مَالِكٍ: قَدْ تَعْطِفُ لِمُفْرَدٍ، كَقَوْلِ اَلْعَرَبِ: (إِنَّهَا لَإِبِلٌ، أَمْ شَاءٌ)، قَالَ: وَ أَمْ هُنَا لِمُجَرَّدِ اَلْأَضْرَابِ عَاطِفًا مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا . فَإِذَا كَانَتْ مُنْقَطِعَةً جَازَ اَلْوَقْفُ قَبْلَهَا وَالِابْتِدَاءُ بِهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهِ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [اَلْبَقَرَةِ: 80] يَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِأَمْ إِذَا جُعِلَتْ مُنْقَطِعَةً، وَلَا يَجُوزُ إِذَا جُعِلَتْ لِلْمُعَادَلَةِ، وَتَعْلِيلُ اَلْوَجْهَيْنِ ذَكَرْتُهُ فِي "اَلتَّوْجِيهَاتِ" فَاطْلُبْهُ تَرَهُ. [ ص: 200 ] وَقَوْلُهُ: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 108] قَالَ اَلسَّخَاوِيُّ: اَلظَّاهِرُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَيَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِهِ. قُلْتُ: قَوْلُ اَلسَّخَاوِيِّ جَيِّدٌ، لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ : هَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّ اَلْمُنْقَطِعَ لَا يَكُونُ فِي أَكْثَرِ كَلَامِ اَلْعَرَبِ إِلَّا عَلَى حُدُوثِ شَكٍّ دَخَلَ عَلَى اَلْمُتَكَلِّمِ، قَالَ: وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْقُرْآنِ. قُلْتُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ لَا يَقْدَحُ فِي كَلَامِ اَلسَّخَاوِيِّ، لِأَنَّ أَمِ اَلْمُنْقَطِعَةَ تَرْكُ اَلْكَلَامِ لِكَلَامٍ آخَرَ، وَهِيَ بِمَعْنَى "بَلْ"، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ شَكٍّ وَلَا بُدَّ. وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ اَلْقَوْل} [اَلرَّعْدِ: 33] يَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ (بِأَمْ) اَلْأُولَى لِأَنَّهَا اَلْمُنْقَطِعَةُ، وَ (سَمُّوهُمْ) وَقْفٌ كَافٍ، وَقِيلَ تَامٌّ، وَالْوَقْفُ عَلَى (اَلْأَرْضِ) حَسَنٌ، وَلَا يُبْتَدَأُ بِمَا بَعْدَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَقَوْلُهُ: {أَفَأَنْتِ تَكُونُ عَلَيْهِ وكيلًا} [اَلْفُرْقَانِ: 43] قِيلَ: وَقْفٌ كَافٍ، وَ (أَمْ) بَعْدَهُ مُنْقَطِعَةٌ وَيَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِهَا. [ ص: 201 ] وَقَوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [اَلزُّخْرُفِ: 51] قِيلَ: اَلْمَعْنَى أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنْتُمْ بُصَرَاءُ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ اَلْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ ، لِأَنَّ اَلِاسْتِفْهَامَ عِنْدَهُمَا فِيهَا تَقْرِيرٌ، وَالتَّقْرِيرُ خَبَرٌ مُوجَبٌ، فَامْتَنَعَ عِنْدَهُمَا جَعْلُهَا مُتَّصِلَةً، لِأَنَّ (أَمِ) اَلْمُتَّصِلَةُ لَا تَكُونُ مُقَرِّرَةً] . فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ عَلَى (أَمْ)، وَيُبْتَدَأُ بِـ (أَنَا خَيْرٌ) . وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: (أَمْ) زَائِدَةٌ، فَعَلَى هَذَا يُوقَفُ عَلَى (تُبْصِرُونَ) . وَقِيلَ هِيَ (أَمِ) اَلْمُنْقَطِعَةُ، وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أَنَا، فَعَلَى هَذَا يُبْتَدَأُ بِـ (أَمْ) عَلَى مَعْنَى "بَلْ". قَالَ اَلْهَرَوِيُّ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَنْزِيل اَلْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ} [اَلسَّجْدَةِ: 2، 3]، إِنَّ (أَمْ) بِمَعْنَى هَمْزَةِ اَلِاسْتِفْهَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ؟ ، فَعَلَى هَذَا يُبْتَدَأُ بِـ (أَمْ)، وَكَذَا قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} [اَلْبَقَرَةِ: 108]، وَكَذَا {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} [اَلْفُرْقَانِ: 44]، {أَمْ لَهُ اَلْبَنَات} [اَلطُّورِ: 39]، {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ اَلْمَلِكِ} [اَلنِّسَاءِ: 53]، {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} [اَلْبَقَرَةِ: 140]، {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرَ} [اَلطُّورِ: 30]، {أَمْ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَات} [اَلزُّخْرُفِ: 16]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَات} [ص: 28]. قَالَ: مَعْنَى (أَمْ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ هَمْزَةُ اَلِاسْتِفْهَامِ، لِأَنَّهَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا اِسْتِفْهَامٌ. [ ص: 202 ] وَالْهَرَوِيُّ -رَحِمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى- كَانَ فِي عِلْمِ اَلْعَرَبِيَّةِ مُتَّسِعًا، وَعَلَى غَرَائِبِهَا مُطَّلِعًا، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ اَلْأَبْصَارُ} [ص: 62] إِنَّهَا بِهَذَا اَلْمَعْنَى، أَيْ: أَزَاغَتْ عَنْهُمُ اَلْأَبْصَارُ؟ وَأَجَازُوا أَنْ تَكُونَ هِيَ اَلْمُعَادِلَةَ لِهَمْزَةِ اَلِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: {أَتَخِذْنَاهُمْ سخريًا} [ص:63] عَلَى قِرَاءَةِ اَلْقَاطِعِ، وَأَجَازُوا أَنْ تَكُونَ مَرْدُودَةً عَلَى قَوْلِهِ: {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا} [ص:62] عَلَى قِرَاءَةِ اَلْوَاصِلِ. فَذَهَبَ اَلْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ (أَمْ) فِي كُلِّ هَذِهِ اَلْمَوَاضِعِ هِيَ اَلْمُنْقَطِعَةُ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي (أَمِ) اَلْمُنْقَطِعَةِ: إِنَّ فِيهَا مَعْنَى (بَلْ) وَالْهَمْزَةِ، تَقُولُ: بَلْ أَيَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. 12-اَلْقَوْلُ فِي "بَلْ" اِعْلَمْ أَنَّ (بَلْ) تَأْتِي فِي اَلْقُرْآنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ تَكُونُ فِيهِ حَرْفَ [ ص: 203 ] إِضْرَابٍ، وَضَرْبٌ تَكُونُ فِيهِ حَرْفَ عَطْفٍ، كَقَوْلِكَ قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو. وَيَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِهَا إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى اَلْإِضْرَابِ، وَمَعْنَى اَلْإِضْرَابِ: تَرْكُ اَلْكَلَامِ وَإِضْرَابٌ عَنْهُ، وَهِيَ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي اَلْقُرْآنِ بِهَذَا اَلْمَعْنَى، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يَظْلِمُونَ} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 62]، ثُمَّ أَخَذَ فِي كَلَامٍ آخَرَ فَقَالَ: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 63]، وَكَذَا {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} [اَلْمُؤْمِنُونَ: 89، 90]، وَكَذَا {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَنْ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 42]، {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلْ اَلَّذِينَ} [ص: 1-3] وَنَحْوُ ذَلِكَ، اَلْوَقْفُ عَلَيْهِ كَافٍ، لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ كَلَامٍ إِلَى كَلَامٍ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ بَيْنَهِمَا مِنْ جِهَةِ اَللَّفْظِ. 13-اَلْقَوْلُ فِي "حَتَّى" يَجُوزُ اَلِابْتِدَاءُ بِهَا إِذَا كَانَتْ هِيَ اَلَّتِي يُحْكَى بَعْدَهَا اَلْكَلَامُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا اَلسَّاعَة} [مَرْيَمَ: 75]، {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوج} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 96]، {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ [ ص: 204 ] أَبْوَابهَا} [اَلزُّمَرِ: 71] وَكَذَا اَلَّتِي بَعْدَهَا، وَ {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} فِي [فُصِّلَتْ: 20]، وَ {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [اَلزُّخْرُفِ: 38] وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ اَلدَّانِي ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [اَلْأَنْبِيَاءِ: 95] هُوَ وَقْفٌ تَامٌّ، وَقَالَ اَلْعَمَّانِيُّ: هُوَ كَافٍ، وَهُوَ اَلظَّاهِرُ. 14-فَصْلٌ: فِي اَلْمُشَدَّدَاتِ وَمَرَاتِبِهَا اِعْلَمْ أَنَّ اَلْمُشَدَّدَ فِي اَلْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وَكُلُّ حَرْفٍ مُشَدَّدٍ بِمَنْزِلَةِ حَرْفَيْنِ فِي اَلْوَزْنِ وَاللَّفْظِ، اَلْأَوَّلُ مِنْهُمَا سَاكِنٌ وَالثَّانِي مُتَحَرِّكٌ، فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يُبَيِّنَ اَلْمُشَدَّدَ حَيْثُ وَقَعَ، وَيُعْطِيَهُ حُقَّهُ لِيُمَيِّزَهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَاعِدَةٌ: ذَكَرَ صَاحِبُ "اَلتَّجْرِيدِ" فِيمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ وَثِيقٍ، أَنَّ اَلْمُشَدَّدَاتِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: اَلْأُولَى: مَا يُشَدِّدُ بِلَا خَطْرَفَةٍ، وَهُوَ مَا لَا غُنَّةَ فِيهِ. اَلثَّانِيَةُ: مَا يُشَدَّدُ بِتَرَاخٍ، قَالَ: وَهُوَ مَا يُشَدَّدُ وَبَقِيَتْ فِيهِ غُنَّةٌ مَعَ اَلْإِدْغَامِ، وَهُوَ إِدْغَامُ اَلْحَرْفِ اَلْأَوَّلِ بِكَمَالِهِ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ اَلْغُنَّةِ. [ ص: 205 ] اَلثَّالِثَةُ: مَا يُشَدَّدُ بِتَرَاخِي اَلتَّرَاخِي، وَهُوَ إِدْغَامُ اَلنُّونِ اَلسَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ فِي اَلْوَاوِ وَالْيَاءِ، اِنْتَهَى. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {إِنْ رُبِّيَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * فَإِنَّ تُوَلُّوا} [هُودٍ: 56، 57] فَأَبْلَغُ اَلتَّشْدِيدِ عَلَى اَلْيَاءِ ثُمَّ اَلْوَاوِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ فِي اَلرِّعَايَةِ: اَلْمُدْغَمَاتُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَضْرُبٍ: مُدْغَمٌ فِيهِ زِيَادَةٌ مَعَ اَلْإِدْغَامِ، وَذَلِكَ نَحْوُ اَلرَّاءِ اَلْمُشَدَّدَةِ، فِيهَا إِخْفَاءُ تَكْرِيرِهَا مَعَ اَلْإِدْغَامِ اَلَّذِي فِيهَا، قَالَ: فَهُوَ زِيَادَةٌ مِنَ اَلْإِدْغَامِ وَزِيَادَةٌ مِنَ اَلتَّشْدِيدِ. قَالَ: وَالثَّانِي: إِدْغَامٌ لَا زِيَادَةَ فِيهِ، وَهُوَ كُلُّ مَا أُدْغِمَ لَا إِخْفَاءَ مَعَهُ، وَلَا إِظْهَارَ غُنَّةٍ، وَلَا إِطْبَاقَ وَلَا اِسْتِعْلَاءَ مَعَهُ، نَحْوُ اَلْيَاءِ مِنْ {ذَرِّيَّة} [اَلْبَقَرَةِ: 266]، وَالْيَاءِ وَالْجِيمِ مِنْ {لُجِّيّ} [اَلنُّورِ: 40]. قَالَ: فَهَذَا تَشْدِيدٌ دُونَ اَلرَّاءِ اَلْمُشَدَّدَةِ لِأَجْلِ زِيَادَةِ اَلْإِخْفَاءِ لِلتَّكْرِيرِ فِي اَلرَّاءِ. قَالَ: وَالثَّالِثُ مُدْغَمٌ فِيهِ نَقْصٌ مِنَ اَلْإِدْغَامِ، وَذَلِكَ نَحْوُ مَا ظَهَرَتْ مَعَهُ اَلْغُنَّةُ وَالْإِطْبَاقُ وَالِاسْتِعْلَاءُ نَحْوُ: {مَنْ يُؤْمِنُ} [اَلتَّوْبَةِ: 99] وَ {أَحَطْت} [النَّمْلِ: 22] وَ {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} [الْمُرْسَلَاتِ: 20] قَالَ: فَهَذَا اَلتَّشْدِيدُ دُونَ تَشْدِيدِ [ ص: 206 ] اَلثَّانِي اَلَّذِي لَا نَقْصَ مَعَهُ فِي إِدْغَامِهِ وَلَا زِيَادَةَ، اِنْتَهَى. قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ مَكِّيٌّ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {إِنْ اَللَّهَ غَفُور رَحِيم} [اَلْبَقَرَةِ: 173] فَالتَّشْدِيدُ عَلَى اَلرَّاءِ أَبْلَغُ مِنَ اَللَّامِ، وَعَلَى اَللَّامِ أَبْلَغُ مِنَ اَلنُّونِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ فِي اَلْجَمْعِ بَيْنَ اَلْقَوْلَيْنِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا} [اَلْبَقَرَةِ: 235] فَأَقْوَى اَلتَّشْدِيدِ عَلَى اَلرَّاءِ ثُمَّ عَلَى اَللَّامِ ثُمَّ عَلَى اَلْمِيمِ ثُمَّ عَلَى اَلْوَاوِ. غَيْرَ أَنَّ اِخْتِيَارِي فِي هَذِهِ اَلْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا اَلتَّشْدِيدُ عَلَى كُلِّ حَرْفٍ شُدِّدَ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنَ اَلصِّفَاتِ اَلْقَوِيَّةِ وَالضَّعِيفَةِ. 15-مُقَدِّمَةٌ: اَلتَّشْدِيدُ يَنْقَسِمُ عَلَى أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا هُوَ مُشَدَّدٌ لَيْسَ أَصْلُهُ حَرْفَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي اَلْوَزْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْفٌ مُشَدَّدٌ لَيْسَ أَصْلُهُ فِي اَلْوَزْنِ، فَيُشَدَّدُ فِي اَللَّفْظِ كَمَا يُشَدَّدُ فِي اَلْوَزْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ زَيَّنَ [اَلْأَنْعَامِ: 137] وَ " بَيْنَ " [اَلْكَهْفِ: 15] وَ " عِلْم " [اَلرَّحْمَنِ: 20]. وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ هَذَا فِي عَيْنِ اَلْفِعْلِ. وَمِنْهَا مَا أَصْلُهُ حَرْفَانِ مُنْفَصِلَانِ فِي اَلْوَزْنِ، وَإِنَّمَا شُدِّدَ ذَلِكَ لِلْإِدْغَامِ، نَحْوُ " {عتيًا} " [مَرْيَمَ: 83] وَ " {وليًا} " [اَلنِّسَاءِ: 45]. وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ كَلِمَتَيْنِ نَحْوُ: {قُلْ رَبُّ} [اَلْكَهْفِ: 22]، " {قُلْ لَهُمْ} " [اَلنِّسَاءِ: 63]. فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ اَلْمُجَوِّدِ أَنْ يُشَدِّدَ اَلْحَرْفَ مِنْ غَيْرِ لَكَنٍ وَلَا اِبْتِهَارٍ وَلَا تَشَدُّقٍ وَلَا لَوْكٍ، خُصُوصًا اَلْوَاوَ وَالْيَاءَ، نَحْوُ {وليًا} [اَلنِّسَاءِ: 45] [ ص: 207 ] وَ {أَوَّاب} [ص: 17] فَكَثِيرٌ مَنْ يُشَدِّدُهَا بِتَرَاخٍ وَلَوْكٍ، وَلَا يَأْخُذُ اَلشُّيُوخُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. 16. فَصْلٌ: فَانٍ اِجْتَمَعَ حَرْفَانِ مُشَدَّدَانِ فِي كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: {اِطَّيَّرْنَا} [اَلنَّمْلِ: 47] وَ {اِزَّيَّنَتْ} [يُونُسَ: 24] وَ {يَصْعَدُ} [اَلْأَنْعَامِ: 125] ، وَ {ذَرِّيَّة} [اَلْبَقَرَةِ: 266] وَ {قُلْ لِلَّذِينِ} [آلِ عِمْرَانَ: 12]، وَ {أَنْصَار * رَبّنَا} [اَلْبَقَرَةِ: 192، 193] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي اَللَّفْظِ، وَيُعْطِيَ كُلَّ حَرْفٍ حَقَّهُ مِنَ اَلتَّشْدِيدِ اَلْبَالِغِ وَالْمُتَوَسِّطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. 17. فَصْلٌ: وَإِنِ اِجْتَمَعَ ثَلَاثٌ مُشَدَّدَاتٍ مُتَوَالِيَاتٌ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، كَقَوْلِهِ: {دُرِّيّ يُوقِدُ} [اَلنُّورِ: 35] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (يُوقَدُ) بِالْيَاءِ، وَكَقَوْلِهِ: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَك} [هُودٍ: 48] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي لَفْظِهِ، وَيُعْطِيَ كُلَّ حَرْفٍ حَقَّهُ مِنَ اَلتَّشْدِيدِ حَسْبَمَا فِيهِ. 18-فَصْلٌ: فِي اَلْوَقْفِ عَلَى اَلْمُشَدَّدِ: اِعْلَمْ أَنَّ اَلْوَقْفَ عَلَى اَلْحَرْفِ اَلْمُشَدَّدِ فِيهِ صُعُوبَةٌ عَلَى اَللِّسَانِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِظْهَارِ اَلتَّشْدِيدِ فِي اَلْوَقْفِ فِي اَللَّفْظِ، وَتَمْكِينِ ذَلِكَ حَتَّى يُسْمَعَ، نَحْوُ {مَنْ وَلِيَ} [اَلْبَقَرَةِ: 107] وَ {مِنْ طَرْفٍ خُفَّيْ} [اَلشُّورَى: 45] وَ {اَلنَّبِيّ} [آلِ عِمْرَانَ: 68] عِنْدَ غَيْرِ اَلْهَامِزِ، وَ {مُسْتَمِرّ} [اَلْقَمَرِ: 2] وَ {صَوَّاف} [اَلْحَجِّ: 36] تَقْصِدُ كَمَالَ اَلتَّشْدِيدِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، فَاعْلَمْ. [ ص: 208 ] 19. [اَلْوَقْفُ عَلَى أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ] : وَيَجُوزُ اَلْوَقْفُ عَلَى أَوَاخِرِ اَلْكَلِمِ بِالْإِسْكَانِ، وَهُوَ اَلْأَصْلُ فِي كُلِّ حَرْفٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ اَلْحَرْفِ اَلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ سَاكِنٌ صَحِيحٌ أَوْ عَلِيلٌ فَلَكَ اَلْجَمْعُ بَيْنَ اَلسَّاكِنَيْنِ إِلَّا مَا فِيهِ عَلِيلٌ وَهَتُوفٌ، وَلَكَ اَلْوَقْفُ بِالْإِشَارَةِ فِيمَا يُرَامُ أَوْ يُشَمُّ، كُلٌّ جَائِزٌ مَرْوِيٌّ. وَالرَّوْمُ: هُوَ اِخْتِلَاسُ اَلْحَرَكَةِ. وَالْإِشْمَامُ: ضَمُّ اَلشَّفَتَيْنِ بُعَيْدَ سُكُونِ اَلْحَرْفِ. وَالرَّوْمُ يَدْخُلُ فِي اَلْقِسْمَيْنِ مِنَ اَلْحَرَكَاتِ إِلَّا اَلْمَفْتُوحَ وَالْمَنْصُوبَ عِنْدَ اَلْقُرَّاءِ، وَالْإِشْمَامُ يَدْخُلُ فِي اَلْمَضْمُومِ وَالْمَرْفُوعِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. |
مواقع مكتبات اسلامية قيمة جدا
ب جاري/يا الله / جاري جاري / دار تحقيق التراث الإسلامي والعلمي / في وداع الله ياأماي///ب هانم// مدونة موطأ مالك / أعلام الإسلام / جامع الأصول لمجد الدين أبو السعادات ابن الجزري / أنس ويحي / صوتيات / ياربي:العتق من / النيران ومن الفتن / مدونة الخصوص / مدونة روابط // ب قيقي /مكتبة قيقي / /استكمال مدونة قيقي / اللهم انتقم من الطالمين الطغاة الباغين / مدونة قيقي / النخبة في شرعة الطلاق ااا //ب حنين//ذكر الله / اللهم ارحم والداي واغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما وكل الصالحين / مدونة حنين ملخص الطلاق للعدة}} / الحنين/ /المدونة العلمية z. / المصحف العظيم / الحديث النبوي ومصطلحه. / قال الله تعالي/// بوستك//المدونة الطبية / تبريزي / من هم الخاسرون؟ / مدونة بوصيري / علوم الطبيعة ///ب بادي/استكمال ثاني{حجة ابراهيم علي قومه} / النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجرافية للأحاديث النبوية وأهميتها / مدونة أذان / المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها / علاج الأمراض المزمنة والسر في جهاز المناعة / الحميات الخطرة وطرق الوقاية منها والعلاج / المدونة الشاملة / أمراض الأطفال الشهيرة / م الكبائر وكتب أخري / مصحف الشمرلي+تحفة الأشراف للمزي+البداية والنهايةلابن كثير / مدونة الطلاق للعدة / القواميس العربية ومنها لسان العرب وتاج العروس وغيرهما //ب-البيهقي كله / مدونة الاصابة / الطلاق للعدة ما هو؟ / علامات القيامة / منصة مستدرك الحاكم / تعاليات إيمانية / السيرة النبوية /ب مكة /مدونة فتاح / مكه / علوم الفلك / مدونة الغزالي//ب انت ديني /الدجال الكذاب / الشيخ الشعراوي[نوعي] / ديرالدجال اا. / كتب ابن حزم والشوكاني وورد /إستكمال المحلي لابن حزم والشوكاني وابن كثير الحفاظ / المخلوقات الغامضة /السير والمغازي {ابن إسحاق- ابن هشام-كل السيرة النبوية} /كتاب الإحكام في أصول الأحكام / إحياء علوم الدين للغزالي / موقع الحافظ ابن كثير / مجموع فتاوي ابن تيمية / ابن الجوزي /البحيرة الغامضة / الكامل في التاريخ /الفتن / تصنيفات الإمامين:ابن حزم والشوكاني//// مجلد 3.سنن أبي داود / الجامع الصحيح سنن الترمذي / صحيح ابن ماجة – الإمام محمد ناصر الدين الألباني / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق